المرجع فضل الله لمجلة الشّراع: امرأة أنقذت حياتي

المرجع فضل الله لمجلة الشّراع: امرأة أنقذت حياتي

دقيقتان فصلتا بين العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله والشهادة، في مجزرة بئر العبد. وكانت صاحبة الفضل الأكبر في ذلك، إضافة إلى العناية الإلهية، امرأة مؤمنة ولجوجة، أبت إلا أن تستوقف "السيد" في مسألة شرعية، على مدخل مسجد بئر العبد، الذي يؤدي فيه العلامة فضل الله صلاة الجماعة.

في هذا اللقاء، كان من الطَّبيعي أن نستهلّ الحديث مع السيد فضل الله بسؤال عن مجزرة بئر العبد، وخصوصاً أنَّ دماء الثمانين شهيداً لم تجف بعد. وكانت لنا أسئلة أخرى حول زيارة العلامة فضل الله الأخيرة لإيران، وموقفه من الوضع في الجنوب، وغير ذلك.. وهذا نصّ الحوار الذي قطعته زيارة المفتي خالد للعلامة فضل الله:

النجاة من المجزرة:

ـ الحمد لله على سلامتكم، ونودّ بداية توضيح ما حصل لقرّاء مجلة الشراع؟

ـ كنت في وقت الحادثة مشغولاً بإدارة ندوة ثقافية دينية للأخوات المؤمنات، بعد الانتهاء من صلاة الجماعة للنساء، وكنت مستعداً للذهاب إلى البيت في ذلك الوقت، بحيث كان التقدير أن أكون في مكان الحادث في وقت الحادث، ولكن امرأة مؤمنة صالحة أصرّت عل أن أستمع إلى مشكلتها... وكان الإصرار من قبلي أن أؤجل ذلك إلى وقت آخر، لأني كنت مرهقاً آنذاك، وتغلّب إصرارها، وبدأت في عرض مشكلتها، وقبل أن تنتهي، حدث الانفجار الذي كان نتيجة سيارة متوقّفة في الزاوية المقابلة لبيتي، بحيث كان التخطيط أن يواجهني الانفجار من أي مكان مررت فيه للوصول إلى للبيت، ولكن كانت إرادة الله، وكانت الفاجعة ـ الكارثة التي سقط فيها الكثير من المؤمنات اللاتي كُنّ في طريقهنّ من المسجد إلى بيوتهن، كما سقط فيها الكثير من الأبرياء، من النساء والأطفال والشيوخ.

والانطباع، أنَّ هذه المجزرة التي تعتبر أكبر من الكلام، كانت بحجم إسرائيل، التي حاولت أن تمد القبضة الحديدية ـ كما تقول ـ إلى الضاحية الجنوبية، التي تعتبرها مسؤولة عن الإمداد اليومي للمجاهدين المؤمنين.

ـ هذا يعني أنكم لا تتهمون غير إسرائيل؟

ـ الواقع، عندما نتّهم إسرائيل، فإننا نتهم معها القوى المتحالفة، من أجهزة المخابرات الأميركية، والمخابرات المحلية والحزبية اليمينية، لأنها تتحرك على خط واحد، وتتعاون في عملية التفخيخ والتفجير.

ـ هل توصَّلتم إلى معرفة الجاني؟

ـ ربما كان في أيدي الذين يتولون التحقيق بعض الخيوط التي ينتظر أن يستكمل البحث عنها بشكل تفصيلي، ونرجو أن نوفّق للوصول إلى نتيجة حاسمة في الموضوع.

ـ وهل ستعلنون عنها؟

ـ لا بد من الإعلان عن المجرم إذا توصّلت المعطيات الشرعية إلى معرفته.

أميركا والإرهاب

ـ لقد تحدَّثتم عن مبلغ مالي خصَّصته أجهزة المخابرات الأميركية للقيام بعمليات إرهابية في المنطقة، ما هو الدليل المتوافر لديكم على ذلك؟

ـ الواقع أنَّنا ننطلق من الإعلان عن تخصيص 300 مليون دولار من قبل مسؤولين أميركيين للمخابرات الأميركية في لبنان، لأنهم يعتبرون أجهزتها ضعيفة.

وإذا كانت أميركا تتحدَّث عن محاربة الإرهاب، فإنها تقصد هذه الأجواء الإسلامية التي تنطلق في معارضتها للسياسة الأميركية الاستعمارية من موقع فكري ثابت، فإن معنى ذلك أنها تستهدف هذا التيار بمختلف الوسائل التي تتقنها أجهزة المخابرات الأميركية، فإذا أضفنا إلى ذلك ما تحدث عنه ريغان من عمل على اختراق ما يسميه بمجتمعات الإرهاب، فإننا نفهم من ذلك طبيعة الأحداث المماثلة لمثل هذا الحدث ـ المجزرة.

ـ هل تتوقّعون مزيداً من العمليات من هذا النوع أو غيره؟

ـ ما دامت الساحة ساحة معركة بين ما هي الحرية وما هو الاستعمار، وبين ما هي الصهيونية وما هو الشعب، وبين ما هي الهيمنة وما هي العدالة، فمن الطبيعي أن ننتظر مثل هذه الأساليب في أكثر من موقع، لأن هذه القوى مضادة لمستقبل الشعب، ومعادية للإسلام والمسلمين ولكل المستضعفين، حتى من غير المسلمين، لأنها لا تملك إلا هذه الأدوات في الساحة، فيما تتحرك به أدوات الحرب.

ـ هل كنتم تقصدون جهة معيّنة بعبارتكم "لقد وصلت الرسالة وفهمناها"؟

ـ كنا نقصد كلّ هذه الجهات الضّالعة في هذا المخطّط التفجيري ضد الناس.

ـ هل كانت العملية الاستشهادية في سهل الخيام رد فعل على حادثة بئر العبد؟

ـ الواقع أنّ المقاومة الإسلامية لا تتحرك بذهنية رد الفعل، بل تتحرك ضمن خطة تحاول من خلالها أن تخرج إسرائيل من لبنان أولاً، ومن المنطقة على المدى البعيد، ولهذا، فإنني لا أعتبر هذه العملية الاستشهادية رد فعل، بل أعتبرها جزءاً من خطة تتضمن في طبيعتها الرد على كل واقع الاحتلال الإسرائيلي وإفرازاته وجرائمه...

إنَّنا لا نؤمن بذهنيَّة رد الفعل، بل نؤمن بذهنية التخطيط الذي يحاصر العدو، فيجعله يتحرك برد الفعل، كما حدث لإسرائيل، التي نلاحظ أنها أصيبت في الآونة الأخيرة بحالة هستيرية سياسية وأمنية، فيما تتمثّله في تصريحات زعمائها، وفي الممارسات العشوائية التي استطاعت أن تكشف الوجه البشع للشخصيَّة اليهوديَّة، التي تذكّر العالم بالشخصيّة النازية، والَّتي مهما حاولت إسرائيل أن تضغط على الإعلام العالمي لإخفائها، فإنها لا بدَّ من أن تبرز من خلال كثير من الاختراقات الإعلاميّة في العالم.

كما أنَّ إسرائيل استطاعت بفعل غبائها السياسي، وعنصريَّتها الوحشية، أن تعطي الفكرة لكل الذين كانوا يتعاطفون مع فكرة العيش معها على مستوى الجوار، أنها لا يمكن أن تكون جاراً مؤتمناً على جاره، باعتبار أنها تمثل الذئب الشّرس الّذي لا يفكّر إلا بافتراس الحمل الوديع.

لقد خدمتنا إسرائيل بكل ما قامت به، وإن كلَّفنا ذلك كثيراً من المآسي والآلام والخسائر، لأن معركتنا مع إسرائيل لا تتحرك بحجم الحاضر، ولكنها تتحرك بحجم المستقبل، وقد تركت لنا تاريخاً من الوحشيّة والهمجيَّة، نستطيع أن نعلّم به أجيالنا المقبلة ما معنى إسرائيل، وأن تذكّر الأم أطفالها كيف قتلت إسرائيل كثيراً من الأطفال من دون ذنب.

شكراً لإسرائيل لأول مرة، لأنها وفّرت علينا كثيراً من الجهد في أن نواجه كل دعاياتها عن حضارة اليهود، بما قامت به من كل أعمال الوحشية والهمجية.

تعاطف فكري مع بن بلة

ـ كان أوّل المتّصلين لتهنئتكم بالسلامة، السيد أحمد بن بلة، ما هي طبيعة العلاقة بينكما؟

ـ هناك نوع من أنواع التعاطف الفكري والروحي، من خلال ما نلاحظه من إصرار على الطَّرح الإسلامي المنفتح المتحرك في فكره، ومن خلال مواقفه من كل قضايا الحرية في العالم.

ـ هل كانت هناك اتصالات مسبقة؟

ـ لم يحدث هناك اتصال مباشر بكل أسف.

الفهم الإيراني لموقفنا

ـ كيف كانت زيارتكم للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخصوصاً أنه رافقها حديث عن خلاف في وجهات النظر مع بعض المسؤولين؟

ـ الواقع أنه ليست هناك خلافات بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. نعم، كانت هناك وجهة نظر لدى البعض ممن نحترمهم من علمائنا الكبار في إيران، تنطلق من فكرة أننا تخلّينا عن شعار الحكم الإسلامي في لبنان بشكلٍ أساسي، لكننا أوضحنا لهم أننا من موقع فكرنا الإسلامي الذي نحمله ونجاهد من أجله من أكثر من 35 سنة، نعتبر أن من واجبنا العمل على تحويل هذا الفكر إلى واقع بحكم الحياة، ولكننا نعمل على الوصول إلى هذه النتيجة من ضمن الشروط الموضوعية الواقعية، التي يجب أن نهيّئ بعضها بجهدها، وننتظر بعضها الآخر من خلال حركة الواقع.

وإننا نرى أنّ هذه الشروط الموضوعية، ليست متوافرة في الواقع اللبناني في هذه المرحلة، وفي المراحل التي تليها على الأقل، بالرغم من تنامي الروح الإسلامية التي حوَّلت الإسلام إلى تيار ضاغط في الواقع السياسي.

إننا عندما نحمل الشعار، فإننا نظل نضعه في الواجهة من اهتماماتنا، ولكننا لن نقذف به في المطلق، بل نعمل على تحريكه في صعيد الواقع، على أساس سنن الله في الكون، وعلى أساس الإمكانات المتوافرة، وعلى أساس الوسائل الإسلامية الحضارية، التي تدعونا إلى أن نتحلى بالحكمة في مسيرتنا، فنضع كل شيء في موضعه، لتكون الحركة المناسبة في الموقع المناسب، وقد كان هؤلاء متفهمين بشكل دقيق وجيّد لمثل هذا الطرح.

ـ مَن مِنَ المسؤولين في إيران أكثر تفهّماً للوضع في لبنان؟

ـ من الطَّبيعي جداً، أن تفصيليَّة الفهم للواقع، تختلف في أي بلد حسب الموقع الّذي يمثله المسؤول، ما قد يكون قريباً من الواقع أو بعيداً عنه، وهذا أمر طبيعي في إيران وفي أي بلد آخر.

ـ هل يمكن أن يؤدي الخلاف في هذه النقطة مع بعض المسؤولين في إيران، وبعض التيارات الإسلامية في لبنان، إلى قطيعة معيَّنة؟

ـ لا أعتقد أنها تحدث أي خلل في موقعنا من حركة الساحة الإسلامية التي ننطلق بها من مواقعنا الفكرية، التي قد نجد أنَّ من حقنا أن يكون لنا وجهة نظر نابعة من معاناتنا وتجربتنا وتأملنا... كما من حق الآخرين أن يكون لهم وجهة النظر الأخرى.

لكننا في جميع الأحوال، نشعر بأن الثورة الإسلامية في إيران بما تملك من تجربة غنية ناجحة، وبما تملك من حركة قوية شجاعة، وبما تحمله من تطلعات مستقبلية واسعة، تمثل القاعدة العلية لكل الحركات الإسلامية المخلصة في العالم. ولهذا، فإننا نشعر بأن علينا أن ندعمها بكل ما نملك من طاقة، من أجل أن تكون القوة التي نستطيع أن تهزم بامتداداتها كل قوى الشر في العالم.

ـ لماذا لم تزوروا صيدا حتى الآن؟

ـ إنني أعيش مع صيدا بكلّ انطلاقات الحرية في أجوائها وفي شبابها، كما كنت أعيش كل روح الجهاد التي تمثلت في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولكن الظروف الدقيقة، أخّرت زيارتي لها، وأرجو أن يوفقني الله في ذلك، وفي وقت قريب، لأعبر لكل الأخوة هناك عن اعتزازنا الكبير بالتجربة الغنية بالدروس والمواقف التي هزمت الفتنة، التي كان العدو يريد أن يضعها على أنقاض انسحابه.

وبذلك، نعتقد أنَّ صيدا انتصرت مرتين؛ مرة في إجبارها العدو على الانسحاب، ومرة أخرى في إجبارها الفتنة التي أعدها العدو وعملاؤه على الانكفاء.

ونرجو أن تظلّ صيدا أمينة على قضية التحرير، فلا تسترخي أمام واقع الحرية الذي تعيشه، بل أن تظل قاعدة للانطلاق من أجل تحرير كل شبر من جنوبنا العزيز ومن الأراضي المحتلة الأخرى.

مقابلة: مجلة الشراع، العدد:157، تاريخ:18-3-1985، أجرت الحوار منى سكرية 


دقيقتان فصلتا بين العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله والشهادة، في مجزرة بئر العبد. وكانت صاحبة الفضل الأكبر في ذلك، إضافة إلى العناية الإلهية، امرأة مؤمنة ولجوجة، أبت إلا أن تستوقف "السيد" في مسألة شرعية، على مدخل مسجد بئر العبد، الذي يؤدي فيه العلامة فضل الله صلاة الجماعة.

في هذا اللقاء، كان من الطَّبيعي أن نستهلّ الحديث مع السيد فضل الله بسؤال عن مجزرة بئر العبد، وخصوصاً أنَّ دماء الثمانين شهيداً لم تجف بعد. وكانت لنا أسئلة أخرى حول زيارة العلامة فضل الله الأخيرة لإيران، وموقفه من الوضع في الجنوب، وغير ذلك.. وهذا نصّ الحوار الذي قطعته زيارة المفتي خالد للعلامة فضل الله:

النجاة من المجزرة:

ـ الحمد لله على سلامتكم، ونودّ بداية توضيح ما حصل لقرّاء مجلة الشراع؟

ـ كنت في وقت الحادثة مشغولاً بإدارة ندوة ثقافية دينية للأخوات المؤمنات، بعد الانتهاء من صلاة الجماعة للنساء، وكنت مستعداً للذهاب إلى البيت في ذلك الوقت، بحيث كان التقدير أن أكون في مكان الحادث في وقت الحادث، ولكن امرأة مؤمنة صالحة أصرّت عل أن أستمع إلى مشكلتها... وكان الإصرار من قبلي أن أؤجل ذلك إلى وقت آخر، لأني كنت مرهقاً آنذاك، وتغلّب إصرارها، وبدأت في عرض مشكلتها، وقبل أن تنتهي، حدث الانفجار الذي كان نتيجة سيارة متوقّفة في الزاوية المقابلة لبيتي، بحيث كان التخطيط أن يواجهني الانفجار من أي مكان مررت فيه للوصول إلى للبيت، ولكن كانت إرادة الله، وكانت الفاجعة ـ الكارثة التي سقط فيها الكثير من المؤمنات اللاتي كُنّ في طريقهنّ من المسجد إلى بيوتهن، كما سقط فيها الكثير من الأبرياء، من النساء والأطفال والشيوخ.

والانطباع، أنَّ هذه المجزرة التي تعتبر أكبر من الكلام، كانت بحجم إسرائيل، التي حاولت أن تمد القبضة الحديدية ـ كما تقول ـ إلى الضاحية الجنوبية، التي تعتبرها مسؤولة عن الإمداد اليومي للمجاهدين المؤمنين.

ـ هذا يعني أنكم لا تتهمون غير إسرائيل؟

ـ الواقع، عندما نتّهم إسرائيل، فإننا نتهم معها القوى المتحالفة، من أجهزة المخابرات الأميركية، والمخابرات المحلية والحزبية اليمينية، لأنها تتحرك على خط واحد، وتتعاون في عملية التفخيخ والتفجير.

ـ هل توصَّلتم إلى معرفة الجاني؟

ـ ربما كان في أيدي الذين يتولون التحقيق بعض الخيوط التي ينتظر أن يستكمل البحث عنها بشكل تفصيلي، ونرجو أن نوفّق للوصول إلى نتيجة حاسمة في الموضوع.

ـ وهل ستعلنون عنها؟

ـ لا بد من الإعلان عن المجرم إذا توصّلت المعطيات الشرعية إلى معرفته.

أميركا والإرهاب

ـ لقد تحدَّثتم عن مبلغ مالي خصَّصته أجهزة المخابرات الأميركية للقيام بعمليات إرهابية في المنطقة، ما هو الدليل المتوافر لديكم على ذلك؟

ـ الواقع أنَّنا ننطلق من الإعلان عن تخصيص 300 مليون دولار من قبل مسؤولين أميركيين للمخابرات الأميركية في لبنان، لأنهم يعتبرون أجهزتها ضعيفة.

وإذا كانت أميركا تتحدَّث عن محاربة الإرهاب، فإنها تقصد هذه الأجواء الإسلامية التي تنطلق في معارضتها للسياسة الأميركية الاستعمارية من موقع فكري ثابت، فإن معنى ذلك أنها تستهدف هذا التيار بمختلف الوسائل التي تتقنها أجهزة المخابرات الأميركية، فإذا أضفنا إلى ذلك ما تحدث عنه ريغان من عمل على اختراق ما يسميه بمجتمعات الإرهاب، فإننا نفهم من ذلك طبيعة الأحداث المماثلة لمثل هذا الحدث ـ المجزرة.

ـ هل تتوقّعون مزيداً من العمليات من هذا النوع أو غيره؟

ـ ما دامت الساحة ساحة معركة بين ما هي الحرية وما هو الاستعمار، وبين ما هي الصهيونية وما هو الشعب، وبين ما هي الهيمنة وما هي العدالة، فمن الطبيعي أن ننتظر مثل هذه الأساليب في أكثر من موقع، لأن هذه القوى مضادة لمستقبل الشعب، ومعادية للإسلام والمسلمين ولكل المستضعفين، حتى من غير المسلمين، لأنها لا تملك إلا هذه الأدوات في الساحة، فيما تتحرك به أدوات الحرب.

ـ هل كنتم تقصدون جهة معيّنة بعبارتكم "لقد وصلت الرسالة وفهمناها"؟

ـ كنا نقصد كلّ هذه الجهات الضّالعة في هذا المخطّط التفجيري ضد الناس.

ـ هل كانت العملية الاستشهادية في سهل الخيام رد فعل على حادثة بئر العبد؟

ـ الواقع أنّ المقاومة الإسلامية لا تتحرك بذهنية رد الفعل، بل تتحرك ضمن خطة تحاول من خلالها أن تخرج إسرائيل من لبنان أولاً، ومن المنطقة على المدى البعيد، ولهذا، فإنني لا أعتبر هذه العملية الاستشهادية رد فعل، بل أعتبرها جزءاً من خطة تتضمن في طبيعتها الرد على كل واقع الاحتلال الإسرائيلي وإفرازاته وجرائمه...

إنَّنا لا نؤمن بذهنيَّة رد الفعل، بل نؤمن بذهنية التخطيط الذي يحاصر العدو، فيجعله يتحرك برد الفعل، كما حدث لإسرائيل، التي نلاحظ أنها أصيبت في الآونة الأخيرة بحالة هستيرية سياسية وأمنية، فيما تتمثّله في تصريحات زعمائها، وفي الممارسات العشوائية التي استطاعت أن تكشف الوجه البشع للشخصيَّة اليهوديَّة، التي تذكّر العالم بالشخصيّة النازية، والَّتي مهما حاولت إسرائيل أن تضغط على الإعلام العالمي لإخفائها، فإنها لا بدَّ من أن تبرز من خلال كثير من الاختراقات الإعلاميّة في العالم.

كما أنَّ إسرائيل استطاعت بفعل غبائها السياسي، وعنصريَّتها الوحشية، أن تعطي الفكرة لكل الذين كانوا يتعاطفون مع فكرة العيش معها على مستوى الجوار، أنها لا يمكن أن تكون جاراً مؤتمناً على جاره، باعتبار أنها تمثل الذئب الشّرس الّذي لا يفكّر إلا بافتراس الحمل الوديع.

لقد خدمتنا إسرائيل بكل ما قامت به، وإن كلَّفنا ذلك كثيراً من المآسي والآلام والخسائر، لأن معركتنا مع إسرائيل لا تتحرك بحجم الحاضر، ولكنها تتحرك بحجم المستقبل، وقد تركت لنا تاريخاً من الوحشيّة والهمجيَّة، نستطيع أن نعلّم به أجيالنا المقبلة ما معنى إسرائيل، وأن تذكّر الأم أطفالها كيف قتلت إسرائيل كثيراً من الأطفال من دون ذنب.

شكراً لإسرائيل لأول مرة، لأنها وفّرت علينا كثيراً من الجهد في أن نواجه كل دعاياتها عن حضارة اليهود، بما قامت به من كل أعمال الوحشية والهمجية.

تعاطف فكري مع بن بلة

ـ كان أوّل المتّصلين لتهنئتكم بالسلامة، السيد أحمد بن بلة، ما هي طبيعة العلاقة بينكما؟

ـ هناك نوع من أنواع التعاطف الفكري والروحي، من خلال ما نلاحظه من إصرار على الطَّرح الإسلامي المنفتح المتحرك في فكره، ومن خلال مواقفه من كل قضايا الحرية في العالم.

ـ هل كانت هناك اتصالات مسبقة؟

ـ لم يحدث هناك اتصال مباشر بكل أسف.

الفهم الإيراني لموقفنا

ـ كيف كانت زيارتكم للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخصوصاً أنه رافقها حديث عن خلاف في وجهات النظر مع بعض المسؤولين؟

ـ الواقع أنه ليست هناك خلافات بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. نعم، كانت هناك وجهة نظر لدى البعض ممن نحترمهم من علمائنا الكبار في إيران، تنطلق من فكرة أننا تخلّينا عن شعار الحكم الإسلامي في لبنان بشكلٍ أساسي، لكننا أوضحنا لهم أننا من موقع فكرنا الإسلامي الذي نحمله ونجاهد من أجله من أكثر من 35 سنة، نعتبر أن من واجبنا العمل على تحويل هذا الفكر إلى واقع بحكم الحياة، ولكننا نعمل على الوصول إلى هذه النتيجة من ضمن الشروط الموضوعية الواقعية، التي يجب أن نهيّئ بعضها بجهدها، وننتظر بعضها الآخر من خلال حركة الواقع.

وإننا نرى أنّ هذه الشروط الموضوعية، ليست متوافرة في الواقع اللبناني في هذه المرحلة، وفي المراحل التي تليها على الأقل، بالرغم من تنامي الروح الإسلامية التي حوَّلت الإسلام إلى تيار ضاغط في الواقع السياسي.

إننا عندما نحمل الشعار، فإننا نظل نضعه في الواجهة من اهتماماتنا، ولكننا لن نقذف به في المطلق، بل نعمل على تحريكه في صعيد الواقع، على أساس سنن الله في الكون، وعلى أساس الإمكانات المتوافرة، وعلى أساس الوسائل الإسلامية الحضارية، التي تدعونا إلى أن نتحلى بالحكمة في مسيرتنا، فنضع كل شيء في موضعه، لتكون الحركة المناسبة في الموقع المناسب، وقد كان هؤلاء متفهمين بشكل دقيق وجيّد لمثل هذا الطرح.

ـ مَن مِنَ المسؤولين في إيران أكثر تفهّماً للوضع في لبنان؟

ـ من الطَّبيعي جداً، أن تفصيليَّة الفهم للواقع، تختلف في أي بلد حسب الموقع الّذي يمثله المسؤول، ما قد يكون قريباً من الواقع أو بعيداً عنه، وهذا أمر طبيعي في إيران وفي أي بلد آخر.

ـ هل يمكن أن يؤدي الخلاف في هذه النقطة مع بعض المسؤولين في إيران، وبعض التيارات الإسلامية في لبنان، إلى قطيعة معيَّنة؟

ـ لا أعتقد أنها تحدث أي خلل في موقعنا من حركة الساحة الإسلامية التي ننطلق بها من مواقعنا الفكرية، التي قد نجد أنَّ من حقنا أن يكون لنا وجهة نظر نابعة من معاناتنا وتجربتنا وتأملنا... كما من حق الآخرين أن يكون لهم وجهة النظر الأخرى.

لكننا في جميع الأحوال، نشعر بأن الثورة الإسلامية في إيران بما تملك من تجربة غنية ناجحة، وبما تملك من حركة قوية شجاعة، وبما تحمله من تطلعات مستقبلية واسعة، تمثل القاعدة العلية لكل الحركات الإسلامية المخلصة في العالم. ولهذا، فإننا نشعر بأن علينا أن ندعمها بكل ما نملك من طاقة، من أجل أن تكون القوة التي نستطيع أن تهزم بامتداداتها كل قوى الشر في العالم.

ـ لماذا لم تزوروا صيدا حتى الآن؟

ـ إنني أعيش مع صيدا بكلّ انطلاقات الحرية في أجوائها وفي شبابها، كما كنت أعيش كل روح الجهاد التي تمثلت في مواجهة العدو الإسرائيلي، ولكن الظروف الدقيقة، أخّرت زيارتي لها، وأرجو أن يوفقني الله في ذلك، وفي وقت قريب، لأعبر لكل الأخوة هناك عن اعتزازنا الكبير بالتجربة الغنية بالدروس والمواقف التي هزمت الفتنة، التي كان العدو يريد أن يضعها على أنقاض انسحابه.

وبذلك، نعتقد أنَّ صيدا انتصرت مرتين؛ مرة في إجبارها العدو على الانسحاب، ومرة أخرى في إجبارها الفتنة التي أعدها العدو وعملاؤه على الانكفاء.

ونرجو أن تظلّ صيدا أمينة على قضية التحرير، فلا تسترخي أمام واقع الحرية الذي تعيشه، بل أن تظل قاعدة للانطلاق من أجل تحرير كل شبر من جنوبنا العزيز ومن الأراضي المحتلة الأخرى.

مقابلة: مجلة الشراع، العدد:157، تاريخ:18-3-1985، أجرت الحوار منى سكرية 

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير