قضايا الأمّة والقضية الفلسطينية

قضايا الأمّة والقضية الفلسطينية

ميرا السنة الثانية، العدد(21) 2001

أجرت صحيفة «ميرا» حواراً مع سماحة آية اللّه العظمى السيّد محمَّد حسين فضل اللّه (حفظه المولى) تناول قضايا ساخنة تتعرّض لها الأمّة لا سيّما قضية فلسطين وما يستجد معها من قضايا في المنطقة، وقد جاء في الحوار:

لعلّ أبرز ما يستوقفك عندما تكون في حضرة العلامة السيّد محمَّد حسين فضل اللّه إلى جانب حكمته واطلاعه الواسع في الشؤون الدينيّة والدنيويّة، هو استعداده المطلق للإجابة على كلّ الأسئلة والتساؤلات التي تطرح عليه مهما كانت دقيقة أو محرجة للبعض..

فهو يغدق على السائل شرحاً مفصلاً عميقاً وإجابات غنية وواضحة المعالـم. ويبهر المستمع بثقافته الشاملة، وهو الذي يقصده المسلمون من كلّ حدبٍ وصوب للوقوف عند رأيه من مختلف القضايا والشؤون...

ميرا التقت السيِّد فضل اللّه وكان لها معه الحديث الآتي:

س: في البداية كيف ترون وضع الأمّة الإسلاميّة الآن في ظلّ التطوّرات الدوليّة.. وهل ترون في الأفق إمكانية نهضة إسلامية؟

ج: عندما ندرس الأمّة الإسلامية في واجهة الأنظمة فإنَّه من الصعب أن نفكّر بنهضة إسلامية بالمعنى الذي يكون للإسلام معنى في عمق حركة التطوّر النهضوي للأمّة، لسببٍ بسيط جداً وهو أنَّ أغلب الأنظمة التي تسيطر على الواقع الإسلامي لا تملك الأصالة العميقة في تطوّرها لشعوبها، بل أنَّ الغالبية منها تخضع لمحاور دوليّة كبرى وفي مقدمتها المحور الأمريكي الذي يسيطر على غالبية الدول الإسلامية ليفرض عليها اقتصاده وسياسته وأمنه. ومن الطبيعي أن يدخل ذلك في نطاق هذه المسألة الثقافيّة ومفردات المسائل الاجتماعيّة التي تتمثّل في أكثر من صرعة أمريكية، الأمر الذي يدفع هذه الأنظمة بفعل هذا الارتباط شبه العضوي بالدول الكبرى أن تعمل على جعل صورة الواقع مشوهة للصورة الأمريكية التي لا تخلو من عناصر أصيلة على مستوى التجربة العمليّة وما إلى ذلك من قضايا حقوق الإنسان، كما أنَّ الأمريكيين في سيطرتهم على هذا الموقع أو ذاك، لا يحاولون أن يعمّقوا من تجربتهم بالمعنى الإنساني في الشعوب الأخرى، بل يحاولون إعطاءها الصورة السطحية التي قد توحي بالصورة الأمريكية ولكنَّها في الحقيقة لا تتعلّق بها.

ولهذا فإنَّ هذه الأنظمة تعمل على أن تشويه الصورة الحقيقية للأمّة وعندما نفكّر بعيداً عن الشعارات بأنَّ القائمين على هذه الأنظمة يمثّل الكثير منهم دور الموظفين للمخابرات المركزية الأمريكية أو دور المستغرقين في مواقعهم ومناصبهم التي يعرفون بأنَّها خاضعة لهذه السياسة أو تلك.

أمّا إذا أردنا أن ننفذ إلى واقع الأمّة الإسلاميّة على مستوى الشعوب فإنَّنا قد نجد بعض الإضاءات في أكثر من موقع من المواقع الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، ولكنَّها تمثّل فسيفساء غير متناسقة في كلّ هذا الساحات، لأنَّها لـم تنطلق من خلال خطّة واحدة أو من خلال تكامل بين الطاقات، بل يمثّل معظمها حالات فردية هنا وهناك أو تجمعات صغيرة هنا وهناك، ولكن لا يمثّل ظاهرة كبيرة متداخلة ومتكاملة في خصوصيتها وعناصرها لا سيما وأنَّ العالـم الإسلامي لا يزال يعيش تخلّفاً طائفياً ومذهبياً حيثُ تتحرّك من خلاله عناصر التخلّف التي تتوارثها الأجيال، لأنَّنا أدمنا في عالمنا الإسلامي الكثير من عناصر التخلّف المنطلقة من البيئة والعادات وأشياء أخرى، أدمنا أن نقدس الخرافات، وأن نقدس التعصب والخطأ في أكثر من جانب.

ولهذا فإنَّ هذه الانقسامات المذهبية فرضت نفسها على التطوّر العام على المستوى الشعبي، بحيث بتنا نخاف من أيّة حساسيّة لاسم تاريخيّ هنا أو هناك أو قضية تاريخيّة تتصل بمسألة خلافة أو إمامة، لندخل المجتمع في حالة طوارئ أمنية أو طوارئ مذهبية، حيث يتحرّك التفكير بين موقع وآخر، وتشغل الساحة بهذه المفردات الجزئية بطريقة غوغائية، حتّى أنَّ الوسائل العلمية الممكن أن تحل هذه المشكلة المرتبطة ببعد تاريخي ثقافي لا تستعمل إلى جانب الانقسام في الجوانب التي تمثّل التنوّع العرقي والقومي والإقليمية التي فرضت نفسها حتّى أصبحت جزءاً من الذات، بحيثُ أنَّنا خضعنا في تصوّرنا في شخصيتنا السياسية لهذا التقسيم الذي انطلق من خلال مصالح الآخرين كما في سايكس ـ بيكو وغيرها حتّى أصبحت شخصياتنا الإقليمية هنا وهناك تتغلّب على الشخصية القومية أو الإسلامية.

إنَّنا في الوقت الذي لا نريد أن نعطي صورة تشاؤمية عن العالـم الإسلامي لكنَّنا نعتقد أنَّه يعيش تجربة صعبة على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي وربَّما الاجتماعي، ولكن من الممكن جداً الاستفادة من بعض الإضاءات الموجودة في داخله، لأجل أن نطرد الظلام، لأنَّ الأمّة لا تموت، ولكن قد تضعف، ولذلك لا بُدَّ أن نبحث عمّا يمكن أن يحول نقاط ضعفنا إلى نقاط قوّة.

س: يرى البعض أنَّ إسرائيل تشهد هزائم متلاحقة، وأنَّها تعيش أزمة كبيرة بفضل عوامل ذاتية تشير إلى إنهاء أحلامها في التوسع والاستيطان.. أو حتّى في زوالها.. وعوامل خارجية بفعل ضربات المقاومة والانتفاضة.. هل توافقون على هذا التصوّر ولماذا؟

ج: إنَّ إسرائيل تعيش أزمة صعبة لا سيما في هذه المرحلة، هذا أمرٌ تعترف له المصادر الإسرائيلية السياسية والإعلامية والثقافية، ولكن علينا أن ندرس خصوصية مثل هذه المجتمعات، وهي أنَّ نقاط الضعف في المجتمع الإسرائيلي لا يسقطه، بل يعمل المجتمع على مواجهتها ويتحدّث عنها في الهواء الطلق ولا يحاول إخفاءها ليفسح المجال لكلّ التجارب السياسية والثقافية في واقع الشعب كلّه لتشارك في حلّ هذه المشكلة، إنَّ الإسرائيليين يختزنون في داخلهم ذهنية الشخصية الغربية التي تركت تأثيراً كبيراً عليهم، لأنَّ الغالبية المسيطرة على المجتمع اليهودي هي من القيادات الغربية أو التي استغربت، لذلك فإنَّ استهلالنا للحديث عن الأزمات التي تعيش داخل هذا المجتمع لنعطي تصوّراً بأنَّ هذا المجتمع يسير في خطّ الانهيار لنرضي غرورنا لما نقدّمه من فرصٍ لإيجاد هزيمة هنا أو هناك ليس واقعياً، بينما نجد أنَّنا في واقعنا العربي والإسلامي نخاف من نقاط الضعف ولا نحاول أن ندرسها أو نعترف بها، بل نعتبر أنَّ الاعتراف بنقاط الضعف لدى القيادة أو القاعدة يمثّل نوعاً من أنواع السقوط السياسي أو الاجتماعي، ولهذا نجد أنَّ نقاط الضعف تتجمع في الكيان لنكتشف بعد ذلك أنَّها تهيئ الكيان للسقوط ولعلّنا عشنا هذه التجربة من خلال عقلية العنفوان الفارغ الذي ورثناه من دواوين الحماسة في الشعر العربي وفي الشخصية العربية التي تحاول أن تضخم الانتصارات والإيجابيات.

ربَّما عشنا هذه المسألة من خلال علاقتنا بالاتحاد السوفيتي الذي كان يعيش مثل هذه التجربة حتّى انكشف هذا الغرور السياسي والاقتصادي من خلال الزلزال الذي حلّ في أرمينيا حيثُ انكشف الاتحاد السوفيتي كدولة لا تستطيع أن تعالج مشكلة الزلزال وبدأ الصراخ في العالـم كلّه لمساعدته، وهكذا بدأت تنكشف كلّ نقاط الضعف التي ساهمت في سقوط الاتحاد السوفيتي بالضربة القاضية التي عملت عليها أمريكا والغرب بشكل عام.

إنَّني أؤكد على هذه النقاط لا لأهوّن من السلبيات الموجودة في المجتمع الإسرائيلي والإيجابيات الموجودة عندنا، ولكنَّني أعتقد أنَّنا عندما ندرس السلبيات داخل إيجابياتنا وندرس سلبياتنا داخل الإيجابيات الإسرائيلية، فإنَّه بإمكاننا عند ذلك أن نتحرّك بطريقة واقعية في مواجهة المسائل الميدانية بيننا وبين إسرائيل، باعتبار أنَّ حالة العنفوان الانفعالي الذي يحكم شخصياتنا قد تجعلنا لا نُبصر الأرض التي نقف عليها والظروف الموضوعية الموجودة في العالـم، قد نحترم العدو في موقع معيّن ولكنَّ العدو قد يحترمنا في مواقع سياسيّة دوليّة أو إقليميّة أو في بعض أنواع اللعبة المخابراتية.

مشكلتنا أنَّنا نستغرق في العامل الواحد ونحاول أن نتحرّك لنعرف هذا الموقع، أمّا كيف ندرس الواقع السياسي، كيف ندرس أساليبنا الإعلامية في تقديـم سياساتنا وانتصاراتنا وهزائمنا فهذا ما لا نفكّر فيه.

إنَّنا نعتبر أنَّ معركتنا مع العدو هي معركة يتداخل فيها الجانب العسكريّ والسياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والعلميّ والإعلاميّ.. ولذلك فإنَّنا عندما ندرس عناصر القوّة هنا وهناك لا بُدَّ أن نلحق الأمور بشكل متكامل لا بشكل منفصل عن بعضه البعض، إنَّنا نعتقد أنَّ العدو يواجه أزمة ولكنَّنا نواجه أكثر من أزمة إلى جانب الأزمة التي يواجهها العدو، وهذا لا يُسقطنا أمام أزماتنا ولكن هذا يجعلنا نخطّط أكثر وندرس أكثر. كنتُ أتحدّث منذ زمنٍ بعيد عن معادلة لو قُدّر أن نأخذ بها وهي أنَّ لدى القوي نقاط ضعف ولدى الضعيف نقاط قوّة، وعلينا أن نواجه القوي في نقاط ضعفه بنقاط قوّتنا بدلاً من أن نواجهه في نقاط قوّته بنقاط ضعفنا مما فرض علينا أكثر من هزيمة في تاريخنا القريب.

س: منذ مؤتمر مدريد ومفاوضات التسوية مستمرة، بين العرب والصهاينة.. وكانت بين مدّ وجزر.. والبعض وقع على اتفاقات ناقصة.. والمفاوضات الآن متوقفة على مختلف المسارات.. فهل تعتقدون أنَّ المفاوضات تعيش فصلها الأخير وإنَّ عصر المقاومة قد بدأ منذ انتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل وإنجاز تحرير الجنوب؟

ج: إنَّني أتصوّر أنَّ حركة المقاومة في واقعيتها السياسيّة المحليّة والإقليميّة والدوليّة هي وسيلة من وسائل المفاوضات لأنَّ الأكثرية لا تزال تلتزم بالخطوط الحمراء وتبحث عن الخطوط الخضراء في المفاوضات حتّى أنَّها تقف عند الضوء الأصفر في هذا المجال. لهذا فإنَّني أتصوّر أنَّ المفاوضات قد لا نحصل منها على الكثير بفعل الضغوط الدولية وبفعل العجز العربي الذي يسيطر على مجمل واقع السياسة العربية لا سيما بعد أن قررت أكثرية العرب أن لا تحارب وتحاول أن تنظر لمشاكل الحرب أكثر مما تنظر لسلبيات السلم أو لخطّة السلم على الأقل.

ولهذا أتصوّر أنَّ المفاوضات هي ما التقى عليه الجميع، حتّى أنَّ المقاومة في أكثر مواقعها تحاول أن تحسن شروط المفاوضات، أمّا المقاومة الاستراتيجية فإنَّها تبقى في حركة محكومة للحواجز الموضوعة أمامها والتي تحاول أن تحاصرها بالخطوط الحمراء لمراقبة البُعد الإقليمي هنا والبُعد الدولي هناك وما إلى ذلك.. إنَّ هناك مقاومة تفكّر بطريقة استراتيجية ولكن التكتيك الذي يتحرّك في أكثر من موقع من مواقع الإحاطة بالمقاومة يأكل الكثير من هذه الاستراتيجية، ولذلك فأنا أتصوّر أنَّ العصر هو عصر المقاومة ولكن السؤال: ما هي ظروف المقاومة في بُعدها المستقبلي؟ إلى أين تصل؟ هل تصل إلى حاجز المفاوضات بفعل الضغوط الدوليّة والإقليميّة والمحليّة أو أنَّها تستطيع أن تمضي بعيداً؟ هذا هو السؤال الكبير الذي لا نجد جواباً واضحاً عليه يمكن أن يعطينا الامتداد المستقبلي إلى حين التحديد الكامل بفعل الظروف الموضوعيّة، نحن لا نعتبر أنَّ الضغوط الدوليّة هي القضاء والقدر، ولكن كي نتحرر من ذهنية القضاء والقدر الأمريكي؟

س: برأيكم ما هي استراتيجية المقاومة اللبنانية وما هي الخطوط الحمراء التي تلتزم بها؟

ج: المقاومة في لبنان تفكّر في استراتيجيتها أن لا تقف عند حدود لبنان ولكنَّ الظروف الموضوعية التي تحاصرها محلياً وعربياً ودولياً تفرض عليها أن لا تتجاوز حدود لبنان في المسألة الميدانية والحركية وإن كانت تطلّ على فلسطين من المسألة السياسية والإعلامية أو بعض ما تقدّمه من خبرات أمنية أو عسكرية بدون أن تُشارك في العمليات الحربية.

س: هل ترون أنَّ إسرائيل قد ضيعت فرصاً للسّلام مع العرب كان بالإمكان أن تضمن لها وجوداً أطول لو أنَّها وافقت على السّلام الشامل والعادل حسب الشرعية الدولية؟

ج: لا أتصوّر أنَّ إسرائيل كانت تفكّر في سلام سريع مع العرب لأنَّ إسرائيل التوراتية التي فقدت فرصتها في المرحلة الحالية أو في المستقبل المنظور تحاول أن تحصل من العرب على أكبر قدر من المكاسب الجغرافية والسياسية والاقتصادية والأمنية قبل أن تتحوّل إلى دولة من دول المنطقة.

لذلك فإنَّ القائمين على سياسة إسرائيل لا يستعجلون السّلام كما يستعجل العرب، لأنَّ العرب قرروا أن يكونوا مهزومين وهم الذين يعترفون بسقوط فلسطين العربية أمام الكيان الإسرائيلي نتيجة كلّ عناصر العجز الموجودة فيهم. العرب بشكل عام وشمولي يفكّرون بالتحرر من القضية الفلسطينية أكثر مما يفكّرون بتحرير فلسطين، ولهذا فإنَّهم أسقطوا كلّ اللاءات التاريخيّة التي قدروها ثُمَّ بدأوا يحسنونها فكانت لاءات الخرطوم: لا للصلح لا للاعتراف ولا للمفاوضات، ثُمَّ حاولوا تحسينها في الرباط، ولكنَّها لـم تلبث أن أُلغيت تماماً.

نقول إنَّ اليهود لـم يضيعوا الفرصة وإنَّما حاولوا إيهام العرب بذلك، لأنَّهم لـم يقدّموا من التنازل لإسرائيل ما يكفي في هذا المجال، لأنَّ إسرائيل تعرف أنَّ الظروف الدوليّة التي تُحاصرها والتي اعترفت بوجود فلسطين لا يمكن من خلال المصالح الدوليّة أن تعطيها فرصة للتمرّد أكثر في المستقبل.

الأجواء السياسيّة والأمنيّة الآن تشكل الفرصة الوحيدة لإسرائيل للحصول على ما تريد من مكاسب، وهذا ما يفسّر طروحات شارون الآن عندما يقدر أن لا يُعطي الفلسطينيين أكثر من 42% من الأرض في دولة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة وأن لا يعترف أيضاً بالجولان وما إلى ذلك الأمر الذي يعني أنَّ إسرائيل تبحث عن سلامها لا عن سلام المنطقة بينما يبحث العرب عن سلام إسرائيل لا عن سلامهم.

س: مشروع الوطن البديل في الأردن مثلاً هو مشروع مرفوض من العرب والمسلمين والفلسطينيين خصوصاً.. فهل برأيكم قد تلجأ الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية من أجل فرضه؟

ج: هذا المشروع ابتعد عن الواقعية الدوليّة لأنَّ الأردن يمثّل عنصراً رئيسياً في معادلة غربية حديدية، فهو يمثّل حاجة إسرائيلية في الداخل العربي تستفيد إسرائيل من بقائه في خصوصيته القانونيّة الأردنيّة أكثر مما لو كان الوطن البديل للفلسطينيين، فالأردن عندما يكون هو فلسطين يخلق مشكلة لإسرائيل أكثر مما هي المشكلة الآن بكونه دولة عربيّة مستقلة، لهذا إنَّني أتصوّر أنَّ حكاية الوطن البديل انتهت أو أنَّها لـم تبدأ بل كانت مجرّد خيال في عقل شارون. إنَّ هناك فرصة قد تكون في إقامة فيدرالية بين الأردن وفلسطين عندما تكون هناك دولة، أمّا الوطن البديل فهذا ليس واقعياً.

س: ما هي برأيكم الطريقة التي يجب على العرب والمسلمين أن يقوموا بها من أجل التقليل من معاناة الشعب العراقي وما هي مصلحة الولايات المتحدة باستمرار الحصار؟

ج: لعلّ بعض العرب لا يقبلون أن يتحدّثوا عن مشكلة الشعب العراقي بسبب النظام الذي يحكم هذا الشعب العربي الذي تعرّض لمعاناة كبرى من حاكمه وبالطريقة التي لا تُشبه معاناة أيّ شعبٍ آخر في تاريخ هذا العالـم، وقد أُدخل هذا النظام في مغامرات مكّنت أمريكا ومعها حلفاؤها من إسقاط هذا البلد في ظلّ تصفيق الأمم المتحدة التي طرحت مسألة عزل العراق كما لو كان جسداً يمثّل الوباء الذي يخاف منه العالـم.

نتصوّر أنَّ العرب استسلموا لكلّ سلبيات سياسة النظام العراقي، ولـم يتعاطوا معه كما يجب على مستوى الجامعة العربيّة أو على مستوى المحادثات الثنائية فأصبح مشكلة للعالـم العربي كما هو مشكلة لشعبه، والآن نحن نعتقد أنَّه على العالـم العربيّ أن يقف ضدّ الخطّة السياسيّة الأمريكيّة التي تقف بريطانيا على هامشها لإنقاذ العراق من خلال ما يُمارس عليه من ضغوط وحصار وإضعاف يُمكن أن يمتد إلى بقية الدولة العربيّة..

إنَّنا في الوقت الذي نقف فيه في خطّ المعارضة للنظام العراقي، لكنَّنا نجد أنَّ التحرّك الأمريكي الذي وظّف الأمم المتحدة لتنفيذ سياسته، أصبح مشكلة للعراق وللعرب الذين عليهم أن يقفوا موقفاً حاسماً ومحاولة الاستفادة من مواقف الدول كروسيا والصين وفرنسا التي تعمل لإرباك الخطّة الأمريكية، لأنَّنا نتصوّر أنَّ العقوبات الأمريكية تفرض على العرب والمسلمين كما يُراد ولا تفرض على إسرائيل، ولكن المشكلة هي أنَّ أكثر هؤلاء العرب يخضعون للسياسات الأمريكيّة وللتعقيدات الجزئية في علاقتهم مع العراق دون التطلّع إلى أخطار المستقبل، لأنَّ أمريكا تخطّط أن يسقط العراق في بتروله وسوقه الاستهلاكية وكلّ استثماراته كجزء من المخطّط الأمريكي للاستيلاء على كلّ مقدرات العالـم العربي، وأنا أتصوّر أنَّ مشكلة العراق لن تبدأ بالحل إلاَّ بعد التسوية في المنطقة، فالعراق سيبقى الرّجل المريض ما دامت المسألة في الشرق الأوسط في دائرة التباين.

س: يُعاني لبنان من ركود اقتصادي وإفقار شعبي رغم وعود الحكومة ومحاولاتها بالتحسين لكنَّ مشاريع إعمار الجنوب متوقفة والاستثمارات الدوليّة لـم تنطلق لأسبابٍ سياسيّة.. كيف سيواجه لبنان المشاكل المتفاقمة؟ ولماذا هذا التقصير العربي في مدّ يد العون؟

ج: أتصوّر أنَّ مشكلة لبنان هي كمشكلة الكثير من الدول العربيّة في الفساد الإداري الذي ينخر جسم كلّ الإدارات اللبنانية والذي انطلق من فساد سياسيّ، لأنَّ هذا التضخم في الموظفين والذي تتحدّث عنه الحكومة اليوم كان بفعل تدخل هذه الشخصية الطائفية أو تلك لتوظيف محاسبيها وأزلامها وإتخام هذه الوزارة أو تلك المؤسسة بهؤلاء المحاسيب لضرورات انتخابية أو ما شابه، كما أنَّ النظام الطائفي يمنع من محاسبة كلّ من أثرى على حساب الشعب أو سرق النّاس، لا سيما الكبار منهم على طريقة الحديث النبوي الشريف الذي يقول: «إنَّما أهلك من كان قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ، واللّه لو سرقت فاطمة بنت محمَّد لقطعت يدها».

المشكلة أنَّ الكثيرين ممن هدروا المال العام لا يملك أحدٌ أن يُحاسبهم لأنَّ هذا ابن الطائفة وذاك أبو الطائفة الخ... هذا بالإضافة إلى فقدان الخطّة الاقتصادية، لأنَّ الأوضاع السياسيّة الداخليّة تمنع من رسم خطّة كاملة للبنان كلّه ولو بالإمكانات البسيطة للبنان، لأنَّ هذه الخطّة قد تمسّ نفوذ شخصٍ هنا أو شخصٍ هناك إلى جانب ذلك فإنَّ لبنان لا يحكم من الداخل بل من الخارج، ولعلّ النظام الطائفي فتح الثغرات للآخرين كي ينفذوا إلى الداخل ونحن لا نتحدّث عن عقدة الخارج أو المؤامرة، بل عن واقع هذا النظام الذي جعل اللبنانيين يستعينون بالخارج، وأنا أذكر حديثاً لسفير فرنسي أسبق قال لي: «إنَّ مشكلتنا مع اللبنانيين أنَّهم يحدّثوننا عمّا نريد، ولا يحدّثوننا عمّا يريدون».

س: ماذا عن المساعدات الدوليّة والعربيّة التي وُعد بها لبنان؟

ج: من الطبيعي أنَّ هذا اللبنان المهلهل الذي هو أقوى دولة عربيّة في المعادلة العربيّة لأنَّه لا يسقط في الحرب بالرغم من أنَّ الحرب أكلت أكثر بنيته التحتية، وهو حاجة دوليّة باعتبار أنَّ الكبار فتشوا عن اليونان وعن قبرص لتكونا بديلاً عن لبنان لكنَّهم رأوا أنَّ خصوصية لبنان هي إنسانه الذي لا يستغنى عنه لا عربياً ولا دولياً بكلّ علاقاته وأوضاعه، لكن المشكلة هي أنَّ قضية الوعود العربية معروفة ليس فقط بالنسبة للبنان بل بالنسبة لأكثر الدول العربية. وهذا ما نواجهه اليوم في فلسطين التي تكاد تسقط تحت تأثير الحصار الجغرافي والسياسي والاقتصادي ومع ذلك فإنَّ العرب ممنوعون من أن يعطوا، السبب في ذلك هو أنَّ المساعدات العربية محتاجة إلى إمضاء أمريكا، وأمريكا تريد أن تضغط على لبنان، لينفذ سياستها في الجنوب وليكون حامياً لإسرائيل ولأكثر من موقع سياسي، أمريكا لا تسمح بأن تضع إمضاءها على المساعدات الأوروبية ولا على المساعدات العربية.

وأذكر أنَّ السفير الأمريكي في لبنان أخبر أحد رؤساء الوزراء اللبنانيين بأنَّ دولة عربية ما سوف تقدّم مساعدة للبنان بقيمة 50 مليون دولار، وعندما سأل هذا الرئيس الجهات المسؤولة في الوطن العربي المشار إليه، فقالوا إنَّنا لا نعلم بذلك، ثُمَّ بعد ذلك عندما جاءت البرقية من أمريكا قدّمت هذه المساعدة، لذلك فتش عن أمريكا في المساعدات الدولية والعربية.

س: لبنانياً كيف تقيّمون خطوة إعادة انتشار الجيش السوري وكيفية التعاطي اللبناني معها؟

ج: الخطوة منطلقة من المشروع السوري في التواجد في لبنان الهادف لحفظ الأمن في لبنان والإبقاء على الترابط العضوي بين سوريا ولبنان وأذكر أنَّه خلال لقائي بالرئيس الراحل حافظ الأسد في الثمانينات قال لي: إنَّنا لا نشعر بالراحة عندما ندخل جنودنا إلى زواريب لبنان ليفسدوا بذلك، لأنَّ الجندي ليس مكانه في الشوارع بل حاجة لبنان أجبرتنا على ذلك.

لهذا من المعروف أنَّ سوريا لـم تدخل لبنان محتلة وإنَّما دخلته منقذة وأيضاً هي تعرف من خلال طبيعة خطّتها وواقعيتها في فهم الخصوصية اللبنانية والرمال المتحرّكة اللبنانية والظروف الدوليّة، إنَّها دخلت لتخرج في الوقت المناسب، وإنَّها لـم تدخل لتبقى، وأعتقد أنَّ إعادة الانتشار كانت من ضمن هذه الخطّة، ولكنَّ اللبنانيين على طريقتهم بدأوا يطرحون التفسيرات لإعطاء المسألة بُعداً سياسياً محلياً أو بُعداً خارجياً كما بدأنا نسمع أنَّ إعادة الانتشار السوري مربوطة بالصراع مع إسرائيل باعتبار أنَّ إسرائيل قد تضرب الجيش السوري في بيروت أو ما أشبه ذلك مما يتسع الخيال اللبناني في هذا المجال.

إنَّني أعتقد أنَّ مسألة وجود الجيش السوري تتصل بالدولتين، وأعتقد أنَّ القيادتين مخلصتان في فهم الحاجات الضرورية.

س: كيف ترون النظام العربي الحالي وما هي طرق أحلامه أو تقويمه؟.. وهل هناك نظامٌ عربيّ حاليّ أو عالـم عربيّ؟

ج: لقد لاحظنا خلال مؤتمر مدريد حيثُ لـم يسمح للجامعة العربية أن تكون عنصراً مراقباً ليكون بدلاً منها مجلس التعاون الخليجي هو المراقب على الرغم من أنَّ الجامعة العربيّة تمثّل عنواناً للعالـم العربي شرط أن لا تنسّق دولة عربية مع دولة عربية أخرى، وهذا ما رأيناه حين لـم تنسّق دول الطوق مع بعضها لا في المفاوضات مع إسرائيل ولا حتّى في المواجهة، ونحن نُلاحظ أنَّ كلّ الضغوط على لبنان إنَّما من جهة قراره بوحدة المسار مع سوريا، لذلك لـم نُلاحظ وجود إرادة عربية حقيقية بالشراكة، لقد لاحظنا مؤتمرات القمة ولكنَّنا رأينا أنَّها تركّز قرارات على الورق دون أن يتحقّق شيء ميداني لا سيما في المسار الفلسطيني لا على مستوى الضغط السياسي على إسرائيل ولا على مستوى المساعدات الاقتصادية، كما أنَّها لـم تستطع أن تحلّ بعض المشاكل العربية كمشكلة العراق والكويت وغيرها.

ليس هناك عالماً عربياً كما نرى العالـم الأوروبي حيثُ يمثّل الاتحاد الأوروبي معنى أوروبياً، رغم الاختلافات داخله بين بريطانيا وغيرها من الدول مثلاً، لكن هناك شيئاً أوروبياً حقيقياً بالرغم من تحالف بريطانيا مع أمريكا، فنحن نجد أنَّ هناك خطّة أوروبية لأن تكون أوروبا قوّة كبرى في مواجهة أمريكا على الأقل من الناحية الاقتصادية بينما ليس هناك شيئاً عربياً في هذا المجال، حتّى أمام إسرائيل إنَّنا نجد أنَّ بعض الدول العربية تعمل الآن على الاعتراف الواقعي بإسرائيل وغير مستعدة أن تغلق مكتباً اقتصادياً مع إسرائيل رغم مقررات القمة العربية.

س: ما هي برأيكم خلفية الحملة التي أثيرت على اتهام الرئيس بشار الأسد بأنَّه معاد للسامية؟

ج: إنَّ هذا الكلام مبعث للسخرية، إنَّنا نتهم إسرائيل بأنَّها معادية للسامية، لأنَّنا ساميون، إنَّ العرب ساميون، لذلك لا معنى لأي حديثٍ عن معاداة العرب للسامية نحن معادون لبعض الذين يستغلون السامية بعيداً عن قيم السامية إذا كان للسامية قيم في هذا المجال.

وأعتقد أنَّ الرئيس بشار لـم يتعرّض وهو يستقبل البابا للدين اليهودي بل تعرّض لليهود الذين تحدّث عنهم القرآن من خلال إدانة صفاتهم السلوكية في علاقاتهم مع العالـم الآخر، ذلك أنَّهم يقتلون بغيـر حقّ، وأنَّهم ينكـرون عهد اللّه من بعد ميثاقـه [ لتجدنّ أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا] .

الرئيس بشار تحدّث وفق المنطق القرآني بالتركيز على الحالة السلوكية لليهود وليس الحالة الدينية وإن كنّا نختلف معهم في بعض خصوصيات فهمهم للدين اليهودي.

ميرا السنة الثانية، العدد(21) 2001

أجرت صحيفة «ميرا» حواراً مع سماحة آية اللّه العظمى السيّد محمَّد حسين فضل اللّه (حفظه المولى) تناول قضايا ساخنة تتعرّض لها الأمّة لا سيّما قضية فلسطين وما يستجد معها من قضايا في المنطقة، وقد جاء في الحوار:

لعلّ أبرز ما يستوقفك عندما تكون في حضرة العلامة السيّد محمَّد حسين فضل اللّه إلى جانب حكمته واطلاعه الواسع في الشؤون الدينيّة والدنيويّة، هو استعداده المطلق للإجابة على كلّ الأسئلة والتساؤلات التي تطرح عليه مهما كانت دقيقة أو محرجة للبعض..

فهو يغدق على السائل شرحاً مفصلاً عميقاً وإجابات غنية وواضحة المعالـم. ويبهر المستمع بثقافته الشاملة، وهو الذي يقصده المسلمون من كلّ حدبٍ وصوب للوقوف عند رأيه من مختلف القضايا والشؤون...

ميرا التقت السيِّد فضل اللّه وكان لها معه الحديث الآتي:

س: في البداية كيف ترون وضع الأمّة الإسلاميّة الآن في ظلّ التطوّرات الدوليّة.. وهل ترون في الأفق إمكانية نهضة إسلامية؟

ج: عندما ندرس الأمّة الإسلامية في واجهة الأنظمة فإنَّه من الصعب أن نفكّر بنهضة إسلامية بالمعنى الذي يكون للإسلام معنى في عمق حركة التطوّر النهضوي للأمّة، لسببٍ بسيط جداً وهو أنَّ أغلب الأنظمة التي تسيطر على الواقع الإسلامي لا تملك الأصالة العميقة في تطوّرها لشعوبها، بل أنَّ الغالبية منها تخضع لمحاور دوليّة كبرى وفي مقدمتها المحور الأمريكي الذي يسيطر على غالبية الدول الإسلامية ليفرض عليها اقتصاده وسياسته وأمنه. ومن الطبيعي أن يدخل ذلك في نطاق هذه المسألة الثقافيّة ومفردات المسائل الاجتماعيّة التي تتمثّل في أكثر من صرعة أمريكية، الأمر الذي يدفع هذه الأنظمة بفعل هذا الارتباط شبه العضوي بالدول الكبرى أن تعمل على جعل صورة الواقع مشوهة للصورة الأمريكية التي لا تخلو من عناصر أصيلة على مستوى التجربة العمليّة وما إلى ذلك من قضايا حقوق الإنسان، كما أنَّ الأمريكيين في سيطرتهم على هذا الموقع أو ذاك، لا يحاولون أن يعمّقوا من تجربتهم بالمعنى الإنساني في الشعوب الأخرى، بل يحاولون إعطاءها الصورة السطحية التي قد توحي بالصورة الأمريكية ولكنَّها في الحقيقة لا تتعلّق بها.

ولهذا فإنَّ هذه الأنظمة تعمل على أن تشويه الصورة الحقيقية للأمّة وعندما نفكّر بعيداً عن الشعارات بأنَّ القائمين على هذه الأنظمة يمثّل الكثير منهم دور الموظفين للمخابرات المركزية الأمريكية أو دور المستغرقين في مواقعهم ومناصبهم التي يعرفون بأنَّها خاضعة لهذه السياسة أو تلك.

أمّا إذا أردنا أن ننفذ إلى واقع الأمّة الإسلاميّة على مستوى الشعوب فإنَّنا قد نجد بعض الإضاءات في أكثر من موقع من المواقع الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، ولكنَّها تمثّل فسيفساء غير متناسقة في كلّ هذا الساحات، لأنَّها لـم تنطلق من خلال خطّة واحدة أو من خلال تكامل بين الطاقات، بل يمثّل معظمها حالات فردية هنا وهناك أو تجمعات صغيرة هنا وهناك، ولكن لا يمثّل ظاهرة كبيرة متداخلة ومتكاملة في خصوصيتها وعناصرها لا سيما وأنَّ العالـم الإسلامي لا يزال يعيش تخلّفاً طائفياً ومذهبياً حيثُ تتحرّك من خلاله عناصر التخلّف التي تتوارثها الأجيال، لأنَّنا أدمنا في عالمنا الإسلامي الكثير من عناصر التخلّف المنطلقة من البيئة والعادات وأشياء أخرى، أدمنا أن نقدس الخرافات، وأن نقدس التعصب والخطأ في أكثر من جانب.

ولهذا فإنَّ هذه الانقسامات المذهبية فرضت نفسها على التطوّر العام على المستوى الشعبي، بحيث بتنا نخاف من أيّة حساسيّة لاسم تاريخيّ هنا أو هناك أو قضية تاريخيّة تتصل بمسألة خلافة أو إمامة، لندخل المجتمع في حالة طوارئ أمنية أو طوارئ مذهبية، حيث يتحرّك التفكير بين موقع وآخر، وتشغل الساحة بهذه المفردات الجزئية بطريقة غوغائية، حتّى أنَّ الوسائل العلمية الممكن أن تحل هذه المشكلة المرتبطة ببعد تاريخي ثقافي لا تستعمل إلى جانب الانقسام في الجوانب التي تمثّل التنوّع العرقي والقومي والإقليمية التي فرضت نفسها حتّى أصبحت جزءاً من الذات، بحيثُ أنَّنا خضعنا في تصوّرنا في شخصيتنا السياسية لهذا التقسيم الذي انطلق من خلال مصالح الآخرين كما في سايكس ـ بيكو وغيرها حتّى أصبحت شخصياتنا الإقليمية هنا وهناك تتغلّب على الشخصية القومية أو الإسلامية.

إنَّنا في الوقت الذي لا نريد أن نعطي صورة تشاؤمية عن العالـم الإسلامي لكنَّنا نعتقد أنَّه يعيش تجربة صعبة على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي وربَّما الاجتماعي، ولكن من الممكن جداً الاستفادة من بعض الإضاءات الموجودة في داخله، لأجل أن نطرد الظلام، لأنَّ الأمّة لا تموت، ولكن قد تضعف، ولذلك لا بُدَّ أن نبحث عمّا يمكن أن يحول نقاط ضعفنا إلى نقاط قوّة.

س: يرى البعض أنَّ إسرائيل تشهد هزائم متلاحقة، وأنَّها تعيش أزمة كبيرة بفضل عوامل ذاتية تشير إلى إنهاء أحلامها في التوسع والاستيطان.. أو حتّى في زوالها.. وعوامل خارجية بفعل ضربات المقاومة والانتفاضة.. هل توافقون على هذا التصوّر ولماذا؟

ج: إنَّ إسرائيل تعيش أزمة صعبة لا سيما في هذه المرحلة، هذا أمرٌ تعترف له المصادر الإسرائيلية السياسية والإعلامية والثقافية، ولكن علينا أن ندرس خصوصية مثل هذه المجتمعات، وهي أنَّ نقاط الضعف في المجتمع الإسرائيلي لا يسقطه، بل يعمل المجتمع على مواجهتها ويتحدّث عنها في الهواء الطلق ولا يحاول إخفاءها ليفسح المجال لكلّ التجارب السياسية والثقافية في واقع الشعب كلّه لتشارك في حلّ هذه المشكلة، إنَّ الإسرائيليين يختزنون في داخلهم ذهنية الشخصية الغربية التي تركت تأثيراً كبيراً عليهم، لأنَّ الغالبية المسيطرة على المجتمع اليهودي هي من القيادات الغربية أو التي استغربت، لذلك فإنَّ استهلالنا للحديث عن الأزمات التي تعيش داخل هذا المجتمع لنعطي تصوّراً بأنَّ هذا المجتمع يسير في خطّ الانهيار لنرضي غرورنا لما نقدّمه من فرصٍ لإيجاد هزيمة هنا أو هناك ليس واقعياً، بينما نجد أنَّنا في واقعنا العربي والإسلامي نخاف من نقاط الضعف ولا نحاول أن ندرسها أو نعترف بها، بل نعتبر أنَّ الاعتراف بنقاط الضعف لدى القيادة أو القاعدة يمثّل نوعاً من أنواع السقوط السياسي أو الاجتماعي، ولهذا نجد أنَّ نقاط الضعف تتجمع في الكيان لنكتشف بعد ذلك أنَّها تهيئ الكيان للسقوط ولعلّنا عشنا هذه التجربة من خلال عقلية العنفوان الفارغ الذي ورثناه من دواوين الحماسة في الشعر العربي وفي الشخصية العربية التي تحاول أن تضخم الانتصارات والإيجابيات.

ربَّما عشنا هذه المسألة من خلال علاقتنا بالاتحاد السوفيتي الذي كان يعيش مثل هذه التجربة حتّى انكشف هذا الغرور السياسي والاقتصادي من خلال الزلزال الذي حلّ في أرمينيا حيثُ انكشف الاتحاد السوفيتي كدولة لا تستطيع أن تعالج مشكلة الزلزال وبدأ الصراخ في العالـم كلّه لمساعدته، وهكذا بدأت تنكشف كلّ نقاط الضعف التي ساهمت في سقوط الاتحاد السوفيتي بالضربة القاضية التي عملت عليها أمريكا والغرب بشكل عام.

إنَّني أؤكد على هذه النقاط لا لأهوّن من السلبيات الموجودة في المجتمع الإسرائيلي والإيجابيات الموجودة عندنا، ولكنَّني أعتقد أنَّنا عندما ندرس السلبيات داخل إيجابياتنا وندرس سلبياتنا داخل الإيجابيات الإسرائيلية، فإنَّه بإمكاننا عند ذلك أن نتحرّك بطريقة واقعية في مواجهة المسائل الميدانية بيننا وبين إسرائيل، باعتبار أنَّ حالة العنفوان الانفعالي الذي يحكم شخصياتنا قد تجعلنا لا نُبصر الأرض التي نقف عليها والظروف الموضوعية الموجودة في العالـم، قد نحترم العدو في موقع معيّن ولكنَّ العدو قد يحترمنا في مواقع سياسيّة دوليّة أو إقليميّة أو في بعض أنواع اللعبة المخابراتية.

مشكلتنا أنَّنا نستغرق في العامل الواحد ونحاول أن نتحرّك لنعرف هذا الموقع، أمّا كيف ندرس الواقع السياسي، كيف ندرس أساليبنا الإعلامية في تقديـم سياساتنا وانتصاراتنا وهزائمنا فهذا ما لا نفكّر فيه.

إنَّنا نعتبر أنَّ معركتنا مع العدو هي معركة يتداخل فيها الجانب العسكريّ والسياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ والعلميّ والإعلاميّ.. ولذلك فإنَّنا عندما ندرس عناصر القوّة هنا وهناك لا بُدَّ أن نلحق الأمور بشكل متكامل لا بشكل منفصل عن بعضه البعض، إنَّنا نعتقد أنَّ العدو يواجه أزمة ولكنَّنا نواجه أكثر من أزمة إلى جانب الأزمة التي يواجهها العدو، وهذا لا يُسقطنا أمام أزماتنا ولكن هذا يجعلنا نخطّط أكثر وندرس أكثر. كنتُ أتحدّث منذ زمنٍ بعيد عن معادلة لو قُدّر أن نأخذ بها وهي أنَّ لدى القوي نقاط ضعف ولدى الضعيف نقاط قوّة، وعلينا أن نواجه القوي في نقاط ضعفه بنقاط قوّتنا بدلاً من أن نواجهه في نقاط قوّته بنقاط ضعفنا مما فرض علينا أكثر من هزيمة في تاريخنا القريب.

س: منذ مؤتمر مدريد ومفاوضات التسوية مستمرة، بين العرب والصهاينة.. وكانت بين مدّ وجزر.. والبعض وقع على اتفاقات ناقصة.. والمفاوضات الآن متوقفة على مختلف المسارات.. فهل تعتقدون أنَّ المفاوضات تعيش فصلها الأخير وإنَّ عصر المقاومة قد بدأ منذ انتصار المقاومة اللبنانية على إسرائيل وإنجاز تحرير الجنوب؟

ج: إنَّني أتصوّر أنَّ حركة المقاومة في واقعيتها السياسيّة المحليّة والإقليميّة والدوليّة هي وسيلة من وسائل المفاوضات لأنَّ الأكثرية لا تزال تلتزم بالخطوط الحمراء وتبحث عن الخطوط الخضراء في المفاوضات حتّى أنَّها تقف عند الضوء الأصفر في هذا المجال. لهذا فإنَّني أتصوّر أنَّ المفاوضات قد لا نحصل منها على الكثير بفعل الضغوط الدولية وبفعل العجز العربي الذي يسيطر على مجمل واقع السياسة العربية لا سيما بعد أن قررت أكثرية العرب أن لا تحارب وتحاول أن تنظر لمشاكل الحرب أكثر مما تنظر لسلبيات السلم أو لخطّة السلم على الأقل.

ولهذا أتصوّر أنَّ المفاوضات هي ما التقى عليه الجميع، حتّى أنَّ المقاومة في أكثر مواقعها تحاول أن تحسن شروط المفاوضات، أمّا المقاومة الاستراتيجية فإنَّها تبقى في حركة محكومة للحواجز الموضوعة أمامها والتي تحاول أن تحاصرها بالخطوط الحمراء لمراقبة البُعد الإقليمي هنا والبُعد الدولي هناك وما إلى ذلك.. إنَّ هناك مقاومة تفكّر بطريقة استراتيجية ولكن التكتيك الذي يتحرّك في أكثر من موقع من مواقع الإحاطة بالمقاومة يأكل الكثير من هذه الاستراتيجية، ولذلك فأنا أتصوّر أنَّ العصر هو عصر المقاومة ولكن السؤال: ما هي ظروف المقاومة في بُعدها المستقبلي؟ إلى أين تصل؟ هل تصل إلى حاجز المفاوضات بفعل الضغوط الدوليّة والإقليميّة والمحليّة أو أنَّها تستطيع أن تمضي بعيداً؟ هذا هو السؤال الكبير الذي لا نجد جواباً واضحاً عليه يمكن أن يعطينا الامتداد المستقبلي إلى حين التحديد الكامل بفعل الظروف الموضوعيّة، نحن لا نعتبر أنَّ الضغوط الدوليّة هي القضاء والقدر، ولكن كي نتحرر من ذهنية القضاء والقدر الأمريكي؟

س: برأيكم ما هي استراتيجية المقاومة اللبنانية وما هي الخطوط الحمراء التي تلتزم بها؟

ج: المقاومة في لبنان تفكّر في استراتيجيتها أن لا تقف عند حدود لبنان ولكنَّ الظروف الموضوعية التي تحاصرها محلياً وعربياً ودولياً تفرض عليها أن لا تتجاوز حدود لبنان في المسألة الميدانية والحركية وإن كانت تطلّ على فلسطين من المسألة السياسية والإعلامية أو بعض ما تقدّمه من خبرات أمنية أو عسكرية بدون أن تُشارك في العمليات الحربية.

س: هل ترون أنَّ إسرائيل قد ضيعت فرصاً للسّلام مع العرب كان بالإمكان أن تضمن لها وجوداً أطول لو أنَّها وافقت على السّلام الشامل والعادل حسب الشرعية الدولية؟

ج: لا أتصوّر أنَّ إسرائيل كانت تفكّر في سلام سريع مع العرب لأنَّ إسرائيل التوراتية التي فقدت فرصتها في المرحلة الحالية أو في المستقبل المنظور تحاول أن تحصل من العرب على أكبر قدر من المكاسب الجغرافية والسياسية والاقتصادية والأمنية قبل أن تتحوّل إلى دولة من دول المنطقة.

لذلك فإنَّ القائمين على سياسة إسرائيل لا يستعجلون السّلام كما يستعجل العرب، لأنَّ العرب قرروا أن يكونوا مهزومين وهم الذين يعترفون بسقوط فلسطين العربية أمام الكيان الإسرائيلي نتيجة كلّ عناصر العجز الموجودة فيهم. العرب بشكل عام وشمولي يفكّرون بالتحرر من القضية الفلسطينية أكثر مما يفكّرون بتحرير فلسطين، ولهذا فإنَّهم أسقطوا كلّ اللاءات التاريخيّة التي قدروها ثُمَّ بدأوا يحسنونها فكانت لاءات الخرطوم: لا للصلح لا للاعتراف ولا للمفاوضات، ثُمَّ حاولوا تحسينها في الرباط، ولكنَّها لـم تلبث أن أُلغيت تماماً.

نقول إنَّ اليهود لـم يضيعوا الفرصة وإنَّما حاولوا إيهام العرب بذلك، لأنَّهم لـم يقدّموا من التنازل لإسرائيل ما يكفي في هذا المجال، لأنَّ إسرائيل تعرف أنَّ الظروف الدوليّة التي تُحاصرها والتي اعترفت بوجود فلسطين لا يمكن من خلال المصالح الدوليّة أن تعطيها فرصة للتمرّد أكثر في المستقبل.

الأجواء السياسيّة والأمنيّة الآن تشكل الفرصة الوحيدة لإسرائيل للحصول على ما تريد من مكاسب، وهذا ما يفسّر طروحات شارون الآن عندما يقدر أن لا يُعطي الفلسطينيين أكثر من 42% من الأرض في دولة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة وأن لا يعترف أيضاً بالجولان وما إلى ذلك الأمر الذي يعني أنَّ إسرائيل تبحث عن سلامها لا عن سلام المنطقة بينما يبحث العرب عن سلام إسرائيل لا عن سلامهم.

س: مشروع الوطن البديل في الأردن مثلاً هو مشروع مرفوض من العرب والمسلمين والفلسطينيين خصوصاً.. فهل برأيكم قد تلجأ الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية من أجل فرضه؟

ج: هذا المشروع ابتعد عن الواقعية الدوليّة لأنَّ الأردن يمثّل عنصراً رئيسياً في معادلة غربية حديدية، فهو يمثّل حاجة إسرائيلية في الداخل العربي تستفيد إسرائيل من بقائه في خصوصيته القانونيّة الأردنيّة أكثر مما لو كان الوطن البديل للفلسطينيين، فالأردن عندما يكون هو فلسطين يخلق مشكلة لإسرائيل أكثر مما هي المشكلة الآن بكونه دولة عربيّة مستقلة، لهذا إنَّني أتصوّر أنَّ حكاية الوطن البديل انتهت أو أنَّها لـم تبدأ بل كانت مجرّد خيال في عقل شارون. إنَّ هناك فرصة قد تكون في إقامة فيدرالية بين الأردن وفلسطين عندما تكون هناك دولة، أمّا الوطن البديل فهذا ليس واقعياً.

س: ما هي برأيكم الطريقة التي يجب على العرب والمسلمين أن يقوموا بها من أجل التقليل من معاناة الشعب العراقي وما هي مصلحة الولايات المتحدة باستمرار الحصار؟

ج: لعلّ بعض العرب لا يقبلون أن يتحدّثوا عن مشكلة الشعب العراقي بسبب النظام الذي يحكم هذا الشعب العربي الذي تعرّض لمعاناة كبرى من حاكمه وبالطريقة التي لا تُشبه معاناة أيّ شعبٍ آخر في تاريخ هذا العالـم، وقد أُدخل هذا النظام في مغامرات مكّنت أمريكا ومعها حلفاؤها من إسقاط هذا البلد في ظلّ تصفيق الأمم المتحدة التي طرحت مسألة عزل العراق كما لو كان جسداً يمثّل الوباء الذي يخاف منه العالـم.

نتصوّر أنَّ العرب استسلموا لكلّ سلبيات سياسة النظام العراقي، ولـم يتعاطوا معه كما يجب على مستوى الجامعة العربيّة أو على مستوى المحادثات الثنائية فأصبح مشكلة للعالـم العربي كما هو مشكلة لشعبه، والآن نحن نعتقد أنَّه على العالـم العربيّ أن يقف ضدّ الخطّة السياسيّة الأمريكيّة التي تقف بريطانيا على هامشها لإنقاذ العراق من خلال ما يُمارس عليه من ضغوط وحصار وإضعاف يُمكن أن يمتد إلى بقية الدولة العربيّة..

إنَّنا في الوقت الذي نقف فيه في خطّ المعارضة للنظام العراقي، لكنَّنا نجد أنَّ التحرّك الأمريكي الذي وظّف الأمم المتحدة لتنفيذ سياسته، أصبح مشكلة للعراق وللعرب الذين عليهم أن يقفوا موقفاً حاسماً ومحاولة الاستفادة من مواقف الدول كروسيا والصين وفرنسا التي تعمل لإرباك الخطّة الأمريكية، لأنَّنا نتصوّر أنَّ العقوبات الأمريكية تفرض على العرب والمسلمين كما يُراد ولا تفرض على إسرائيل، ولكن المشكلة هي أنَّ أكثر هؤلاء العرب يخضعون للسياسات الأمريكيّة وللتعقيدات الجزئية في علاقتهم مع العراق دون التطلّع إلى أخطار المستقبل، لأنَّ أمريكا تخطّط أن يسقط العراق في بتروله وسوقه الاستهلاكية وكلّ استثماراته كجزء من المخطّط الأمريكي للاستيلاء على كلّ مقدرات العالـم العربي، وأنا أتصوّر أنَّ مشكلة العراق لن تبدأ بالحل إلاَّ بعد التسوية في المنطقة، فالعراق سيبقى الرّجل المريض ما دامت المسألة في الشرق الأوسط في دائرة التباين.

س: يُعاني لبنان من ركود اقتصادي وإفقار شعبي رغم وعود الحكومة ومحاولاتها بالتحسين لكنَّ مشاريع إعمار الجنوب متوقفة والاستثمارات الدوليّة لـم تنطلق لأسبابٍ سياسيّة.. كيف سيواجه لبنان المشاكل المتفاقمة؟ ولماذا هذا التقصير العربي في مدّ يد العون؟

ج: أتصوّر أنَّ مشكلة لبنان هي كمشكلة الكثير من الدول العربيّة في الفساد الإداري الذي ينخر جسم كلّ الإدارات اللبنانية والذي انطلق من فساد سياسيّ، لأنَّ هذا التضخم في الموظفين والذي تتحدّث عنه الحكومة اليوم كان بفعل تدخل هذه الشخصية الطائفية أو تلك لتوظيف محاسبيها وأزلامها وإتخام هذه الوزارة أو تلك المؤسسة بهؤلاء المحاسيب لضرورات انتخابية أو ما شابه، كما أنَّ النظام الطائفي يمنع من محاسبة كلّ من أثرى على حساب الشعب أو سرق النّاس، لا سيما الكبار منهم على طريقة الحديث النبوي الشريف الذي يقول: «إنَّما أهلك من كان قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحدّ، واللّه لو سرقت فاطمة بنت محمَّد لقطعت يدها».

المشكلة أنَّ الكثيرين ممن هدروا المال العام لا يملك أحدٌ أن يُحاسبهم لأنَّ هذا ابن الطائفة وذاك أبو الطائفة الخ... هذا بالإضافة إلى فقدان الخطّة الاقتصادية، لأنَّ الأوضاع السياسيّة الداخليّة تمنع من رسم خطّة كاملة للبنان كلّه ولو بالإمكانات البسيطة للبنان، لأنَّ هذه الخطّة قد تمسّ نفوذ شخصٍ هنا أو شخصٍ هناك إلى جانب ذلك فإنَّ لبنان لا يحكم من الداخل بل من الخارج، ولعلّ النظام الطائفي فتح الثغرات للآخرين كي ينفذوا إلى الداخل ونحن لا نتحدّث عن عقدة الخارج أو المؤامرة، بل عن واقع هذا النظام الذي جعل اللبنانيين يستعينون بالخارج، وأنا أذكر حديثاً لسفير فرنسي أسبق قال لي: «إنَّ مشكلتنا مع اللبنانيين أنَّهم يحدّثوننا عمّا نريد، ولا يحدّثوننا عمّا يريدون».

س: ماذا عن المساعدات الدوليّة والعربيّة التي وُعد بها لبنان؟

ج: من الطبيعي أنَّ هذا اللبنان المهلهل الذي هو أقوى دولة عربيّة في المعادلة العربيّة لأنَّه لا يسقط في الحرب بالرغم من أنَّ الحرب أكلت أكثر بنيته التحتية، وهو حاجة دوليّة باعتبار أنَّ الكبار فتشوا عن اليونان وعن قبرص لتكونا بديلاً عن لبنان لكنَّهم رأوا أنَّ خصوصية لبنان هي إنسانه الذي لا يستغنى عنه لا عربياً ولا دولياً بكلّ علاقاته وأوضاعه، لكن المشكلة هي أنَّ قضية الوعود العربية معروفة ليس فقط بالنسبة للبنان بل بالنسبة لأكثر الدول العربية. وهذا ما نواجهه اليوم في فلسطين التي تكاد تسقط تحت تأثير الحصار الجغرافي والسياسي والاقتصادي ومع ذلك فإنَّ العرب ممنوعون من أن يعطوا، السبب في ذلك هو أنَّ المساعدات العربية محتاجة إلى إمضاء أمريكا، وأمريكا تريد أن تضغط على لبنان، لينفذ سياستها في الجنوب وليكون حامياً لإسرائيل ولأكثر من موقع سياسي، أمريكا لا تسمح بأن تضع إمضاءها على المساعدات الأوروبية ولا على المساعدات العربية.

وأذكر أنَّ السفير الأمريكي في لبنان أخبر أحد رؤساء الوزراء اللبنانيين بأنَّ دولة عربية ما سوف تقدّم مساعدة للبنان بقيمة 50 مليون دولار، وعندما سأل هذا الرئيس الجهات المسؤولة في الوطن العربي المشار إليه، فقالوا إنَّنا لا نعلم بذلك، ثُمَّ بعد ذلك عندما جاءت البرقية من أمريكا قدّمت هذه المساعدة، لذلك فتش عن أمريكا في المساعدات الدولية والعربية.

س: لبنانياً كيف تقيّمون خطوة إعادة انتشار الجيش السوري وكيفية التعاطي اللبناني معها؟

ج: الخطوة منطلقة من المشروع السوري في التواجد في لبنان الهادف لحفظ الأمن في لبنان والإبقاء على الترابط العضوي بين سوريا ولبنان وأذكر أنَّه خلال لقائي بالرئيس الراحل حافظ الأسد في الثمانينات قال لي: إنَّنا لا نشعر بالراحة عندما ندخل جنودنا إلى زواريب لبنان ليفسدوا بذلك، لأنَّ الجندي ليس مكانه في الشوارع بل حاجة لبنان أجبرتنا على ذلك.

لهذا من المعروف أنَّ سوريا لـم تدخل لبنان محتلة وإنَّما دخلته منقذة وأيضاً هي تعرف من خلال طبيعة خطّتها وواقعيتها في فهم الخصوصية اللبنانية والرمال المتحرّكة اللبنانية والظروف الدوليّة، إنَّها دخلت لتخرج في الوقت المناسب، وإنَّها لـم تدخل لتبقى، وأعتقد أنَّ إعادة الانتشار كانت من ضمن هذه الخطّة، ولكنَّ اللبنانيين على طريقتهم بدأوا يطرحون التفسيرات لإعطاء المسألة بُعداً سياسياً محلياً أو بُعداً خارجياً كما بدأنا نسمع أنَّ إعادة الانتشار السوري مربوطة بالصراع مع إسرائيل باعتبار أنَّ إسرائيل قد تضرب الجيش السوري في بيروت أو ما أشبه ذلك مما يتسع الخيال اللبناني في هذا المجال.

إنَّني أعتقد أنَّ مسألة وجود الجيش السوري تتصل بالدولتين، وأعتقد أنَّ القيادتين مخلصتان في فهم الحاجات الضرورية.

س: كيف ترون النظام العربي الحالي وما هي طرق أحلامه أو تقويمه؟.. وهل هناك نظامٌ عربيّ حاليّ أو عالـم عربيّ؟

ج: لقد لاحظنا خلال مؤتمر مدريد حيثُ لـم يسمح للجامعة العربية أن تكون عنصراً مراقباً ليكون بدلاً منها مجلس التعاون الخليجي هو المراقب على الرغم من أنَّ الجامعة العربيّة تمثّل عنواناً للعالـم العربي شرط أن لا تنسّق دولة عربية مع دولة عربية أخرى، وهذا ما رأيناه حين لـم تنسّق دول الطوق مع بعضها لا في المفاوضات مع إسرائيل ولا حتّى في المواجهة، ونحن نُلاحظ أنَّ كلّ الضغوط على لبنان إنَّما من جهة قراره بوحدة المسار مع سوريا، لذلك لـم نُلاحظ وجود إرادة عربية حقيقية بالشراكة، لقد لاحظنا مؤتمرات القمة ولكنَّنا رأينا أنَّها تركّز قرارات على الورق دون أن يتحقّق شيء ميداني لا سيما في المسار الفلسطيني لا على مستوى الضغط السياسي على إسرائيل ولا على مستوى المساعدات الاقتصادية، كما أنَّها لـم تستطع أن تحلّ بعض المشاكل العربية كمشكلة العراق والكويت وغيرها.

ليس هناك عالماً عربياً كما نرى العالـم الأوروبي حيثُ يمثّل الاتحاد الأوروبي معنى أوروبياً، رغم الاختلافات داخله بين بريطانيا وغيرها من الدول مثلاً، لكن هناك شيئاً أوروبياً حقيقياً بالرغم من تحالف بريطانيا مع أمريكا، فنحن نجد أنَّ هناك خطّة أوروبية لأن تكون أوروبا قوّة كبرى في مواجهة أمريكا على الأقل من الناحية الاقتصادية بينما ليس هناك شيئاً عربياً في هذا المجال، حتّى أمام إسرائيل إنَّنا نجد أنَّ بعض الدول العربية تعمل الآن على الاعتراف الواقعي بإسرائيل وغير مستعدة أن تغلق مكتباً اقتصادياً مع إسرائيل رغم مقررات القمة العربية.

س: ما هي برأيكم خلفية الحملة التي أثيرت على اتهام الرئيس بشار الأسد بأنَّه معاد للسامية؟

ج: إنَّ هذا الكلام مبعث للسخرية، إنَّنا نتهم إسرائيل بأنَّها معادية للسامية، لأنَّنا ساميون، إنَّ العرب ساميون، لذلك لا معنى لأي حديثٍ عن معاداة العرب للسامية نحن معادون لبعض الذين يستغلون السامية بعيداً عن قيم السامية إذا كان للسامية قيم في هذا المجال.

وأعتقد أنَّ الرئيس بشار لـم يتعرّض وهو يستقبل البابا للدين اليهودي بل تعرّض لليهود الذين تحدّث عنهم القرآن من خلال إدانة صفاتهم السلوكية في علاقاتهم مع العالـم الآخر، ذلك أنَّهم يقتلون بغيـر حقّ، وأنَّهم ينكـرون عهد اللّه من بعد ميثاقـه [ لتجدنّ أشدّ النّاس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا] .

الرئيس بشار تحدّث وفق المنطق القرآني بالتركيز على الحالة السلوكية لليهود وليس الحالة الدينية وإن كنّا نختلف معهم في بعض خصوصيات فهمهم للدين اليهودي.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية