العراق بحاجة إلى مجلس إسلامي أعلى لا فرصة لخارطة طريق سورية أو لبنانية

العراق بحاجة إلى مجلس إسلامي أعلى لا فرصة لخارطة طريق سورية أو لبنانية
 

أجرت مجلة "فيض الكوثر" العراقية حواراً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، في عددها 12/75 الصادر في النجف الأشرف في النصف الأول من شهر رمضان 1424هـ.

تطرّق الحوار إلى الوضع العراقي وآفاقه المستقبلية، ودور الحوزة العلمية، وقضية فلسطين المحتلّة، وأزمة الشرق الأوسط.

وفي ما يأتي النص الكامل للحوار:

الخطاب السياسي الشيعي في العراق

* كيف ترى الخطاب السياسي الشيعي في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ العراق؟

ـ إنني أرحّب بالخطاب الشيعي الوحدويّ الذي يؤكد على الوحدة في ما يتفق عليه المسلمون، وعلى الحوار في ما يختلفون فيه، وعلى العقلانية والموضوعية في إدارة المشاكل الطارئة والأخذ بأسباب الوحدة الوطنية في تأسيس العراق الجديد، ولكننا نسمع بين وقت وآخر بعض الإثارات العصبية المذهبية مما لا ينفع الشيعة ولا السنة ولا العراق كله في مرحلته الصعبة التي تحفُّ بها الأخطار من كل جانب.

* هل تؤيّدون إقامة حكومة إسلامية في العراق على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران؟ ولماذا؟

ـ إننا إسلاميون نعمل من أجل حكم الإسلام في العراق وفي كل البلاد الإسلامية، بل إننا ندعو إلى أسلمة العالم بالحكمة والموعظة الحسنة.. وليس من الضروري أن يكون الحكم الإسلامي في العراق على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران، لأن هناك اجتهادات متنوّعة على صعيد النظرية والتطبيق مما قد يختلف مع التجربة الإسلامية في إيران.

* ما رأيكم بتأسيس المجلس الشيعي الأعلى في العراق على غرار التجربة اللبنانية في هذا المجال؟

ـ إنني لا أجد مصلحة في هذا المشروع الذي قد يؤدي إلى تعميق المشاعر المذهبية الحادة، مما يترك تأثيراً سلبياً على أكثر من صعيد على مستوى الإسلام والوطن كله، ولعلّ السعي إلى مجلس إسلامي أعلى يؤكّد وحدة المسلمين وينظم أمورهم العامة أقرب إلى المصلحة الإسلامية العليا.

* ماذا تريد الحوزة العلمية الشريفة من الدستور العراقي الجديد؟

ـ إنّ الحوزة لا تستطيع إلا أن تطرح الإسلام في الدستور العراقي الجديد، لأن أي طرح مخالف للإسلام هو انحراف وخيانة لرسالتها الإسلامية ودورها القيادي في تأصيل الإسلام في الواقع.

فصل الدين عن السياسة

* شعار فصل الدين عن السياسة من الشعارات التي نعتقد أن لها أثراً سلبياً على مستقبل الدين والسياسة في العراق، فما هو رأيكم في هذا الشعار؟

ـ إنه شعار غربي انطلق في الواقع الديني في الغرب الذي لم يكن فيه للدين قاعدته الفكرية التشريعية الحركية، ولذلك فإن فصل الدين عن السياسة هو أمر تفرضه طبيعة تلك النظرة في نطاق ذلك الواقع، أما الإسلام الذي بدأ ديناً يحتضن الدولة ويخطط للشريعة التي تمثل الدستور والقانون ويحرك الواقع في ساحة الحرب والسلم ومواجهة التحديات، فإن فصله عن الدولة يعني فصل الشيء عن ذاته.. ولعلّ أبلغ دليل على ذلك، هو قوله تعالى في سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، فإذا كان القيام بالقسط أساس الرسالات، فهل يمكن أن يقوم من دون سياسة للحكم وللحاكم وللمحكوم وللدستور وما إلى ذلك؟ إنه شعار مفصول عن الواقع الإسلامي، ومشكلة البعض من المثقفين أنهم يستهلكونه بشكل ببغائي.

* هل تؤيدون ابتعاد علماء الحوزة الشريفة في النجف عن التدخل في الوضع السياسي الحالي؟ أم أنتم مع انفتاحهم على الشارع العراقي عموماً والشيعي خصوصاً؟

ـ إن دور علماء الإسلام هو القيام بالمسؤوليات الإسلامية من خلال تحريك الإسلام في حياة الناس العامة والخاصة على مستوى الواقع والدولة، ولذلك فإن دورهم لا بد أن يكون حركياً قيادياً تأسيسياً، بحيث يكون لهم الموقع المتحرك في الأفق الواسع في الشارع العراقي حسب طبيعة المرحلة، لأنهم هم المسؤولون عن استقامة الجانب الفكري والتطبيقي الإسلامي في واقع الناس.

دور الفضائيات العربية أثناء الحرب

* هل تعتقدون أن القنوات العربية كانت نزيهة ومنصفة في تعاملها مع الشأن العراقي أثناء الحرب وبعدها؟

ـ إن القنوات الفضائية ليست مستقلة في ممارسات المشرفين عليها، بل هي تابعة للدول المتنوعة التي تحركها من أجل سياستها التي قد تخضع لإيجاد حالة من الفوضى والإرباك في الشارع العراقي امتداداً للشارع العربي والإسلامي، وربما يخضع بعضها للمخابرات الدولية التي كانت تعمل على إثارة الفوضى في داخل العراق تمهيداً للاحتلال وتلميعاً لصورة النظام الطاغي.

صلاة الجمعة في عهد الطاغية

* ماذا تمثل صلاة الجمعة التي أقامها المرجع الشهيد آية الله السيد محمد صادق الصدر(قده) في عهد الطاغية المجرم؟

ـ إنني أعتقد أن صلاة الجمعة التي لم يؤكد القرآن الكريم على أيّ صلاة كما أكد عليها، هي الفريضة التي جرت التقاليد الحوزوية على إهمالها، وقد كنت أول من أصدر بياناً مؤيداً للسيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله) في إقامته لصلاة الجمعة، واعتبرتها نقلة نوعية في أسلوب التوعية الإسلامية الجماهيرية وكسر الحاجز الذي فرضه النظام الطاغي على الواقع الإسلامي الشيعي في العراق في تقييد الحريات الدينية ما أدى إلى وعي جماهيري عاطفي فكري لا تزال آثاره الإيجابية تمتد حتى اليوم.

* أين يجد السيد فضل الله نفسه: فقيهاً عالماً، أم سياسياً، أم مجاهداً؟

ـ لست في موقع الحديث عن ذلك، لكنني عشت الفقه والأصول في مدى ما يقارب النصف قرن تلميذاً ومدرّساً ومذاكراً ومؤلّفاً، وقد بدأت أبحاث الخارج في لبنان وسوريا قبل أكثر من ثلاثين سنة، كما أنني في موقعي الإسلامي الحركي انطلقت من أجل تحريك الوعي السياسي الجهادي في الأمة، لأنني أرى أن هذه هي وظيفة المرجعية الرشيدة في مشروع المرجعية المؤسسة، اقتداءً بالخط النبوي الأصيل الذي كان يجمع الإسلام وحدةً لا تتجزّأ، وأن القائمين على شؤونه لا بد أن يتوفروا من موقعهم القيادي على إدارة الموقع الإسلامي فتوىً وحركةً ومنهجاً ومواجهةً للتحديات في نطاق القواعد الإسلامية الثابتة.

اللطـم والتطبيـر

* إجابتكم السابقة جعلتنا نتذكر ذات يوم عندما كنا نتصفّح في أحد مواقع الإنترنت، والذي كما يبدو ذا نفس وهابي، وقرأنا لكم فتوى بتحريم اللطم والتطبير وضرب الزنجيل، فما حقيقة ذلك؟

ـ لقد أكدنا في كتابنا (من وحي عاشوراء وحديث عاشوراء)، أن العاطفة تمثل ضرورة حركية حيوية في الذكرى الحسينية، ولكننا نؤمن بتطوير أساليب العاطفة تبعاً لتطوّرها في مدى التاريخ، كما أننا نؤمن بحرمة الإضرار بالنفس، فلا يجوز للمكلف الإضرار بجسده باللطم الذي يؤدي إلى الضرر، لا اللطم الذي يعبر بأسلوبه عن الحزن الهادىء العميق، كما لا يجوز له التطبير الذي يمثل الإضرار بالجسد حتى لو لم يؤدّ إلى التهلكة، وكذلك ضرب الزنجيل الذي قد يؤدي إلى الإدماء أو إلى اسوداد الجلد.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن بعض هذه العادات قد تؤدي إلى النظرة السلبية للمذهب، ما يؤدي إلى هتك حرمته، كما يقول السيد الخوئي(قده) في الكتاب الذي يجمع فتاواه ويؤكد إلى جانب ذلك أنه ليس من الشعائر... وفي ضوء ذلك، فإن المسألة مسألة اجتهادية على صعيد النظرية والتطبيق.

البيانـات المضـادّة

* من المعروف أن سماحتكم قد تعرّض إلى حملة هجومية من البيانات (المفبركة) من قِبَل أعداء الإسلام والمذهب، فما هي برأيكم مبررات تلك الحملة؟

ـ إن المشكلة هي في أعداء المذهب في الخطِّ الإسلامي الواعي الأصيل من داخل المذهب وخارجه انطلاقاً من العقدة الذاتية، وليس من المستبعد أن تكون لأجهزة المخابرات الداخلية والخارجية دور في ذلك لإثارة الفتنة بين المسلمين في المذهب الواحد أو في الدين الواحد، ولعلّ مشكلة البعض من هؤلاء، أنهم لا يؤكدون القاعدة العلمية في تحديد المصطلحات في الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والضروري والنظري، فيعتبر الإيمان الواعي كفراً، والهدى المنفتح ضلالاً، والنظري ضرورياً لإثارة الغوغاء ضد خط الوعي، إضافةً إلى تحريف الكلام وتقطيعه على طريقة (لا تقربوا الصلاة) و(ويلٌ للمصلين)، وقد حرّموا قراءة الكتب لأنهم يخافون من انكشافهم في تصوير الأمر على غير حقيقته أمام الناس.

* هذا يعني أن من ينسب لكم إنكار مظلومية الزهراء(عليها السلام) ينصبُّ في طريق حملة البيانات (المفبركة) نفسها، أم أن لكم رأياً آخر؟

ـ إن مظلومية الزهراء (عليها السلام) امتداد لمظلومية الإمام علي( عليه السلام) في الإطار الواقع لمظلومية الإسلام الأصيل في قيادته المعصومة الرشيدة، وهذا ما تمثل في التهديد بإحراق البيت العلوي الفاطمي، وباغتصاب فدك، وبغصب الخلافة من صاحب الشرعية النبوية، وهذا هو ما انطلقت به الزهراء لتؤصله وتؤكده وتدافع عنه بحركتها وخطابها التاريخي، وهنالك بعض التفاصيل التي اختلف العلماء والمؤرخون فيها، مما قد يجتهد فيه المجتهدون، مع الاتفاق في مستوى الضروري، بأن القضية الأساس هي قضية الإمامة التي أمر الله نبيّه محمداً (صلى الله عليه وآله) بتبليغها في يوم الغدير وقد بلّغها بكل وضوح.

أما قضية العصمة للزهراء(عليها السلام)، فهي ثابتة من خلال أنها من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأنها سيدة نساء العالمين، ما يؤكد معنى العصمة التي تتميز بها عن بقية النساء، وأن حياتها كانت تجسيداً للعصمة، وهذا هو ما ذكرناه في أكثر من خطبة وتصريح وكتاب، ولكن القوم يكذبون في ما لا يكذب فيه!.

* على هذا، هل تكون العصمة من المسائل التي يجب الاعتقاد بها، وأن إنكارها يدخل الإنسان في فيلق الكفر؟

ـ إن العصمة من خصائص الكمال في النبوّة والإمامة، ولا سيما أنها الصفة التي تؤكد الثقة بالتبليغ عن الله وعن رسوله ما يجعلها ضرورة نبوية إمامية، ولكنها ليست من المسائل التي يوجب إنكارها الكفر.

الوضع في فلسطين ومستقبل التضامن

* لو سمح لنا سماحة السيد أن ننتقل إلى قضية الشرق الأوسط لنرى ما هي نظرتكم إلى مشروع الهدنة الفلسطينية التي أعلنتها فصائل المقاومة مؤخراً، وما مدى تأثيرها على مستقبل الانتفاضة الفلسطينية؟

ـ لقد انتهت الهدنة التي كانت مشروعاً لحماية الوحدة الفلسطينية وفترة استراحة للمجاهدين، ودخلت القضية الفلسطينية في تحدّيات جديدة، لا سيما بعد أن اعتبر الاتحاد الأوروبي المجاهدين في الانتفاضة من منظّمات الإرهاب، وعلى المسلمين جميعاً أن يقفوا مع هذا الشعب المجاهد في محنته في الضغوط التي يواجهها في السياسة الإرهابية الأمريكية، الإسرائيلية، الأوروبية، لأن القضية الفلسطينية هي أم القضايا العربية والإسلامية.

* كيف تقيِّمون منهجية المقاومة في لبنان وفلسطين؟ وما هي السبل التي يمكن أن تسلكها فصائل الانتفاضة للحفاظ على منهجية المقاومة في هذا الظرف؟

ـ إننا نعتقد بأن المقاومة في الأمة ضد الاحتلال لا بد وأن تبقى خطاً استراتيجياً يخضع للتخطيط الدقيق للخطة والأسلوب، والحركة والمواكبة للمتغيرات السياسية والتطورات الأمنية في المنطقة والعالم، لأن أية حركة محلية مرتبطة عضوياً بالواقع الإقليمي والدولي.

أما المقاومة في لبنان، فقد نجحت منهجيتها في الاستفادة من التربية الجهادية والتخطيط العملي والتوعية الروحية، ما أدى بها إلى النصر، وهي الآن في مرحلتها الحاضرة تدرس الظروف الصعبة المحيطة بالمنطقة والعالم.. ولكنها تبقى في موقع توازن الرعب ضد العدو الإسرائيلي... أما المقاومة الفلسطينية، فقد استطاعت أن تسقط الخطة الأمريكية والإسرائيلية في إسقاط المشروع الفلسطيني في التحرير بالرغم من اختلال ميزان القوة بشكل كبير جداً لا مجال فيه للمقارنة، وسوف يصلون بإذن الله إلى النصر إن عاجلاً أو آجلاً. ولكن لا بد لها أن تعمل على تطوير وسائلها وتنويع أوضاعها، وإيجاد حالة من التنسيق والواقعية بين حركة الانتفاضة ووحدة الشعب الفلسطيني، ومتابعة المتغيرات العالمية على الصعيدين السياسي والأمني، من دون السقوط تحت تأثير التهاويل الموجّهة إليها.

* لكن بعض المراقبين يرون أن أزمة الشرق الأوسط على الجبهة السورية واللبنانية يمكن أن تنتهي بخارطة طريق سورية أو لبنانية، فهل الظروف السياسية في المنطقة مهيّأة لحصول هذا المشروع؟

ـ لا أتصوّر أن هناك أي فرصة في المستقبل القريب على الأقل ـ لمثل هذه الطريقة ـ مع التأكيد على أن الخارطة في مصلحة إسرائيل لا العرب.

في مواجهـة العولمـة

* يسعى علماء الأمة والمثقفون الإسلاميون إلى خلق تيار واعٍ لمواجهة العولمة التي تنساب علينا من كلِّ حدب وصوب، فهل ترون أن اختلاف البيئات التي يعملون عليها يؤدي إلى اختلاف المباني الفكرية التي ينطلقون منها؟

ـ إن المشكلة التي تواجه التيار الإسلامي الواعي، هي سيطرة قوى التخلف والانحطاط الفكري، والبعد عن مناخ المعاصرة على الساحة الثقافية الإسلامية، لا سيما وأن الذين يشرفون على ذلك، يمتلكون مواقع متقدمة قادرة على إثارة الغوغاء عاطفياً ضد كل تيار إصلاحي منفتح على حركة الإسلام في العالم على صعيد الدعوة والفكر والحركة.. ولكن المسألة هي أن مثل هذه المشكلة ليست متجذرة في وجدان الجيل الإسلامي الجديد الذي يأخذ بأسباب الثقافة، ويتحرك من أجل مواجهة علامات الاستفهام بقوة القائمين على شؤون الفكر الإسلامي الأصيل، أن تكون لهم شجاعة الموقف في خط المواجهة للتخلف، فلا يسقطون أمام التهاويل المثارة ضدهم أو الصدمات التي تتحداهم أو الاتهامات الباطلة الموجهة إليهم.. كما أن ذلك يفرض على الحركات الإسلامية الطليعية، أن لا يستغرقوا استغراقاً مطلقاً في المسألة الفكرية والثقافية، لأن أي سياسة إسلامية تعمل على أساس التغيير من خلال الإسلام، لا قيمة لها من دون قاعدة ثقافية أصيلة.

ولعلّ من الطبيعي أن على العاملين في هذا الاتجاه أن يكونوا واقعيين من حيث اختلاف البيئة في مستواها الثقافي، ومن حيث دراسة كل موقع حسب الظروف المحيطة به، على أساس عنوان الحكمة التي تتحرك مع الكتاب لتجمع حركية التطبيق مع خط النظرية. وفي ضوء ذلك، يمكن لنا أن نواجه تيار العولمة الذي يراد له لدى القائمين عليه السيطرة على كلِّ المقدرات الإسلامية، بالنفاذ إلى الجذور في المسألة الثقافية والاقتصادية والأمنية، وفي تغيير العناصر الأصيلة للشخصية الإسلامية.

تـوصيـات

* بعدما تقدم ـ سماحة السيد ـ لا بد أن ننهل من فكركم كلمة توجيهية لأبنائكم في مجلة فيض الكوثر، وهي تدخل عامها الخامس؟

ـ إنني أوجه لأبنائي المثقفين في مجلة (فيض الكوثر)، أن يعملوا على تطوير مجلتهم في المستوى الثقافي، بحيث تتجاوز الأسلوب التقليدي إلى الأسلوب المتطور المتناسب مع الذهنية المعاصرة في اختيار الموضوعات التي تشغل وجدان الإنسان المسلم المعاصر، وفي طريقة المعالجة الفكرية حتى للعناوين التاريخية القديمة، وفي صلابة الموقف أمام التحديات، لا سيما أن المرحلة الجديدة التي دخل فيها العراق الجريح هي من أكثر المراحل خطورةً على أكثر من صعيد، الأمر الذي يفرض الارتفاع إلى مستوى الطموح الإسلامي في تأسيس عراق إسلامي حر واعٍ وحدوي متحرك مع العالم المتغير، بتقديم تجربته وفكره للإنسان المعاصر الذي يجهل القاعدة الفكرية الحركية الحضارية للإسلام... لقد كان العراق قاعدة للحضارة في تنوعاتها، ونريده أن يستعيد هذا الدور في عهده الجديد على أساس القاعدة الإسلامية.

مجلة فيض الكوثر النجفية - عدد رقم 12/75 النصف الأول من شهر رمضان 1424 هـ 11/2003م

 

أجرت مجلة "فيض الكوثر" العراقية حواراً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، في عددها 12/75 الصادر في النجف الأشرف في النصف الأول من شهر رمضان 1424هـ.

تطرّق الحوار إلى الوضع العراقي وآفاقه المستقبلية، ودور الحوزة العلمية، وقضية فلسطين المحتلّة، وأزمة الشرق الأوسط.

وفي ما يأتي النص الكامل للحوار:

الخطاب السياسي الشيعي في العراق

* كيف ترى الخطاب السياسي الشيعي في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ العراق؟

ـ إنني أرحّب بالخطاب الشيعي الوحدويّ الذي يؤكد على الوحدة في ما يتفق عليه المسلمون، وعلى الحوار في ما يختلفون فيه، وعلى العقلانية والموضوعية في إدارة المشاكل الطارئة والأخذ بأسباب الوحدة الوطنية في تأسيس العراق الجديد، ولكننا نسمع بين وقت وآخر بعض الإثارات العصبية المذهبية مما لا ينفع الشيعة ولا السنة ولا العراق كله في مرحلته الصعبة التي تحفُّ بها الأخطار من كل جانب.

* هل تؤيّدون إقامة حكومة إسلامية في العراق على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران؟ ولماذا؟

ـ إننا إسلاميون نعمل من أجل حكم الإسلام في العراق وفي كل البلاد الإسلامية، بل إننا ندعو إلى أسلمة العالم بالحكمة والموعظة الحسنة.. وليس من الضروري أن يكون الحكم الإسلامي في العراق على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران، لأن هناك اجتهادات متنوّعة على صعيد النظرية والتطبيق مما قد يختلف مع التجربة الإسلامية في إيران.

* ما رأيكم بتأسيس المجلس الشيعي الأعلى في العراق على غرار التجربة اللبنانية في هذا المجال؟

ـ إنني لا أجد مصلحة في هذا المشروع الذي قد يؤدي إلى تعميق المشاعر المذهبية الحادة، مما يترك تأثيراً سلبياً على أكثر من صعيد على مستوى الإسلام والوطن كله، ولعلّ السعي إلى مجلس إسلامي أعلى يؤكّد وحدة المسلمين وينظم أمورهم العامة أقرب إلى المصلحة الإسلامية العليا.

* ماذا تريد الحوزة العلمية الشريفة من الدستور العراقي الجديد؟

ـ إنّ الحوزة لا تستطيع إلا أن تطرح الإسلام في الدستور العراقي الجديد، لأن أي طرح مخالف للإسلام هو انحراف وخيانة لرسالتها الإسلامية ودورها القيادي في تأصيل الإسلام في الواقع.

فصل الدين عن السياسة

* شعار فصل الدين عن السياسة من الشعارات التي نعتقد أن لها أثراً سلبياً على مستقبل الدين والسياسة في العراق، فما هو رأيكم في هذا الشعار؟

ـ إنه شعار غربي انطلق في الواقع الديني في الغرب الذي لم يكن فيه للدين قاعدته الفكرية التشريعية الحركية، ولذلك فإن فصل الدين عن السياسة هو أمر تفرضه طبيعة تلك النظرة في نطاق ذلك الواقع، أما الإسلام الذي بدأ ديناً يحتضن الدولة ويخطط للشريعة التي تمثل الدستور والقانون ويحرك الواقع في ساحة الحرب والسلم ومواجهة التحديات، فإن فصله عن الدولة يعني فصل الشيء عن ذاته.. ولعلّ أبلغ دليل على ذلك، هو قوله تعالى في سورة الحديد: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، فإذا كان القيام بالقسط أساس الرسالات، فهل يمكن أن يقوم من دون سياسة للحكم وللحاكم وللمحكوم وللدستور وما إلى ذلك؟ إنه شعار مفصول عن الواقع الإسلامي، ومشكلة البعض من المثقفين أنهم يستهلكونه بشكل ببغائي.

* هل تؤيدون ابتعاد علماء الحوزة الشريفة في النجف عن التدخل في الوضع السياسي الحالي؟ أم أنتم مع انفتاحهم على الشارع العراقي عموماً والشيعي خصوصاً؟

ـ إن دور علماء الإسلام هو القيام بالمسؤوليات الإسلامية من خلال تحريك الإسلام في حياة الناس العامة والخاصة على مستوى الواقع والدولة، ولذلك فإن دورهم لا بد أن يكون حركياً قيادياً تأسيسياً، بحيث يكون لهم الموقع المتحرك في الأفق الواسع في الشارع العراقي حسب طبيعة المرحلة، لأنهم هم المسؤولون عن استقامة الجانب الفكري والتطبيقي الإسلامي في واقع الناس.

دور الفضائيات العربية أثناء الحرب

* هل تعتقدون أن القنوات العربية كانت نزيهة ومنصفة في تعاملها مع الشأن العراقي أثناء الحرب وبعدها؟

ـ إن القنوات الفضائية ليست مستقلة في ممارسات المشرفين عليها، بل هي تابعة للدول المتنوعة التي تحركها من أجل سياستها التي قد تخضع لإيجاد حالة من الفوضى والإرباك في الشارع العراقي امتداداً للشارع العربي والإسلامي، وربما يخضع بعضها للمخابرات الدولية التي كانت تعمل على إثارة الفوضى في داخل العراق تمهيداً للاحتلال وتلميعاً لصورة النظام الطاغي.

صلاة الجمعة في عهد الطاغية

* ماذا تمثل صلاة الجمعة التي أقامها المرجع الشهيد آية الله السيد محمد صادق الصدر(قده) في عهد الطاغية المجرم؟

ـ إنني أعتقد أن صلاة الجمعة التي لم يؤكد القرآن الكريم على أيّ صلاة كما أكد عليها، هي الفريضة التي جرت التقاليد الحوزوية على إهمالها، وقد كنت أول من أصدر بياناً مؤيداً للسيد الشهيد محمد الصدر(رحمه الله) في إقامته لصلاة الجمعة، واعتبرتها نقلة نوعية في أسلوب التوعية الإسلامية الجماهيرية وكسر الحاجز الذي فرضه النظام الطاغي على الواقع الإسلامي الشيعي في العراق في تقييد الحريات الدينية ما أدى إلى وعي جماهيري عاطفي فكري لا تزال آثاره الإيجابية تمتد حتى اليوم.

* أين يجد السيد فضل الله نفسه: فقيهاً عالماً، أم سياسياً، أم مجاهداً؟

ـ لست في موقع الحديث عن ذلك، لكنني عشت الفقه والأصول في مدى ما يقارب النصف قرن تلميذاً ومدرّساً ومذاكراً ومؤلّفاً، وقد بدأت أبحاث الخارج في لبنان وسوريا قبل أكثر من ثلاثين سنة، كما أنني في موقعي الإسلامي الحركي انطلقت من أجل تحريك الوعي السياسي الجهادي في الأمة، لأنني أرى أن هذه هي وظيفة المرجعية الرشيدة في مشروع المرجعية المؤسسة، اقتداءً بالخط النبوي الأصيل الذي كان يجمع الإسلام وحدةً لا تتجزّأ، وأن القائمين على شؤونه لا بد أن يتوفروا من موقعهم القيادي على إدارة الموقع الإسلامي فتوىً وحركةً ومنهجاً ومواجهةً للتحديات في نطاق القواعد الإسلامية الثابتة.

اللطـم والتطبيـر

* إجابتكم السابقة جعلتنا نتذكر ذات يوم عندما كنا نتصفّح في أحد مواقع الإنترنت، والذي كما يبدو ذا نفس وهابي، وقرأنا لكم فتوى بتحريم اللطم والتطبير وضرب الزنجيل، فما حقيقة ذلك؟

ـ لقد أكدنا في كتابنا (من وحي عاشوراء وحديث عاشوراء)، أن العاطفة تمثل ضرورة حركية حيوية في الذكرى الحسينية، ولكننا نؤمن بتطوير أساليب العاطفة تبعاً لتطوّرها في مدى التاريخ، كما أننا نؤمن بحرمة الإضرار بالنفس، فلا يجوز للمكلف الإضرار بجسده باللطم الذي يؤدي إلى الضرر، لا اللطم الذي يعبر بأسلوبه عن الحزن الهادىء العميق، كما لا يجوز له التطبير الذي يمثل الإضرار بالجسد حتى لو لم يؤدّ إلى التهلكة، وكذلك ضرب الزنجيل الذي قد يؤدي إلى الإدماء أو إلى اسوداد الجلد.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن بعض هذه العادات قد تؤدي إلى النظرة السلبية للمذهب، ما يؤدي إلى هتك حرمته، كما يقول السيد الخوئي(قده) في الكتاب الذي يجمع فتاواه ويؤكد إلى جانب ذلك أنه ليس من الشعائر... وفي ضوء ذلك، فإن المسألة مسألة اجتهادية على صعيد النظرية والتطبيق.

البيانـات المضـادّة

* من المعروف أن سماحتكم قد تعرّض إلى حملة هجومية من البيانات (المفبركة) من قِبَل أعداء الإسلام والمذهب، فما هي برأيكم مبررات تلك الحملة؟

ـ إن المشكلة هي في أعداء المذهب في الخطِّ الإسلامي الواعي الأصيل من داخل المذهب وخارجه انطلاقاً من العقدة الذاتية، وليس من المستبعد أن تكون لأجهزة المخابرات الداخلية والخارجية دور في ذلك لإثارة الفتنة بين المسلمين في المذهب الواحد أو في الدين الواحد، ولعلّ مشكلة البعض من هؤلاء، أنهم لا يؤكدون القاعدة العلمية في تحديد المصطلحات في الكفر والإيمان، والهدى والضلال، والضروري والنظري، فيعتبر الإيمان الواعي كفراً، والهدى المنفتح ضلالاً، والنظري ضرورياً لإثارة الغوغاء ضد خط الوعي، إضافةً إلى تحريف الكلام وتقطيعه على طريقة (لا تقربوا الصلاة) و(ويلٌ للمصلين)، وقد حرّموا قراءة الكتب لأنهم يخافون من انكشافهم في تصوير الأمر على غير حقيقته أمام الناس.

* هذا يعني أن من ينسب لكم إنكار مظلومية الزهراء(عليها السلام) ينصبُّ في طريق حملة البيانات (المفبركة) نفسها، أم أن لكم رأياً آخر؟

ـ إن مظلومية الزهراء (عليها السلام) امتداد لمظلومية الإمام علي( عليه السلام) في الإطار الواقع لمظلومية الإسلام الأصيل في قيادته المعصومة الرشيدة، وهذا ما تمثل في التهديد بإحراق البيت العلوي الفاطمي، وباغتصاب فدك، وبغصب الخلافة من صاحب الشرعية النبوية، وهذا هو ما انطلقت به الزهراء لتؤصله وتؤكده وتدافع عنه بحركتها وخطابها التاريخي، وهنالك بعض التفاصيل التي اختلف العلماء والمؤرخون فيها، مما قد يجتهد فيه المجتهدون، مع الاتفاق في مستوى الضروري، بأن القضية الأساس هي قضية الإمامة التي أمر الله نبيّه محمداً (صلى الله عليه وآله) بتبليغها في يوم الغدير وقد بلّغها بكل وضوح.

أما قضية العصمة للزهراء(عليها السلام)، فهي ثابتة من خلال أنها من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وأنها سيدة نساء العالمين، ما يؤكد معنى العصمة التي تتميز بها عن بقية النساء، وأن حياتها كانت تجسيداً للعصمة، وهذا هو ما ذكرناه في أكثر من خطبة وتصريح وكتاب، ولكن القوم يكذبون في ما لا يكذب فيه!.

* على هذا، هل تكون العصمة من المسائل التي يجب الاعتقاد بها، وأن إنكارها يدخل الإنسان في فيلق الكفر؟

ـ إن العصمة من خصائص الكمال في النبوّة والإمامة، ولا سيما أنها الصفة التي تؤكد الثقة بالتبليغ عن الله وعن رسوله ما يجعلها ضرورة نبوية إمامية، ولكنها ليست من المسائل التي يوجب إنكارها الكفر.

الوضع في فلسطين ومستقبل التضامن

* لو سمح لنا سماحة السيد أن ننتقل إلى قضية الشرق الأوسط لنرى ما هي نظرتكم إلى مشروع الهدنة الفلسطينية التي أعلنتها فصائل المقاومة مؤخراً، وما مدى تأثيرها على مستقبل الانتفاضة الفلسطينية؟

ـ لقد انتهت الهدنة التي كانت مشروعاً لحماية الوحدة الفلسطينية وفترة استراحة للمجاهدين، ودخلت القضية الفلسطينية في تحدّيات جديدة، لا سيما بعد أن اعتبر الاتحاد الأوروبي المجاهدين في الانتفاضة من منظّمات الإرهاب، وعلى المسلمين جميعاً أن يقفوا مع هذا الشعب المجاهد في محنته في الضغوط التي يواجهها في السياسة الإرهابية الأمريكية، الإسرائيلية، الأوروبية، لأن القضية الفلسطينية هي أم القضايا العربية والإسلامية.

* كيف تقيِّمون منهجية المقاومة في لبنان وفلسطين؟ وما هي السبل التي يمكن أن تسلكها فصائل الانتفاضة للحفاظ على منهجية المقاومة في هذا الظرف؟

ـ إننا نعتقد بأن المقاومة في الأمة ضد الاحتلال لا بد وأن تبقى خطاً استراتيجياً يخضع للتخطيط الدقيق للخطة والأسلوب، والحركة والمواكبة للمتغيرات السياسية والتطورات الأمنية في المنطقة والعالم، لأن أية حركة محلية مرتبطة عضوياً بالواقع الإقليمي والدولي.

أما المقاومة في لبنان، فقد نجحت منهجيتها في الاستفادة من التربية الجهادية والتخطيط العملي والتوعية الروحية، ما أدى بها إلى النصر، وهي الآن في مرحلتها الحاضرة تدرس الظروف الصعبة المحيطة بالمنطقة والعالم.. ولكنها تبقى في موقع توازن الرعب ضد العدو الإسرائيلي... أما المقاومة الفلسطينية، فقد استطاعت أن تسقط الخطة الأمريكية والإسرائيلية في إسقاط المشروع الفلسطيني في التحرير بالرغم من اختلال ميزان القوة بشكل كبير جداً لا مجال فيه للمقارنة، وسوف يصلون بإذن الله إلى النصر إن عاجلاً أو آجلاً. ولكن لا بد لها أن تعمل على تطوير وسائلها وتنويع أوضاعها، وإيجاد حالة من التنسيق والواقعية بين حركة الانتفاضة ووحدة الشعب الفلسطيني، ومتابعة المتغيرات العالمية على الصعيدين السياسي والأمني، من دون السقوط تحت تأثير التهاويل الموجّهة إليها.

* لكن بعض المراقبين يرون أن أزمة الشرق الأوسط على الجبهة السورية واللبنانية يمكن أن تنتهي بخارطة طريق سورية أو لبنانية، فهل الظروف السياسية في المنطقة مهيّأة لحصول هذا المشروع؟

ـ لا أتصوّر أن هناك أي فرصة في المستقبل القريب على الأقل ـ لمثل هذه الطريقة ـ مع التأكيد على أن الخارطة في مصلحة إسرائيل لا العرب.

في مواجهـة العولمـة

* يسعى علماء الأمة والمثقفون الإسلاميون إلى خلق تيار واعٍ لمواجهة العولمة التي تنساب علينا من كلِّ حدب وصوب، فهل ترون أن اختلاف البيئات التي يعملون عليها يؤدي إلى اختلاف المباني الفكرية التي ينطلقون منها؟

ـ إن المشكلة التي تواجه التيار الإسلامي الواعي، هي سيطرة قوى التخلف والانحطاط الفكري، والبعد عن مناخ المعاصرة على الساحة الثقافية الإسلامية، لا سيما وأن الذين يشرفون على ذلك، يمتلكون مواقع متقدمة قادرة على إثارة الغوغاء عاطفياً ضد كل تيار إصلاحي منفتح على حركة الإسلام في العالم على صعيد الدعوة والفكر والحركة.. ولكن المسألة هي أن مثل هذه المشكلة ليست متجذرة في وجدان الجيل الإسلامي الجديد الذي يأخذ بأسباب الثقافة، ويتحرك من أجل مواجهة علامات الاستفهام بقوة القائمين على شؤون الفكر الإسلامي الأصيل، أن تكون لهم شجاعة الموقف في خط المواجهة للتخلف، فلا يسقطون أمام التهاويل المثارة ضدهم أو الصدمات التي تتحداهم أو الاتهامات الباطلة الموجهة إليهم.. كما أن ذلك يفرض على الحركات الإسلامية الطليعية، أن لا يستغرقوا استغراقاً مطلقاً في المسألة الفكرية والثقافية، لأن أي سياسة إسلامية تعمل على أساس التغيير من خلال الإسلام، لا قيمة لها من دون قاعدة ثقافية أصيلة.

ولعلّ من الطبيعي أن على العاملين في هذا الاتجاه أن يكونوا واقعيين من حيث اختلاف البيئة في مستواها الثقافي، ومن حيث دراسة كل موقع حسب الظروف المحيطة به، على أساس عنوان الحكمة التي تتحرك مع الكتاب لتجمع حركية التطبيق مع خط النظرية. وفي ضوء ذلك، يمكن لنا أن نواجه تيار العولمة الذي يراد له لدى القائمين عليه السيطرة على كلِّ المقدرات الإسلامية، بالنفاذ إلى الجذور في المسألة الثقافية والاقتصادية والأمنية، وفي تغيير العناصر الأصيلة للشخصية الإسلامية.

تـوصيـات

* بعدما تقدم ـ سماحة السيد ـ لا بد أن ننهل من فكركم كلمة توجيهية لأبنائكم في مجلة فيض الكوثر، وهي تدخل عامها الخامس؟

ـ إنني أوجه لأبنائي المثقفين في مجلة (فيض الكوثر)، أن يعملوا على تطوير مجلتهم في المستوى الثقافي، بحيث تتجاوز الأسلوب التقليدي إلى الأسلوب المتطور المتناسب مع الذهنية المعاصرة في اختيار الموضوعات التي تشغل وجدان الإنسان المسلم المعاصر، وفي طريقة المعالجة الفكرية حتى للعناوين التاريخية القديمة، وفي صلابة الموقف أمام التحديات، لا سيما أن المرحلة الجديدة التي دخل فيها العراق الجريح هي من أكثر المراحل خطورةً على أكثر من صعيد، الأمر الذي يفرض الارتفاع إلى مستوى الطموح الإسلامي في تأسيس عراق إسلامي حر واعٍ وحدوي متحرك مع العالم المتغير، بتقديم تجربته وفكره للإنسان المعاصر الذي يجهل القاعدة الفكرية الحركية الحضارية للإسلام... لقد كان العراق قاعدة للحضارة في تنوعاتها، ونريده أن يستعيد هذا الدور في عهده الجديد على أساس القاعدة الإسلامية.

مجلة فيض الكوثر النجفية - عدد رقم 12/75 النصف الأول من شهر رمضان 1424 هـ 11/2003م

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير