الاحتلال لا يميّز بين السنّة والشيعة والخلافات داخل الحوزة ضُخِّمت إعلامياً

الاحتلال لا يميّز بين السنّة والشيعة والخلافات داخل الحوزة ضُخِّمت إعلامياً
 

السيد محمد حسين فضل الله مفكّر اسلامي معروف ومرجعية شيعية مرموقة. كان أول شخصية إسلامية تندد بهجمات 11 سبتمبر(ايلول) الارهابية في أميركا، كما كان أول شخصية إسلامية تصدر فتوى بعدم جواز مساعدة أميركا في حربها ضد العراق.
وفي هذا الحوار يتحدث عن واقع المنطقة بعد أحداث العراق الأخيرة وتداعياتها على الأمة، وخصوصاً الطائفة الشيعية في العراق وما يقال عن خلافات على الزعامة والمرجعية ومدى تقبّلهم وجود قوات أميركية قرب المقامات الإسلامية في جنوب العراق.

ماذا بعد الاحتلال؟

* كيف تقوّمون واقع المنطقة العربية بعد انتهاء الحرب في العراق؟

ـ عندما ندرس المناخ الذي عاش فيه العالم الإسلامي، قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها، نلاحظ مسألة إيجابية في الجانب الشعوري الذي ينفتح على قضايا العالم الإسلامي بعيداً عن الإقليمية والقومية والعرقية. فقد اندفع العالم الإسلامي على مستوى الشعوب في رفضه لهذه الحرب، من قبل ومن بعد، ما يوحي بأن الأرضية الإسلامية، ولو على المستوى الشعوري، تعيش هذه الوحدة الإسلامية المنفتحة على وعي سياسي يغلب فيه العام على الخاص.

كلّنا نعلم من خلال تاريخ النظام في العراق أنّ هذا النظام لم يستطع أن ينفذ إلى وجدان أي مسلم، لأنه النظام الذي أعطته أميركا كلّ القوة ليقوم بالدور الموكول إليه في حرب إيران وفي احتلال الكويت لتحصل أميركا من خلال ذلك على الاستيلاء على المنطقة وشرعنة وجودها فيها. والمسلمون كلهم يعارضون خطط أميركا في المنطقة ويعلمون أنها أرغمت الكثير من الأنظمة لأن تقف معها... ونحن، على هذا الأساس، نتفاءل بالمناخ الإسلامي المتعاطف والموحي بأن الأخوّة ما زالت موجودة، وأن الإسلام لم يمت بل لا يزال قوياً. فالجميع رفض احتلال الشعب العراقي، ولم يرفض مسألة إسقاط النظام العراقي، ولذلك فإننا تابعنا السقوط السريع للنظام العراقي، وننتظر لنعرف الكثير من أسرار ما حدث ويحدث. ولاحظنا أنّ الجماهير في كلّ العالم الإسلامي، وحتى في العراق، لم تصفّق للمحتل وإنّما صفّقت لسقوط النظام. وخرج العراقيون يقولون: لا لصدام لا للاحتلال.

لكن يبقى القول إنّ الخطّة الأميركية الآن تحاول توظيف "انتصارها" العسكري في العراق مع القضايا المعلقة للعالم الإسلامي وفي مقدمها القضية الفلسطينية، ذلك أن أمريكا اعتبرت هذه الهزيمة هزيمة للأمة لا للنظام. ولهذا فإنّها تصرّفت بعقلية "المنتصر" في إدارة الضغوط ضد إيران وسورية ولبنان من خلال مقاومته، وحتى ضدّ السعودية على أساس أن المطلوب من الجميع إدراك النتائج التي أفرزتها هذه الحرب، وأن يخضعوا بالتالي لمفاعليها فيقدّموا التنازلات هنا وهناك... لا بد أن نفكّر كيف نواجه هذه الخطة الأميركية التي تريد أن تتعامل مع العالم الإسلامي على أساس أنه المهزوم. يجب علينا أن ندرسها جيداُ، وخصوصاً في التصريحات المتلاحقة التي يتبادل فيها المسؤولون الأميركيون الأدوار.

إن على العالم الإسلامي، وفي مقدمه الشعب العراقي، أن ينـزع من ذهنه أنّ الولايات المتحدة جمعية خيرية، وأنّها تعمل من أجل تحرير العرب والمسلمون، فعليهم أن يعلموا أن إسقاط النظام ليس لسواد عيون الشعب العراقي، بل لأن أميركا تحتاج لهذا "العراق" الذي يملك رصيداُ من القوة، على مستوى الثروات، وعلى مستوى كفاءات شعبه المميزة، وعلى مستوى موقعه الإستراتيجي أيضاً، لذلك فإنها عملت على أن تملك كل العراق وأن تعيّن، إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، حكومة تنفّذ كلّ مخططاتها. فشعار الديمقراطية عندها هي ديمقراطية السطح والشكل لا ديمقراطية التغيير الحقيقي.

إنّ أميركا تتعامل مع دولنا العربية على أساس حرية الكلام لا حرية التغيير، ولهذا فإن على دول المنطقة، شعوباً ومسؤولين، أن يدرسوا الواقع وإمكان استقرار الاحتلال في العراق، وخصوصاً أنّ الأميركيون أعلنوا أنهم سيؤسسون قواعد عسكرية هناك، وربما يكون كل البلد قاعدة عسكرية ليشكل قاعدة لانطلاق ضغوطهم على الخليج.

إنني أعتقد أنّ دخول أميركا للعراق قد أربك العالم الإسلامي كله، ولذلك لابد أن يتدبّر الجميع أمرهم حتى لا تنفذ أمريكا، التي تخضع لإدارة متصهينة تدّعي أنّها مسيحية، والمسيحية منهم براء، مخططاتها في المنطقة.

* أكّدتم أنّ الوجود الأميركي في العراق هو احتلال، وأنّ للاميركيين أهدافاً هناك، فهل سيفرز هذا الاحتلال حال من المقاومة، شبيهة بما حصل في أفغانستان بعد الاجتياح السوفياتي لها؟

ـ في المناخ القريب الذي بدأ فيه الناس يتنفّسون الحرية لاحظنا أن الصوت الذي ارتفع عالياً هو الصوت الرافض للاحتلال من الجميع، من السنة والشيعة، فالكل رفض الاحتلال. وهناك الآن صحوة جديدة للوحدة الإسلامية، فنجد أنّ الشيعة يصلّون في مساجد السنة والسنّة يصلّون في مساجد الشيعة. هذا المناخ الرافض بالكلمة ربّما يتعاظم أكثر عندما تقع أميركا في أخطاء تفصيلية، كما حدث في حي الزعفرانية عندما انفجرت الذخائر وقتلت الأهالي، وهدد المدنيون بعدها بالثأر، فمثل هذه الأعمال ستشحن الشعب كله ضد الاحتلال. وعند ذلك سيتحرّك الذين يحسبون أنفسهم على المحتل ويعملون على أساس أنهم جماعة السلطان، ما يجعل الصوت يعلو أكثر، وربما يتحوّل إلى مقاومة متحرّكة، فقد دلّت التجربة التاريخية على أن الشعب العراقي لا يقبل بالاحتلال.

تهديدات للبنان

* تقول التقارير أن تنظيم حزب الله اللبناني مستهدف في المرحلة المقبلة، وقد يُطلب حلّه رسمياً، كيف تتعاملون مع هذه التقارير؟

ـ إنني أتصور أن هذه التقارير إعلامية، وهي تبسيط للمسألة، لأنّ قضية حزب الله والمقاومة الإسلامية مرتبطة بالقضية الفلسطينية. ولذلك من غير الواقع أن تتحرك هذه المسألة في شكل حار، على الطريقة العراقية، وحتى على الطريقة الإسرائيلية. فنحن عندما نفترض أنّ إسرائيل ستهاجم لبنان لتسقط سلاح حزب الله، نستعيد في ذاكرتنا ما حدث عندما جرّبت هذا العمل غير مرة ولم تستطع النجاح، بل خرجت مهزومة. لأنّ المقاومة هي مقاومة مقاتلة وقادرة، بفضل خبرتها العالية التي قد تتفوق على خبرة بعض الجيوش في العالم العربي، ولا يمكن أن تُهزم بسهولة.

لذلك إنّ تنفيذ إسرائيل لتهديداتها لا يخدم السياسة الأميركية، لأن أميركا أكثر حاجة الآن للتهدئة، لأسباب أهمها أن لقمة العراق لا تزال غير قابلة للهضم، وتحتاج للكثير من العقاقير السياسية والأمنية والاقتصادية لكي تهضم بعضاً منها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن أميركا تلوح للعالم العربي والإسلامي بخريطة الطريق، وتعتمد على الدول العربية في أن يسهّلوا تنفيذ هذه الخريطة على الأرض، إضافة إلى أن ضرب المقاومة الإسلامية في لبنان سيحدث هزة عربية إسلامية، بشكل لا تستطيع أميركا استيعابه. لذلك فإني أتصوّر أن هذه التهديدات للمقاومة هي تهديدات تهدف إلى عدم انطلاق المقاومة بعمليات عسكرية ضد إسرائيل لتصنع أمراً واقعاً يتمثل في اختلال الأمن في المنطقة. هذا ما أعتقده، وهناك حذر في الواقع ولكنه لا يصل لمستوى الرعب.

الموقف الشرعي من الاحتلال

* سيفرض الوجود الأميركي في العراق واقعاً ثقافياً وأخلاقياً يتصادم مع الثقافة الإسلامية، هل سيمثّل هذا خطراً على الهوية الإسلامية في العراق؟

ـ في الجانب الثقافي والاجتماعي، أتصوّر أن العراق يمثّل قاعدة للإسلام، بجناحيه السني والشيعي، كما أنّه يمثّل الحوزة العلمية التي خرّجت أكثر علماء الشيعة في العالم، وتتحرك إلى جانب المعاهد الموجودة عند أهل السنة هناك... هذه القاعدة الإسلامية العراقية تعمل على أسلمة العالم، ولذلك فإنّ أميركا لن تستطع أن تغيّر هذا المخزون الإسلامي الثقافي، وهذه القاعدة الإسلامية الواسعة. كما أنّ الذين تضعهم اميركا في الواجهة ليسوا في المستوى الذي يملكون فيه قاعدة قوية تستطيع أن تترك تأثيرها.

* نلاحظ أنّ علماء الإسلام في هذه الفترة ينقسمون في مواقفهم الشرعية، فقسم يرى في الوجود الأميركي في العراق تحريراً، وقسمٌ آخر ينظر إلى ذلك بريبة. أنتم كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

ـ إنّ أي عالم، يحترم إسلامه وأمّته، لا يمكن أن يركّز في ذهنه أنّ الذئب يحرر الحمل وأن الاستكبار العالمي يحرر "المستضعفين"! كما أنّ القرآن الكريم تحدّث عن مسألة المستكبرين بشكل حاسم، وتحدّث مع المستضعفين بما يواجهونه من مواقف في الدنيا والآخرة، وأنذرهم بألاّ يركنوا للمستكبرين، لأنّهم ليسوا موضع ثقة. لكلّ ذلك، ومن خلال دراستنا للواقع، لا نثق بأميركا ولا نعلم نيّاتها الحقيقية... فهي تكذب، حتى على حلفائها، وهي التي تتحدث عن الديمقراطية، تصرّح الآن بأنها ستعاقب كل من رفض الحرب، ولم يعطها الشرعية، وتجد أن من حقها استخدام الفيتو لمصلحة إسرائيل، ولا تجد من حق أي دولة أخرى استعماله للحفاظ على النظام الدولي... لذلك أقول "نحن لا نصدّق أميركا".

وإذا كان الشعب العراقي يعيش سعادة سقوط نظامه، فإنّه لا يعطي بذلك لأميركا الحق في السيطرة على العراق وعلى مقدّراته... ولا أدري لماذا ينسى الذين يصفّقون لأميركا، ويعتبرونها محررة، ما حلّ بالشعب الفلسطيني، وأنّ أميركا هي التي أعطت إسرائيل كل القوة، وصرّح مسؤولوها، كما صرح مسؤولو إسرائيل، بأن حرب العراق أبعدت خطراً كبيراً عن إسرائيل وأنها أنقذتها منه، لا من جهة سقوط صدام، ولكن لأنّه لا يُسمح أبداً بأن يكون العراق قوة توازي قوة إسرائيل... أنا أدعو لنكون واقعيين أكثر ونبتعد عن المثالية، لأنه لا وجود لها في عالم السياسة .

الوحدة بين السنة والشيعة

* هل تتوقع أن تُحدث أحداث العراق تقارباً كبيراً بين السنة والشيعة؟

ـ أرجو ذلك، وأنا من دعاة الوحدة الإسلامية التي لا خلاص للمسلمين ليكونوا قوة إلا بها. لذلك استطاعت هذه الحرب أن تعطي للمسلمين وعياً بأنه لا أحد يمكن أن يقلع شوكتهم وعلى المسلمين نبذ خلافاتهم القديمة والعمل معاًً لتجميدها، وأن ندرك أننا أمة واحدة يعمل أعداؤنا على تهميشنا، فهم لا يختلفون إلا على تقاسم ثرواتنا .

* تكملة للسؤال السابق، هل تعتقدون أن زمن الخوف من إيران والثورة الإسلامية قد تلاشى؟

ـ ليس ما أثاره كثيرون عند إنطلاقة الثورة الإسلامية في إيران من أنها تتحرك على أساس تصدير الثورة أمراً واقعياً. فهي بالتأكيد أسقطت عرش الطاووس وجردت أميركا من بعض مواقعها ولكنها لم تكن تملك الآليات التي تستطيع فيها تصدير الثورة لأن الثورة لا تصدر لأنها تنبع من الشعب نفسه... إلى ذلك، فإن إيران تصالحت مع كل جيرانها ودخلت في معاهدات أمنية مع السعودية، وعاشت أوضاعاً سلمية متعاونة مع دول الخليج والمنطقة وهي قديماً طرحت مسألة أن أمن الخليج للخليجيين.

لا يميزون بين المسلمين

* هل يزعجكم لجوء بعض رموز الشيعة والسنة إلى أميركا أو بريطانيا طلباً للدعم السياسي ضد أنظمة الحكم في بلادهم؟

ـ أنا معارض لأي تعاون مع أميركا، وكنت أول من أصدر فتوى بعدم جواز مساعدة أميركا في ضرب الشعب العراقي وفي تمكينها من السيطرة على مقدراته السياسيه والإقتصادية والأمنية. وقلت إن على كل شعب إسلامي حل مشاكله بنفسه من دون الخضوع للآخرين في الوقت الذي كنت أول شخصية إسلامية استنكرت ما حدث في 11 سبتمبر(إيلول)، لأننا لا نخلط بين هذا وذلك، ونعتقد أن ما حصل في ذلك اليوم بصرف النظر عن نيات أصحابه غير مبرر، مع العلم أننا لا نستطيع أن نحكم حكماً مبرماً بأن منفذيها هم من تتهمهم أميركا. فربما تكون قد اتجهت أصابع الاتهام إلى اليهود، وهذا ما أُثير في مرحلة، لكن سرعان ما طوي ذلك بفعل ضغط اللوبي اليهودي. وأعتقد أن من يذهب إلى بريطانيا أو أميركا ويدعوها لبلده لتحل له مشاكله كالذي يدعو الدب إلى كرمه.

* في إحدى المقولات لأحد رموز الشيعة المقيمين في لندن أن أميركا وأوروبا لا ترى في الشيعة خطراً عليها. هل توافق على هذه المقولة؟

ـ المسألة ليست أن يكون العنف شيعياً أو سنياً، بل هي تتعلق في القدرات التي يمتلكها المظلوم عندما يتهمه الظالم ويضغط عليه. والحقيقة أن السنة والشيعة معاً لا يرغبون في العنف على أساس العقدة أو روحية التدمير ضد الآخرين، ولكنهم يتحركون على أساس رد الفعل لأي مصادرة لحريتهم واستقلالهم. لقد كان الاستكبار العالمي، وفي مقدمه أميركا، يتحدث عن إرهاب شيعي في إيران ولبنان. وبعد التطورات الأخيرة، بدأوا يتحدثون عن إرهاب سني حتى أن بعض السفراء الأوروبيين عندما تحدثوا معي عن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول قالوا لي إن الحرب الآن ليست ضد الشيعة، فنحن ضد الإرهاب السني، وقلت لهم: لقد أخذ الشيعة حصتهم من الاتهام بالإرهاب ويراد أن تكون الحصة الآن للسنّة حتى تدجنوا العالم الإسلامي كله لتجعلوا سيف الاتهام بالإرهاب مسلطاً على رؤوسهم، ولكنكم سوف تصنعون إرهاباً أكبر، ليس لأنهم يحملون روحيه الإرهاب بل لأنكم تفرضون أنفسكم عليهم.

* يتحدث كثير من المحللين عن أن الضربة القادمة ستوجه للشيعة وخصوصاً أن إيران هي إحدى الدول التي تتهم بأنها مارقة وتدعم الإرهاب وتمثل محوراً للشر هل ترون واقعية لهذه التحليلات؟

ـ لا أتصور أن هناك شيئاً اسمه الشيعة أو غير الشيعة في المسألة الأمنية، لأن قضية أميركا من جهة وحلفائها من جهة أخرى تتحرك بالعنف أو بغير العنف من أجل مصالحها، ولذلك فإني لا أجد أية معطيات واقعية لضرب الشيعة وحدهم أو السنة وحدهم لأنهم يعيشون معاً في كل البلاد الإسلامية. أما إذا كان الحديث عن إيران فإن جميع المحللين السياسيين يؤكدون أنه لا يمكن لأميركا أن تدخل في أي حرب عسكرية ضد إيران.

موقف الحوزة من الاحتلال

* هل سيتقبل الشيعة وجود القوات الأميركية داخل كربلاء والنجف لفترة طويلة؟

ـ نحن كما نحترم الآخرين ودياناتهم، نريدهم أن يحترموا مقدساتنا. ولكننا نعتقد أن الإنسان المسلم أكثر جدارة بالاحترام من المؤسسات الدينية، ونحن لا نرضى لأي محتل أو ظالم أن يسيطر على مقدساتنا الإسلامية أو أن يقترب منها، ولكن القبول بعدم دخول المحتل إلى قرب المقدسات في مقابل الموافقة على احتلاله للمنطقة التي تعيش فيها هذه المقدسات أمر خاطئ... وحرية المسلمين تبقى لها القيمة الكبرى، ولا نرضى المساس بها.

* هل سيقبل علماء الحوزة الشيعية بقيادات علمانية أتت من أميركا وبريطانيا لتتولّى شؤون البلاد؟

ـ قد يرى البعض أنه عندما يطرح عنوان دولة ديمقراطية تعددية، فإن الجميع سيقبل بهذا اضطراراً، لأنه لا مجال لأي حكم إسلامي بسبب ظروف الحرب. ولذلك نحاول أن نحصل للإسلام على أكبر قدر ممكن من المصداقية في هذا الوقت، لأننا لو طرحنا الإسلام، وخصوصاً في ظل حديث البعض بأن هناك أكثرية شيعية وأنهم يريدون نسج دولة على المنوال الإيراني لصادقوا على اتهامهم. ونحن نتحدث على أننا يمكن أن نتعايش مع الباطل ولا نعترف بشرعيته وعلى أساس أنه لا بد للناس من أمير حق أو باطل ليحفظ النظام. نحن كإسلاميين لا نقبل بغير الإسلام لكن إذا فرضت علينا الظروف القاسية والقاهرة نظاماً غير إسلامي فإننا نحاول العمل معاً على أن نحصل للإسلام في قيمه كالعدل والمساواة على أكبر قدر ممكن مع إعلاننا أن هذا النظام لا يمثلنا.

* لماذا دائماً يشكك في ولاء شيعة العراق ويحسبون دائماً على إيران؟

ـ هذا جزء من الحرب الإعلامية ضد الشيعة، وخصوصاً عندما انتفضوا ضد النظام العراقي عام 1991 وقمعت انتفاضتهم من قبل الأميركان، ومع ذلك فإن إيران تمثل الدولة ذات الأغلبية الشيعية ومن الطبيعي أن يحدث تعاطف بين أبناء المذهب الواحد في العالم، لكن المسألة السياسية قد تختلف.

هل من صراع على المرجعية؟

* بعد سقوط بغداد لوحظ ظهور خلافات بين أبناء المذهب الشيعي في العراق وكأنه خلاف الزعامة والمرجعية، وصراع بين المتشددين والمعتدلين، أنتم كمفكر إسلامي شيعي كيف تقوّمون الوضع هناك؟

ـ لا يوجد هناك خلافات والزعامة الشيعية بالمعنى الفقهي تحمل معها التعددية المرجعية. أما على المستوى السياسي، فالعراق كله يفتقر إلى قيادة، ولا أتصور أن هناك أزمة بين المتشددين والمعتدلين، بل هناك تيارات منها ما يدعو إلى الانطلاق في مواجهة الواقع السياسي كالاحتلال، وهناك من يرى عدم تدخل رجال الدين في السياسة. ومن الطبيعي أن الساحة عندما تكون واحدة وفي مرحلة أزمة كما هو الواقع في العراق، أن تحدث عندما يتحرك الفريق الذي يريد دخول الواقع السياسي تحت الشعار الديني من الباب الواسع بعض الخلافات البسيطة، وليست كما ضخمت إعلامياً.

* يعني ألن يغضب أفراد الزعامات الشيعية المعارضة من إخراجهم من لعبة القيادة الجديدة؟

ـ أميركا في كل لقاءاتها مع المعارضة كانت تطلب الحصول على شرعية عراقية تبرر لها حربها في العراق تحت عنوان إسقاط النظام، وهو مطلب عراقي، وخصوصاً أنها كانت تركز على أن تأخذ حربها شرعية إسلامية من خلال رجال الدين الذين حضروا اللقاءات. ولقد تحقّق هذا الهدف الأميركي وما تفعل أميركا الآن هو البحث عن شخصيات أخرى، وخصوصاً أنها تدعو لدولة علمانية على الطريقة التركية.

* يقال إنك ستزور النجف قريباً، هل هذا صحيح؟

ـ ليس عندي مخطط حالياً لزيارة النجف مع أنها بلدي الأول وفيها ولدت وتكونت عناصر شخصيتي من داخل ثقافتها وسيادتها وشخصياتها، ولا أزال وأنا خارج النجف أعيش بها بأحاسيسي، ولكن الظروف الموجودة، ولا سيما بقاء الاحتلال الأميركي، تمنعني من الذهاب اليها لأنني لا أدخل عراقاً محتلاً.

* ما صحة ما نقل على لسانكم من أنكم اتهمتم حزب الله بأنه ينفذ عملية اغتيال معنوية لك بالتعاون مع إيران؟

ـ في الحقيقة لقد قامت بعض الوكالات الدولية بتحريف كلامي، فما قلته إن هناك محاولة لاغتيالي معنوياً، وعندما سئلت هل هذا الاغتيال من قبل حزب الله قلت إنني لا أقصده، وحرف كلامي على حزب الله.

دمشق: علي محمد طه - الشرق الأوسط30 صفر 1424هـ/ 2-5-2003م.

 

السيد محمد حسين فضل الله مفكّر اسلامي معروف ومرجعية شيعية مرموقة. كان أول شخصية إسلامية تندد بهجمات 11 سبتمبر(ايلول) الارهابية في أميركا، كما كان أول شخصية إسلامية تصدر فتوى بعدم جواز مساعدة أميركا في حربها ضد العراق.
وفي هذا الحوار يتحدث عن واقع المنطقة بعد أحداث العراق الأخيرة وتداعياتها على الأمة، وخصوصاً الطائفة الشيعية في العراق وما يقال عن خلافات على الزعامة والمرجعية ومدى تقبّلهم وجود قوات أميركية قرب المقامات الإسلامية في جنوب العراق.

ماذا بعد الاحتلال؟

* كيف تقوّمون واقع المنطقة العربية بعد انتهاء الحرب في العراق؟

ـ عندما ندرس المناخ الذي عاش فيه العالم الإسلامي، قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها، نلاحظ مسألة إيجابية في الجانب الشعوري الذي ينفتح على قضايا العالم الإسلامي بعيداً عن الإقليمية والقومية والعرقية. فقد اندفع العالم الإسلامي على مستوى الشعوب في رفضه لهذه الحرب، من قبل ومن بعد، ما يوحي بأن الأرضية الإسلامية، ولو على المستوى الشعوري، تعيش هذه الوحدة الإسلامية المنفتحة على وعي سياسي يغلب فيه العام على الخاص.

كلّنا نعلم من خلال تاريخ النظام في العراق أنّ هذا النظام لم يستطع أن ينفذ إلى وجدان أي مسلم، لأنه النظام الذي أعطته أميركا كلّ القوة ليقوم بالدور الموكول إليه في حرب إيران وفي احتلال الكويت لتحصل أميركا من خلال ذلك على الاستيلاء على المنطقة وشرعنة وجودها فيها. والمسلمون كلهم يعارضون خطط أميركا في المنطقة ويعلمون أنها أرغمت الكثير من الأنظمة لأن تقف معها... ونحن، على هذا الأساس، نتفاءل بالمناخ الإسلامي المتعاطف والموحي بأن الأخوّة ما زالت موجودة، وأن الإسلام لم يمت بل لا يزال قوياً. فالجميع رفض احتلال الشعب العراقي، ولم يرفض مسألة إسقاط النظام العراقي، ولذلك فإننا تابعنا السقوط السريع للنظام العراقي، وننتظر لنعرف الكثير من أسرار ما حدث ويحدث. ولاحظنا أنّ الجماهير في كلّ العالم الإسلامي، وحتى في العراق، لم تصفّق للمحتل وإنّما صفّقت لسقوط النظام. وخرج العراقيون يقولون: لا لصدام لا للاحتلال.

لكن يبقى القول إنّ الخطّة الأميركية الآن تحاول توظيف "انتصارها" العسكري في العراق مع القضايا المعلقة للعالم الإسلامي وفي مقدمها القضية الفلسطينية، ذلك أن أمريكا اعتبرت هذه الهزيمة هزيمة للأمة لا للنظام. ولهذا فإنّها تصرّفت بعقلية "المنتصر" في إدارة الضغوط ضد إيران وسورية ولبنان من خلال مقاومته، وحتى ضدّ السعودية على أساس أن المطلوب من الجميع إدراك النتائج التي أفرزتها هذه الحرب، وأن يخضعوا بالتالي لمفاعليها فيقدّموا التنازلات هنا وهناك... لا بد أن نفكّر كيف نواجه هذه الخطة الأميركية التي تريد أن تتعامل مع العالم الإسلامي على أساس أنه المهزوم. يجب علينا أن ندرسها جيداُ، وخصوصاً في التصريحات المتلاحقة التي يتبادل فيها المسؤولون الأميركيون الأدوار.

إن على العالم الإسلامي، وفي مقدمه الشعب العراقي، أن ينـزع من ذهنه أنّ الولايات المتحدة جمعية خيرية، وأنّها تعمل من أجل تحرير العرب والمسلمون، فعليهم أن يعلموا أن إسقاط النظام ليس لسواد عيون الشعب العراقي، بل لأن أميركا تحتاج لهذا "العراق" الذي يملك رصيداُ من القوة، على مستوى الثروات، وعلى مستوى كفاءات شعبه المميزة، وعلى مستوى موقعه الإستراتيجي أيضاً، لذلك فإنها عملت على أن تملك كل العراق وأن تعيّن، إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، حكومة تنفّذ كلّ مخططاتها. فشعار الديمقراطية عندها هي ديمقراطية السطح والشكل لا ديمقراطية التغيير الحقيقي.

إنّ أميركا تتعامل مع دولنا العربية على أساس حرية الكلام لا حرية التغيير، ولهذا فإن على دول المنطقة، شعوباً ومسؤولين، أن يدرسوا الواقع وإمكان استقرار الاحتلال في العراق، وخصوصاً أنّ الأميركيون أعلنوا أنهم سيؤسسون قواعد عسكرية هناك، وربما يكون كل البلد قاعدة عسكرية ليشكل قاعدة لانطلاق ضغوطهم على الخليج.

إنني أعتقد أنّ دخول أميركا للعراق قد أربك العالم الإسلامي كله، ولذلك لابد أن يتدبّر الجميع أمرهم حتى لا تنفذ أمريكا، التي تخضع لإدارة متصهينة تدّعي أنّها مسيحية، والمسيحية منهم براء، مخططاتها في المنطقة.

* أكّدتم أنّ الوجود الأميركي في العراق هو احتلال، وأنّ للاميركيين أهدافاً هناك، فهل سيفرز هذا الاحتلال حال من المقاومة، شبيهة بما حصل في أفغانستان بعد الاجتياح السوفياتي لها؟

ـ في المناخ القريب الذي بدأ فيه الناس يتنفّسون الحرية لاحظنا أن الصوت الذي ارتفع عالياً هو الصوت الرافض للاحتلال من الجميع، من السنة والشيعة، فالكل رفض الاحتلال. وهناك الآن صحوة جديدة للوحدة الإسلامية، فنجد أنّ الشيعة يصلّون في مساجد السنة والسنّة يصلّون في مساجد الشيعة. هذا المناخ الرافض بالكلمة ربّما يتعاظم أكثر عندما تقع أميركا في أخطاء تفصيلية، كما حدث في حي الزعفرانية عندما انفجرت الذخائر وقتلت الأهالي، وهدد المدنيون بعدها بالثأر، فمثل هذه الأعمال ستشحن الشعب كله ضد الاحتلال. وعند ذلك سيتحرّك الذين يحسبون أنفسهم على المحتل ويعملون على أساس أنهم جماعة السلطان، ما يجعل الصوت يعلو أكثر، وربما يتحوّل إلى مقاومة متحرّكة، فقد دلّت التجربة التاريخية على أن الشعب العراقي لا يقبل بالاحتلال.

تهديدات للبنان

* تقول التقارير أن تنظيم حزب الله اللبناني مستهدف في المرحلة المقبلة، وقد يُطلب حلّه رسمياً، كيف تتعاملون مع هذه التقارير؟

ـ إنني أتصور أن هذه التقارير إعلامية، وهي تبسيط للمسألة، لأنّ قضية حزب الله والمقاومة الإسلامية مرتبطة بالقضية الفلسطينية. ولذلك من غير الواقع أن تتحرك هذه المسألة في شكل حار، على الطريقة العراقية، وحتى على الطريقة الإسرائيلية. فنحن عندما نفترض أنّ إسرائيل ستهاجم لبنان لتسقط سلاح حزب الله، نستعيد في ذاكرتنا ما حدث عندما جرّبت هذا العمل غير مرة ولم تستطع النجاح، بل خرجت مهزومة. لأنّ المقاومة هي مقاومة مقاتلة وقادرة، بفضل خبرتها العالية التي قد تتفوق على خبرة بعض الجيوش في العالم العربي، ولا يمكن أن تُهزم بسهولة.

لذلك إنّ تنفيذ إسرائيل لتهديداتها لا يخدم السياسة الأميركية، لأن أميركا أكثر حاجة الآن للتهدئة، لأسباب أهمها أن لقمة العراق لا تزال غير قابلة للهضم، وتحتاج للكثير من العقاقير السياسية والأمنية والاقتصادية لكي تهضم بعضاً منها. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن أميركا تلوح للعالم العربي والإسلامي بخريطة الطريق، وتعتمد على الدول العربية في أن يسهّلوا تنفيذ هذه الخريطة على الأرض، إضافة إلى أن ضرب المقاومة الإسلامية في لبنان سيحدث هزة عربية إسلامية، بشكل لا تستطيع أميركا استيعابه. لذلك فإني أتصوّر أن هذه التهديدات للمقاومة هي تهديدات تهدف إلى عدم انطلاق المقاومة بعمليات عسكرية ضد إسرائيل لتصنع أمراً واقعاً يتمثل في اختلال الأمن في المنطقة. هذا ما أعتقده، وهناك حذر في الواقع ولكنه لا يصل لمستوى الرعب.

الموقف الشرعي من الاحتلال

* سيفرض الوجود الأميركي في العراق واقعاً ثقافياً وأخلاقياً يتصادم مع الثقافة الإسلامية، هل سيمثّل هذا خطراً على الهوية الإسلامية في العراق؟

ـ في الجانب الثقافي والاجتماعي، أتصوّر أن العراق يمثّل قاعدة للإسلام، بجناحيه السني والشيعي، كما أنّه يمثّل الحوزة العلمية التي خرّجت أكثر علماء الشيعة في العالم، وتتحرك إلى جانب المعاهد الموجودة عند أهل السنة هناك... هذه القاعدة الإسلامية العراقية تعمل على أسلمة العالم، ولذلك فإنّ أميركا لن تستطع أن تغيّر هذا المخزون الإسلامي الثقافي، وهذه القاعدة الإسلامية الواسعة. كما أنّ الذين تضعهم اميركا في الواجهة ليسوا في المستوى الذي يملكون فيه قاعدة قوية تستطيع أن تترك تأثيرها.

* نلاحظ أنّ علماء الإسلام في هذه الفترة ينقسمون في مواقفهم الشرعية، فقسم يرى في الوجود الأميركي في العراق تحريراً، وقسمٌ آخر ينظر إلى ذلك بريبة. أنتم كيف تنظرون إلى هذا الأمر؟

ـ إنّ أي عالم، يحترم إسلامه وأمّته، لا يمكن أن يركّز في ذهنه أنّ الذئب يحرر الحمل وأن الاستكبار العالمي يحرر "المستضعفين"! كما أنّ القرآن الكريم تحدّث عن مسألة المستكبرين بشكل حاسم، وتحدّث مع المستضعفين بما يواجهونه من مواقف في الدنيا والآخرة، وأنذرهم بألاّ يركنوا للمستكبرين، لأنّهم ليسوا موضع ثقة. لكلّ ذلك، ومن خلال دراستنا للواقع، لا نثق بأميركا ولا نعلم نيّاتها الحقيقية... فهي تكذب، حتى على حلفائها، وهي التي تتحدث عن الديمقراطية، تصرّح الآن بأنها ستعاقب كل من رفض الحرب، ولم يعطها الشرعية، وتجد أن من حقها استخدام الفيتو لمصلحة إسرائيل، ولا تجد من حق أي دولة أخرى استعماله للحفاظ على النظام الدولي... لذلك أقول "نحن لا نصدّق أميركا".

وإذا كان الشعب العراقي يعيش سعادة سقوط نظامه، فإنّه لا يعطي بذلك لأميركا الحق في السيطرة على العراق وعلى مقدّراته... ولا أدري لماذا ينسى الذين يصفّقون لأميركا، ويعتبرونها محررة، ما حلّ بالشعب الفلسطيني، وأنّ أميركا هي التي أعطت إسرائيل كل القوة، وصرّح مسؤولوها، كما صرح مسؤولو إسرائيل، بأن حرب العراق أبعدت خطراً كبيراً عن إسرائيل وأنها أنقذتها منه، لا من جهة سقوط صدام، ولكن لأنّه لا يُسمح أبداً بأن يكون العراق قوة توازي قوة إسرائيل... أنا أدعو لنكون واقعيين أكثر ونبتعد عن المثالية، لأنه لا وجود لها في عالم السياسة .

الوحدة بين السنة والشيعة

* هل تتوقع أن تُحدث أحداث العراق تقارباً كبيراً بين السنة والشيعة؟

ـ أرجو ذلك، وأنا من دعاة الوحدة الإسلامية التي لا خلاص للمسلمين ليكونوا قوة إلا بها. لذلك استطاعت هذه الحرب أن تعطي للمسلمين وعياً بأنه لا أحد يمكن أن يقلع شوكتهم وعلى المسلمين نبذ خلافاتهم القديمة والعمل معاًً لتجميدها، وأن ندرك أننا أمة واحدة يعمل أعداؤنا على تهميشنا، فهم لا يختلفون إلا على تقاسم ثرواتنا .

* تكملة للسؤال السابق، هل تعتقدون أن زمن الخوف من إيران والثورة الإسلامية قد تلاشى؟

ـ ليس ما أثاره كثيرون عند إنطلاقة الثورة الإسلامية في إيران من أنها تتحرك على أساس تصدير الثورة أمراً واقعياً. فهي بالتأكيد أسقطت عرش الطاووس وجردت أميركا من بعض مواقعها ولكنها لم تكن تملك الآليات التي تستطيع فيها تصدير الثورة لأن الثورة لا تصدر لأنها تنبع من الشعب نفسه... إلى ذلك، فإن إيران تصالحت مع كل جيرانها ودخلت في معاهدات أمنية مع السعودية، وعاشت أوضاعاً سلمية متعاونة مع دول الخليج والمنطقة وهي قديماً طرحت مسألة أن أمن الخليج للخليجيين.

لا يميزون بين المسلمين

* هل يزعجكم لجوء بعض رموز الشيعة والسنة إلى أميركا أو بريطانيا طلباً للدعم السياسي ضد أنظمة الحكم في بلادهم؟

ـ أنا معارض لأي تعاون مع أميركا، وكنت أول من أصدر فتوى بعدم جواز مساعدة أميركا في ضرب الشعب العراقي وفي تمكينها من السيطرة على مقدراته السياسيه والإقتصادية والأمنية. وقلت إن على كل شعب إسلامي حل مشاكله بنفسه من دون الخضوع للآخرين في الوقت الذي كنت أول شخصية إسلامية استنكرت ما حدث في 11 سبتمبر(إيلول)، لأننا لا نخلط بين هذا وذلك، ونعتقد أن ما حصل في ذلك اليوم بصرف النظر عن نيات أصحابه غير مبرر، مع العلم أننا لا نستطيع أن نحكم حكماً مبرماً بأن منفذيها هم من تتهمهم أميركا. فربما تكون قد اتجهت أصابع الاتهام إلى اليهود، وهذا ما أُثير في مرحلة، لكن سرعان ما طوي ذلك بفعل ضغط اللوبي اليهودي. وأعتقد أن من يذهب إلى بريطانيا أو أميركا ويدعوها لبلده لتحل له مشاكله كالذي يدعو الدب إلى كرمه.

* في إحدى المقولات لأحد رموز الشيعة المقيمين في لندن أن أميركا وأوروبا لا ترى في الشيعة خطراً عليها. هل توافق على هذه المقولة؟

ـ المسألة ليست أن يكون العنف شيعياً أو سنياً، بل هي تتعلق في القدرات التي يمتلكها المظلوم عندما يتهمه الظالم ويضغط عليه. والحقيقة أن السنة والشيعة معاً لا يرغبون في العنف على أساس العقدة أو روحية التدمير ضد الآخرين، ولكنهم يتحركون على أساس رد الفعل لأي مصادرة لحريتهم واستقلالهم. لقد كان الاستكبار العالمي، وفي مقدمه أميركا، يتحدث عن إرهاب شيعي في إيران ولبنان. وبعد التطورات الأخيرة، بدأوا يتحدثون عن إرهاب سني حتى أن بعض السفراء الأوروبيين عندما تحدثوا معي عن أحداث 11 سبتمبر/ أيلول قالوا لي إن الحرب الآن ليست ضد الشيعة، فنحن ضد الإرهاب السني، وقلت لهم: لقد أخذ الشيعة حصتهم من الاتهام بالإرهاب ويراد أن تكون الحصة الآن للسنّة حتى تدجنوا العالم الإسلامي كله لتجعلوا سيف الاتهام بالإرهاب مسلطاً على رؤوسهم، ولكنكم سوف تصنعون إرهاباً أكبر، ليس لأنهم يحملون روحيه الإرهاب بل لأنكم تفرضون أنفسكم عليهم.

* يتحدث كثير من المحللين عن أن الضربة القادمة ستوجه للشيعة وخصوصاً أن إيران هي إحدى الدول التي تتهم بأنها مارقة وتدعم الإرهاب وتمثل محوراً للشر هل ترون واقعية لهذه التحليلات؟

ـ لا أتصور أن هناك شيئاً اسمه الشيعة أو غير الشيعة في المسألة الأمنية، لأن قضية أميركا من جهة وحلفائها من جهة أخرى تتحرك بالعنف أو بغير العنف من أجل مصالحها، ولذلك فإني لا أجد أية معطيات واقعية لضرب الشيعة وحدهم أو السنة وحدهم لأنهم يعيشون معاً في كل البلاد الإسلامية. أما إذا كان الحديث عن إيران فإن جميع المحللين السياسيين يؤكدون أنه لا يمكن لأميركا أن تدخل في أي حرب عسكرية ضد إيران.

موقف الحوزة من الاحتلال

* هل سيتقبل الشيعة وجود القوات الأميركية داخل كربلاء والنجف لفترة طويلة؟

ـ نحن كما نحترم الآخرين ودياناتهم، نريدهم أن يحترموا مقدساتنا. ولكننا نعتقد أن الإنسان المسلم أكثر جدارة بالاحترام من المؤسسات الدينية، ونحن لا نرضى لأي محتل أو ظالم أن يسيطر على مقدساتنا الإسلامية أو أن يقترب منها، ولكن القبول بعدم دخول المحتل إلى قرب المقدسات في مقابل الموافقة على احتلاله للمنطقة التي تعيش فيها هذه المقدسات أمر خاطئ... وحرية المسلمين تبقى لها القيمة الكبرى، ولا نرضى المساس بها.

* هل سيقبل علماء الحوزة الشيعية بقيادات علمانية أتت من أميركا وبريطانيا لتتولّى شؤون البلاد؟

ـ قد يرى البعض أنه عندما يطرح عنوان دولة ديمقراطية تعددية، فإن الجميع سيقبل بهذا اضطراراً، لأنه لا مجال لأي حكم إسلامي بسبب ظروف الحرب. ولذلك نحاول أن نحصل للإسلام على أكبر قدر ممكن من المصداقية في هذا الوقت، لأننا لو طرحنا الإسلام، وخصوصاً في ظل حديث البعض بأن هناك أكثرية شيعية وأنهم يريدون نسج دولة على المنوال الإيراني لصادقوا على اتهامهم. ونحن نتحدث على أننا يمكن أن نتعايش مع الباطل ولا نعترف بشرعيته وعلى أساس أنه لا بد للناس من أمير حق أو باطل ليحفظ النظام. نحن كإسلاميين لا نقبل بغير الإسلام لكن إذا فرضت علينا الظروف القاسية والقاهرة نظاماً غير إسلامي فإننا نحاول العمل معاً على أن نحصل للإسلام في قيمه كالعدل والمساواة على أكبر قدر ممكن مع إعلاننا أن هذا النظام لا يمثلنا.

* لماذا دائماً يشكك في ولاء شيعة العراق ويحسبون دائماً على إيران؟

ـ هذا جزء من الحرب الإعلامية ضد الشيعة، وخصوصاً عندما انتفضوا ضد النظام العراقي عام 1991 وقمعت انتفاضتهم من قبل الأميركان، ومع ذلك فإن إيران تمثل الدولة ذات الأغلبية الشيعية ومن الطبيعي أن يحدث تعاطف بين أبناء المذهب الواحد في العالم، لكن المسألة السياسية قد تختلف.

هل من صراع على المرجعية؟

* بعد سقوط بغداد لوحظ ظهور خلافات بين أبناء المذهب الشيعي في العراق وكأنه خلاف الزعامة والمرجعية، وصراع بين المتشددين والمعتدلين، أنتم كمفكر إسلامي شيعي كيف تقوّمون الوضع هناك؟

ـ لا يوجد هناك خلافات والزعامة الشيعية بالمعنى الفقهي تحمل معها التعددية المرجعية. أما على المستوى السياسي، فالعراق كله يفتقر إلى قيادة، ولا أتصور أن هناك أزمة بين المتشددين والمعتدلين، بل هناك تيارات منها ما يدعو إلى الانطلاق في مواجهة الواقع السياسي كالاحتلال، وهناك من يرى عدم تدخل رجال الدين في السياسة. ومن الطبيعي أن الساحة عندما تكون واحدة وفي مرحلة أزمة كما هو الواقع في العراق، أن تحدث عندما يتحرك الفريق الذي يريد دخول الواقع السياسي تحت الشعار الديني من الباب الواسع بعض الخلافات البسيطة، وليست كما ضخمت إعلامياً.

* يعني ألن يغضب أفراد الزعامات الشيعية المعارضة من إخراجهم من لعبة القيادة الجديدة؟

ـ أميركا في كل لقاءاتها مع المعارضة كانت تطلب الحصول على شرعية عراقية تبرر لها حربها في العراق تحت عنوان إسقاط النظام، وهو مطلب عراقي، وخصوصاً أنها كانت تركز على أن تأخذ حربها شرعية إسلامية من خلال رجال الدين الذين حضروا اللقاءات. ولقد تحقّق هذا الهدف الأميركي وما تفعل أميركا الآن هو البحث عن شخصيات أخرى، وخصوصاً أنها تدعو لدولة علمانية على الطريقة التركية.

* يقال إنك ستزور النجف قريباً، هل هذا صحيح؟

ـ ليس عندي مخطط حالياً لزيارة النجف مع أنها بلدي الأول وفيها ولدت وتكونت عناصر شخصيتي من داخل ثقافتها وسيادتها وشخصياتها، ولا أزال وأنا خارج النجف أعيش بها بأحاسيسي، ولكن الظروف الموجودة، ولا سيما بقاء الاحتلال الأميركي، تمنعني من الذهاب اليها لأنني لا أدخل عراقاً محتلاً.

* ما صحة ما نقل على لسانكم من أنكم اتهمتم حزب الله بأنه ينفذ عملية اغتيال معنوية لك بالتعاون مع إيران؟

ـ في الحقيقة لقد قامت بعض الوكالات الدولية بتحريف كلامي، فما قلته إن هناك محاولة لاغتيالي معنوياً، وعندما سئلت هل هذا الاغتيال من قبل حزب الله قلت إنني لا أقصده، وحرف كلامي على حزب الله.

دمشق: علي محمد طه - الشرق الأوسط30 صفر 1424هـ/ 2-5-2003م.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير