معارضتنا منع الحجاب "وقائية"...والحلول الشرعية متوافرة

معارضتنا منع الحجاب "وقائية"...والحلول الشرعية متوافرة

بيروت - وفيق قانصوه 

أكد المرجع الإسلامي الشيعي آية الله السيد محمد حسين فضل الله، أن المعارضة التي أثارها اتجاه فرنسا إلى إقرار قانون يحظر الرموز والعلامات الدينية، ومن بينها الحجاب، في المدارس والإدارات العامة الفرنسية، "وقائية"، حتى لا يقرّ هذا القانون، "لأنه قد يثير بعض الأوضاع السلبية من الذين لا يؤمنون بالأسلوب السلمي"، أما إذا أقر القانون، فإن الحلول الشرعية متوافرة. وقال إن رفض القانون "ليس تدخّلاً في الشأن الفرنسي، بل تظاهرة سلمية ثقافية تدخل في حوار الحضارات"، لافتاً إلى أن الغرب "يناقشنا، سواء على مستوى القوانين المتبعة في البلدان الإسلامية أو في بعض الأحكام الشرعية أو في بعض الأوضاع العملانية التي يعيشها الناس في بلاد المسلمين بما يتنافى مع حقوق الإنسان أو مع الحريات، ويعطي وجهة نظر في رفض بعض الأوضاع أو قبول أوضاع أخرى، ويفسح المجال لنفسه بالتدخل الفعلي، كما نرى في سياسة الإدارة الأميركية الحالية التي تفرض على الواقع العربي والإسلامي أن يغير ثقافته ويغير سياسته ونظامه". وفي ما يأتي نص الحديث:

مخالفـة القوانيـن

* أفتيتم مراراً بحرمة مخالفة المسلمين قوانين البلدان غير المسلمة التي يقيمون فيها حتى على مستوى مخالفات المرور. لماذا لا يسري ذلك على القانون الفرنسي المقترح بمنع العلامات الدينية في المدارس العامة؟

- نعتقد أن على المسلم في كل بلد، سواء كان فيه مواطناً أو ضيفاً، أن يحافظ على النظام العام لحياة الناس في كل الجوانب، ولكن لا بد له من أن يبقى على التزامه الإسلامي، بلحاظ تأكيد هويته الإسلامية من ناحية فكرية وعملية.

وعلى ضوء هذا، أفتينا بحرمة كلِّ عبثٍ بالأمن المالي والأمن الاقتصادي والأمن الذاتي للناس والأمن العام للبلد، ولم نرخّص لأحد في أي عمل يتصف بالإرهاب أو بالاعتداء على أموال الناس، على أساس ما قد يثيره البعض من عدم عصمة أموال غير المسلمين وما إلى ذلك. ونحن نؤمن بأن على المسلم في كل مكان في العالم أن يحافظ على الأخلاقيات والقيم الإنسانية التي يؤكدها الإسلام كجزء من تشريعه.

هناك عدّة نقاط لا بد من توضيحها في كل هذه الإثارة حول مسألة منع الحجاب في المدارس الفرنسية الرسمية الإعدادية والثانوية.

النقطة الأولى التي نؤكدها، هي أننا ندخل كما دخل الآخرون في مناقشة مع الدولة الفرنسية حول المصلحة في هذا القرار الذي قد يتحوَّل إلى قانون، باعتباره يمثل نوعاً من الاضطهاد للحريات الدينية التي يلتزمها المسلمون، مستفيدين من الخط العريض للعلمنة التي تنفتح على كل الحريات الشخصية للإنسان بما فيها الحريات الدينية. لذلك، كانت المسألة جزءاً من حوار بيننا وبين فرنسا بدأته مع السفير الفرنسي في لبنان بطريقة موضوعية، ثم في الرسالة التي وجّهتها إلى الرئيس جاك شيراك.

النقطة الثانية، أننا أردنا أن نصحح التفكير الفرنسي الرسمي باعتبار الحجاب رمزاً دينياً شكلياً، كالقلنسوة لليهود والصليب للمسيحيين، للإعلان عن الدين الذي ينتمي إليه الطالب. وأردنا أن نؤكد أن الحجاب في الفقه الإسلامي الشامل هو فرض ديني، وليس مجرد رمز شكلي.

النقطة الثالثة، هي أننا من خلال مسؤوليتنا الإسلامية، حاولنا أن نعطي الفكرة بأن على المسلمين، لا سيما المسؤولين، أن يعملوا على رعاية المسلمين في الغرب، بإدارة الحوار حول القضايا التي لا تنسجم مع التزاماتهم الإسلامية، تماماً كما يفعل الآخرون. فاليهود، مثلاً، يتدخلون في كل مكان في العالم تدخلاً لا يخلو من الشدة حول حريات اليهود، وقرأنا بالأمس أن 30 صحافياً يهودياً سيتوجّهون إلى فرنسا للبحث مع الحكومة حول حقوق اليهود. لذلك عندما نتحدث بهذه الطريقة، فإننا نريد إيجاد خطٍّ حواري موضوعي قائم على الاحترام بيننا وبين الغرب. ونحن، حتى في ما يقدم عليه الغرب من قرارات قد لا نرتضيها، ندعو المسلمين في الغرب إلى عدم ممارسة العنف في تأكيد أفكارهم وآرائهم.

وسائل الضغط

* يمكن المسلمين في فرنسا استخدام وسائل متعددة للضغط على الحكومة، إن عبر الانتخابات أو التظاهرات أو اللجوء إلى القضاء. ألا تعتقدون أن الضجة حول هذا الأمر من شأنها إثارة الرأي العام الأوروبي والفرنسي ضدهم وتعميق عزلتهم وإظهارهم فئة غريبة تستمد أوامرها من الخارج؟

- نحن نريد في هذا النوع من الحوار، ولا أقول الجدل، إثارة مسألة، وهي أن على الدول الأخرى أن تعرف أن للمسلمين شخصية تتمسك بالتزاماتها في الوقت الذي تؤكد احترامها للبلد الذي تعيش فيه. كما أننا نحاول أن نلزم الغرب بما التزم به.

فالغرب يناقشنا، سواء على مستوى القوانين المتّبعة في البلدان الإسلامية، أو في بعض الأحكام الشرعية التي يقررها الإسلام، أو في بعض الأوضاع العملانية التي يعيشها الناس في بلاد المسلمين بما يتنافى مع حقوق الإنسان أو مع الحريات أو ما إلى ذلك، ويجد أن من حقه أن يتحدث عن هذه الأمور ويعطي وجهة نظر في رفض بعض الأوضاع أو قبول أوضاع أخرى، حتى إنه يفسح المجال لنفسه بالتدخل الفعلي، كما نرى الآن في سياسة الإدارة الأميركية الحالية التي تفرض على الواقع العربي والإسلامي أن يغير ثقافته ويغير سياسته ونظامه وما إلى ذلك. نحن لا نريد أن نتدخل في شؤون هذه الدول، ولا نملك القوة لهذا التدخل، ولكننا أردنا أن يكون ذلك من قبيل المظاهرة الإسلامية السلمية الثقافية، التي تجعل الغربيين يفكرون بأن المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وفي الغرب عموماً، يمنحونه من طاقتهم ومن ثقافتهم وعلمهم، وأن ما حدث في11 أيلول (سبتمبر) لم يمثل رأي المسلمين الذين يعيشون في الغرب، بل إن حال من قاموا بهذا العمل كحال المافيات في بعض الدول الغربية أو الجيش الإيرلندي الذي يقوم بالتفجيرات في بريطانيا.

هؤلاء لا يمثلون المسلمين، كما أن أولئك لا يمثلون الغرب. لذلك نحن لا نعتبر هذا تدخلاً، بل نعتبره نوعاً من الحوار العالمي الذي قد يدخل في حوار الحضارات وفي تقارب الشعوب على أساس الفكر المشترك.

الحجاب في ثقافة المجتمعات

* الحجاب غالباً ما يكون مرتبطاً بالثقافة المحلية السائدة، كالحجاب الهندي مثلاً الذي له خصوصية معينة في الشكل... هل حاولتم في حواركم مع الفرنسيين التوصل إلى حلول وسط معينة، كـ"الحجاب الأوروبي" عبر القبّعة أو ما شابه، وهل هناك مانع فقهي يحول دون ذلك؟

- هناك بُعدان للموضوع، الأول أنك تريد أن تواجه مشكلة يراد لها أن تقع، والثاني أنه إذا وقعت المشكلة فماذا تفعل؟ نحن الآن نقوم بعملية وقائية حتى لا يقرّ هذا القانون، لأنه قد يثير بعض الأوضاع السلبية من الذين لا يؤمنون بالأسلوب السلمي من جهة، وقد يعقّد المسلمين تجاه فرنسا التي بدأت بلجيكا تقلّدها في هذا الأمر من خلال إثارة الجدل حول هذا الموضوع، في وقت ينفتح العالم الإسلامي، والعربي بالذات، إيجابياً على السياسة الفرنسية التي تلتقي مع كثير من القضايا الإسلامية والعربية، لا سيّما في المسألة الفلسطينية ومسألة الحرب ضد العراق وغيرهما.

لذلك نحاول من خلال الحوار مع الفرنسيين، أن نقول إن مسألة الزي لا تمثل عدوانيةً على المجتمع الفرنسي، ولا استفزازاً أو حاجزاً بين المسلمين والفرنسيين يمنع الاندماج الاجتماعي والاندماج السياسي، تماماً كما هي الأزياء الأخرى، كالأزياء الأفريقية وغيرها، التي تتنوع في المجتمع الفرنسي وكل المجتمعات الغربية، وكما في فرنسا نفسها، التي لا تمنع المسلمات في الجامعات أو في المجتمع العام من لبس الحجاب. وهذا معناه أن الحجاب ليس مشكلة، وقد سمعت بعض المثقفات الفرنسيات المسلمات يتحدثن عن أن تخصيص المنع في المدارس الثانوية والإعدادية إنما يراد منه تنشئة جيل إسلامي من الفتيات على اللاحجاب. هذا أمر فيه الكثير من الخبث القانوني، ومغطَّى ببعض العناوين المرتبطة بالعلمنة والحرية، من أجل أن يندمج المسلمون في الجو العام، حيث يكون تفرنسهم أكثر من إسلامهم. إذاً، نحن نتحدث الآن عن الحالة الوقائية. أما إذا أقر القانون، فنحن لا نوصي المسلمين ولا ندعوهم إلى العنف في مواجهة هذا القانون، ولكننا نحاول أن نفكر لهم وللطالبات الملتزمات في شكل خاص بمخارج شرعية. من الممكن جداً أن يتحدث بعض الفقهاء عن القبعة الساترة أو عن الشعر المستعار، مثلاً، وإن كانوا لا يرخّصون به في الحالات العادية أو ما إلى ذلك. نحن الآن نعمل على تفادي المشكلة، ولكن إذا وقعت فللمشكلة حلولها.

الحجاب في النظام الإسلامي

* المعارضون للقرار إجمالاً ركّزوا على مسألة "الحق الشخصي" للمرأة في ارتداء الحجاب. هل المسلمون مع الإطلاقية في الحقوق الشخصية، ولماذا لا يسمح للمرأة الغربية التي تزور بلداً إسلامياً ما بالتجوّل سافرةً باعتبار أن هذا حقها الشخصي؟

- هناك فرق بين الخط الفكري الاستراتيجي في الغرب وبين الخط الفكري الاستراتيجي في الدول الإسلامية، خصوصاً الملتزمة، لأن هناك دولاً إسلامية كتونس وتركيا تتجاوز فرنسا في منع الحجاب، حتى في الجامعات أو في المجلس النيابي. هناك قاعدة شرعية تقول: "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم". الغربيون يلتزمون العلمنة التي تلتزم الحريات الشخصية، وهذا ما عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الأميركية من أن العلمنة إذا كانت لا تناقَش، كما يقول الفرنسيون وكما نقول، فالحريات لا تناقش، وعليه، فالحجاب لا يمثل استفزازاً، ومنعه يمثل اعتداءً على الحرية، وبالتالي خروجاً على قانون العلمنة، على قاعدة أننا نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم. أما في النظام الإسلامي، فإن الحجاب هو جزء من حركية النظام، ومن الطبيعي جداً أن تقول الدولة الإسلامية إننا ملتزمون بالإسلام ونظامنا هو النظام الإسلامي، فكما تلتزمون بمفردات النظام العلماني، نحن نلتزم بمفردات النظام الإسلامي.

الإسلام لا يستعمل العنف إلا في الحالات فوق العادة، تماماً كما هي العقوبات في كل بلدان العالم في النظام الجزائي والجنائي، والطريقة التي نتحدث فيها مع الآخرين إن كانوا من غير المسلمين، تعتمد على أن "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وإن كانوا من المسلمين فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يتّبع الأساليب المقنعة، لأننا لا نريد أن نقتل الشرير، بل نريد أن نقتل الشر في نفسه. ومن الطبيعي أن العنف بالشكل العشوائي لا يستطيع أن يقنع أحداً أو يمنع أحداً.

الاعتداء على مقدّسات الآخرين

* أثيرت ضجةٌ كبيرة حول الحجاب، ولكن عندما تحرق مدرسة يهودية أو تُدنس مدافن اليهود أو كنسهم، مع ما يثيره ذلك من اتهامات للمسلمين باللاسامية، لا نسمع استنكاراً وإدانةً إسلامية لهذه الأعمال؟

- أنا أتكلم من خلال ما يتصل بمسؤوليتي. لقد استنكرت بشدة الإساءة إلى الكنس اليهودي في تركيا، كما استنكرت الاعتداء على المصرف البريطاني وتفجيرات الرياض والدار البيضاء. ونستنكر الإساءة إلى مدافن اليهود. القرآن علّمنا أن اليهود بالنسبة إلى علاقتهم بالمسلمين تماماً كالنصارى، وإن كان تحدث عن النصارى بطريقة أكثر حميمية، والمشكلة مع اليهود ليست مشكلة اليهودية، ولكنها مشكلة السلوك العدواني لليهود مع المسلمين في التاريخ. ومعلوم أن المسلمين استقبلوا اليهود كما استقبلوا النصارى في البلاد الإسلامية طيلة قرون طويلة ولم يضطهدوهم، بل إن الذين اضطهدوا اليهود ودنّسوا مقابرهم ومعابدهم هم الغربيون، والذين قاموا بالمحرقة، إذا صحّت أرقامها، هم الغربيون في ألمانيا. لهذا ليست لدينا مشكلة حادة بالمعنى الديني مع اليهود، كما ليست لدينا مشكلة مع النصارى، ونحن نرفض الإساءة إلى اليهود بالمعنى الديني للمسألة. لكن مشكلتنا مع إسرائيل باعتبار أنها اضطهدت الفلسطينيين وأثارت الحرب والمشاكل في المنطقة.

المسلم في المهجـر

* يتحدث البعض عن وجود تنافس سني - شيعي على إسلام المهاجر، وعن تصدٍ شيعي دائم للمسائل التي تهمُّ جموع المسلمين، علماً أن الجمهور الغالب المعني بهذه المسائل ليس جمهوراً ملتزماً بالفتوى الشيعية، إن كان في مسألة سلمان رشدي أو في مسألة الحجاب الحالية؟

- ليست المسألة سنية - شيعية. المسلمون السنة يتحدثون عن الحجاب في شكل كبير جداً، وربما كان حديث المسلمين الشيعة أقلّ من حديث المسلمين السنة في قضية الحجاب. القضية أثيرت من ناحية المواقع الإسلامية الشرعية، ولعل أول من أثار المسألة في شكل منهجي، ما صدر عني وما صدر عن الشيخ يوسف القرضاوي. لهذا، المسألة ليست مسألة اهتمامات سنية أو شيعية، فهناك من السنة كما من الشيعة من لا يتدخل في القضايا التي تتجاوز دائرته الخاصة أو اهتماماته الخاصة. أما بالنسبة إلى قضية سلمان رشدي، فهي قضية أثارها المسلمون السنة والشيعة، وإن اختلف الرأي في طريقة معالجتها.

الموضوع ينطلق من خلال الاهتمامات الإسلامية بقضايا الإسلام والمسلمين في الغرب. ولذلك، في كل مداخلاتي الإعلامية، كنت أتابع حتى القضايا الغربية بقدر ما يتعلق الأمر بالخطوط الإسلامية والسمعة الإسلامية، فكنت أول شخصية دينية في العالم استنكرت أحداث11 أيلول، وقلت إنها ليست عمليات استشهادية، وإن هذا لا يقبله شرع ولا دين، وإنها تضر بالإسلام والمسلمين إذا كانوا هم الذين قاموا بذلك، كما كنت من أوائل الذين دانوا خطف الطائرات وخطف السيارات وخطف السفن، واستنكرت خطف الغربيين في لبنان، مع أنني اتُهمت بأنني وراء ذلك، وسجّلت توقيعي في العريضة التي قدمها المثقفون في لبنان ضد خطف الباحث الفرنسي ميشال سورا مثلاً. لذلك فإن المسألة تختلف بين من ينفتح على قضايا الإسلام في العالم وبين من يعيش في نطاق خاص انطلاقاً من ثقافته أو من ظروفه.

خلفيات الموقف الفرنسي

* ألا تعتقدون أن هذا الجدل مع فرنسا قد يؤدّي إلى تخريب العلاقات معها؟

- لا أعتقد ذلك، خصوصاً أن غالبية الأصوات التي انطلقت في مواجهة مشروع القانون هذا كانت موضوعية، وتتحرك في خط تأكيد الصداقة مع فرنسا، ولا تريد خلق حالة عدوانية معها. فنحن نريد أن نكون أصدقاء العالم، ونحن في حاجة إلى أن ننفتح على الاتحاد الأوروبي بالذات، لأنه يملك بعض الخطوط السياسية التي تؤكد بعض حقوقنا بطريقة أفضل مما تتحرك به الولايات المتحدة.

* هل تعتقدون أن هناك من يدفع فرنسا إلى تطبيق مقولة "صدام الحضارات"؟

- لا أعتقد أن الأمر يصل في مستوى هذه القضية إلى صدام الحضارات، لأن فرنسا لا تزال تعطي الحرية للمسلمين في مساجدهم وفي كثير من قضاياهم في الجو الاجتماعي العام، ولا نتصوّر أن المسألة تتصل بالخط البياني العام للدولة الفرنسية، بل تدخل في نطاق بعض المفردات الداخلية للمسألة الفرنسية.

وربما تساءل البعض ما هو سبب الحماسة التي يبديها الرئيس جاك شيراك لهذا القانون. فتبين أن شعبيته ارتفعت إلى49 في المئة، باعتبار أن قوى اليمين في فرنسا أيّدته في موقفه من خلال منع الحجاب، ولذلك ليس مستبعداً أن تكون للمسألة خلفيات سياسية تريد أن تؤكد نوعاً من العلمنة الفرنسية في مقابل العلمنة البريطانية والأميركية، وأن الحريات التي تؤكدها العلمنة في فرنسا تختلف عن العلمنة في أميركا وفي بريطانيا، وأن فرنسا أكثر إخلاصاً للعلمنة من الإخلاص الأميركي والبريطاني لها.

الرئيس شيراك خضع في هذا الأمر للجنة لا نعرف انتماءاتها قدَّمت له هذا التقرير، وهناك أوضاع داخلية في فرنسا ربما كانت وراء اجتذاب اليمين الفرنسي، الذي يملك تعقيداً فوق العادة ضد المهاجرين عموماً.

صحيفة "الحياة" اللبنانية بتاريخ: 14/1/ 2004

بيروت - وفيق قانصوه 

أكد المرجع الإسلامي الشيعي آية الله السيد محمد حسين فضل الله، أن المعارضة التي أثارها اتجاه فرنسا إلى إقرار قانون يحظر الرموز والعلامات الدينية، ومن بينها الحجاب، في المدارس والإدارات العامة الفرنسية، "وقائية"، حتى لا يقرّ هذا القانون، "لأنه قد يثير بعض الأوضاع السلبية من الذين لا يؤمنون بالأسلوب السلمي"، أما إذا أقر القانون، فإن الحلول الشرعية متوافرة. وقال إن رفض القانون "ليس تدخّلاً في الشأن الفرنسي، بل تظاهرة سلمية ثقافية تدخل في حوار الحضارات"، لافتاً إلى أن الغرب "يناقشنا، سواء على مستوى القوانين المتبعة في البلدان الإسلامية أو في بعض الأحكام الشرعية أو في بعض الأوضاع العملانية التي يعيشها الناس في بلاد المسلمين بما يتنافى مع حقوق الإنسان أو مع الحريات، ويعطي وجهة نظر في رفض بعض الأوضاع أو قبول أوضاع أخرى، ويفسح المجال لنفسه بالتدخل الفعلي، كما نرى في سياسة الإدارة الأميركية الحالية التي تفرض على الواقع العربي والإسلامي أن يغير ثقافته ويغير سياسته ونظامه". وفي ما يأتي نص الحديث:

مخالفـة القوانيـن

* أفتيتم مراراً بحرمة مخالفة المسلمين قوانين البلدان غير المسلمة التي يقيمون فيها حتى على مستوى مخالفات المرور. لماذا لا يسري ذلك على القانون الفرنسي المقترح بمنع العلامات الدينية في المدارس العامة؟

- نعتقد أن على المسلم في كل بلد، سواء كان فيه مواطناً أو ضيفاً، أن يحافظ على النظام العام لحياة الناس في كل الجوانب، ولكن لا بد له من أن يبقى على التزامه الإسلامي، بلحاظ تأكيد هويته الإسلامية من ناحية فكرية وعملية.

وعلى ضوء هذا، أفتينا بحرمة كلِّ عبثٍ بالأمن المالي والأمن الاقتصادي والأمن الذاتي للناس والأمن العام للبلد، ولم نرخّص لأحد في أي عمل يتصف بالإرهاب أو بالاعتداء على أموال الناس، على أساس ما قد يثيره البعض من عدم عصمة أموال غير المسلمين وما إلى ذلك. ونحن نؤمن بأن على المسلم في كل مكان في العالم أن يحافظ على الأخلاقيات والقيم الإنسانية التي يؤكدها الإسلام كجزء من تشريعه.

هناك عدّة نقاط لا بد من توضيحها في كل هذه الإثارة حول مسألة منع الحجاب في المدارس الفرنسية الرسمية الإعدادية والثانوية.

النقطة الأولى التي نؤكدها، هي أننا ندخل كما دخل الآخرون في مناقشة مع الدولة الفرنسية حول المصلحة في هذا القرار الذي قد يتحوَّل إلى قانون، باعتباره يمثل نوعاً من الاضطهاد للحريات الدينية التي يلتزمها المسلمون، مستفيدين من الخط العريض للعلمنة التي تنفتح على كل الحريات الشخصية للإنسان بما فيها الحريات الدينية. لذلك، كانت المسألة جزءاً من حوار بيننا وبين فرنسا بدأته مع السفير الفرنسي في لبنان بطريقة موضوعية، ثم في الرسالة التي وجّهتها إلى الرئيس جاك شيراك.

النقطة الثانية، أننا أردنا أن نصحح التفكير الفرنسي الرسمي باعتبار الحجاب رمزاً دينياً شكلياً، كالقلنسوة لليهود والصليب للمسيحيين، للإعلان عن الدين الذي ينتمي إليه الطالب. وأردنا أن نؤكد أن الحجاب في الفقه الإسلامي الشامل هو فرض ديني، وليس مجرد رمز شكلي.

النقطة الثالثة، هي أننا من خلال مسؤوليتنا الإسلامية، حاولنا أن نعطي الفكرة بأن على المسلمين، لا سيما المسؤولين، أن يعملوا على رعاية المسلمين في الغرب، بإدارة الحوار حول القضايا التي لا تنسجم مع التزاماتهم الإسلامية، تماماً كما يفعل الآخرون. فاليهود، مثلاً، يتدخلون في كل مكان في العالم تدخلاً لا يخلو من الشدة حول حريات اليهود، وقرأنا بالأمس أن 30 صحافياً يهودياً سيتوجّهون إلى فرنسا للبحث مع الحكومة حول حقوق اليهود. لذلك عندما نتحدث بهذه الطريقة، فإننا نريد إيجاد خطٍّ حواري موضوعي قائم على الاحترام بيننا وبين الغرب. ونحن، حتى في ما يقدم عليه الغرب من قرارات قد لا نرتضيها، ندعو المسلمين في الغرب إلى عدم ممارسة العنف في تأكيد أفكارهم وآرائهم.

وسائل الضغط

* يمكن المسلمين في فرنسا استخدام وسائل متعددة للضغط على الحكومة، إن عبر الانتخابات أو التظاهرات أو اللجوء إلى القضاء. ألا تعتقدون أن الضجة حول هذا الأمر من شأنها إثارة الرأي العام الأوروبي والفرنسي ضدهم وتعميق عزلتهم وإظهارهم فئة غريبة تستمد أوامرها من الخارج؟

- نحن نريد في هذا النوع من الحوار، ولا أقول الجدل، إثارة مسألة، وهي أن على الدول الأخرى أن تعرف أن للمسلمين شخصية تتمسك بالتزاماتها في الوقت الذي تؤكد احترامها للبلد الذي تعيش فيه. كما أننا نحاول أن نلزم الغرب بما التزم به.

فالغرب يناقشنا، سواء على مستوى القوانين المتّبعة في البلدان الإسلامية، أو في بعض الأحكام الشرعية التي يقررها الإسلام، أو في بعض الأوضاع العملانية التي يعيشها الناس في بلاد المسلمين بما يتنافى مع حقوق الإنسان أو مع الحريات أو ما إلى ذلك، ويجد أن من حقه أن يتحدث عن هذه الأمور ويعطي وجهة نظر في رفض بعض الأوضاع أو قبول أوضاع أخرى، حتى إنه يفسح المجال لنفسه بالتدخل الفعلي، كما نرى الآن في سياسة الإدارة الأميركية الحالية التي تفرض على الواقع العربي والإسلامي أن يغير ثقافته ويغير سياسته ونظامه وما إلى ذلك. نحن لا نريد أن نتدخل في شؤون هذه الدول، ولا نملك القوة لهذا التدخل، ولكننا أردنا أن يكون ذلك من قبيل المظاهرة الإسلامية السلمية الثقافية، التي تجعل الغربيين يفكرون بأن المسلمين الذين يعيشون في أوروبا وفي الغرب عموماً، يمنحونه من طاقتهم ومن ثقافتهم وعلمهم، وأن ما حدث في11 أيلول (سبتمبر) لم يمثل رأي المسلمين الذين يعيشون في الغرب، بل إن حال من قاموا بهذا العمل كحال المافيات في بعض الدول الغربية أو الجيش الإيرلندي الذي يقوم بالتفجيرات في بريطانيا.

هؤلاء لا يمثلون المسلمين، كما أن أولئك لا يمثلون الغرب. لذلك نحن لا نعتبر هذا تدخلاً، بل نعتبره نوعاً من الحوار العالمي الذي قد يدخل في حوار الحضارات وفي تقارب الشعوب على أساس الفكر المشترك.

الحجاب في ثقافة المجتمعات

* الحجاب غالباً ما يكون مرتبطاً بالثقافة المحلية السائدة، كالحجاب الهندي مثلاً الذي له خصوصية معينة في الشكل... هل حاولتم في حواركم مع الفرنسيين التوصل إلى حلول وسط معينة، كـ"الحجاب الأوروبي" عبر القبّعة أو ما شابه، وهل هناك مانع فقهي يحول دون ذلك؟

- هناك بُعدان للموضوع، الأول أنك تريد أن تواجه مشكلة يراد لها أن تقع، والثاني أنه إذا وقعت المشكلة فماذا تفعل؟ نحن الآن نقوم بعملية وقائية حتى لا يقرّ هذا القانون، لأنه قد يثير بعض الأوضاع السلبية من الذين لا يؤمنون بالأسلوب السلمي من جهة، وقد يعقّد المسلمين تجاه فرنسا التي بدأت بلجيكا تقلّدها في هذا الأمر من خلال إثارة الجدل حول هذا الموضوع، في وقت ينفتح العالم الإسلامي، والعربي بالذات، إيجابياً على السياسة الفرنسية التي تلتقي مع كثير من القضايا الإسلامية والعربية، لا سيّما في المسألة الفلسطينية ومسألة الحرب ضد العراق وغيرهما.

لذلك نحاول من خلال الحوار مع الفرنسيين، أن نقول إن مسألة الزي لا تمثل عدوانيةً على المجتمع الفرنسي، ولا استفزازاً أو حاجزاً بين المسلمين والفرنسيين يمنع الاندماج الاجتماعي والاندماج السياسي، تماماً كما هي الأزياء الأخرى، كالأزياء الأفريقية وغيرها، التي تتنوع في المجتمع الفرنسي وكل المجتمعات الغربية، وكما في فرنسا نفسها، التي لا تمنع المسلمات في الجامعات أو في المجتمع العام من لبس الحجاب. وهذا معناه أن الحجاب ليس مشكلة، وقد سمعت بعض المثقفات الفرنسيات المسلمات يتحدثن عن أن تخصيص المنع في المدارس الثانوية والإعدادية إنما يراد منه تنشئة جيل إسلامي من الفتيات على اللاحجاب. هذا أمر فيه الكثير من الخبث القانوني، ومغطَّى ببعض العناوين المرتبطة بالعلمنة والحرية، من أجل أن يندمج المسلمون في الجو العام، حيث يكون تفرنسهم أكثر من إسلامهم. إذاً، نحن نتحدث الآن عن الحالة الوقائية. أما إذا أقر القانون، فنحن لا نوصي المسلمين ولا ندعوهم إلى العنف في مواجهة هذا القانون، ولكننا نحاول أن نفكر لهم وللطالبات الملتزمات في شكل خاص بمخارج شرعية. من الممكن جداً أن يتحدث بعض الفقهاء عن القبعة الساترة أو عن الشعر المستعار، مثلاً، وإن كانوا لا يرخّصون به في الحالات العادية أو ما إلى ذلك. نحن الآن نعمل على تفادي المشكلة، ولكن إذا وقعت فللمشكلة حلولها.

الحجاب في النظام الإسلامي

* المعارضون للقرار إجمالاً ركّزوا على مسألة "الحق الشخصي" للمرأة في ارتداء الحجاب. هل المسلمون مع الإطلاقية في الحقوق الشخصية، ولماذا لا يسمح للمرأة الغربية التي تزور بلداً إسلامياً ما بالتجوّل سافرةً باعتبار أن هذا حقها الشخصي؟

- هناك فرق بين الخط الفكري الاستراتيجي في الغرب وبين الخط الفكري الاستراتيجي في الدول الإسلامية، خصوصاً الملتزمة، لأن هناك دولاً إسلامية كتونس وتركيا تتجاوز فرنسا في منع الحجاب، حتى في الجامعات أو في المجلس النيابي. هناك قاعدة شرعية تقول: "ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم". الغربيون يلتزمون العلمنة التي تلتزم الحريات الشخصية، وهذا ما عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الأميركية من أن العلمنة إذا كانت لا تناقَش، كما يقول الفرنسيون وكما نقول، فالحريات لا تناقش، وعليه، فالحجاب لا يمثل استفزازاً، ومنعه يمثل اعتداءً على الحرية، وبالتالي خروجاً على قانون العلمنة، على قاعدة أننا نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم. أما في النظام الإسلامي، فإن الحجاب هو جزء من حركية النظام، ومن الطبيعي جداً أن تقول الدولة الإسلامية إننا ملتزمون بالإسلام ونظامنا هو النظام الإسلامي، فكما تلتزمون بمفردات النظام العلماني، نحن نلتزم بمفردات النظام الإسلامي.

الإسلام لا يستعمل العنف إلا في الحالات فوق العادة، تماماً كما هي العقوبات في كل بلدان العالم في النظام الجزائي والجنائي، والطريقة التي نتحدث فيها مع الآخرين إن كانوا من غير المسلمين، تعتمد على أن "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وإن كانوا من المسلمين فبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يتّبع الأساليب المقنعة، لأننا لا نريد أن نقتل الشرير، بل نريد أن نقتل الشر في نفسه. ومن الطبيعي أن العنف بالشكل العشوائي لا يستطيع أن يقنع أحداً أو يمنع أحداً.

الاعتداء على مقدّسات الآخرين

* أثيرت ضجةٌ كبيرة حول الحجاب، ولكن عندما تحرق مدرسة يهودية أو تُدنس مدافن اليهود أو كنسهم، مع ما يثيره ذلك من اتهامات للمسلمين باللاسامية، لا نسمع استنكاراً وإدانةً إسلامية لهذه الأعمال؟

- أنا أتكلم من خلال ما يتصل بمسؤوليتي. لقد استنكرت بشدة الإساءة إلى الكنس اليهودي في تركيا، كما استنكرت الاعتداء على المصرف البريطاني وتفجيرات الرياض والدار البيضاء. ونستنكر الإساءة إلى مدافن اليهود. القرآن علّمنا أن اليهود بالنسبة إلى علاقتهم بالمسلمين تماماً كالنصارى، وإن كان تحدث عن النصارى بطريقة أكثر حميمية، والمشكلة مع اليهود ليست مشكلة اليهودية، ولكنها مشكلة السلوك العدواني لليهود مع المسلمين في التاريخ. ومعلوم أن المسلمين استقبلوا اليهود كما استقبلوا النصارى في البلاد الإسلامية طيلة قرون طويلة ولم يضطهدوهم، بل إن الذين اضطهدوا اليهود ودنّسوا مقابرهم ومعابدهم هم الغربيون، والذين قاموا بالمحرقة، إذا صحّت أرقامها، هم الغربيون في ألمانيا. لهذا ليست لدينا مشكلة حادة بالمعنى الديني مع اليهود، كما ليست لدينا مشكلة مع النصارى، ونحن نرفض الإساءة إلى اليهود بالمعنى الديني للمسألة. لكن مشكلتنا مع إسرائيل باعتبار أنها اضطهدت الفلسطينيين وأثارت الحرب والمشاكل في المنطقة.

المسلم في المهجـر

* يتحدث البعض عن وجود تنافس سني - شيعي على إسلام المهاجر، وعن تصدٍ شيعي دائم للمسائل التي تهمُّ جموع المسلمين، علماً أن الجمهور الغالب المعني بهذه المسائل ليس جمهوراً ملتزماً بالفتوى الشيعية، إن كان في مسألة سلمان رشدي أو في مسألة الحجاب الحالية؟

- ليست المسألة سنية - شيعية. المسلمون السنة يتحدثون عن الحجاب في شكل كبير جداً، وربما كان حديث المسلمين الشيعة أقلّ من حديث المسلمين السنة في قضية الحجاب. القضية أثيرت من ناحية المواقع الإسلامية الشرعية، ولعل أول من أثار المسألة في شكل منهجي، ما صدر عني وما صدر عن الشيخ يوسف القرضاوي. لهذا، المسألة ليست مسألة اهتمامات سنية أو شيعية، فهناك من السنة كما من الشيعة من لا يتدخل في القضايا التي تتجاوز دائرته الخاصة أو اهتماماته الخاصة. أما بالنسبة إلى قضية سلمان رشدي، فهي قضية أثارها المسلمون السنة والشيعة، وإن اختلف الرأي في طريقة معالجتها.

الموضوع ينطلق من خلال الاهتمامات الإسلامية بقضايا الإسلام والمسلمين في الغرب. ولذلك، في كل مداخلاتي الإعلامية، كنت أتابع حتى القضايا الغربية بقدر ما يتعلق الأمر بالخطوط الإسلامية والسمعة الإسلامية، فكنت أول شخصية دينية في العالم استنكرت أحداث11 أيلول، وقلت إنها ليست عمليات استشهادية، وإن هذا لا يقبله شرع ولا دين، وإنها تضر بالإسلام والمسلمين إذا كانوا هم الذين قاموا بذلك، كما كنت من أوائل الذين دانوا خطف الطائرات وخطف السيارات وخطف السفن، واستنكرت خطف الغربيين في لبنان، مع أنني اتُهمت بأنني وراء ذلك، وسجّلت توقيعي في العريضة التي قدمها المثقفون في لبنان ضد خطف الباحث الفرنسي ميشال سورا مثلاً. لذلك فإن المسألة تختلف بين من ينفتح على قضايا الإسلام في العالم وبين من يعيش في نطاق خاص انطلاقاً من ثقافته أو من ظروفه.

خلفيات الموقف الفرنسي

* ألا تعتقدون أن هذا الجدل مع فرنسا قد يؤدّي إلى تخريب العلاقات معها؟

- لا أعتقد ذلك، خصوصاً أن غالبية الأصوات التي انطلقت في مواجهة مشروع القانون هذا كانت موضوعية، وتتحرك في خط تأكيد الصداقة مع فرنسا، ولا تريد خلق حالة عدوانية معها. فنحن نريد أن نكون أصدقاء العالم، ونحن في حاجة إلى أن ننفتح على الاتحاد الأوروبي بالذات، لأنه يملك بعض الخطوط السياسية التي تؤكد بعض حقوقنا بطريقة أفضل مما تتحرك به الولايات المتحدة.

* هل تعتقدون أن هناك من يدفع فرنسا إلى تطبيق مقولة "صدام الحضارات"؟

- لا أعتقد أن الأمر يصل في مستوى هذه القضية إلى صدام الحضارات، لأن فرنسا لا تزال تعطي الحرية للمسلمين في مساجدهم وفي كثير من قضاياهم في الجو الاجتماعي العام، ولا نتصوّر أن المسألة تتصل بالخط البياني العام للدولة الفرنسية، بل تدخل في نطاق بعض المفردات الداخلية للمسألة الفرنسية.

وربما تساءل البعض ما هو سبب الحماسة التي يبديها الرئيس جاك شيراك لهذا القانون. فتبين أن شعبيته ارتفعت إلى49 في المئة، باعتبار أن قوى اليمين في فرنسا أيّدته في موقفه من خلال منع الحجاب، ولذلك ليس مستبعداً أن تكون للمسألة خلفيات سياسية تريد أن تؤكد نوعاً من العلمنة الفرنسية في مقابل العلمنة البريطانية والأميركية، وأن الحريات التي تؤكدها العلمنة في فرنسا تختلف عن العلمنة في أميركا وفي بريطانيا، وأن فرنسا أكثر إخلاصاً للعلمنة من الإخلاص الأميركي والبريطاني لها.

الرئيس شيراك خضع في هذا الأمر للجنة لا نعرف انتماءاتها قدَّمت له هذا التقرير، وهناك أوضاع داخلية في فرنسا ربما كانت وراء اجتذاب اليمين الفرنسي، الذي يملك تعقيداً فوق العادة ضد المهاجرين عموماً.

صحيفة "الحياة" اللبنانية بتاريخ: 14/1/ 2004

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير