علينا المحافظة ولو على بلد عربي واحد لا يسقط أمام إسرائيل

علينا المحافظة ولو على بلد عربي واحد لا يسقط أمام إسرائيل

أجرى الحوار: كامل فاعور

عشية الخطاب المفصلي الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد في العاشر من الشهر الماضي، والّذي حدّد فيه بوضوح خيارات سوريا في ضوء قرار مجلس الأمن الرقم 1636، والعزلة التي فرضت عليها، انتقلت إلى منـزل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، الكائن في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي ذهني أسئلة كثيرة: سوريا ومصيرها، العراق، فلسطين، وطبعاً لبنان... هذه الساحة المترامية الأطراف التي تشتعل النيران في بعض أجزائها، وتوشك على الاشتعال في الأجزاء الأخرى، بعدما أصبحت بين فكي كماشة إذا صح التعبير، الاحتلال الأميركي من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وكلتاهما تتبادلان الأدوار لكسر شوكة الممانعة، وتحريك رياح الاضطرابات، والتغيير فيها.

فماذا لدى «السيد» الفقيه، المقلَّد (بفتح اللام) والأديب، والشاعر، والمفكر السياسي حول هذه القضايا؟ والذي استقبلنا كعادته دائماً بقلب وعقل مفتوحين... وكانت لنا هذه الجولة الحوارية معه:

* يقال «المصائب لا تأتي فرادى». ويبدو لي أن هذا هو حال العرب اليوم... في فلسطين والعراق ولبنان، ثم ها هي الدوائر تدور على سوريا التي تواجه استحقاقاً خطيراً يتمثل بقرار مجلس الأمن الأخير الرقم 1636. طبعاً أنتم قرأتم نص هذا القرار في ديباجته وبنوده، فما هي، في رأيكم، خلفياته ومراميه؟

- كنت ولا أزال أتابع بدقّة كل ما يحصل في المنطقة من أحداث سياسية وأمنية واقتصادية، أتابع حركة سياسية الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها الدولة التي ترى نفسها، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، قائدةً للعالم، وتخطط كي تكون إمبراطورية عالمية تشمل استراتيجيتها كل مكان، ولا سيما المواقع التي تملك القوة الاقتصادية، فتعزز الاقتصاد الأميركي من جهة، وتفتح أكثر من أفق للتدخل في هذا الموقع أو ذاك، وبسط نفوذها عليه من جهة أخرى. وكنت ألاحظ أنَّ الولايات المتحدة التي كانت تسطير على الكثير من المواقع في الشرق الأوسط بصورة غير مباشرة، تخطط وتعمل للسيطرة عليه بصورة مباشرة. وكانت أول خطوة في هذا السياق تتمحور حول الدعم المطلق لإسرائيل، وهذا ما حدث فعلاً بعدما انتقلت الرعاية لهذه الدولة المغتصبة من أيدي الأوروبيين: الإنكليز، ثم الفرنسيين، إلى الأميركيين. وهكذا أصبحت إسرائيل، ولو بشكل غير رسمي، جزءاً لا يتجزّأ من أميركا نفسها، واتضحت هذه العلاقة وتكرَّست مع وصول المحافظين الجدد، وبالتقاطع الوثيق مع اللوبي اليهودي، إلى المراكز العليا في إدارة الرئيس بوش وسيطرتهم عليها، بحيث لم يعد يمثل الأخير سوى «خيال الصحراء»، فهو ينفِّذ ما يملونه عليه، وهذا هو الحال مع نائبه ديك تشيني مثلاً، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، والآخرين الذين يحيطون به ويخططون له.

لذلك، فالسياسة الأميركية راحت تضغط على كل مفاصل السياسات العربية، أو النظام العربي الرسمي. وبالفعل، فقد نجحت في تحييد أكثر العرب عن المسألة الفلسطينية، التي كان يقال دائماً إنها «قضية العرب الأولى»، ثم انتقلت للضغط على الفلسطينيين، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي دفعت أميركا لإعلان الحرب على الإرهاب، بحيث أطبقت على حركة الكفاح الفلسطيني، وعملت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً في كل العالم العربي والإسلامي، وهذا كلّه بهدف استكمال حصار الشعب الفلسطيني، بحيث لا يبقى إلى جانبه أيُّ صوت عربي أو إسلامي، واستكمال الخطة الإسرائيلية للسيطرة، وضمّ أكثر الجغرافية الفلسطينية، فلا يبقى للفلسطينيين أيُّ شيء.

إذاً، انطلقت مسألة 11 أيلول (سبتمبر) لتفتح للولايات المتحدة الأفق العالمي، وتبرز، سواء أمام حلفائها في أوروبا، أو أمام الذين تعيش بعض العقد معهم، كالصين وروسيا، فتضغط عليهم بذريعة مكافحة الإرهاب، وتجذبهم إلى الجانب المأساويّ من الصورة، باعتبار أنّ الاعتداء عليها هو اعتداء على الغرب كلّه، بل على العالم، وأنّ قضية الحرب على الإرهاب، التي مارست فيها الكثير من الإرهاب الفكري والسياسي، أصبحت قضية عالمية. وهذا يعني أنّ أي دولة تتباطأ في دعمها ومساندتها، معرَّضة للرجم بدعوى مساندة الإرهاب، أو تمويله، أو ما شابه. لذلك، عندما حاولت بعض الدول الأوروبية مناقشة مسألة الإرهاب في مصطلحه السياسي، رفضت أميركا ذلك، وعلى هذا الأساس، انطلق المحافظون الجدد ليجعلوا من هذه المسألة وسيلة من وسائل السيطرة على أفغانستان، متّهمين تنظيم القاعدة بتنفيذ عملية 11 أيلول/سبتمبر. وقد رأينا كيف أن أميركا استخدمت قوات الأطلسي، إلى جانب قواتها، لاحتلال هذا البلد، وبالتالي إعادة تركيبه، بحيث يكون موقعاً متقدماً من مواقع نفوذها في آسيا الوسطى، يطل على باكستان من جهة، وعلى الصين وروسيا والهند من جهة أخرى، وبهدف إخضاع هذه المنطقة بطريقة وبأخرى.

وماذا كان بعد؟ بعد ذلك أرادت السَّيطرة على العراق، مستغلّةً الوضع الذي كان يعيشه الشعب العراقي في ظل نظام صدام حسين، هذا النظام الذي كان أميركياً بالكامل وبامتياز، فصدام كان موظفاً في المخابرات الأميركية أصلاً، ثم وظَّفته واشنطن لخدمة سياستها في إرباك الوضع العربي كلّه، من خلال الحرب على إيران، ثم في اجتياح الكويت الذي أرادت واشنطن من خلاله الإيحاء لعرب الخليج، بأنها هي الوحيدة التي تستطيع إنقاذهم من خطره. ونحن نلاحظ أنه بعد تحرير الكويت، أعلنت أميركا أنّها لا تريد إسقاط النظام العراقي، بل أعطت صدام القوة لإسقاط الانتفاضة الشعبية العراقية. وبذلك كنّا ولا نزال نقول، إن أميركا هي التي تتحمل مسؤولية المذابح الجماعية التي قام بها صدام يومذاك لإسقاط الانتفاضة.

ونحن نعرف أنّ أميركا عادت واحتلت العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وإنقاذ الشعب العراقي من طغيان النظام، والمسألة لا زالت تتفاعل في السياسة الأميركية التي تتخبَّط في الرمال العراقية المتحرّكة، والسَّبب هو أنّ أميركا عندما احتلَّت العراق، كانت تفكر في القوة التي تملكها، ولم تفكر لما بعد الاحتلال، فغرقت في الوحول، وحول المقاومة أوَّلاً، ووحول الفوضى، التي أفسحت في المجال لها، تحت عنوان «الفوضى البنّاءة»، وفي التعقيدات التي أحاطت بها وأحاطت بالدول المجاورة التي شعرت بأن القوات الأميركية أصبحت على حدودها، وتعمل للضغط عليها بطريقة أو بأخرى.

إنّ هذا المأزق، هو الذي جعل أميركا تعمل للهروب إلى الأمام، وذلك بتعقيد العلاقات مع سوريا، واتّهامها بأنها هي التي تفسح في المجال للمقاومة وتسلل المقاتلين عبر حدودها. ثم جاءت عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتكون الورقة الرابحة في يدها للضغط على سوريا أكثر فأكثر، واتهامها بأنها كانت وراء اغتياله. ونحن نعلم أنَّ الولايات المتحدة الأميركية استطاعت أيضاً الاستفادة من حاجة فرنسا لتجديد نفوذها في لبنان، وهكذا نشأ تحالف أميركي _ فرنسي أدّى إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1559، والانسحاب السوري من لبنان، وإلى القرارات الأخرى التي تبعته، وهذا كلّه بهدف إسقاط «الورقة اللبنانية» من يد سوريا، والتي تتصل بسلاح المقاومة من جهة، وسلاح المخيمات الفلسطينية من جهة ثانية. فالقرار 1559 في حيثيَّاته وبنوده جاء لخدمة إسرائيل، وإسقاط الجهات التي تمثِّل خطراً عليها، والّتي تمثل الممانعة السياسية والعسكرية معاً في المنطقة.

ولذلك، فإنني أعتقد أنَّ المرحلة التي نعيشها، هي مرحلة السيطرة الإسرائيليّة الأميركية على المنطقة. أمَّا التّركيز على سوريا، فلأنّها الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تطرح عناوين الممانعة، سواء في المسألة الفلسطينية أو في المسألة العراقية وبعض ما يتعلق بمسألة المقاومة في لبنان. وعندما ندرس المسألة اللبنانية، لا نجدها مسألة سياسية بالمعنى الذي تتحدث فيه كثرة كثيرة من اللبنانيين عن الحرية والسيادة والاستقلال، بل في الوصاية الأميركية التي أطبقت على هذا البلد سياسياً واقتصادياً، بالمستوى الذي انطلق فيه الواقع اللبناني في أكثر تلاوينه نحو الخضوع لهذه الوصاية، وهو ما نلاحظه في الأصوات التي ترتفع، باعتبار لجنة التحقيق الدولية المعنية باغتيال الرئيس الحريري معصومة عن الخطأ، ولا يرقى إليها الشك في كل ما تقوم به، وأنّه لا يجوز بالتالي لأيِّ لبناني أن يسجِّل ضدها ولو نقطة شكٍّ واحدة. والشيء نفسه ينطبق على قضيّة سلاح المقاومة وسلاح المخيَّمات الفلسطينية، الّتي نجد فيها النفاق السياسي بأجلى صوره.

ففي الحديث مثلاً عن الحوار، فإنّهم يتحدثون في الواقع عن الفرص التي يتوسّلونها، والتي يمكنهم تحريكها لإسقاط هذين السلاحين من منطلق الالتزام بالشرعية الدولية والقرارات الدولية.

وأخلص إلى القول: فتّش عن أميركا. لقد قلت في سؤالك إنّ المصائب لا تأتي فرادى، غير أنّ المصائب تنطلق من قاعدة ولا تنطلق من مفردات، وهذا ما عنيته بقولي: فتّش عن أمريكا.

جدار الممانعة

* سماحة السيد، إذا طلب منكم اليوم أن تقدموا النصح للرئيس بشار الأسد في ما يتعلق بالموقف الذي يجب أن يتخذه بالنسبة إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1636، فماذا تقولون له؟

- في نظرتي إلى سوريا، أشعر بأنّه لا بد لنا من أن نساعدها في إبقاء عناوين الممانعة في يدها تجاه المسألة الإسرائيلية من جهة، والمسألة العراقية من جهة ثانية... والاحتفاظ بعلاقة استراتيجية مع لبنان، ولكن مع الابتعاد عن الأخطاء التي مارسها المسؤولون السوريون فيه، لأنّه ليس من الضروريّ أن يكون النظام بقيادته هو الذي مارس هذه الأخطاء، بل كان هناك تعقيدات في التطبيق، وانحرافات في عمليَّة التطبيق، هي المسؤولة غالباً عن سوء التنفيذ.

يجب علينا أن نحافظ ولو على بلد عربي واحد لا يسقط أمام إسرائيل، ولا يصاب باليأس والإحباط أمام اللّعبة الدولية. لذلك فالقرار 1636 الذي انطلقت منه اللّعبة الدولية لتوجيه كلِّ الضغوط على سوريا، بما في ذلك إعطاء الحرية المطلقة للجنة التحقيق باغتيال الرئيس الحريري، بأن تستدعي من تريد، وكيفما تريد، وأينما تريد، من دون أيِّ شروط، إنما يراد منه حشر سوريا في الزاوية، وهي إذا خضعت، فإنَّ ذلك يمثل نوعاً من السقوط القومي، وإذا لم تخضع، فهذا معناه المزيد من العزلة، خصوصاً العزلة العربية، وذلك بعدما سلّم العرب سوريا لأميركا، مع بعض ما يحفظ ماء الوجه لبعض المسؤولين منهم...



* هل تعني أنَّ الدول العربية سلَّمت أمر سوريا لأميركا؟

- نعم... سلّمت تماماً، لأنّ صوت الاعتراض المسموع ليس على القرار 1636، بل على معارضة سوريا وعدم امتثالها له، والطلب منها الخضوع لحيثيّات القرار ومنطقه، باعتباره منطق الشرعية الدولية وحيثياتها.

ومن هنا أتصوّر، أن المسألة الآن هي مسألة إيجاد حركة ديبلوماسية، بحيث لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم؛ أي أن تتعاون سوريا، مع لجنة التحقيق الدولية، وأن تقدم المسؤولين الستة للتحقيق معهم، ولا سيما أنهم مطلوبون بصفة شهود، وأن تتحادث سوريا، من خلال اللجنة القضائية التي شكلَّها الرئيس الأسد بمرسوم، مع لجنة ديتليف ميليس، وبهذه الطريقة، يمكن إيجاد حلّ وسط، بحيث يعطي لجنة ميليس ما تريد من خلال التحقيق، وفي الآن عينه يحفظ لسوريا عنفوانها وسيادتها.

إنني أتصوَّر أن هناك شيئاً ما في الخفاء يتحرك بطريقة ديبلوماسية احتفالية، ربما يجعل المسألة تعيش في دائرة واقعية، تحفظ لسوريا بعض مواقعها في هذا المأزق الخطير. وهذا ما نلاحظه في التصريحات السياسية العربية وغير العربية التي تتحدث عن أن هناك شيئاً سورياً يمكن أن يحلّ بعض المشكلة، إن لم نقل المشكلة كلها.



الورقة اللبنانية

* سبق وذكرتم أن هناك استراتيجية أميركية للسيطرة على الشرق الأوسط، وقلتم إن الأسباب والدوافع والأهداف تخدم إسرائيل مباشرة. إذاً، كيف يمكن التوصل إلى تسوية، بين ما يطلبه مجلس الأمن عبر قراره، لجهة التحقيق باغتيال الحريري، وما تطلبه واشنطن من سوريا في العراق وفلسطين ولبنان؟


- إنني أتصوّر أنّ أميركا تلعب بالورقة اللّبنانية للضغط على سوريا. وعنوان هذه الورقة، هو مسألة التحقيق باغتيال الرئيس الحريري، باعتباره وسيلةً من وسائل هذا الضّغط، ولكن لأهداف أخرى لا تتعلق بالتحقيق. لذلك أرى أنه إذا نجحت سوريا في احتواء هذه المسألة، التي انطلقت من الإجماع في مجلس الأمن، فإنها تستطيع أن تربح نقطة على أميركا بالنسبة إلى القضايا الأخرى، بحيث تكون المفاوضات بين الطرفين، في المسألة الإسرائيلية المزمنة، وفي قضية دعم المقاومة وما إلى ذلك، فضلاً عن المسألة العراقية، مستقلة عن الورقة اللبنانية. إذاً، نصيحتنا لسوريا الآن هي: أن تفصل بين مسألة التحقيق والمسائل الأخرى التي أشرت إليها، خصوصاً أن لهذه شروطاً وأن لتلك شروطاً أخرى، وبذلك، فهي تستطيع أن تربح إلى جانبها الشرعية الدولية من خلال تنفيذ موجبات قرار مجلس الأمن الرقم 1636.

وفي هذا الإطار أقول، إنَّ هناك نقطة كانت تحكم تفكيري في العلاقات السورية _ الأميركية، وهي أن أميركا بحاجة إلى سوريا، كما هي بحاجة إلى إسرائيل. فسوريا هي الوحيدة التي لا تزال تملك العناوين القومية العربية، والوحيدة التي تملك علاقات مميزة مع الراديكاليين العرب ومع الفلسطينيين والأصوليين. ولذلك، فهي الدولة الوحيدة التي يمكن أن ترتب هذه الملفات، ومن الطبيعي أن أميركا بحاجة إلى سوريا من هذه الجهة التي قد تكون معقَّدة في بعض خططها هنا وهناك. ولذلك، فإنني أتصوّر أنه على الرغم من حركة المحافظين الجدد الذين قد يفكّرون في أن يحصل في سوريا ما حصل في العراق، فإن ذلك ليس في وسع أميركا، على الرغم من قوتها في المرحلة الحاضرة، ولأنه ليس من مصلحتها ذلك. لذلك أتصوَّر أن أميركا سوف تغير بعض سياستها عندما تنجح سوريا في ترتيب الوضع بقدر ما يتعلق الموضوع بالمسألة اللبنانية.


* سماحة السيد، الأميركيون لا يخفون أهدافهم، وهم يتحدثون صراحة وبوضوح عما يريدونه من سوريا. لقد طلبت كونداليزا رايس من الرئيس الأسد مثلاً اتخاذ «قرار استراتيجي»، والمطلوب منه «تغيير السلوك» وليس مجرد تجميل الصورة...

- من الطبيعي أن هذه هي سياسة أميركا. ولكن هناك نقطة مهمة، وهي أنّ أميركا الدولة القائدة في العالم، لا تملك الحرية في كل خطوط سياساتها العالمية. إنّ العالم العربي يقف الآن للضغط على سوريا لتنفيذ القرار 1636، ولكنّه لا يقف ضدها، ولو من باب حفظ ماء الوجه في المسألة الإسرائيلية والمسألة العراقية.

إنَّ العالم العربي مع اختلاف سياساته، لا يزال يعيش نوعاً من التعقيد في المسألة العراقية، وهذا ما أجبر الجامعة العربية على أن تعقد مؤتمراً لمناقشة وضع العراق. لذلك، فالقضية مختلفة في هذا المجال. غير أنه من الطبيعي أن تتحدث أميركا من خلال مأزقها العراقي، أو من خلال المسألة الإسرائيلية التي تتبناها، ولكن طريق الوصول إلى النتائج التي تتوخاها، لا بد من أن تمرّ بمخاض عسير من خلال طبيعة الواقع الدولي، خصوصاً أنه ليس من الضروري أن تقف الصين وروسيا، اللّتان لهما مصالح حيوية بالنسبة إلى سوريا والعالم العربي، مع أميركا، وأن تضغطا على دمشق في خطوط المسألة الفلسطينية والمسألة العراقية.

المقاومة العراقية

* لو سلّمنا بهذا التقدير الذي تفضَّلتم به، إلى أيِّ حدٍ يمكن أن تضغط أميركا، وإلى أيِّ حد يمكن أن تتنازل سوريا في علاقاتها العراقية والفلسطينية واللبنانية التي تتحرك تحت عناوين الممانعة والمقاومة؟


- ثمَّة جانبان في المسألة العراقية: الأوَّل: هو العلاقة السوريّة _ العراقية، والثاني: العلاقة السوريّة _ الأميركية. فإنني أتصوّر أن سوريا سوف تسلك خطاً وسطاً بين هذين النوعين من العلاقات، وتحافظ بالتالي على علاقاتها بالنسبة إلى مستقبل العراق في هذا المجال. ولذلك لا بدّ من أن نتابع هذه المسألة، خصوصاً أن أميركا بدأت تضغط على الجانب العراقي من الحدود بين البلدين، وربما تكتشف غداً أن هناك مقاومة عراقية حقيقية، وأن المسألة ليست مسألة تسلّل أشخاص. وعند ذلك، لا يبقى في يدها حجة لاتهام سوريا بعدم التعاون، خصوصاً وقد قدمت البرهان للصحافة العالمية بأنها استطاعت بقدر إمكانياتها أن تضبط ما يمكن ضبطه من الحدود، بل وطلبت من أميركا بعض التقنيات التي تساعدها في مراقبة الحدود في الليل، ولم تستجب للطلب، وهذا ما يدل على أن أميركا تريد لهذه المشكلة أن تظل تتفاعل، ولو قدمت لسوريا ما تطلبه فعلاً، لسقطت حجتها وانتهى الأمر.

* هذا بالنسبة إلى العراق، أما في فلسطين ولبنان، فماذا تستطيع سوريا أن تفعل؟

- تستطيع سوريا أن تقول لأميركا إنّها خرجت من لبنان بجيشها وأجهزة المخابرات التابعة لها. أما بالنسبة لاتهامها بأنها لا تزال تتدخل في شؤونه الداخلية، فيمكنها أن تطلب الدليل على ذلك. وكذلك إذا كان هناك بعض الناس المؤيدين لها يتحركون بطريقة أو بأخرى، فهي غير مسؤولة عن ذلك. لهذا فإنّ أميركا لا تملك أي حجة على سوريا بالنسبة إلى القرار 1559. ويبقى القرار 1636 في دائرة التحقيق القضائي، الذي ربما تتحرك سوريا من أجل حلّ مشكلته بطريقة أو بأخرى. ولذلك، فإنّه بوسع سوريا أن تترك المسألة المتعلقة بلبنان للذين يملكون استراتيجية في مواجهة أميركا وإسرائيل، بعيداً عن المسألة السوريّة، فقد حدث انفصال بين سوريا والمقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية، لكنّ ذلك لا يمنع هاتين المقاومتين من أن تستمرا في سياستهما ضد إسرائيل وضد أميركا.



* لديكم معرفة واسعة بشؤون العراق وشجونه. واليوم هناك سؤال مُلحّ وضاغط، ومقاربات عديدة ومتضاربة حوله، وهو: إلى أين يذهب العراق؟ هل إلى الحرب الأهلية، أم إلى التقسيم، أم ماذا؟

- إنني أتصوّر أن العراق ذاهب إلى المزيد من الفوضى. وهذه هي ثمرة سياسة الرئيس بوش في ولايته الثانية، والحديث عن «الفوضى البنّاءة» أو «الفوضى الخلاقة»... إنّ أميركا تعمل لإبقاء الخلل الأمني، فهي قادرة، لو أرادت، على أن تقمع هؤلاء التفكيريين الذين يقتلون المدنيين، ولا سيما الشيعة منهم، ونحن لا نستطيع أن نصدّق أن أميركا التي تملك مع القوات المتعددة الجنسية أكثر من 150 ألف جندي، لا تستطيع السيطرة على مواقع هؤلاء المعروفة في هذه المنطقة أو تلك، أو نشر مراقبة أمنية فيها، سواء من خلال العراقيين الذين تملك في مخابراتها الكثير منهم، أو من خلال جنودها ومخابراتها، خصوصاً أن المخابرات الإسرائيلية تتحرك جنباً إلى جنب مع المخابرات الأميركية في العراق، بحيث أصبح ساحة مفتوحة لإسرائيل والموساد، بقدر ما هو ساحة مفتوحة للأميركيين أنفسهم جيشاً ومخابرات. نحن نؤكد أن هناك مقاومة عراقية حقيقية غير هؤلاء التكفيريين، والاحتلال يعاني منها، ومن الصعب جداً أن يسيطر عليها. ومن جهة أخرى، تعمل أميركا على أساس ترتيب الوضع العراقي في الانتخابات المقبلة بما يخدم سياستها. ونحن نعرف أنّها تركز على الحكومة العراقية المؤقّتة. لذلك فالمسألة هي كيف يمكنها أن تقدِّم غداً حكومة علمانية وليس حكومةً إسلامية، باعتبار أن الإسلاميين الذين استلموا الحكم، فشلوا في تجربتهم بالنظر إلى بعض التعقيدات الموجودة، أو لأنّ أميركا لم تساعد هذه الحكومة المؤقتة على بسط نفوذها وإعطائها الإمكانيات المالية والعسكرية للسيطرة على الواقع. لذلك أنا أتصوّر أنّ أميركا سوف تبقى في العراق حتى تستكمل سياستها بالسيطرة الكاملة عليه، وجعله جسراً للعبور إلى المنطقة الخليجية والإيرانية والتركية.


الشيعة والسنة

* هل معنى ذلك التقسيم؟

_ أنا لا أظن أن العراق ذاهب إلى التقسيم بالمعنى المصطلح عليه للكلمة، بل إلى ما يرمز إلى روح التقسيم من خلال الفيدرالية التي أقرّها أغلب العراقيين للأكراد، وأصبحت في العناوين السياسية العراقية، بحيث لا يمكن أن يكون العراق فيدرالياً للعرب والأكراد فحسب، بل أن يكون كلّه فيدرالياً، ويكون الأكراد جزءاً من هذا النظام. ولذلك، فالأطروحات التي تتحدث عن فيدرالية المحافظات، قد تعطي عنواناً تقسيمياً في نطاق الوحدة العراقية التي ليس لها صورة واضحة حتى الآن...

* في هذا الإطار، ما هي احتمالات حدوث فتنة مذهبية شيعية _ سنية؟

- إنني أعتقد أن العراق محصَّن ضد ما يخطط له من حرب أهلية. قد تكون هناك حساسيات مذهبية، لكن القيادات الشيعية والسنّية واعية، ولا شك في أنّها تستطيع إحباط هذه الفتنة، وأن تؤكد لنفسها ولقواعدها أنّ أية فتنة مذهبية سوف تسقط الهيكل على رؤوس الجميع. ولذلك رأينا أن الشيعة، وعلى الرغم من كثرة المجازر التي ترتكب بحقهم، لم يقوموا بأيِّ ردّة فعل تُذكر ضد إخوانهم السنّة. قد نشاهد بعض الحوادث الفردية، ولكن حتى الآن، فإنّ جميع مراجع الشيعة يصدرون الفتاوى بشكل حاسم، وهو أنه لا يجوز القيام بردّة فعل. كما أن الخطابات التي تصور عن الجهات الدينية، سواء السنّية أو الشيعية، تدعو إلى الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية.

* ما هو السبب الذي جعل الشيعة يمتنعون عن مقاومة الاحتلال؟ أليس هذا من شأنه أن يُقلق أخوانهم السنّة، ويثير نقمتهم؟

- هناك نقطة لم يفهمها كثيرون، وهي أنّ الشيعة حوصروا في نظام الطاغية صدام حسين حصاراً لم يعرفه شعب. هناك عشرات الألوف من القتلى. ونحن نعرف الحكم الذي صدر من أجهزة صدام حسين، وهو إعدام كل من ينتمي إلى «حزب الدعوة» مثلاً. والشيعة حوربوا في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم وحرّيتهم، بحيث هُجِّر أغلبهم إلى بلدان العالم. لذلك لم يعد هناك طاقة في الواقع الشيعي الذي قاوم النظام سابقاً عندما كان في حماية أميركا. وأستطيع القول من خلال معلوماتي، إنّ الشيعة ضد كل احتلال، انطلاقاً من الاحتلال البريطاني وحتى الآن. ولكن المسألة هي أن المبادرة الأميركية عملت على أن تُثير في حركتها وإعلامها، بأن دورها هو دور المنقذ وليس دور المحتلّ. ولذلك فالشيعة بعد الاحتلال الأميركي، راحوا يعملون على لملمة جراحهم والتفكير في الواقع الذي يعيشون فيه، ولم يكونوا يملكون أي قوة في داخلهم لمواجهة الاحتلال، لأنهم يخافون عودة نظام الطاغية الذي استطاعت فلوله السيطرة على أغلب السلاح وأغلب الإمكانيات، هذا إضافة إلى أن المحيط العراقي لا يدعم الشيعة المحسوبين على العراق.


* ما هي حقيقة ما يُشاع عن النفوذ الإيراني في العراق، وأنّ إيران تعمل على تقسيم العراق، بحيث لا يقوم له قائمة في المستقبل؟

- نحن نعتقد أنَّ أي دولة مجاورة لدولة أخرى، لا بدّ من أن تعمل لكي يكون لها نفوذها السياسي والأمني فيها. وهذا ليس بدعاً في السياسات الدولية، فكيف إذا كانت الدولة المعنية تخشى على أمنها من الدولة الأخرى. لكن الحديث الذي يُثار من أن إيران تريد تقسيم العراق، ليس واقعياً، بل ليس من مصلحتها ذلك. ونحن نعرف أن لإيران علاقات جيدة مع الأكراد ومع بعض السياسيين السنة أيضاً، فضلاً عن علاقاتها مع الشيعة. وبطبيعة الحال، هناك نوع من القرب بين إيران والشيعة، تماماً كما هو الحال بين أية دولة عربية مجاورة للعراق والسنة العراقيين. أما قضية سيطرة إيران على العراق، بحيث تجتاحه سياسياً وأمنياً، فالعراقيون لا يقبلون بذلك.

* بمن فيهم الشيعة؟

- هذا ينطبق على السنّة والشيعة. نعم، الشيعة العراقيون لا يقبلون بذلك، بل يريدون الصداقة وحسن الجوار مع إيران، ويرفضون رفضاً مطلقاً أن يكونوا تحت الحكم الإيراني. وهذا ما نعرفه من خلال الساحة العراقية، والإعلام الذي يتحدث بغير هذه الطريقة، هو إعلام مسيّس، ويحاول إشاعة أن إيران خطر على العراق، وعلى هويته العربية.

أجرى الحوار: كامل فاعور

عشية الخطاب المفصلي الذي ألقاه الرئيس السوري بشار الأسد في العاشر من الشهر الماضي، والّذي حدّد فيه بوضوح خيارات سوريا في ضوء قرار مجلس الأمن الرقم 1636، والعزلة التي فرضت عليها، انتقلت إلى منـزل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، الكائن في الضاحية الجنوبية من بيروت وفي ذهني أسئلة كثيرة: سوريا ومصيرها، العراق، فلسطين، وطبعاً لبنان... هذه الساحة المترامية الأطراف التي تشتعل النيران في بعض أجزائها، وتوشك على الاشتعال في الأجزاء الأخرى، بعدما أصبحت بين فكي كماشة إذا صح التعبير، الاحتلال الأميركي من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وكلتاهما تتبادلان الأدوار لكسر شوكة الممانعة، وتحريك رياح الاضطرابات، والتغيير فيها.

فماذا لدى «السيد» الفقيه، المقلَّد (بفتح اللام) والأديب، والشاعر، والمفكر السياسي حول هذه القضايا؟ والذي استقبلنا كعادته دائماً بقلب وعقل مفتوحين... وكانت لنا هذه الجولة الحوارية معه:

* يقال «المصائب لا تأتي فرادى». ويبدو لي أن هذا هو حال العرب اليوم... في فلسطين والعراق ولبنان، ثم ها هي الدوائر تدور على سوريا التي تواجه استحقاقاً خطيراً يتمثل بقرار مجلس الأمن الأخير الرقم 1636. طبعاً أنتم قرأتم نص هذا القرار في ديباجته وبنوده، فما هي، في رأيكم، خلفياته ومراميه؟

- كنت ولا أزال أتابع بدقّة كل ما يحصل في المنطقة من أحداث سياسية وأمنية واقتصادية، أتابع حركة سياسية الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها الدولة التي ترى نفسها، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، قائدةً للعالم، وتخطط كي تكون إمبراطورية عالمية تشمل استراتيجيتها كل مكان، ولا سيما المواقع التي تملك القوة الاقتصادية، فتعزز الاقتصاد الأميركي من جهة، وتفتح أكثر من أفق للتدخل في هذا الموقع أو ذاك، وبسط نفوذها عليه من جهة أخرى. وكنت ألاحظ أنَّ الولايات المتحدة التي كانت تسطير على الكثير من المواقع في الشرق الأوسط بصورة غير مباشرة، تخطط وتعمل للسيطرة عليه بصورة مباشرة. وكانت أول خطوة في هذا السياق تتمحور حول الدعم المطلق لإسرائيل، وهذا ما حدث فعلاً بعدما انتقلت الرعاية لهذه الدولة المغتصبة من أيدي الأوروبيين: الإنكليز، ثم الفرنسيين، إلى الأميركيين. وهكذا أصبحت إسرائيل، ولو بشكل غير رسمي، جزءاً لا يتجزّأ من أميركا نفسها، واتضحت هذه العلاقة وتكرَّست مع وصول المحافظين الجدد، وبالتقاطع الوثيق مع اللوبي اليهودي، إلى المراكز العليا في إدارة الرئيس بوش وسيطرتهم عليها، بحيث لم يعد يمثل الأخير سوى «خيال الصحراء»، فهو ينفِّذ ما يملونه عليه، وهذا هو الحال مع نائبه ديك تشيني مثلاً، ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، والآخرين الذين يحيطون به ويخططون له.

لذلك، فالسياسة الأميركية راحت تضغط على كل مفاصل السياسات العربية، أو النظام العربي الرسمي. وبالفعل، فقد نجحت في تحييد أكثر العرب عن المسألة الفلسطينية، التي كان يقال دائماً إنها «قضية العرب الأولى»، ثم انتقلت للضغط على الفلسطينيين، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي دفعت أميركا لإعلان الحرب على الإرهاب، بحيث أطبقت على حركة الكفاح الفلسطيني، وعملت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً في كل العالم العربي والإسلامي، وهذا كلّه بهدف استكمال حصار الشعب الفلسطيني، بحيث لا يبقى إلى جانبه أيُّ صوت عربي أو إسلامي، واستكمال الخطة الإسرائيلية للسيطرة، وضمّ أكثر الجغرافية الفلسطينية، فلا يبقى للفلسطينيين أيُّ شيء.

إذاً، انطلقت مسألة 11 أيلول (سبتمبر) لتفتح للولايات المتحدة الأفق العالمي، وتبرز، سواء أمام حلفائها في أوروبا، أو أمام الذين تعيش بعض العقد معهم، كالصين وروسيا، فتضغط عليهم بذريعة مكافحة الإرهاب، وتجذبهم إلى الجانب المأساويّ من الصورة، باعتبار أنّ الاعتداء عليها هو اعتداء على الغرب كلّه، بل على العالم، وأنّ قضية الحرب على الإرهاب، التي مارست فيها الكثير من الإرهاب الفكري والسياسي، أصبحت قضية عالمية. وهذا يعني أنّ أي دولة تتباطأ في دعمها ومساندتها، معرَّضة للرجم بدعوى مساندة الإرهاب، أو تمويله، أو ما شابه. لذلك، عندما حاولت بعض الدول الأوروبية مناقشة مسألة الإرهاب في مصطلحه السياسي، رفضت أميركا ذلك، وعلى هذا الأساس، انطلق المحافظون الجدد ليجعلوا من هذه المسألة وسيلة من وسائل السيطرة على أفغانستان، متّهمين تنظيم القاعدة بتنفيذ عملية 11 أيلول/سبتمبر. وقد رأينا كيف أن أميركا استخدمت قوات الأطلسي، إلى جانب قواتها، لاحتلال هذا البلد، وبالتالي إعادة تركيبه، بحيث يكون موقعاً متقدماً من مواقع نفوذها في آسيا الوسطى، يطل على باكستان من جهة، وعلى الصين وروسيا والهند من جهة أخرى، وبهدف إخضاع هذه المنطقة بطريقة وبأخرى.

وماذا كان بعد؟ بعد ذلك أرادت السَّيطرة على العراق، مستغلّةً الوضع الذي كان يعيشه الشعب العراقي في ظل نظام صدام حسين، هذا النظام الذي كان أميركياً بالكامل وبامتياز، فصدام كان موظفاً في المخابرات الأميركية أصلاً، ثم وظَّفته واشنطن لخدمة سياستها في إرباك الوضع العربي كلّه، من خلال الحرب على إيران، ثم في اجتياح الكويت الذي أرادت واشنطن من خلاله الإيحاء لعرب الخليج، بأنها هي الوحيدة التي تستطيع إنقاذهم من خطره. ونحن نلاحظ أنه بعد تحرير الكويت، أعلنت أميركا أنّها لا تريد إسقاط النظام العراقي، بل أعطت صدام القوة لإسقاط الانتفاضة الشعبية العراقية. وبذلك كنّا ولا نزال نقول، إن أميركا هي التي تتحمل مسؤولية المذابح الجماعية التي قام بها صدام يومذاك لإسقاط الانتفاضة.

ونحن نعرف أنّ أميركا عادت واحتلت العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وإنقاذ الشعب العراقي من طغيان النظام، والمسألة لا زالت تتفاعل في السياسة الأميركية التي تتخبَّط في الرمال العراقية المتحرّكة، والسَّبب هو أنّ أميركا عندما احتلَّت العراق، كانت تفكر في القوة التي تملكها، ولم تفكر لما بعد الاحتلال، فغرقت في الوحول، وحول المقاومة أوَّلاً، ووحول الفوضى، التي أفسحت في المجال لها، تحت عنوان «الفوضى البنّاءة»، وفي التعقيدات التي أحاطت بها وأحاطت بالدول المجاورة التي شعرت بأن القوات الأميركية أصبحت على حدودها، وتعمل للضغط عليها بطريقة أو بأخرى.

إنّ هذا المأزق، هو الذي جعل أميركا تعمل للهروب إلى الأمام، وذلك بتعقيد العلاقات مع سوريا، واتّهامها بأنها هي التي تفسح في المجال للمقاومة وتسلل المقاتلين عبر حدودها. ثم جاءت عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتكون الورقة الرابحة في يدها للضغط على سوريا أكثر فأكثر، واتهامها بأنها كانت وراء اغتياله. ونحن نعلم أنَّ الولايات المتحدة الأميركية استطاعت أيضاً الاستفادة من حاجة فرنسا لتجديد نفوذها في لبنان، وهكذا نشأ تحالف أميركي _ فرنسي أدّى إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1559، والانسحاب السوري من لبنان، وإلى القرارات الأخرى التي تبعته، وهذا كلّه بهدف إسقاط «الورقة اللبنانية» من يد سوريا، والتي تتصل بسلاح المقاومة من جهة، وسلاح المخيمات الفلسطينية من جهة ثانية. فالقرار 1559 في حيثيَّاته وبنوده جاء لخدمة إسرائيل، وإسقاط الجهات التي تمثِّل خطراً عليها، والّتي تمثل الممانعة السياسية والعسكرية معاً في المنطقة.

ولذلك، فإنني أعتقد أنَّ المرحلة التي نعيشها، هي مرحلة السيطرة الإسرائيليّة الأميركية على المنطقة. أمَّا التّركيز على سوريا، فلأنّها الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تطرح عناوين الممانعة، سواء في المسألة الفلسطينية أو في المسألة العراقية وبعض ما يتعلق بمسألة المقاومة في لبنان. وعندما ندرس المسألة اللبنانية، لا نجدها مسألة سياسية بالمعنى الذي تتحدث فيه كثرة كثيرة من اللبنانيين عن الحرية والسيادة والاستقلال، بل في الوصاية الأميركية التي أطبقت على هذا البلد سياسياً واقتصادياً، بالمستوى الذي انطلق فيه الواقع اللبناني في أكثر تلاوينه نحو الخضوع لهذه الوصاية، وهو ما نلاحظه في الأصوات التي ترتفع، باعتبار لجنة التحقيق الدولية المعنية باغتيال الرئيس الحريري معصومة عن الخطأ، ولا يرقى إليها الشك في كل ما تقوم به، وأنّه لا يجوز بالتالي لأيِّ لبناني أن يسجِّل ضدها ولو نقطة شكٍّ واحدة. والشيء نفسه ينطبق على قضيّة سلاح المقاومة وسلاح المخيَّمات الفلسطينية، الّتي نجد فيها النفاق السياسي بأجلى صوره.

ففي الحديث مثلاً عن الحوار، فإنّهم يتحدثون في الواقع عن الفرص التي يتوسّلونها، والتي يمكنهم تحريكها لإسقاط هذين السلاحين من منطلق الالتزام بالشرعية الدولية والقرارات الدولية.

وأخلص إلى القول: فتّش عن أميركا. لقد قلت في سؤالك إنّ المصائب لا تأتي فرادى، غير أنّ المصائب تنطلق من قاعدة ولا تنطلق من مفردات، وهذا ما عنيته بقولي: فتّش عن أمريكا.

جدار الممانعة

* سماحة السيد، إذا طلب منكم اليوم أن تقدموا النصح للرئيس بشار الأسد في ما يتعلق بالموقف الذي يجب أن يتخذه بالنسبة إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1636، فماذا تقولون له؟

- في نظرتي إلى سوريا، أشعر بأنّه لا بد لنا من أن نساعدها في إبقاء عناوين الممانعة في يدها تجاه المسألة الإسرائيلية من جهة، والمسألة العراقية من جهة ثانية... والاحتفاظ بعلاقة استراتيجية مع لبنان، ولكن مع الابتعاد عن الأخطاء التي مارسها المسؤولون السوريون فيه، لأنّه ليس من الضروريّ أن يكون النظام بقيادته هو الذي مارس هذه الأخطاء، بل كان هناك تعقيدات في التطبيق، وانحرافات في عمليَّة التطبيق، هي المسؤولة غالباً عن سوء التنفيذ.

يجب علينا أن نحافظ ولو على بلد عربي واحد لا يسقط أمام إسرائيل، ولا يصاب باليأس والإحباط أمام اللّعبة الدولية. لذلك فالقرار 1636 الذي انطلقت منه اللّعبة الدولية لتوجيه كلِّ الضغوط على سوريا، بما في ذلك إعطاء الحرية المطلقة للجنة التحقيق باغتيال الرئيس الحريري، بأن تستدعي من تريد، وكيفما تريد، وأينما تريد، من دون أيِّ شروط، إنما يراد منه حشر سوريا في الزاوية، وهي إذا خضعت، فإنَّ ذلك يمثل نوعاً من السقوط القومي، وإذا لم تخضع، فهذا معناه المزيد من العزلة، خصوصاً العزلة العربية، وذلك بعدما سلّم العرب سوريا لأميركا، مع بعض ما يحفظ ماء الوجه لبعض المسؤولين منهم...



* هل تعني أنَّ الدول العربية سلَّمت أمر سوريا لأميركا؟

- نعم... سلّمت تماماً، لأنّ صوت الاعتراض المسموع ليس على القرار 1636، بل على معارضة سوريا وعدم امتثالها له، والطلب منها الخضوع لحيثيّات القرار ومنطقه، باعتباره منطق الشرعية الدولية وحيثياتها.

ومن هنا أتصوّر، أن المسألة الآن هي مسألة إيجاد حركة ديبلوماسية، بحيث لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم؛ أي أن تتعاون سوريا، مع لجنة التحقيق الدولية، وأن تقدم المسؤولين الستة للتحقيق معهم، ولا سيما أنهم مطلوبون بصفة شهود، وأن تتحادث سوريا، من خلال اللجنة القضائية التي شكلَّها الرئيس الأسد بمرسوم، مع لجنة ديتليف ميليس، وبهذه الطريقة، يمكن إيجاد حلّ وسط، بحيث يعطي لجنة ميليس ما تريد من خلال التحقيق، وفي الآن عينه يحفظ لسوريا عنفوانها وسيادتها.

إنني أتصوَّر أن هناك شيئاً ما في الخفاء يتحرك بطريقة ديبلوماسية احتفالية، ربما يجعل المسألة تعيش في دائرة واقعية، تحفظ لسوريا بعض مواقعها في هذا المأزق الخطير. وهذا ما نلاحظه في التصريحات السياسية العربية وغير العربية التي تتحدث عن أن هناك شيئاً سورياً يمكن أن يحلّ بعض المشكلة، إن لم نقل المشكلة كلها.



الورقة اللبنانية

* سبق وذكرتم أن هناك استراتيجية أميركية للسيطرة على الشرق الأوسط، وقلتم إن الأسباب والدوافع والأهداف تخدم إسرائيل مباشرة. إذاً، كيف يمكن التوصل إلى تسوية، بين ما يطلبه مجلس الأمن عبر قراره، لجهة التحقيق باغتيال الحريري، وما تطلبه واشنطن من سوريا في العراق وفلسطين ولبنان؟


- إنني أتصوّر أنّ أميركا تلعب بالورقة اللّبنانية للضغط على سوريا. وعنوان هذه الورقة، هو مسألة التحقيق باغتيال الرئيس الحريري، باعتباره وسيلةً من وسائل هذا الضّغط، ولكن لأهداف أخرى لا تتعلق بالتحقيق. لذلك أرى أنه إذا نجحت سوريا في احتواء هذه المسألة، التي انطلقت من الإجماع في مجلس الأمن، فإنها تستطيع أن تربح نقطة على أميركا بالنسبة إلى القضايا الأخرى، بحيث تكون المفاوضات بين الطرفين، في المسألة الإسرائيلية المزمنة، وفي قضية دعم المقاومة وما إلى ذلك، فضلاً عن المسألة العراقية، مستقلة عن الورقة اللبنانية. إذاً، نصيحتنا لسوريا الآن هي: أن تفصل بين مسألة التحقيق والمسائل الأخرى التي أشرت إليها، خصوصاً أن لهذه شروطاً وأن لتلك شروطاً أخرى، وبذلك، فهي تستطيع أن تربح إلى جانبها الشرعية الدولية من خلال تنفيذ موجبات قرار مجلس الأمن الرقم 1636.

وفي هذا الإطار أقول، إنَّ هناك نقطة كانت تحكم تفكيري في العلاقات السورية _ الأميركية، وهي أن أميركا بحاجة إلى سوريا، كما هي بحاجة إلى إسرائيل. فسوريا هي الوحيدة التي لا تزال تملك العناوين القومية العربية، والوحيدة التي تملك علاقات مميزة مع الراديكاليين العرب ومع الفلسطينيين والأصوليين. ولذلك، فهي الدولة الوحيدة التي يمكن أن ترتب هذه الملفات، ومن الطبيعي أن أميركا بحاجة إلى سوريا من هذه الجهة التي قد تكون معقَّدة في بعض خططها هنا وهناك. ولذلك، فإنني أتصوّر أنه على الرغم من حركة المحافظين الجدد الذين قد يفكّرون في أن يحصل في سوريا ما حصل في العراق، فإن ذلك ليس في وسع أميركا، على الرغم من قوتها في المرحلة الحاضرة، ولأنه ليس من مصلحتها ذلك. لذلك أتصوَّر أن أميركا سوف تغير بعض سياستها عندما تنجح سوريا في ترتيب الوضع بقدر ما يتعلق الموضوع بالمسألة اللبنانية.


* سماحة السيد، الأميركيون لا يخفون أهدافهم، وهم يتحدثون صراحة وبوضوح عما يريدونه من سوريا. لقد طلبت كونداليزا رايس من الرئيس الأسد مثلاً اتخاذ «قرار استراتيجي»، والمطلوب منه «تغيير السلوك» وليس مجرد تجميل الصورة...

- من الطبيعي أن هذه هي سياسة أميركا. ولكن هناك نقطة مهمة، وهي أنّ أميركا الدولة القائدة في العالم، لا تملك الحرية في كل خطوط سياساتها العالمية. إنّ العالم العربي يقف الآن للضغط على سوريا لتنفيذ القرار 1636، ولكنّه لا يقف ضدها، ولو من باب حفظ ماء الوجه في المسألة الإسرائيلية والمسألة العراقية.

إنَّ العالم العربي مع اختلاف سياساته، لا يزال يعيش نوعاً من التعقيد في المسألة العراقية، وهذا ما أجبر الجامعة العربية على أن تعقد مؤتمراً لمناقشة وضع العراق. لذلك، فالقضية مختلفة في هذا المجال. غير أنه من الطبيعي أن تتحدث أميركا من خلال مأزقها العراقي، أو من خلال المسألة الإسرائيلية التي تتبناها، ولكن طريق الوصول إلى النتائج التي تتوخاها، لا بد من أن تمرّ بمخاض عسير من خلال طبيعة الواقع الدولي، خصوصاً أنه ليس من الضروري أن تقف الصين وروسيا، اللّتان لهما مصالح حيوية بالنسبة إلى سوريا والعالم العربي، مع أميركا، وأن تضغطا على دمشق في خطوط المسألة الفلسطينية والمسألة العراقية.

المقاومة العراقية

* لو سلّمنا بهذا التقدير الذي تفضَّلتم به، إلى أيِّ حدٍ يمكن أن تضغط أميركا، وإلى أيِّ حد يمكن أن تتنازل سوريا في علاقاتها العراقية والفلسطينية واللبنانية التي تتحرك تحت عناوين الممانعة والمقاومة؟


- ثمَّة جانبان في المسألة العراقية: الأوَّل: هو العلاقة السوريّة _ العراقية، والثاني: العلاقة السوريّة _ الأميركية. فإنني أتصوّر أن سوريا سوف تسلك خطاً وسطاً بين هذين النوعين من العلاقات، وتحافظ بالتالي على علاقاتها بالنسبة إلى مستقبل العراق في هذا المجال. ولذلك لا بدّ من أن نتابع هذه المسألة، خصوصاً أن أميركا بدأت تضغط على الجانب العراقي من الحدود بين البلدين، وربما تكتشف غداً أن هناك مقاومة عراقية حقيقية، وأن المسألة ليست مسألة تسلّل أشخاص. وعند ذلك، لا يبقى في يدها حجة لاتهام سوريا بعدم التعاون، خصوصاً وقد قدمت البرهان للصحافة العالمية بأنها استطاعت بقدر إمكانياتها أن تضبط ما يمكن ضبطه من الحدود، بل وطلبت من أميركا بعض التقنيات التي تساعدها في مراقبة الحدود في الليل، ولم تستجب للطلب، وهذا ما يدل على أن أميركا تريد لهذه المشكلة أن تظل تتفاعل، ولو قدمت لسوريا ما تطلبه فعلاً، لسقطت حجتها وانتهى الأمر.

* هذا بالنسبة إلى العراق، أما في فلسطين ولبنان، فماذا تستطيع سوريا أن تفعل؟

- تستطيع سوريا أن تقول لأميركا إنّها خرجت من لبنان بجيشها وأجهزة المخابرات التابعة لها. أما بالنسبة لاتهامها بأنها لا تزال تتدخل في شؤونه الداخلية، فيمكنها أن تطلب الدليل على ذلك. وكذلك إذا كان هناك بعض الناس المؤيدين لها يتحركون بطريقة أو بأخرى، فهي غير مسؤولة عن ذلك. لهذا فإنّ أميركا لا تملك أي حجة على سوريا بالنسبة إلى القرار 1559. ويبقى القرار 1636 في دائرة التحقيق القضائي، الذي ربما تتحرك سوريا من أجل حلّ مشكلته بطريقة أو بأخرى. ولذلك، فإنّه بوسع سوريا أن تترك المسألة المتعلقة بلبنان للذين يملكون استراتيجية في مواجهة أميركا وإسرائيل، بعيداً عن المسألة السوريّة، فقد حدث انفصال بين سوريا والمقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية، لكنّ ذلك لا يمنع هاتين المقاومتين من أن تستمرا في سياستهما ضد إسرائيل وضد أميركا.



* لديكم معرفة واسعة بشؤون العراق وشجونه. واليوم هناك سؤال مُلحّ وضاغط، ومقاربات عديدة ومتضاربة حوله، وهو: إلى أين يذهب العراق؟ هل إلى الحرب الأهلية، أم إلى التقسيم، أم ماذا؟

- إنني أتصوّر أن العراق ذاهب إلى المزيد من الفوضى. وهذه هي ثمرة سياسة الرئيس بوش في ولايته الثانية، والحديث عن «الفوضى البنّاءة» أو «الفوضى الخلاقة»... إنّ أميركا تعمل لإبقاء الخلل الأمني، فهي قادرة، لو أرادت، على أن تقمع هؤلاء التفكيريين الذين يقتلون المدنيين، ولا سيما الشيعة منهم، ونحن لا نستطيع أن نصدّق أن أميركا التي تملك مع القوات المتعددة الجنسية أكثر من 150 ألف جندي، لا تستطيع السيطرة على مواقع هؤلاء المعروفة في هذه المنطقة أو تلك، أو نشر مراقبة أمنية فيها، سواء من خلال العراقيين الذين تملك في مخابراتها الكثير منهم، أو من خلال جنودها ومخابراتها، خصوصاً أن المخابرات الإسرائيلية تتحرك جنباً إلى جنب مع المخابرات الأميركية في العراق، بحيث أصبح ساحة مفتوحة لإسرائيل والموساد، بقدر ما هو ساحة مفتوحة للأميركيين أنفسهم جيشاً ومخابرات. نحن نؤكد أن هناك مقاومة عراقية حقيقية غير هؤلاء التكفيريين، والاحتلال يعاني منها، ومن الصعب جداً أن يسيطر عليها. ومن جهة أخرى، تعمل أميركا على أساس ترتيب الوضع العراقي في الانتخابات المقبلة بما يخدم سياستها. ونحن نعرف أنّها تركز على الحكومة العراقية المؤقّتة. لذلك فالمسألة هي كيف يمكنها أن تقدِّم غداً حكومة علمانية وليس حكومةً إسلامية، باعتبار أن الإسلاميين الذين استلموا الحكم، فشلوا في تجربتهم بالنظر إلى بعض التعقيدات الموجودة، أو لأنّ أميركا لم تساعد هذه الحكومة المؤقتة على بسط نفوذها وإعطائها الإمكانيات المالية والعسكرية للسيطرة على الواقع. لذلك أنا أتصوّر أنّ أميركا سوف تبقى في العراق حتى تستكمل سياستها بالسيطرة الكاملة عليه، وجعله جسراً للعبور إلى المنطقة الخليجية والإيرانية والتركية.


الشيعة والسنة

* هل معنى ذلك التقسيم؟

_ أنا لا أظن أن العراق ذاهب إلى التقسيم بالمعنى المصطلح عليه للكلمة، بل إلى ما يرمز إلى روح التقسيم من خلال الفيدرالية التي أقرّها أغلب العراقيين للأكراد، وأصبحت في العناوين السياسية العراقية، بحيث لا يمكن أن يكون العراق فيدرالياً للعرب والأكراد فحسب، بل أن يكون كلّه فيدرالياً، ويكون الأكراد جزءاً من هذا النظام. ولذلك، فالأطروحات التي تتحدث عن فيدرالية المحافظات، قد تعطي عنواناً تقسيمياً في نطاق الوحدة العراقية التي ليس لها صورة واضحة حتى الآن...

* في هذا الإطار، ما هي احتمالات حدوث فتنة مذهبية شيعية _ سنية؟

- إنني أعتقد أن العراق محصَّن ضد ما يخطط له من حرب أهلية. قد تكون هناك حساسيات مذهبية، لكن القيادات الشيعية والسنّية واعية، ولا شك في أنّها تستطيع إحباط هذه الفتنة، وأن تؤكد لنفسها ولقواعدها أنّ أية فتنة مذهبية سوف تسقط الهيكل على رؤوس الجميع. ولذلك رأينا أن الشيعة، وعلى الرغم من كثرة المجازر التي ترتكب بحقهم، لم يقوموا بأيِّ ردّة فعل تُذكر ضد إخوانهم السنّة. قد نشاهد بعض الحوادث الفردية، ولكن حتى الآن، فإنّ جميع مراجع الشيعة يصدرون الفتاوى بشكل حاسم، وهو أنه لا يجوز القيام بردّة فعل. كما أن الخطابات التي تصور عن الجهات الدينية، سواء السنّية أو الشيعية، تدعو إلى الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية.

* ما هو السبب الذي جعل الشيعة يمتنعون عن مقاومة الاحتلال؟ أليس هذا من شأنه أن يُقلق أخوانهم السنّة، ويثير نقمتهم؟

- هناك نقطة لم يفهمها كثيرون، وهي أنّ الشيعة حوصروا في نظام الطاغية صدام حسين حصاراً لم يعرفه شعب. هناك عشرات الألوف من القتلى. ونحن نعرف الحكم الذي صدر من أجهزة صدام حسين، وهو إعدام كل من ينتمي إلى «حزب الدعوة» مثلاً. والشيعة حوربوا في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم وحرّيتهم، بحيث هُجِّر أغلبهم إلى بلدان العالم. لذلك لم يعد هناك طاقة في الواقع الشيعي الذي قاوم النظام سابقاً عندما كان في حماية أميركا. وأستطيع القول من خلال معلوماتي، إنّ الشيعة ضد كل احتلال، انطلاقاً من الاحتلال البريطاني وحتى الآن. ولكن المسألة هي أن المبادرة الأميركية عملت على أن تُثير في حركتها وإعلامها، بأن دورها هو دور المنقذ وليس دور المحتلّ. ولذلك فالشيعة بعد الاحتلال الأميركي، راحوا يعملون على لملمة جراحهم والتفكير في الواقع الذي يعيشون فيه، ولم يكونوا يملكون أي قوة في داخلهم لمواجهة الاحتلال، لأنهم يخافون عودة نظام الطاغية الذي استطاعت فلوله السيطرة على أغلب السلاح وأغلب الإمكانيات، هذا إضافة إلى أن المحيط العراقي لا يدعم الشيعة المحسوبين على العراق.


* ما هي حقيقة ما يُشاع عن النفوذ الإيراني في العراق، وأنّ إيران تعمل على تقسيم العراق، بحيث لا يقوم له قائمة في المستقبل؟

- نحن نعتقد أنَّ أي دولة مجاورة لدولة أخرى، لا بدّ من أن تعمل لكي يكون لها نفوذها السياسي والأمني فيها. وهذا ليس بدعاً في السياسات الدولية، فكيف إذا كانت الدولة المعنية تخشى على أمنها من الدولة الأخرى. لكن الحديث الذي يُثار من أن إيران تريد تقسيم العراق، ليس واقعياً، بل ليس من مصلحتها ذلك. ونحن نعرف أن لإيران علاقات جيدة مع الأكراد ومع بعض السياسيين السنة أيضاً، فضلاً عن علاقاتها مع الشيعة. وبطبيعة الحال، هناك نوع من القرب بين إيران والشيعة، تماماً كما هو الحال بين أية دولة عربية مجاورة للعراق والسنة العراقيين. أما قضية سيطرة إيران على العراق، بحيث تجتاحه سياسياً وأمنياً، فالعراقيون لا يقبلون بذلك.

* بمن فيهم الشيعة؟

- هذا ينطبق على السنّة والشيعة. نعم، الشيعة العراقيون لا يقبلون بذلك، بل يريدون الصداقة وحسن الجوار مع إيران، ويرفضون رفضاً مطلقاً أن يكونوا تحت الحكم الإيراني. وهذا ما نعرفه من خلال الساحة العراقية، والإعلام الذي يتحدث بغير هذه الطريقة، هو إعلام مسيّس، ويحاول إشاعة أن إيران خطر على العراق، وعلى هويته العربية.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير