أنا خائف على لبنان والمنطقة من أميركا بعد فشلها في أفغانستان والعراق

أنا خائف على لبنان والمنطقة من أميركا بعد فشلها في أفغانستان والعراق

صحيفة "الوطن" العمانية حاورت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، حول رؤيته للأوضاع في لبنان وما ستؤول إليه المبادرات لحلّ الأزمة المتفاقمة فيه.

وهذا نصّ الحوار:

* سماحة السيد، حضرتكم طرف فاعل ومؤثر ورئيسي على الساحة اللبنانية، كيف تقيمون الوضع الراهن اليوم في لبنان؟ وهل عندكم مبادرة جديدة لإنقاذ لبنان مما يتخبَّط فيه؟

ـ لعلَّ المشكلة في لبنان، أنه منذ أنشئ واعتبر النظام الطائفي هو النظام الذي يحرك الواقع السياسي فيه، كان الساحة التي تتجاذبها الخطوط الإقليمية والدولية، لأنه البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك الحرية السياسية والفكرية والحركية، الأمر الذي جعل كل طائفة فيه تعمل على أن تفتح ثغرة ينفذ منها الآخرون لتحريك مصالحهم السياسية من خلال الوضع اللبناني. وقد كنت أقول في أيام الحرب، إنَّ لبنان هو الرئة التي تتنفس منها مشاكل المنطقة، وهو الساحة التي تخضع لأكثر التجارب التي يريد الآخرون أن يتعرفوا نتائجها من خلاله.

لذلك، فإن الأزمة التي تعيشها الساحة اللبنانية هي ليست أزمة محلية، بل هي أزمة تتحرك في نطاق الصراع الدولي الإقليمي، فنحن نعرف أن أمريكا التي فشلت فشلاً ذريعاً في العراق، وحتى في أفغانستان، تحاول من خلال شعارات الرئيس بوش في الديمقراطية والاعتدال وما إلى ذلك، تحاول أن تجد في لبنان الساحة التي تسجل فيها انتصاراتها بعد أن فشلت في الانتصار العسكري الذي قادته إسرائيل بغطاء وتأييد ودعم أمريكي.

لذلك، فإنني أتصور أن هذه التعقيدات التي تحيط بالأزمة اللبنانية، تتحرك من خلال الضغط الأميركي الدولي، وهذا ما لاحظناه في التصريح الأخير للرئيس بوش الذي كان يتحدث عن شجاعة رئيس الحكومة اللبنانية في مواجهته للمعارضة وللفريق الكبير في المعارضة وهو "حزب الله"، ما يوحي بأنه يقول لفريق السلطة: تابعوا هذه الشجاعة ولا تسمحوا لفريق المعارضة بأن ينتصر، وهذا ما جعل المبادرة العربية التي أيَّدها وأطلقها الفريق المصري على رواية، أو الفريق السعودي على رواية أخرى، مع بعض الغطاء السوري، على الطريقة المعهودة في هذا المجال، هذا ما جعلها تتعثر بالرغم من أن المفردات التي أثارها عمرو موسى في حلِّ الأزمة، ليست من المفردات البالغة التعقيد، لأنها تحتاج إلى بعض التنازلات أو تحريك بعض خطوط الثقة في هذا المجال.

لذلك، فإنّي أشكّ، أمام هذا العناد الذي يتحرّك في الدائرة السياسية اللبنانية، وفي حال بقيت هذه التعقيدات المحلية في الوضع اللبناني، والتي تتحرك نتيجة إرباكات إقليمية دولية، من نجاح أية مبادرة محلية أو عربية أمام الضغط الأميركي، لأنه إذا انهزم مشروع أمريكا في لبنان، فمعنى ذلك أن هناك هزيمة لها على مستوى المنطقة.

* في رأيكم، كيف السبيل إلى حل الأزمة اللبنانية بنقاط محددة؟

ـ إنني أتصور أن المشكلة الآن، بين فريق السلطة وفريق المعارضة، هي في مسألة الشرعية؛ هل إن السلطة تمثل الشرعية بعد خروج من خرج منها، وخصوصاً أن بعض الذين خرجوا يمثلون الطائفة الكبيرة في لبنان؟ فالسلطة تريد تأكيد شرعية الحكومة لتؤكد شرعية قرارها في المحكمة ذات الطابع الدولي، بينما نجد الفريق الآخر الذي يمثله رئيس الجمهورية، وفريق المعارضة بمن فيهم رئيس المجلس النيابي، يعتبرون أن الحكومة لا تمثل أية شرعية، باعتبار أنها تخالف الميثاق الدستوري الذي يفرض أن تكون كل الطوائف ممثلة في الحكومة ومشاركة في كل قراراتها.

ولذلك نجد أن العقدة الآن هي، أنه عندما تنجح هذه اللجنة السداسية التي أسّسها عمرو موسى، هل إن قراراتها سوف تنطلق رأساً إلى المجلس النيابي، على أساس تأكيد شرعية الحكومة في قراراتها، أو أنها لا بد من أن ترجع إلى رئيس الجمهورية الذي رفض قرار الحكومة في هذا المجال؟

إن العقدة هنا هي في المحكمة ذات الطابع الدولي التي تمثل قضيةً شخصيةً لدى بعض السياسيين اللبنانيين، وقضيةً استهلاكيةً لدى فريق كبير من اللبنانيين، ممّن يحاول استغلالها لمواجهة سوريا. وهكذا نجد أن لفرنسا دوراً يشبه الدور الشخصي في قضية المحكمة، ونعرف أن لأمريكا دوراً في تحريك الضغوط على أكثر من موقع في المنطقة، ولاسيما موقع النظام السوري. لذلك فإن القضية تحتاج إلى حل مسألة شرعية الحكومة أو عدم شرعيّتها في هذا المقام.

* هل إن السلطة مستعدة لحلّ المشكلة، بأن تتنازل عن مسألة توجيه قرار اللجنة السداسية وإرجاعه إلى رئيس الجمهورية، أو إلى المجلس النيابي؟

ـ أنني أتصور أن هذه القضية هي الأساس، وعندما تحل هذه القضية، فإن مشكلة حكومة الوحدة الوطنية والوزير الملك وما إلى ذلك سوف تحل تلقائياً.

* هناك مبادرة عربية... هل فشلت هذه المبادرة؟

ـ إنني أتصور، ومن خلال حديثي مع السيد عمرو موسى، أن الرجل لا يريد إعلان الفشل، وإنما يحاول كما قلت له: إن الآخرين يريدون أن يتعبوك... أنا أطلب منك أن تتعبهم، بأن تتابع حتى لو كانت هناك بعض النوافذ الصغيرة جداً في هذا المقام.

إنني أتصور أن الجميع في مأزق، وأنّ عمرو موسى يلقى في مبادرته دعماً سعودياً ومصرياً، ودعماً سورياً، وقد أعلن في مؤتمره الصحفي، أنه قدّم هذه الأجندة للبنانيين... وهو ينتظر منهم دراستها، وسوف يعود إذا وجد أن هناك أية بارقة أمل في هذا المجال. وإنني أتصور أن من الصعب جداً أن تنسحب السعودية ومصر من هذه المبادرة بعدما أعلنتا تأييدهما لها. وربما كان عمرو موسى منطلقاً منها، فهو يحمل مبادرة سعودية مصرية، وإن كان عنوانها عربياً.

* هل تعتبر أن الساحة اللبنانية هي أرض خصبة لحرب أهلية كما يحدث اليوم في العراق وفلسطين؟

ـ أعتقد أن المرحلة الحاضرة تمنع أية حرب أهلية، لأن هناك مناعة ذاتية لدى اللبنانيين بكل طوائفهم تجاه أية حرب أهلية، لأن الحرب الأهلية التاريخية التي كانت سابقاً، وآخرها حرب السبعينات، كانت منطلقة من تخطيط هنري كيسنجر، الذي أراد تصفية القضية الفلسطينية في لبنان. ولذلك فإنني أرى أنّ الواقع الدولي لا يريد أية حرب أهلية في لبنان، بالرغم من إثارته المخاوف بين وقت وآخر، لأن الحرب الأهلية سوف تترك تأثيراً كبيراً خطيراً ومباشراً على القوات الدولية، وسوف تعيد الفوضى في مسألة الأوضاع اللبنانية الإسرائيلية، وربما تنفتح فلسطين على فوضى معينة، حيث تلتقي وتتداخل الأوضاع الفلسطينية في الداخل، إضافة إلى المقاومة الإسلامية في الخارج، وهذا ما لا تريده أمريكا، ولا يريده الاتحاد الأوروبي وروسيا أو أي دولة أخرى.

الجميع يريدون الاستقرار في لبنان، ولكنهم يتحركون في هذا الاهتزاز السياسي لعلهم يحصلون على نصر، أي نصر يغطي بعض الفشل الذي يعيشونه في بعض مواقع المنطقة، ولاسيما العراق.

* ماذا تريد أمريكا من لبنان، وتحديداً من منطقة الشرق الأوسط؟

ـ إن أمريكا طرحت مشروعها في (الشرق الأوسط الجديد)، ونحن نعرف أنها تحركت في عدة طروحات، بدءاً من الديمقراطية، (دمقرطة المنطقة)، إلى حقوق الإنسان، إلى التطرف والاعتدال في دائرة (الشرق الأوسط الكبير)، الشرق الأوسط الجديد.

إن أمريكا تريد أن يعيش مشروعها في المنطقة وأن تتجنّب الهزيمة في العراق، الذي تريده أن يكون جسراً يضغط على المنطقة كلها. ونحن نلاحظ الآن أن أمريكا بدأت تتحرك لإثارة بعض الأجواء ضد إيران، من خلال البوارج التي حرّكتها بالقرب من إيران، وعبر اجتذابها للمنطقة العربية، ولاسيما الخليجية ضد إيران، ومروراً بالعقوبات على إيران بذريعة مشروعها النووي.

لذلك فإنَّ أمريكا تريد أن تبقى المنطقة تحت سيطرتها، وفي خطِّ نفوذها، لتحقيق مصالحها الاستراتيجية التي لن تقتصر على النفط، بل إنها قد تطل على ما تتحرك به روسيا في وصولها إلى المياه الدافئة، وفي تأكيد موقعها السياسي من خلال علاقتها بسوريا أو إيران وما إلى ذلك، وهذا ما نستوحيه من تصريح وزير الدفاع الأميركي الجديد، الذي تحدّث عن أنّ القوات الأميركية سوف تبقي قواعدها في الخليج والعراق طويلاً من أجل خدمة مصالحها الاستراتيجية.

إن أمريكا لا تريد النفط فحسب، إنما تتحرك استراتيجياً لاحتواء المنطقة لتمنع أوروبا من الدخول إليها من جديد، ولتمنع روسيا، والصين معها، من التمدّد في المنطقة. ولذلك فالمسألة لا تنطلق من خلال بساطة الشعارات التي تطلق ضد أمريكا وما إلى ذلك، وهذا ما يجعل المواجهة ضد أمريكا من خلال أكثر من دولة في المنطقة، قضية لا تخلو من الخطورة، لأنها قضية تتحرّك في موقع الاستراتيجية، فإما انتصار أمريكا على كل الدول التي تعارضها، أو انتصار تلك الدول في تقليص الدور الأمريكي في المنطقة.

* كيف تنظرون إلى الدور الأوروبي؟

ـ إنني أعتقد أن الدور الأوروبي هو دور بائس، لأنّ أوروبا التي تربطها بالمنطقة مصالح كبيرة على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي، يمنعها الضغط الأمريكي من التدخل في أزمة الشرق الأوسط، إلا على هامش التدخل الأمريكي مع الإسرائيلي في هذا المجال. لذلك أنا أعتقد أن أوروبا لا تستطيع أن تتحرك في المنطقة أبداً إلاّ على هامش التحرك الأميركي، كما هو حال بريطانيا بالنسبة إلى العراق، وحال فرنسا بالنسبة إلى لبنان، لأنّ المصالح الأوروبية لدى أمريكا، والتي تضغط على واقع الاتحاد الأوروبي، تمنع أوروبا من أن يكون لها أي دورٍ في المنطقة، إلا في الأدوار الهامشية.

إن أمريكا تريد السيطرة على نفط العالم لتمسك بعنق أوروبا والصين واليابان، وربما حتى روسيا، لأنها تستطيع إرباك النفط الروسي بطريقة أو بأخرى.

* ماذا تقولون للأفرقاء على الساحة اللبنانية في هذا الوضع البائس الذي يعيشه لبنان؟

ـ إنني أقول للأفرقاء جميعاً، إن لبنان أكبر منكم، وإن الشعب اللبناني هو الشعب الذي يملك الكثير من الطاقات الإبداعية التي يمكنها أن تعطي المنطقة انفتاحاً جديداً وإبداعاً جديداً.

إنني أقول للأفرقاء، إنكم تتحركون على أساس متابعة الخطوط التفصيلية الصغيرة، وإن الكثيرين منكم يبحثون عن أنفسهم ويبحثون عن مستقبلهم السياسي في دائرة ضيقة هنا أو دائرة ضيقة هناك. إن عليكم أن تتمردوا على هذه الذهنية السياسية الضيقة التي تجعل الشخص أكبر من الوطن. وأقول للبنانيين، إن عليكم أن ترفضوا شخصانية هذه الزعامة أو تلك الزعامة، لأنهم يريدون إثارة غرائزكم، ولا يريدون تحريك عقولكم. انطلقوا بالعقل اللبناني الذي استطاع أن يعطي الكثير للمنطقة كلها، ولا يزال قادراً على أن يعطي الكثير، وإنّ هؤلاء أصغر من أن يكونوا القادة لكم. ليكن الشعب اللبناني هو القائد الذي تنطلق القيادات من خلال معاناته، ومن خلال آلامه، ومن خلال انتصاراته التي استطاع أن يسجلها ضد أقوى دولة في المنطقة (إسرائيل)...

* هل سنشهد تصعيداً على الساحة اللبنانية في الفترة القليلة القادمة، أم سنشهد انفراجاً؟

ـ أعتقد أن لبنان يتحرك في دائرة المراوحة، لا التصعيد ولا الانفراج، إلا إذا جاءت كلمة السر!

* ممن ؟

ـ ممن يملكون كلمة السر التي كان يتداولها اللبنانيون في انتخابات رئاسة الجمهورية سابقاً.

* دائماً تتلقّون دعوات لزيارة دول عربية وأوروبية، لماذا لا تلبون هذه الدعوات؟

ـ هناك وضع يتحرك بما يسمى البروتوكول، لأنني أمثل مرجعية دينية شاملة في العالم الإسلامي، ولأنّ ظروفي الأمنية في بعض الحالات تمنعني من ذلك.

* سماحة السيد: ممن أنت خائف على لبنان؟

ـ أنا أخاف على لبنان من أمريكا، كما أنني أخاف على المنطقة كلها من أمريكا. ليست عندي عقدة من أمريكا الشعب، فنحن نتفاعل ونتفاهم مع الشعب الأمريكي، وهناك الكثيرون من اللبنانيين والعرب والمسلمين يعيشون في أمريكا، ويشاركون في حركتها وفي كل أوضاعها على مستوى ما يقارب العشرة ملايين شخص، لذلك نحن نريد أن نكون دائماً أصدقاء للشعب الأميركي، ونريد للشعب الأمريكي أن يكون واعياً لسياسة حكومته.

ولكن هذه الإدارة الأمريكية تخضع للمحافظين الجدد الذين يحملون الحقد ضد العالم العربي والإسلامي، وهم الذين شجعوا الرئيس بوش على احتلال العراق، واحتلال أفغانستان، ويحاولون تشجيع العدوان على إيران في هذا المجال.

وهم الذين يخططون دائماً لتقوية إسرائيل على العالم العربي كله في هذا المجال. وهناك أيضاً اللوبي اليهودي الصهيوني الذي يسيطر. فالإدارة الأميركية خاضعة إذاً لهذين الفريقين الحاقدين على العالم العربي والإسلامي، ولذلك فإنني أتصور أن كل المشاكل التي نعيشها، لا بد أن تنطلق في اتجاهها (فتش عن أمريكا)، إضافةً إلى بعض العناصر الداخلية من خلال التخلّف، ومن خلال الأوضاع القلقة لدى التكفيريين وما إلى ذلك.

* لما لكم من احترام عند كل اللبنانيين... هل مبادرة السيد مقطوعة مع الطرف الآخر؟ ومع من؟

ـ وبالأمس تلقّيت اتصالاً هاتفياً من الرئيس السنيورة.

* ماذا قال لك؟

ـ لقد تحدث معي عن المشكلة من وجهة نظره.

* ماذا قلت له؟

ـ قلت له: إن المسألة تحتاج إلى دراسة إعادة الثقة بين فريقك والفريق الآخر، لأن لبنان بحاجة إلى أن نبحث له عن الحل في هذا المجال، أو ذاك المجال.

ليست عندي مشكلة مع أحد في لبنان في هذا المقام، قد أختلف في الرأي مع فريق هنا وفريق هناك، ولكن الاختلاف في الرأي لا يجعلني أتعقّد من أي فريق آخر.

* ماذا تقول للبنانيين قبل الأعياد وبعد الأعياد؟

ـ نحن نقول للبنانيين: انطلقوا من خلال حركية العقل الذي يفتح لكم كل نوافذ الوعي على المستقبل، ولا تتحركوا من خلال الغريزة التي يثيرها الطائفيون من أجل أن يحركوا عصبياتكم وحساسياتكم.

إن الطائفية ليست ديناً، بل هي ضد الدين. كونوا مسيحيين على أساس قيم المسيحية، وكونوا مسلمين على أساس قيم الإسلام.

ونحن نعترف بأن القيم المسيحية والإسلامية الأخلاقية والروحية يلتقي بعضها ببعض في أكثر من ثمانين في المئة، لذلك عندما نستقبل عيد الميلاد، علينا أن ننفتح على السيّد المسيح، هذا الإنسان الذي جعله الله مباركاً ليبارك العالم من خلال تعليماته ومن خلال روحانياته ومن خلال إنسانيته، وعندما نلتقي بعيد الأضحى الذي يمثِّل التضحية، فإنّ عينا أن نتحرّك في إنسانيتنا من أجل الحياة ومن أجل إنسانية الآخر. أن ننطلق من خلال القيم لا من خلال الغريزة.

* هذا الطاقم السياسي الذي يحكم لبنان اليوم، هل هو صالح.. وهل ما زال صالحاً لإدارة أزمة لبنان الحالية؟

ـ إنني أدعو إلى أن تنطلق طليعة سياسية شبابية تعيش آلام كل الواقع الذي يعيشه كل اللبنانيين.

بيروت ـ مكتب الوطن

حاوره في بيروت مراسل الوطن: أحمد الأسعد

صحيفة "الوطن" العمانية حاورت العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، حول رؤيته للأوضاع في لبنان وما ستؤول إليه المبادرات لحلّ الأزمة المتفاقمة فيه.

وهذا نصّ الحوار:

* سماحة السيد، حضرتكم طرف فاعل ومؤثر ورئيسي على الساحة اللبنانية، كيف تقيمون الوضع الراهن اليوم في لبنان؟ وهل عندكم مبادرة جديدة لإنقاذ لبنان مما يتخبَّط فيه؟

ـ لعلَّ المشكلة في لبنان، أنه منذ أنشئ واعتبر النظام الطائفي هو النظام الذي يحرك الواقع السياسي فيه، كان الساحة التي تتجاذبها الخطوط الإقليمية والدولية، لأنه البلد الوحيد في المنطقة الذي يملك الحرية السياسية والفكرية والحركية، الأمر الذي جعل كل طائفة فيه تعمل على أن تفتح ثغرة ينفذ منها الآخرون لتحريك مصالحهم السياسية من خلال الوضع اللبناني. وقد كنت أقول في أيام الحرب، إنَّ لبنان هو الرئة التي تتنفس منها مشاكل المنطقة، وهو الساحة التي تخضع لأكثر التجارب التي يريد الآخرون أن يتعرفوا نتائجها من خلاله.

لذلك، فإن الأزمة التي تعيشها الساحة اللبنانية هي ليست أزمة محلية، بل هي أزمة تتحرك في نطاق الصراع الدولي الإقليمي، فنحن نعرف أن أمريكا التي فشلت فشلاً ذريعاً في العراق، وحتى في أفغانستان، تحاول من خلال شعارات الرئيس بوش في الديمقراطية والاعتدال وما إلى ذلك، تحاول أن تجد في لبنان الساحة التي تسجل فيها انتصاراتها بعد أن فشلت في الانتصار العسكري الذي قادته إسرائيل بغطاء وتأييد ودعم أمريكي.

لذلك، فإنني أتصور أن هذه التعقيدات التي تحيط بالأزمة اللبنانية، تتحرك من خلال الضغط الأميركي الدولي، وهذا ما لاحظناه في التصريح الأخير للرئيس بوش الذي كان يتحدث عن شجاعة رئيس الحكومة اللبنانية في مواجهته للمعارضة وللفريق الكبير في المعارضة وهو "حزب الله"، ما يوحي بأنه يقول لفريق السلطة: تابعوا هذه الشجاعة ولا تسمحوا لفريق المعارضة بأن ينتصر، وهذا ما جعل المبادرة العربية التي أيَّدها وأطلقها الفريق المصري على رواية، أو الفريق السعودي على رواية أخرى، مع بعض الغطاء السوري، على الطريقة المعهودة في هذا المجال، هذا ما جعلها تتعثر بالرغم من أن المفردات التي أثارها عمرو موسى في حلِّ الأزمة، ليست من المفردات البالغة التعقيد، لأنها تحتاج إلى بعض التنازلات أو تحريك بعض خطوط الثقة في هذا المجال.

لذلك، فإنّي أشكّ، أمام هذا العناد الذي يتحرّك في الدائرة السياسية اللبنانية، وفي حال بقيت هذه التعقيدات المحلية في الوضع اللبناني، والتي تتحرك نتيجة إرباكات إقليمية دولية، من نجاح أية مبادرة محلية أو عربية أمام الضغط الأميركي، لأنه إذا انهزم مشروع أمريكا في لبنان، فمعنى ذلك أن هناك هزيمة لها على مستوى المنطقة.

* في رأيكم، كيف السبيل إلى حل الأزمة اللبنانية بنقاط محددة؟

ـ إنني أتصور أن المشكلة الآن، بين فريق السلطة وفريق المعارضة، هي في مسألة الشرعية؛ هل إن السلطة تمثل الشرعية بعد خروج من خرج منها، وخصوصاً أن بعض الذين خرجوا يمثلون الطائفة الكبيرة في لبنان؟ فالسلطة تريد تأكيد شرعية الحكومة لتؤكد شرعية قرارها في المحكمة ذات الطابع الدولي، بينما نجد الفريق الآخر الذي يمثله رئيس الجمهورية، وفريق المعارضة بمن فيهم رئيس المجلس النيابي، يعتبرون أن الحكومة لا تمثل أية شرعية، باعتبار أنها تخالف الميثاق الدستوري الذي يفرض أن تكون كل الطوائف ممثلة في الحكومة ومشاركة في كل قراراتها.

ولذلك نجد أن العقدة الآن هي، أنه عندما تنجح هذه اللجنة السداسية التي أسّسها عمرو موسى، هل إن قراراتها سوف تنطلق رأساً إلى المجلس النيابي، على أساس تأكيد شرعية الحكومة في قراراتها، أو أنها لا بد من أن ترجع إلى رئيس الجمهورية الذي رفض قرار الحكومة في هذا المجال؟

إن العقدة هنا هي في المحكمة ذات الطابع الدولي التي تمثل قضيةً شخصيةً لدى بعض السياسيين اللبنانيين، وقضيةً استهلاكيةً لدى فريق كبير من اللبنانيين، ممّن يحاول استغلالها لمواجهة سوريا. وهكذا نجد أن لفرنسا دوراً يشبه الدور الشخصي في قضية المحكمة، ونعرف أن لأمريكا دوراً في تحريك الضغوط على أكثر من موقع في المنطقة، ولاسيما موقع النظام السوري. لذلك فإن القضية تحتاج إلى حل مسألة شرعية الحكومة أو عدم شرعيّتها في هذا المقام.

* هل إن السلطة مستعدة لحلّ المشكلة، بأن تتنازل عن مسألة توجيه قرار اللجنة السداسية وإرجاعه إلى رئيس الجمهورية، أو إلى المجلس النيابي؟

ـ أنني أتصور أن هذه القضية هي الأساس، وعندما تحل هذه القضية، فإن مشكلة حكومة الوحدة الوطنية والوزير الملك وما إلى ذلك سوف تحل تلقائياً.

* هناك مبادرة عربية... هل فشلت هذه المبادرة؟

ـ إنني أتصور، ومن خلال حديثي مع السيد عمرو موسى، أن الرجل لا يريد إعلان الفشل، وإنما يحاول كما قلت له: إن الآخرين يريدون أن يتعبوك... أنا أطلب منك أن تتعبهم، بأن تتابع حتى لو كانت هناك بعض النوافذ الصغيرة جداً في هذا المقام.

إنني أتصور أن الجميع في مأزق، وأنّ عمرو موسى يلقى في مبادرته دعماً سعودياً ومصرياً، ودعماً سورياً، وقد أعلن في مؤتمره الصحفي، أنه قدّم هذه الأجندة للبنانيين... وهو ينتظر منهم دراستها، وسوف يعود إذا وجد أن هناك أية بارقة أمل في هذا المجال. وإنني أتصور أن من الصعب جداً أن تنسحب السعودية ومصر من هذه المبادرة بعدما أعلنتا تأييدهما لها. وربما كان عمرو موسى منطلقاً منها، فهو يحمل مبادرة سعودية مصرية، وإن كان عنوانها عربياً.

* هل تعتبر أن الساحة اللبنانية هي أرض خصبة لحرب أهلية كما يحدث اليوم في العراق وفلسطين؟

ـ أعتقد أن المرحلة الحاضرة تمنع أية حرب أهلية، لأن هناك مناعة ذاتية لدى اللبنانيين بكل طوائفهم تجاه أية حرب أهلية، لأن الحرب الأهلية التاريخية التي كانت سابقاً، وآخرها حرب السبعينات، كانت منطلقة من تخطيط هنري كيسنجر، الذي أراد تصفية القضية الفلسطينية في لبنان. ولذلك فإنني أرى أنّ الواقع الدولي لا يريد أية حرب أهلية في لبنان، بالرغم من إثارته المخاوف بين وقت وآخر، لأن الحرب الأهلية سوف تترك تأثيراً كبيراً خطيراً ومباشراً على القوات الدولية، وسوف تعيد الفوضى في مسألة الأوضاع اللبنانية الإسرائيلية، وربما تنفتح فلسطين على فوضى معينة، حيث تلتقي وتتداخل الأوضاع الفلسطينية في الداخل، إضافة إلى المقاومة الإسلامية في الخارج، وهذا ما لا تريده أمريكا، ولا يريده الاتحاد الأوروبي وروسيا أو أي دولة أخرى.

الجميع يريدون الاستقرار في لبنان، ولكنهم يتحركون في هذا الاهتزاز السياسي لعلهم يحصلون على نصر، أي نصر يغطي بعض الفشل الذي يعيشونه في بعض مواقع المنطقة، ولاسيما العراق.

* ماذا تريد أمريكا من لبنان، وتحديداً من منطقة الشرق الأوسط؟

ـ إن أمريكا طرحت مشروعها في (الشرق الأوسط الجديد)، ونحن نعرف أنها تحركت في عدة طروحات، بدءاً من الديمقراطية، (دمقرطة المنطقة)، إلى حقوق الإنسان، إلى التطرف والاعتدال في دائرة (الشرق الأوسط الكبير)، الشرق الأوسط الجديد.

إن أمريكا تريد أن يعيش مشروعها في المنطقة وأن تتجنّب الهزيمة في العراق، الذي تريده أن يكون جسراً يضغط على المنطقة كلها. ونحن نلاحظ الآن أن أمريكا بدأت تتحرك لإثارة بعض الأجواء ضد إيران، من خلال البوارج التي حرّكتها بالقرب من إيران، وعبر اجتذابها للمنطقة العربية، ولاسيما الخليجية ضد إيران، ومروراً بالعقوبات على إيران بذريعة مشروعها النووي.

لذلك فإنَّ أمريكا تريد أن تبقى المنطقة تحت سيطرتها، وفي خطِّ نفوذها، لتحقيق مصالحها الاستراتيجية التي لن تقتصر على النفط، بل إنها قد تطل على ما تتحرك به روسيا في وصولها إلى المياه الدافئة، وفي تأكيد موقعها السياسي من خلال علاقتها بسوريا أو إيران وما إلى ذلك، وهذا ما نستوحيه من تصريح وزير الدفاع الأميركي الجديد، الذي تحدّث عن أنّ القوات الأميركية سوف تبقي قواعدها في الخليج والعراق طويلاً من أجل خدمة مصالحها الاستراتيجية.

إن أمريكا لا تريد النفط فحسب، إنما تتحرك استراتيجياً لاحتواء المنطقة لتمنع أوروبا من الدخول إليها من جديد، ولتمنع روسيا، والصين معها، من التمدّد في المنطقة. ولذلك فالمسألة لا تنطلق من خلال بساطة الشعارات التي تطلق ضد أمريكا وما إلى ذلك، وهذا ما يجعل المواجهة ضد أمريكا من خلال أكثر من دولة في المنطقة، قضية لا تخلو من الخطورة، لأنها قضية تتحرّك في موقع الاستراتيجية، فإما انتصار أمريكا على كل الدول التي تعارضها، أو انتصار تلك الدول في تقليص الدور الأمريكي في المنطقة.

* كيف تنظرون إلى الدور الأوروبي؟

ـ إنني أعتقد أن الدور الأوروبي هو دور بائس، لأنّ أوروبا التي تربطها بالمنطقة مصالح كبيرة على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي، يمنعها الضغط الأمريكي من التدخل في أزمة الشرق الأوسط، إلا على هامش التدخل الأمريكي مع الإسرائيلي في هذا المجال. لذلك أنا أعتقد أن أوروبا لا تستطيع أن تتحرك في المنطقة أبداً إلاّ على هامش التحرك الأميركي، كما هو حال بريطانيا بالنسبة إلى العراق، وحال فرنسا بالنسبة إلى لبنان، لأنّ المصالح الأوروبية لدى أمريكا، والتي تضغط على واقع الاتحاد الأوروبي، تمنع أوروبا من أن يكون لها أي دورٍ في المنطقة، إلا في الأدوار الهامشية.

إن أمريكا تريد السيطرة على نفط العالم لتمسك بعنق أوروبا والصين واليابان، وربما حتى روسيا، لأنها تستطيع إرباك النفط الروسي بطريقة أو بأخرى.

* ماذا تقولون للأفرقاء على الساحة اللبنانية في هذا الوضع البائس الذي يعيشه لبنان؟

ـ إنني أقول للأفرقاء جميعاً، إن لبنان أكبر منكم، وإن الشعب اللبناني هو الشعب الذي يملك الكثير من الطاقات الإبداعية التي يمكنها أن تعطي المنطقة انفتاحاً جديداً وإبداعاً جديداً.

إنني أقول للأفرقاء، إنكم تتحركون على أساس متابعة الخطوط التفصيلية الصغيرة، وإن الكثيرين منكم يبحثون عن أنفسهم ويبحثون عن مستقبلهم السياسي في دائرة ضيقة هنا أو دائرة ضيقة هناك. إن عليكم أن تتمردوا على هذه الذهنية السياسية الضيقة التي تجعل الشخص أكبر من الوطن. وأقول للبنانيين، إن عليكم أن ترفضوا شخصانية هذه الزعامة أو تلك الزعامة، لأنهم يريدون إثارة غرائزكم، ولا يريدون تحريك عقولكم. انطلقوا بالعقل اللبناني الذي استطاع أن يعطي الكثير للمنطقة كلها، ولا يزال قادراً على أن يعطي الكثير، وإنّ هؤلاء أصغر من أن يكونوا القادة لكم. ليكن الشعب اللبناني هو القائد الذي تنطلق القيادات من خلال معاناته، ومن خلال آلامه، ومن خلال انتصاراته التي استطاع أن يسجلها ضد أقوى دولة في المنطقة (إسرائيل)...

* هل سنشهد تصعيداً على الساحة اللبنانية في الفترة القليلة القادمة، أم سنشهد انفراجاً؟

ـ أعتقد أن لبنان يتحرك في دائرة المراوحة، لا التصعيد ولا الانفراج، إلا إذا جاءت كلمة السر!

* ممن ؟

ـ ممن يملكون كلمة السر التي كان يتداولها اللبنانيون في انتخابات رئاسة الجمهورية سابقاً.

* دائماً تتلقّون دعوات لزيارة دول عربية وأوروبية، لماذا لا تلبون هذه الدعوات؟

ـ هناك وضع يتحرك بما يسمى البروتوكول، لأنني أمثل مرجعية دينية شاملة في العالم الإسلامي، ولأنّ ظروفي الأمنية في بعض الحالات تمنعني من ذلك.

* سماحة السيد: ممن أنت خائف على لبنان؟

ـ أنا أخاف على لبنان من أمريكا، كما أنني أخاف على المنطقة كلها من أمريكا. ليست عندي عقدة من أمريكا الشعب، فنحن نتفاعل ونتفاهم مع الشعب الأمريكي، وهناك الكثيرون من اللبنانيين والعرب والمسلمين يعيشون في أمريكا، ويشاركون في حركتها وفي كل أوضاعها على مستوى ما يقارب العشرة ملايين شخص، لذلك نحن نريد أن نكون دائماً أصدقاء للشعب الأميركي، ونريد للشعب الأمريكي أن يكون واعياً لسياسة حكومته.

ولكن هذه الإدارة الأمريكية تخضع للمحافظين الجدد الذين يحملون الحقد ضد العالم العربي والإسلامي، وهم الذين شجعوا الرئيس بوش على احتلال العراق، واحتلال أفغانستان، ويحاولون تشجيع العدوان على إيران في هذا المجال.

وهم الذين يخططون دائماً لتقوية إسرائيل على العالم العربي كله في هذا المجال. وهناك أيضاً اللوبي اليهودي الصهيوني الذي يسيطر. فالإدارة الأميركية خاضعة إذاً لهذين الفريقين الحاقدين على العالم العربي والإسلامي، ولذلك فإنني أتصور أن كل المشاكل التي نعيشها، لا بد أن تنطلق في اتجاهها (فتش عن أمريكا)، إضافةً إلى بعض العناصر الداخلية من خلال التخلّف، ومن خلال الأوضاع القلقة لدى التكفيريين وما إلى ذلك.

* لما لكم من احترام عند كل اللبنانيين... هل مبادرة السيد مقطوعة مع الطرف الآخر؟ ومع من؟

ـ وبالأمس تلقّيت اتصالاً هاتفياً من الرئيس السنيورة.

* ماذا قال لك؟

ـ لقد تحدث معي عن المشكلة من وجهة نظره.

* ماذا قلت له؟

ـ قلت له: إن المسألة تحتاج إلى دراسة إعادة الثقة بين فريقك والفريق الآخر، لأن لبنان بحاجة إلى أن نبحث له عن الحل في هذا المجال، أو ذاك المجال.

ليست عندي مشكلة مع أحد في لبنان في هذا المقام، قد أختلف في الرأي مع فريق هنا وفريق هناك، ولكن الاختلاف في الرأي لا يجعلني أتعقّد من أي فريق آخر.

* ماذا تقول للبنانيين قبل الأعياد وبعد الأعياد؟

ـ نحن نقول للبنانيين: انطلقوا من خلال حركية العقل الذي يفتح لكم كل نوافذ الوعي على المستقبل، ولا تتحركوا من خلال الغريزة التي يثيرها الطائفيون من أجل أن يحركوا عصبياتكم وحساسياتكم.

إن الطائفية ليست ديناً، بل هي ضد الدين. كونوا مسيحيين على أساس قيم المسيحية، وكونوا مسلمين على أساس قيم الإسلام.

ونحن نعترف بأن القيم المسيحية والإسلامية الأخلاقية والروحية يلتقي بعضها ببعض في أكثر من ثمانين في المئة، لذلك عندما نستقبل عيد الميلاد، علينا أن ننفتح على السيّد المسيح، هذا الإنسان الذي جعله الله مباركاً ليبارك العالم من خلال تعليماته ومن خلال روحانياته ومن خلال إنسانيته، وعندما نلتقي بعيد الأضحى الذي يمثِّل التضحية، فإنّ عينا أن نتحرّك في إنسانيتنا من أجل الحياة ومن أجل إنسانية الآخر. أن ننطلق من خلال القيم لا من خلال الغريزة.

* هذا الطاقم السياسي الذي يحكم لبنان اليوم، هل هو صالح.. وهل ما زال صالحاً لإدارة أزمة لبنان الحالية؟

ـ إنني أدعو إلى أن تنطلق طليعة سياسية شبابية تعيش آلام كل الواقع الذي يعيشه كل اللبنانيين.

بيروت ـ مكتب الوطن

حاوره في بيروت مراسل الوطن: أحمد الأسعد

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير