بعض الناس يوظّف الإمام المهدي للاستيلاء على عقول الناس ومشاعرهم

بعض الناس يوظّف الإمام المهدي للاستيلاء على عقول الناس ومشاعرهم

المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله:

بعض الناس يوظّف الإمام المهدي للاستيلاء على عقول الناس ومشاعرهم


تحدث سماحة العلامة المرجع الإسلامي، السيد محمد حسين فضل الله، في الحلقة السادسة من الحوار الشامل الذي أجرته معه مجلة ((الشراع))، عن بعض مناحي الصراع القائم في الفكر الإسلامي بين العقل والخرافة الناشئة من بعض المعتقدات الغيبية التي لا تستند إلى أية حقيقة دينية، كما تحدث عن مسألة الإمام المهدي وعصمة الأنبياء والأئمة(ع)، وهذا نصّ الحوار:

مصدر الخرافة في سلوك الإسلاميين

س: هناك حدود واضحة وفاصلة وحاسمة في الإسلام بين العقل والخرافة، ورغم ذلك، فإننا نرى أنّ الخرافة تطغى على سلوك كثير من الإسلاميين، لماذا؟

ج: لعلّ المشكلة الأبرز في التصوّر الإسلامي تجاه الكثير من القضايا، ومنها نظرته إلى الشخصيات المقدسة أو للأوضاع العامة، هي أن هناك اتجاهاً لإعطاء الغيب مساحةً واسعةً، أوسع بكثير مما ينطلق به الإيمان بالغيب، فالله سبحانه وتعالى خصّ نفسه بالغيب، قال سبحانه: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}، وقد تحدث القرآن الكريم عن إقرار النبـي(ص) وكل الأنبياء(ع) بعدم علمهم بالغيب، وذلك كما جاء في قوله تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} [الأنعام:50] {قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم إنْ أَتَّبع إلا ما يُوحى إلي} [الأحقاف:9] {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّني السوء} [الأعراف:188].

    في التصوّر الإسلامي هناك اتجاه لإعطاء الغيب مساحةً أوسع مما ينطلق به الإيمان بالغيب


ولكنّ الله قد يُطلع بعض أنبيائه على بعض الغيب مما يتصل برسالاتهم في عملية التبليغ، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} [آل عمران:44]. إلاّ أنّ الناس حاولوا أن يعطوا الغيب مساحةً واسعةً، فحوّلوا الشخصيات المقدّسة إلى شخصيات غيبية، وراحوا يفسِّرون كل ما يصدر عنهم تفسيراً غيبياً، مع أن أكثر الآيات التي يتحدث فيها القرآن عن الأنبياء وعن النبـي محمد بالذات، تشير إلى بشريته، فهو يفرح ويحزن، كما في قوله تعالى له: {ولا تحزن عليهم ولا تكُ في ضيقٍ ممّا يمكرون} [النّحل:127]. وفي الحديث عن عيسى(ع): {ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل وأُمُّه صدِّيقة كانا يأكلان الطّعام} [المائدة:75]. فالله تعالى ركّز في كتابه على الجانب البشريّ عند الأنبياء، وقد كان يوجّه النبيّ إلى أن يخبر النّاس بذلك: {وقل إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ} [الكهف:110] {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله} [الأعراف:188]...

لذلك، عندما تفسّر الأوضاع الدينية تفسيراً غيبياً، فإنّ الخرافة سوف تدخل في هذه التفسيرات، لأنّها لا تنطلق من قاعدة علمية ترتكز على الكتاب والسنة، بل إنها تخضع للكثير من تصوّرات الأشخاص وتحليلاتهم التي يسمعونها ويبثّونها بين الناس، وبذلك تنتشر الخرافة بين الناس بشكل قوي، وتتجذّر في العقل الشعبـي العام، إلى مستوى تصبح معه من المقدسات، بحيث يُكفَّر من يناقشها مناقشةً علميةً موضوعيةً. ومع الأسف، فإن الكثير من المسلمين، سواء من السنّة أو الشيعة، يشتركون بهذه الذهنية التي تنفتح على كثير من خطوط الخرافة، وخصوصاً فيما يتعلّق بالشخصيات التي يحترمونها ويقدّسونها.

علاقة الأحداث بعلامات ظهور المهدي(عج)

س: في هذا السياق، ما رأيكم في ما يشاع منذ فترة عن ربط ما تشهده المنطقة العربية والإسلامية من أحداث بظهور الإمام المهدي(عج)، واعتبار ذلك من علامات ظهوره؟
   

عندما تفسَّر الأوضاع الدينية تفسيراً غيبياً، فإن الخرافة سوف تدخل في التفسيرات


لأنها لا تنطلق من قاعدة علمية

ج: هذه الأمور تستند إلى بعض النصوص المروية، والتي لم تثبت وثاقتها السندية بشكل يمكن معه اعتبارها صحيحةً وقطعيةً، ولذلك فإن الكثير من الناس الذين يستغرقون في تفاصيل مسألة غياب الإمام المهدي(عج)، يحاولون تفسير مسألة عصر الظهور بحدثٍ معين، كحصول حربٍ هنا أو هناك، وغيرها من الأمور مما لا أساس دينياً له. لهذا اختصرنا الموضوع بالقول إن العقيدة في الإمام المهدي(عج) هي أنّ غيبته من غيب الله، وأن ظهوره من غيب الله، وما من أساس فكري أو ديني لدى أحد في توقيت ظهوره، وكل ذلك في علم الله، حتى إننا تطرّفنا في القول وقلنا إن الإمام المهدي نفسه لا يعرف متى يظهر، لأن مسألة الغيبة تتّصل بما أراده تعالى منها. ولذلك، فإن هذه التساؤلات والأقاويل مصدرها بعض الأشخاص الذين يتحدثون، وخصوصاً في بعض الفضائيات، عن مسائل وتفاصيل غيبة الإمام المهدي(عج) وظروف حياته، حيث يتحدث بعضهم عن أزواجه وأولاده وكيف يتحرك، ويتحدث بعضهم عن مكان إقامته في مثلَّث ((برمودا)) مثلاً، وما إلى ذلك مما تفرضه التخيلات التي لا تستند إلى حقيقة.

س: لكن يلاحظ أن هذه المسائل باتت تتجاوز الأشخاص، إذ هناك مؤسسات تدعمها وتروّج لها؟

ج: نحن نعتقد أن بعض الناس إما أن يكونوا مقتنعين بما يتصورونه ويلقونه إلى الناس، وإما أنهم يحاولون توظيف الجانب الديني العاطفي في علاقة الناس بالإمام المهدي، للاستيلاء على ذهنياتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم الدينية، خصوصاً أنّ بعض الممارسات الدينية في الأدعية، ومنها دعاء الندبة، يثير المشاعر في الشوق إلى لقاء الإمام المهدي(عج).

س: هل هذا من قبيل توظيف الدين في تحقيق مآرب سياسية؟

ج: قد يكون هناك استخدام لهذه المسألة في الجوانب السياسية كأيّ شيء لا قاعدة له، لأن الناس قد تنفتح على الجوانب الغيبية حتى لو لم يكن لها أساس من الحقيقة، باعتبار أنها تلامس مشاعر التقديس للرمز الكبير، وإن لم يكن ذلك ناشئاً من ثقافة علمية موضوعية.

    عقيدتنا في الإمام المهدي(عج) هي أن غيبته من غيب الله وظهوره من غيب الله


س: لكنّ كتب المسلمين الشيعة ملأى بالمرويات والأحاديث المسندة أو المنسوبة إلى الأئمة وصولاً إلى الرسول، والتي تتحدث عن تلك المسائل؟

ج: أستطيع أن أزعم بأن تسعين في المئة على الأقل من هذه المرويات لا سند لها، وإنما هي من الأحاديث الموضوعة، والتي تناولها الوضع لاعتبارات خاصة بالذين وضعوها.

قضية الإمام المهدي(عج) بين العقل والعلم


س: دائماً تركِّزون في مثل هكذا مسائل على العقل والعلم في الإسلام. فما هو التفسير الذي تقدمه لمسألة الإمام المهدي(عج)؟

ج: العقل على قسمين، فهناك العقل الفطري الذي ينطلق من فطرة الإنسان، والذي ينفتح على مسألة الإمكان والاستحالة في مسألة وجود الله وقدرته المطلقة. وهناك العقل الثقافي الذي ينطلق من قراءات الإنسان وتفكيره، وهذا النوع من العقل يمثل في قيمته قيمة الكتاب الذي قرأه واقتنع به، وقيمة التجربة التي عاشها وآمن بنتائجها، وقيمة البيئة التي فرضت على الذهنية بعض الأفكار والمشاعر والأحاسيس.
    نحن نعتبر أن العقل الذي يمثل حجةً بين الله وعباده هو العقل الفطري

ولذلك نحن نعتبر أن العقل الذي يمثل حجةً بين الله وعباده، هو العقل الفطري الذي إذا انفتح الإنسان من خلاله على الموضوع، فإنه يؤمن بإمكانه أو استحالته، وهذا ما ورد عن ابن سينا عندما قال: ((كلّ ما قرع سمعك فذرْهُ في بقعة الإمكان حتى يذودك عنه واضح البرهان))، ونقرأ أيضاً في كتب الشيخ المفيد، وهو من أعاظم علماء المسلمين الشيعة، قوله: ((إذا جاءنا النص ولم يكن هناك مانع من إمكان مضمونه في العقل، فإننا نؤمن به))، وقد أضفنا على ما ذكره الشيخ المفيد، أنه لا بد من أن يحكم العقل بإمكان الشيء من جهة، وبأن تكون المناسبات والظروف والقرائن المحيطة به متناسبةً مع طبيعة المضمون.

ولذلك، عندما تحدّث النبيّ محمّد(ص) عن مسألة الإمام المهدي(عج) وأكّدها أئمة أهل البيت(ع) في أحاديثهم، آمنّا بها من حيث المبدأ، لأننا لا نرى أية مشكلة علمية في أن يعيش الإنسان زمناً طويلاً، ولاسيما عندما تكون المسألة متعلقةً بقدرة الله وإرادته، فنحن مثلاً نؤمن بيوم القيامة، مع أنّنا لا نعرف مداه، ومتى يأتي، ونحن نؤمن أيضاً من خلال القرآن بأنّ النبيّ نوحاً مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يبلّغهم رسالة ربّه، ولا ندري كم عاش بعد ذلك، ونحن نعرف أن العلم الآن يبحث عن سبل الحياة، ويؤكد أنّه من الممكن الوصول إلى نتيجة تعطي الإنسان مدى واسعاً منفتحاً على عمر طويل.

إذاً ليس هناك ما يمنع حدوث هذه المسألة من الناحية العلمية والعقلية، لأن العقل يحكم بالإمكان، والعلم لا يمنع من ذلك، خصوصاً أن العلم الآن ينطلق من فرضية أن الشيء قد يكون ممكن الحدوث أو مستحيل الحدوث، حتى إنّ العلماء عندما يصعدون إلى الفضاء ويحاولون اكتشاف الكواكب، ينطلقون من فرضية أن يكون هناك عالم آخر أو أن تشتمل الكواكب على مخلوقات وعناصر حياة، فهم يفترضون ذلك ثم يعملون على تأكيد تلك الفرضيات.

وقضية الإمام المهديّ(عج) هي قضية من غيب الله تعالى، حيث أعدّه الله ليكون الإنسان الذي يحقق العدل العالمي ((يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً))، ولا مانع من أن يُعدّ الله إنساناً ويزوّده بالكثير من الأمور، ومنها العمر الطويل، ليجعله في مستوى تحقيق الهدف الكبير الذي لا بد للعالم قبل أن ينتهي من أن يصل إليه، والله أنزل كل الرسالات على أساس إقامة العدل، {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25]. فما المانع إذاً من أن تكون حكمة الله اقتضت أن يعيش إنسانٌ هذا العمر الطويل، وأن يرعاه الله برعايته، ليحقق النتائج الكبرى في إقامة العدل العالمي؟!

مرتبة الأنبياء والأئمة(ع)

س: ما رأيكم في اعتقاد بعض الشيعة أن الأئمة(ع) هم في مرتبة أعلى من الأنبياء باستثناء النبي محمد؟

ج: نحن لا نؤمن بذلك، ونحن نعتقد أن النبوّة تعلو الإمامة مرتبةً.

س: وهل هذا بالنسبة إلى كل الأنبياء؟

ج: نعم، وهذا ما أكّده الإمام علي بن موسى الرضا(ع) الذي فرض عليه المأمون ولاية العهد، فقد سأله أحد أصحابه: كيف تتقبل ولاية العهد من المأمون؟ فقال(ع) له: أنا أسألك: ما رأيك في يوسف(ع)، ألم يكن نبياً وكان العزيز كافراً، وقد قبل يوسف(ع) أن يكون مسؤولاً في مملكة عزيز مصر، وهذا يشير إلى أنّ النبي أفضل من الإمام، من خلال ربط الإمام الرضا(ع) قبوله بولاية العهد من المأمون بقبول النبي يوسف(ع) المسؤولية من عزيز مصر، علماً أن عزيز مصر كان كافراً، بينما كان المأمون مسلماً.

س: يؤخذ على بعض علماء الشيعة وبعض المراجع أنهم يتحدثون في خطبهم ومقالاتهم وكتبهم عن الأئمة(ع) أكثر مما يتحدثون عن الرسول، وأنهم يأخذون بأحاديثهم أكثر مما يأخذون بأحاديث الرسول؟

ج: لا أظن أن هذا الأمر واقعي، فنحن عندما ندرس كتب الحديث عند المسلمين الشيعة، نجد أن أكثر الأحاديث المروية فيها جاءت عن النبي(ص). ثم هناك نقطة مهمة، وهي أن الأئمة في العقيدة الشيعية الإمامية ليسوا مجتهدين كأئمة المذاهب، بل هم يأخذون علومهم من رسول الله، وهذا ما نرويه عن الإمام جعفر الصادق(ع) في ما جاء عنه: ((حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي، وحديث علي حديث رسول الله عن جبرائيل عن الله تعالى)). وقد نظّم بعضهم في ذلك بيتاً من الشعر يقول:

((أوالي أناساً قولهم وحديثهم       روى جدنا عن جبرائيل عن الباري))
   

الأئمة في العقيدة الشيعية الإمامية ليسوا مجتهدين كأئمة المذاهب


بل هم يأخذون علومهم من رسول الله

وينقل في سيرة الإمام علي الرضا(ع)، أنه كان سائراً إلى طوس، وعندما وصل إلى بعض البلدات الإيرانية، جاء إليه الرواة وقالوا: حدّثنا يابن رسول الله، فحدثهم بهذه الطريقة، قال(ع): ((حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: حدثني رسول الله عن جبرائيل عن الله تعالى: كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أَمِن من عذابي)).

وينقل عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: ((إن هذا الإسناد لو أُلقي على المجنون لأفاق))، من عظمته.

 فالأئمة(ع) كانوا يروون عن رسول الله(ص)، ولذا ينقل أن الإمام محمد الباقر(ع) ما كان يقول: أروي عن فلان وفلان على طريقة الرواة، بل كان يقول: قال رسول الله، وفي ذلك تأكيد أن كل ما يقوله الأئمة هو قول رسول الله(ص). وقد كان للأئمة مصدر آخر، وهو كتاب عليٍّ الذي يحتفظ به الأئمة(ع)، وهو مما أملاه رسول الله على علي في كثير من الأحكام وتفسير القرآن، وكان علي(ع) يقول: ((والله، ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما وأين نزلت، أبليل أم بنهار نزلت، في سهل أو جبل))، ويقول أيضاً: ((علّمني رسول الله ألف باب من العلم فُتح لي من كل باب ألف باب)). وهذا ما أخذه منه الأئمة(ع)، وكذلك كان من مصادرهم مصحف فاطمة الذي يشتمل على كثيرٍ ممّا أملاه رسول الله(ص) على فاطمة(ع) وخطّه علي(ع). فالأئمة إذاً لم يكونوا مجتهدين، وإنما كان كلامهم كلام رسول الله.

حقيقة مصحف فاطمة

س: نرجو توضيح مسألة مصحف فاطمة، فما هو بالتحديد، منعاً لأي لبس يربط بينه وبين القرآن الكريم، كما يظن بعضهم؟

ج: أولاً، كلمة مصحف لا تعني القرآن بل تعني الصحف، أي هو كتاب فيه صحف، والإمام الصادق(ع) يقول عن مصحف فاطمة: ((لا أعلم أن فيه قرآناً))، أي هذا ليس قرآناً، والشيعة ليس لهم أي قرآن غير الموجود بين أيدي المسلمين، وهذا ما جعل أئمة أهل البيت(ع) يطلبون من شيعتهم أن يعرضوا كل ما جاء عنهم وعن النبي من أحاديث على كتاب الله ((فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار)).

وأنا أنقل حواراً جرى بيني وبين المرحوم الشيخ محمد غزالي، وهو من كبار علماء السنّة، حين التقيت به في أحد المؤتمرات في الجزائر، إذ قال لي: أنا كنت أتحدث مع أخواننا، أي من علماء أهل السنّة، وأقول لهم: ابحثوا في شرق الأرض وغربها، هل هناك نسخة قرآن مما يطبع في إيران أو العراق أو أي بلد آخر غير القرآن الذي نعرفه؟ وهل هناك قرآن آخر يـزيد ضمّةً أو فتحةً عن القرآن المتداول عند المسلمين؟ فليس هناك إلا قرآن واحد، وهذا ما نلاحظه في كل نسخ القرآن الموجودة في العالم، سواء عند السنة أو عند الشيعة.

عصمة الأئمة(ع)

س: وماذا عن عصمة الأئمة(ع) باعتبارها من المسائل التي تثير جدلاً دائماً؟

ج: أولاً نحن نقول بعصمة الأنبياء(ع)، وأنا أستدل على هذه العصمة، بأن النبي هو شخصية مميزة أرسلها الله لتضيء للناس طريقهم، تماماً كما هي الشمس المشرقة التي خلقها الله لتضيء الكون، وقد تحدث القرآن الكريم عن النبي(ص) بأنه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، فلا بدّ لصاحب هذا الدور من أن يكون نوراً في عقله، ونوراً في قلبه، ونوراً في تفكيره، وفي كل حركته في الحياة، ولهذا لا بدّ من أن يكون معصوماً، لأن المعصية والخطأ يمثلان ظلمةً في العقل والفكر والقلب، وظلمةً في حركة الحياة. ولذا نحن نؤمن بعصمة النبي، سواء في الأمور الدينية التبليغية أو في الأمور الأخرى، وأنا أناقش بعض ما يرويه أخواننا أهل السنة، فيما يروونه عن النبي(ص) أنه عندما سُئل عن تأبـير (تلقيح) النخل، قال: لا ضرورة له، فذهب السائل ولكن النخل لم يثمر، لأنه لم يؤبِّره، فجاء إلى النبي مستفسرًا، فقال له النبي: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
    النبي لا بد من أن يكون معصوماً، لأن المعصية والخطأ يمثلان ظلمةً في العقل والفكر والقلب

وقد تناولت المسألة من جهتين: الأولى، أن هذا الحديث روي عن النبي(ص) عن سائل سأله في المدينة، والمعروف أن أهل المدينة هم أهل النخل، بحيث إن أطفالهم يعرفون أن النخل لا ينتج إلا بالـتأبـير، فكيف يمكن أن يأتي أحدهم ليسأل عن مثل هذه المسألة التي يعرفها حتى الأطفال، وخصوصاً أنها ليست من المسائل التي يختلف فيها الناس حتى يحتاج أحد إلى أن يسأل النبي عنها؟!

والثانية، أنه إذا كان النبي لا يعرف المسألة، فكيف يجيب عما لا يعرف؟ إضافةً إلى أنه ليس من الطبيعي أن يكون النبي(ص) في عمر الثالثة والخمسين حين كان في المدينة، ولا يعرف أن النخل لا يمكن أن ينتج بدون تأبـير. ولذا فإن هذه الرواية هي رواية غير دقيقة وغير موثوقة.

فالنبي، إذاً، لا بدّ من أن يكون نوراً، وعقيدة الشيعة بالأئمة(ع) أنهم خلفاء النبي(ص) الذين يقومون بتصحيح ما قد يخطىء به الناس من أمور الشريعة والمفاهيم الإسلامية، فلا بد من أن يكونوا كلهم نوراً حتى يستطيعوا أن يقدموا للناس الحقيقة النورانية المضيئة، هذا من جهة.
   

الناس معصومون بشكل جزئي، فكلّ إنسان لديه شيء من العصمة،


فالعصمة ليست أمراً مستحيلاً

أما من جهة أخرى، فنحن نقول إن العصمة بشكل جزئي موجودة عند كثير من الناس، إذ إنّ هناك أشخاصاً لا يمارسون الخبائث، ولا يسرقون، ولا يشربون الخمر، ولا يظلمون الناس، باعتبار أن طبيعتهم الأخلاقية الروحية ترفض ذلك. فإذاً هناك أناس معصومون بشكل جزئي، فكل شخص في العالم لديه شيء من العصمة، فالعصمة ليست أمراً مستحيلاً، أو أمراً يمثل غلواً في شخصية الإنسان، فأي مانع في أن يعطي الله العصمة لشخص مسؤول عن توضيح الحقّ للناس، ومن أجل مصلحة الناس. ونحن نقول أيضاً إنّ العصمة لا تنافي الاختيار، بحيث إن الله يعطي المعصوم من لطفه ما يجعله يدرك الحقيقة.

حوار: زين حمود – أحمد الموسوي

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 03 ذو الحجة 1429 هـ  الموافق: 01/12/2008 م

المرجع الإسلامي السيد محمد حسين فضل الله:

بعض الناس يوظّف الإمام المهدي للاستيلاء على عقول الناس ومشاعرهم


تحدث سماحة العلامة المرجع الإسلامي، السيد محمد حسين فضل الله، في الحلقة السادسة من الحوار الشامل الذي أجرته معه مجلة ((الشراع))، عن بعض مناحي الصراع القائم في الفكر الإسلامي بين العقل والخرافة الناشئة من بعض المعتقدات الغيبية التي لا تستند إلى أية حقيقة دينية، كما تحدث عن مسألة الإمام المهدي وعصمة الأنبياء والأئمة(ع)، وهذا نصّ الحوار:

مصدر الخرافة في سلوك الإسلاميين

س: هناك حدود واضحة وفاصلة وحاسمة في الإسلام بين العقل والخرافة، ورغم ذلك، فإننا نرى أنّ الخرافة تطغى على سلوك كثير من الإسلاميين، لماذا؟

ج: لعلّ المشكلة الأبرز في التصوّر الإسلامي تجاه الكثير من القضايا، ومنها نظرته إلى الشخصيات المقدسة أو للأوضاع العامة، هي أن هناك اتجاهاً لإعطاء الغيب مساحةً واسعةً، أوسع بكثير مما ينطلق به الإيمان بالغيب، فالله سبحانه وتعالى خصّ نفسه بالغيب، قال سبحانه: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}، وقد تحدث القرآن الكريم عن إقرار النبـي(ص) وكل الأنبياء(ع) بعدم علمهم بالغيب، وذلك كما جاء في قوله تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب} [الأنعام:50] {قل ما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم إنْ أَتَّبع إلا ما يُوحى إلي} [الأحقاف:9] {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّني السوء} [الأعراف:188].

    في التصوّر الإسلامي هناك اتجاه لإعطاء الغيب مساحةً أوسع مما ينطلق به الإيمان بالغيب


ولكنّ الله قد يُطلع بعض أنبيائه على بعض الغيب مما يتصل برسالاتهم في عملية التبليغ، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} [آل عمران:44]. إلاّ أنّ الناس حاولوا أن يعطوا الغيب مساحةً واسعةً، فحوّلوا الشخصيات المقدّسة إلى شخصيات غيبية، وراحوا يفسِّرون كل ما يصدر عنهم تفسيراً غيبياً، مع أن أكثر الآيات التي يتحدث فيها القرآن عن الأنبياء وعن النبـي محمد بالذات، تشير إلى بشريته، فهو يفرح ويحزن، كما في قوله تعالى له: {ولا تحزن عليهم ولا تكُ في ضيقٍ ممّا يمكرون} [النّحل:127]. وفي الحديث عن عيسى(ع): {ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل وأُمُّه صدِّيقة كانا يأكلان الطّعام} [المائدة:75]. فالله تعالى ركّز في كتابه على الجانب البشريّ عند الأنبياء، وقد كان يوجّه النبيّ إلى أن يخبر النّاس بذلك: {وقل إنّما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ} [الكهف:110] {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله} [الأعراف:188]...

لذلك، عندما تفسّر الأوضاع الدينية تفسيراً غيبياً، فإنّ الخرافة سوف تدخل في هذه التفسيرات، لأنّها لا تنطلق من قاعدة علمية ترتكز على الكتاب والسنة، بل إنها تخضع للكثير من تصوّرات الأشخاص وتحليلاتهم التي يسمعونها ويبثّونها بين الناس، وبذلك تنتشر الخرافة بين الناس بشكل قوي، وتتجذّر في العقل الشعبـي العام، إلى مستوى تصبح معه من المقدسات، بحيث يُكفَّر من يناقشها مناقشةً علميةً موضوعيةً. ومع الأسف، فإن الكثير من المسلمين، سواء من السنّة أو الشيعة، يشتركون بهذه الذهنية التي تنفتح على كثير من خطوط الخرافة، وخصوصاً فيما يتعلّق بالشخصيات التي يحترمونها ويقدّسونها.

علاقة الأحداث بعلامات ظهور المهدي(عج)

س: في هذا السياق، ما رأيكم في ما يشاع منذ فترة عن ربط ما تشهده المنطقة العربية والإسلامية من أحداث بظهور الإمام المهدي(عج)، واعتبار ذلك من علامات ظهوره؟
   

عندما تفسَّر الأوضاع الدينية تفسيراً غيبياً، فإن الخرافة سوف تدخل في التفسيرات


لأنها لا تنطلق من قاعدة علمية

ج: هذه الأمور تستند إلى بعض النصوص المروية، والتي لم تثبت وثاقتها السندية بشكل يمكن معه اعتبارها صحيحةً وقطعيةً، ولذلك فإن الكثير من الناس الذين يستغرقون في تفاصيل مسألة غياب الإمام المهدي(عج)، يحاولون تفسير مسألة عصر الظهور بحدثٍ معين، كحصول حربٍ هنا أو هناك، وغيرها من الأمور مما لا أساس دينياً له. لهذا اختصرنا الموضوع بالقول إن العقيدة في الإمام المهدي(عج) هي أنّ غيبته من غيب الله، وأن ظهوره من غيب الله، وما من أساس فكري أو ديني لدى أحد في توقيت ظهوره، وكل ذلك في علم الله، حتى إننا تطرّفنا في القول وقلنا إن الإمام المهدي نفسه لا يعرف متى يظهر، لأن مسألة الغيبة تتّصل بما أراده تعالى منها. ولذلك، فإن هذه التساؤلات والأقاويل مصدرها بعض الأشخاص الذين يتحدثون، وخصوصاً في بعض الفضائيات، عن مسائل وتفاصيل غيبة الإمام المهدي(عج) وظروف حياته، حيث يتحدث بعضهم عن أزواجه وأولاده وكيف يتحرك، ويتحدث بعضهم عن مكان إقامته في مثلَّث ((برمودا)) مثلاً، وما إلى ذلك مما تفرضه التخيلات التي لا تستند إلى حقيقة.

س: لكن يلاحظ أن هذه المسائل باتت تتجاوز الأشخاص، إذ هناك مؤسسات تدعمها وتروّج لها؟

ج: نحن نعتقد أن بعض الناس إما أن يكونوا مقتنعين بما يتصورونه ويلقونه إلى الناس، وإما أنهم يحاولون توظيف الجانب الديني العاطفي في علاقة الناس بالإمام المهدي، للاستيلاء على ذهنياتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم الدينية، خصوصاً أنّ بعض الممارسات الدينية في الأدعية، ومنها دعاء الندبة، يثير المشاعر في الشوق إلى لقاء الإمام المهدي(عج).

س: هل هذا من قبيل توظيف الدين في تحقيق مآرب سياسية؟

ج: قد يكون هناك استخدام لهذه المسألة في الجوانب السياسية كأيّ شيء لا قاعدة له، لأن الناس قد تنفتح على الجوانب الغيبية حتى لو لم يكن لها أساس من الحقيقة، باعتبار أنها تلامس مشاعر التقديس للرمز الكبير، وإن لم يكن ذلك ناشئاً من ثقافة علمية موضوعية.

    عقيدتنا في الإمام المهدي(عج) هي أن غيبته من غيب الله وظهوره من غيب الله


س: لكنّ كتب المسلمين الشيعة ملأى بالمرويات والأحاديث المسندة أو المنسوبة إلى الأئمة وصولاً إلى الرسول، والتي تتحدث عن تلك المسائل؟

ج: أستطيع أن أزعم بأن تسعين في المئة على الأقل من هذه المرويات لا سند لها، وإنما هي من الأحاديث الموضوعة، والتي تناولها الوضع لاعتبارات خاصة بالذين وضعوها.

قضية الإمام المهدي(عج) بين العقل والعلم


س: دائماً تركِّزون في مثل هكذا مسائل على العقل والعلم في الإسلام. فما هو التفسير الذي تقدمه لمسألة الإمام المهدي(عج)؟

ج: العقل على قسمين، فهناك العقل الفطري الذي ينطلق من فطرة الإنسان، والذي ينفتح على مسألة الإمكان والاستحالة في مسألة وجود الله وقدرته المطلقة. وهناك العقل الثقافي الذي ينطلق من قراءات الإنسان وتفكيره، وهذا النوع من العقل يمثل في قيمته قيمة الكتاب الذي قرأه واقتنع به، وقيمة التجربة التي عاشها وآمن بنتائجها، وقيمة البيئة التي فرضت على الذهنية بعض الأفكار والمشاعر والأحاسيس.
    نحن نعتبر أن العقل الذي يمثل حجةً بين الله وعباده هو العقل الفطري

ولذلك نحن نعتبر أن العقل الذي يمثل حجةً بين الله وعباده، هو العقل الفطري الذي إذا انفتح الإنسان من خلاله على الموضوع، فإنه يؤمن بإمكانه أو استحالته، وهذا ما ورد عن ابن سينا عندما قال: ((كلّ ما قرع سمعك فذرْهُ في بقعة الإمكان حتى يذودك عنه واضح البرهان))، ونقرأ أيضاً في كتب الشيخ المفيد، وهو من أعاظم علماء المسلمين الشيعة، قوله: ((إذا جاءنا النص ولم يكن هناك مانع من إمكان مضمونه في العقل، فإننا نؤمن به))، وقد أضفنا على ما ذكره الشيخ المفيد، أنه لا بد من أن يحكم العقل بإمكان الشيء من جهة، وبأن تكون المناسبات والظروف والقرائن المحيطة به متناسبةً مع طبيعة المضمون.

ولذلك، عندما تحدّث النبيّ محمّد(ص) عن مسألة الإمام المهدي(عج) وأكّدها أئمة أهل البيت(ع) في أحاديثهم، آمنّا بها من حيث المبدأ، لأننا لا نرى أية مشكلة علمية في أن يعيش الإنسان زمناً طويلاً، ولاسيما عندما تكون المسألة متعلقةً بقدرة الله وإرادته، فنحن مثلاً نؤمن بيوم القيامة، مع أنّنا لا نعرف مداه، ومتى يأتي، ونحن نؤمن أيضاً من خلال القرآن بأنّ النبيّ نوحاً مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يبلّغهم رسالة ربّه، ولا ندري كم عاش بعد ذلك، ونحن نعرف أن العلم الآن يبحث عن سبل الحياة، ويؤكد أنّه من الممكن الوصول إلى نتيجة تعطي الإنسان مدى واسعاً منفتحاً على عمر طويل.

إذاً ليس هناك ما يمنع حدوث هذه المسألة من الناحية العلمية والعقلية، لأن العقل يحكم بالإمكان، والعلم لا يمنع من ذلك، خصوصاً أن العلم الآن ينطلق من فرضية أن الشيء قد يكون ممكن الحدوث أو مستحيل الحدوث، حتى إنّ العلماء عندما يصعدون إلى الفضاء ويحاولون اكتشاف الكواكب، ينطلقون من فرضية أن يكون هناك عالم آخر أو أن تشتمل الكواكب على مخلوقات وعناصر حياة، فهم يفترضون ذلك ثم يعملون على تأكيد تلك الفرضيات.

وقضية الإمام المهديّ(عج) هي قضية من غيب الله تعالى، حيث أعدّه الله ليكون الإنسان الذي يحقق العدل العالمي ((يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً))، ولا مانع من أن يُعدّ الله إنساناً ويزوّده بالكثير من الأمور، ومنها العمر الطويل، ليجعله في مستوى تحقيق الهدف الكبير الذي لا بد للعالم قبل أن ينتهي من أن يصل إليه، والله أنزل كل الرسالات على أساس إقامة العدل، {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25]. فما المانع إذاً من أن تكون حكمة الله اقتضت أن يعيش إنسانٌ هذا العمر الطويل، وأن يرعاه الله برعايته، ليحقق النتائج الكبرى في إقامة العدل العالمي؟!

مرتبة الأنبياء والأئمة(ع)

س: ما رأيكم في اعتقاد بعض الشيعة أن الأئمة(ع) هم في مرتبة أعلى من الأنبياء باستثناء النبي محمد؟

ج: نحن لا نؤمن بذلك، ونحن نعتقد أن النبوّة تعلو الإمامة مرتبةً.

س: وهل هذا بالنسبة إلى كل الأنبياء؟

ج: نعم، وهذا ما أكّده الإمام علي بن موسى الرضا(ع) الذي فرض عليه المأمون ولاية العهد، فقد سأله أحد أصحابه: كيف تتقبل ولاية العهد من المأمون؟ فقال(ع) له: أنا أسألك: ما رأيك في يوسف(ع)، ألم يكن نبياً وكان العزيز كافراً، وقد قبل يوسف(ع) أن يكون مسؤولاً في مملكة عزيز مصر، وهذا يشير إلى أنّ النبي أفضل من الإمام، من خلال ربط الإمام الرضا(ع) قبوله بولاية العهد من المأمون بقبول النبي يوسف(ع) المسؤولية من عزيز مصر، علماً أن عزيز مصر كان كافراً، بينما كان المأمون مسلماً.

س: يؤخذ على بعض علماء الشيعة وبعض المراجع أنهم يتحدثون في خطبهم ومقالاتهم وكتبهم عن الأئمة(ع) أكثر مما يتحدثون عن الرسول، وأنهم يأخذون بأحاديثهم أكثر مما يأخذون بأحاديث الرسول؟

ج: لا أظن أن هذا الأمر واقعي، فنحن عندما ندرس كتب الحديث عند المسلمين الشيعة، نجد أن أكثر الأحاديث المروية فيها جاءت عن النبي(ص). ثم هناك نقطة مهمة، وهي أن الأئمة في العقيدة الشيعية الإمامية ليسوا مجتهدين كأئمة المذاهب، بل هم يأخذون علومهم من رسول الله، وهذا ما نرويه عن الإمام جعفر الصادق(ع) في ما جاء عنه: ((حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث علي، وحديث علي حديث رسول الله عن جبرائيل عن الله تعالى)). وقد نظّم بعضهم في ذلك بيتاً من الشعر يقول:

((أوالي أناساً قولهم وحديثهم       روى جدنا عن جبرائيل عن الباري))
   

الأئمة في العقيدة الشيعية الإمامية ليسوا مجتهدين كأئمة المذاهب


بل هم يأخذون علومهم من رسول الله

وينقل في سيرة الإمام علي الرضا(ع)، أنه كان سائراً إلى طوس، وعندما وصل إلى بعض البلدات الإيرانية، جاء إليه الرواة وقالوا: حدّثنا يابن رسول الله، فحدثهم بهذه الطريقة، قال(ع): ((حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: حدثني رسول الله عن جبرائيل عن الله تعالى: كلمة لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أَمِن من عذابي)).

وينقل عن الإمام أحمد بن حنبل قوله: ((إن هذا الإسناد لو أُلقي على المجنون لأفاق))، من عظمته.

 فالأئمة(ع) كانوا يروون عن رسول الله(ص)، ولذا ينقل أن الإمام محمد الباقر(ع) ما كان يقول: أروي عن فلان وفلان على طريقة الرواة، بل كان يقول: قال رسول الله، وفي ذلك تأكيد أن كل ما يقوله الأئمة هو قول رسول الله(ص). وقد كان للأئمة مصدر آخر، وهو كتاب عليٍّ الذي يحتفظ به الأئمة(ع)، وهو مما أملاه رسول الله على علي في كثير من الأحكام وتفسير القرآن، وكان علي(ع) يقول: ((والله، ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما وأين نزلت، أبليل أم بنهار نزلت، في سهل أو جبل))، ويقول أيضاً: ((علّمني رسول الله ألف باب من العلم فُتح لي من كل باب ألف باب)). وهذا ما أخذه منه الأئمة(ع)، وكذلك كان من مصادرهم مصحف فاطمة الذي يشتمل على كثيرٍ ممّا أملاه رسول الله(ص) على فاطمة(ع) وخطّه علي(ع). فالأئمة إذاً لم يكونوا مجتهدين، وإنما كان كلامهم كلام رسول الله.

حقيقة مصحف فاطمة

س: نرجو توضيح مسألة مصحف فاطمة، فما هو بالتحديد، منعاً لأي لبس يربط بينه وبين القرآن الكريم، كما يظن بعضهم؟

ج: أولاً، كلمة مصحف لا تعني القرآن بل تعني الصحف، أي هو كتاب فيه صحف، والإمام الصادق(ع) يقول عن مصحف فاطمة: ((لا أعلم أن فيه قرآناً))، أي هذا ليس قرآناً، والشيعة ليس لهم أي قرآن غير الموجود بين أيدي المسلمين، وهذا ما جعل أئمة أهل البيت(ع) يطلبون من شيعتهم أن يعرضوا كل ما جاء عنهم وعن النبي من أحاديث على كتاب الله ((فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار)).

وأنا أنقل حواراً جرى بيني وبين المرحوم الشيخ محمد غزالي، وهو من كبار علماء السنّة، حين التقيت به في أحد المؤتمرات في الجزائر، إذ قال لي: أنا كنت أتحدث مع أخواننا، أي من علماء أهل السنّة، وأقول لهم: ابحثوا في شرق الأرض وغربها، هل هناك نسخة قرآن مما يطبع في إيران أو العراق أو أي بلد آخر غير القرآن الذي نعرفه؟ وهل هناك قرآن آخر يـزيد ضمّةً أو فتحةً عن القرآن المتداول عند المسلمين؟ فليس هناك إلا قرآن واحد، وهذا ما نلاحظه في كل نسخ القرآن الموجودة في العالم، سواء عند السنة أو عند الشيعة.

عصمة الأئمة(ع)

س: وماذا عن عصمة الأئمة(ع) باعتبارها من المسائل التي تثير جدلاً دائماً؟

ج: أولاً نحن نقول بعصمة الأنبياء(ع)، وأنا أستدل على هذه العصمة، بأن النبي هو شخصية مميزة أرسلها الله لتضيء للناس طريقهم، تماماً كما هي الشمس المشرقة التي خلقها الله لتضيء الكون، وقد تحدث القرآن الكريم عن النبي(ص) بأنه يخرج الناس من الظلمات إلى النور، فلا بدّ لصاحب هذا الدور من أن يكون نوراً في عقله، ونوراً في قلبه، ونوراً في تفكيره، وفي كل حركته في الحياة، ولهذا لا بدّ من أن يكون معصوماً، لأن المعصية والخطأ يمثلان ظلمةً في العقل والفكر والقلب، وظلمةً في حركة الحياة. ولذا نحن نؤمن بعصمة النبي، سواء في الأمور الدينية التبليغية أو في الأمور الأخرى، وأنا أناقش بعض ما يرويه أخواننا أهل السنة، فيما يروونه عن النبي(ص) أنه عندما سُئل عن تأبـير (تلقيح) النخل، قال: لا ضرورة له، فذهب السائل ولكن النخل لم يثمر، لأنه لم يؤبِّره، فجاء إلى النبي مستفسرًا، فقال له النبي: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
    النبي لا بد من أن يكون معصوماً، لأن المعصية والخطأ يمثلان ظلمةً في العقل والفكر والقلب

وقد تناولت المسألة من جهتين: الأولى، أن هذا الحديث روي عن النبي(ص) عن سائل سأله في المدينة، والمعروف أن أهل المدينة هم أهل النخل، بحيث إن أطفالهم يعرفون أن النخل لا ينتج إلا بالـتأبـير، فكيف يمكن أن يأتي أحدهم ليسأل عن مثل هذه المسألة التي يعرفها حتى الأطفال، وخصوصاً أنها ليست من المسائل التي يختلف فيها الناس حتى يحتاج أحد إلى أن يسأل النبي عنها؟!

والثانية، أنه إذا كان النبي لا يعرف المسألة، فكيف يجيب عما لا يعرف؟ إضافةً إلى أنه ليس من الطبيعي أن يكون النبي(ص) في عمر الثالثة والخمسين حين كان في المدينة، ولا يعرف أن النخل لا يمكن أن ينتج بدون تأبـير. ولذا فإن هذه الرواية هي رواية غير دقيقة وغير موثوقة.

فالنبي، إذاً، لا بدّ من أن يكون نوراً، وعقيدة الشيعة بالأئمة(ع) أنهم خلفاء النبي(ص) الذين يقومون بتصحيح ما قد يخطىء به الناس من أمور الشريعة والمفاهيم الإسلامية، فلا بد من أن يكونوا كلهم نوراً حتى يستطيعوا أن يقدموا للناس الحقيقة النورانية المضيئة، هذا من جهة.
   

الناس معصومون بشكل جزئي، فكلّ إنسان لديه شيء من العصمة،


فالعصمة ليست أمراً مستحيلاً

أما من جهة أخرى، فنحن نقول إن العصمة بشكل جزئي موجودة عند كثير من الناس، إذ إنّ هناك أشخاصاً لا يمارسون الخبائث، ولا يسرقون، ولا يشربون الخمر، ولا يظلمون الناس، باعتبار أن طبيعتهم الأخلاقية الروحية ترفض ذلك. فإذاً هناك أناس معصومون بشكل جزئي، فكل شخص في العالم لديه شيء من العصمة، فالعصمة ليست أمراً مستحيلاً، أو أمراً يمثل غلواً في شخصية الإنسان، فأي مانع في أن يعطي الله العصمة لشخص مسؤول عن توضيح الحقّ للناس، ومن أجل مصلحة الناس. ونحن نقول أيضاً إنّ العصمة لا تنافي الاختيار، بحيث إن الله يعطي المعصوم من لطفه ما يجعله يدرك الحقيقة.

حوار: زين حمود – أحمد الموسوي

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 03 ذو الحجة 1429 هـ  الموافق: 01/12/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير