الأخذ بأسباب التقوى في بناء النفس وصنع الحاضر والمستقبل

الأخذ بأسباب التقوى في بناء النفس وصنع الحاضر والمستقبل

ممارسة المسؤولية بالانفتاح على الزمن:
الأخذ بأسباب التقوى في بناء النفس وصنع الحاضر والمستقبل


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتّقوا الله إن الله خبير بما تعملون* ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون* لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} (الحشر:18-20).

الأخذ بأسباب التقوى

في هذه الآية، دعوة من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين جميعاً، أن يأخذوا بأسباب التقوى في دراسة كل تاريخهم الذي عاشوه وصنعوه، كلٌّ بحسب عمره وبحسب ظروفه؛ أن تدرس جيداً ماذا عملت في الماضي؟ كيف أدّيت فرائض الله؟ هل أديتها كما يريد الله منك أن تؤديها؟ كيف مارست مسؤولياتك العائلية؟ وكيف خططت لكي تكون عائلةً إسلامية منفتحة على الله وعلى الخير وعلى العدل؟ هل كنت عادلاً في علاقتك بأهلك، أو كنت تستغل سلطتك عليهم لتظلمهم كما يظلم القوي الضعيف؟

وفي الإطار العام في الواقع الإسلامي، كيف كانت علاقتك بالمؤمنين، الذين ربط الله بينك وبينهم بالأخوة الإيمانية: {إنما المؤمنون أخوة} (الحجرات:10)، وأراد لك أن تكون عنصراً خيّراً فاعلاً عادلاً في كل علاقتك بهم؛ أن تعطي لكل ذي حقٍّ حقه، وأن تقدم النصيحة لكل مؤمن ومؤمنة، وأن تحافظ على عزّتهم بحسب ما أعطاك الله من قوة، وعلى قوّتهم ووحدتهم بحسب ما أعطاك الله من وسائل، حتى يشعر المسلمون بأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.

ماذا عملت في ماضيك؟ هل أخذت بالصراط المستقيم، أو أنك انحرفت من هنا وهناك؟

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله}، حتى تفهموا أنفسكم، وحتى تتعرَّفوا كل حصيلة تاريخكم، لأنّ هذا التاريخ ليس مجرد حالة ماضية، بل إنّ الله يحفظه إمّا لك وإمّا عليك، فإن كان خيراً أعطاك الله ثواب هذا الخير، وإن كان شراً جزاك الله عقاب هذا الشر، {فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره} (الزلزلة:7-89).

فكلّ ما تفعله مسجّل في كتاب أعمالك، لأنّ الله جعل لك كاتبين {عن اليمين وعن الشمال قعيد* ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد} (ق:17-18).

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد}، لأن الدنيا هي مزرعة الآخرة، فما تزرع تحصد. وإذا كان الله يحدثنا عما أعددناه لغد الآخرة، فإننا نستوحي من ذلك، أنّه ينبغي أن نفكّر في ما أعددناه للبقية الباقية من عمرنا، ولذلك كرّر الله عبارة {واتقوا الله}، أي بعد أن تتعرفوا كل رصيدكم، اتقوا الله فيما يبقى لكم من عمر، وكيف تركزون الرصيد العملي في ذلك، لأن الله خبير بما تعملون.

ممارسة المسؤولية بانفتاح على الزمن

وعلى ضوء هذا، فإنّك عندما تستقبل رأس كل سنة، سواء كانت سنةً ميلادية، أو سنة هجرية، عليك أن تعرف ما الذي قدّمته من سنتك الماضية لسنتك القادمة؛ هل تراجعت أوضاعك أو تحسّنت؟ هل بقيت في مواقعك أو انفتحت على مواقع جديدة؟ كيف مارست مسؤولياتك في السنة الماضية؟ كيف تنمي نفسك وتطورها وتملأها علماً وخبرةً وروحاً وتقوى؟ ما هي مسؤولياتك تجاه عائلتك وأمتك ووطنك؟ في آخر السنة، لا بد من أن تنظر ماذا قدمت لغدٍ، لغد السنة القادمة.

ولكن، مع الأسف، نرى الناس في نهاية كلّ سنة وبداية سنة جديدة، يحاولون أن يدخلوا في غيبوبة لاهية، ينطلقون فيها باللهو والعربدة والغياب عن الواقع. ولذلك فإنهم يدخلون في السنة الجديدة دخولاً أعمى، دون أن يخطّطوا لما سيقومون به خلالها. إن الكثيرين في العالم من رجال المال، يدخلون أنفسهم في حالة طوارىء مع نهاية كل سنة وبداية سنة جديدة، فيدرسون أرصدتهم المالية في الأعمال التجارية أو غيرها، ليعرفوا هل ربحوا أو خسروا، هذا مع إمكانية تعويض الخسارة المالية، لكن الإنسان عندما يخسر نفسه وروحه وعلاقته بربه، فإن ذلك قد لا يعوَّض من قريب أو بعيد.

وفي دعاء الإمام زين العابدين(ع) في بداية اليوم ـ وهو كبداية الشهر وكبداية السنة ـ يقول: "اللهم وهذا يوم حادث جديد، وهو علينا شاهد عتيد ـ فالزمان يشهد عليك أمام الله غداً ـ إن أحسنّا ـ في هذا اليوم ـ ودّعنا بحمد، وأن أسأنا فارقنا بذمّ. اللهم ارزقنا حسن مصاحبته، واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة أو اقتراف صغيرة أو كبيرة، واجزل لنا فيه من الحسنات، وأخلنا فيه من السيّئات، واملأ لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وفضلاً وإحساناً". إن الله تعالى يريد منا أن نبدأ العام الجديد كما نبدأ اليوم الجديد، والأسبوع الجديد؛ بالجلوس بين يديه لنعترف له، ولنبتهل له، ولنطلب منه أن يعطينا في العام الجديد الكثير من الحق ومن الحكمة والعدل والاستقامة.

بالوحدة نبني القوّة

أيها الأحبة، لقد مرّت بداية العام الميلادي الجديد، وننتظر بعد أسابيع بداية العام الهجري الجديد، وإننا نسأل الله سبحانه وتعالى في هذه البدايات للسنين، أن يعزّ الإسلام وأهله، وأن يوحِّد المسلمين جميعاً، وأن يجعلنا قوةً في وجه أعداء الله وأعداء رسوله، وفي مواجهة المستكبرين؛ أن نكون جميعاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وأن نقف ضدّ كل الذين يريدون أن يثيروا الفتن الطائفية أو المذهبية بين المسلمين، لأنّه ليس للسنة إلا الشيعة، وليس للشيعة إلا السنة.

إننا نقول لكل المسلمين في العالم، الذين يتحرك الاستكبار العالمي من أجل أن يثير الفتنة المذهبية في ما بينهم، إننا نقول لهم: إن مسؤوليتكم أن يكون الإسلام هو القوة من خلال كل وحدتنا، ومن خلال كل حركتنا في هذا المجال، لأن الاستكبار العالمي، والغرب بالذات، يحاولان أن يعملا على تدمير الإسلام في عقيدته وثقافته عند المسلمين جميعاً، وهذا ما ينبغي أن نعيه وأن نفهمه، حتى نستطيع أن نكون قوةً نصنع من خلالها القرار، ونحفظ بها أنفسنا وأمتنا وكل أوضاعنا، ونخطط من خلالها لمستقبل يكون مستقبل العزة والكرامة، ومستقبل القوة والوحدة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله، اتقوا الله، وواجهوا الموقف على أساس الوحدة، وعلى أساس العزّة والكرامة في كلّ قضايانا، ولينطلق المسلمون في كل مناطق العالم ليكونوا قوةً تصنع القرار، وتحمي أمن أمّتنا، وتواجه مخططات الاستكبار العالمي في كل ما يحاول أن يتحرك به ضد واقعنا. فماذا هناك؟

أمريكا أساس إذكاء الفتن

لا تزال الإدارة المشرفة على سياسة الرئيس بوش، تتحرك لإرباك المنطقة على صعيد العالمَيْن العربي والإسلامي، بما يجسّد قضية الفوضى البنّاءة التي تثير الحروب والفتن السياسية والخطوط الإعلامية المعقّدة، والتي تحرّك في كل مرحلة الكثير من عناصر الإثارة السياسية والطائفية والمذهبية. ففي العراق، يدرس الرئيس الأمريكي زيادة عدد قواته من أجل تحقيق التهدئة هناك، والحصول على الانتصار أو تفادي الخسارة، في الوقت الذي يعرف العالم، أن الفشل الأمريكي في العراق ليس في عدد الجنود، بل في السياسة التي تدير الاحتلال وتعطّل كل الحلول الداخلية للمشاكل الصعبة، وفي الاحتلال نفسه الذي يرفضه العراقيون بعدما زالت الغشاوة عن أعين الكثيرين منهم ممّن كانوا قد خُدِعوا بمزاعم أمريكا التي ادّعت فيها أنها جاءت لحلّ مشاكلهم الناشئة من حكم الطاغية الذي كان في كل قاعدته وتفاصيله حكماً منطلقاً من المخابرات المركزية الأمريكية، التي أدخلت العراق في مغامرات داخلية وخارجية أفقرت شعبه، وصادرت أحراره، وشرّدت مواطنيه، وأربكت الواقع الإسلامي والعربي في الحرب على إيران والكويت.

لقد كان صدام حسين يتحرك من خلال الخطة الأمريكية التي أرادت له أن يدخل العراق في حرب مع إيران دمّرت العراق وإيران معاً، وفي حربه ضد الكويت وفي حربه ضد شعبه، حتى إنه استخدم الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه وضد الأحرار.

لذلك نحن نتساءل عن هؤلاء الذين يعتبرونه بطلاً قومياً وعربياً، ونسأل: هل أن الذي يحقق كل خطط أمريكا يمكن أن يكون بطلاً للعروبة.

إنني أقول لكل هؤلاء من النخب الإسلامية والقومية: لماذا تعارضون الأنظمة التي تضطهد شعوبها إذاً؟ إن هذه الأنظمة لم تفعل كما فعل هذا الرجل، فإذا كانت أعماله وجرائمه تمثّل بطولةً وشجاعةً وانتصاراً للعرب، فإن كل الذين يشرفون على هذه الأنظمة هم كذلك؟!

إننا ندعو النخب العربية والإسلامية أن تعيد النظر في تقييمها لكل الخطط والأحكام التي تحركها في هذا المجال، وأن يدرسوا ما قام به هذا الرجل في العراق وفي المنطقة كلها.

ولذلك فنحن مع المقاومة الوطنية الشريفة التي انطلقت لمواجهة الاحتلال على الصعيدين السياسي والعسكري، انطلاقاً من القاعدة الإسلامية التي ترفض الاحتلال كمبدأ، لأن الله يريد العزة لنفسه وللمؤمنين.

وهكذا ينطلق المخلصون للإسلام وأهله، وللعراق ومواطنيه، ليرفضوا الفتنة المذهبية التي يتحرك فيها الاحتلال وحليفته إسرائيل في إثارة غرائز الناس ضد أخوانهم في الدين وفي الوطن، ما يؤدّي إلى تحريكهم في خط استحلال دماء المسلمين بذهنية تكفيرية سوداء متخلّفة، تجعل الإجهاز على المدنيين من المسلمين العراقيين أولوية، بدل أن يقوموا بالإجهاز على المحتل، حتى إن الضحايا من المدنيين الأبرياء بلغت مئات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ والعمّال والفلاحين وعلماء الدين، وخلقت أساساً للفتنة المذهبية التي يُراد لها أن تمهّد الطريق للحرب الأهلية.

إننا نعتقد أن الأمريكيين هم سرّ كل هذه الفوضى الأمنية، وكل هذا النهب والقصور في الخدمات الحيوية للناس، لأنهم يخطّطون للبقاء طويلاً في العراق، خدمةً لمصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، ويواصلون تحرّكهم الهادف إلى إذكاء نيران الفتنة الإسلامية بين السنة والشيعة التي يسعون لإنتاجها في المنطقة الإسلامية من خلال أجهزتهم المباشرة وغير المباشرة، وذلك من خلال الحديث عن فريقين في الواقع العربي، أحدهما معتدل والآخر متطرف، وصولاً إلى تأليب الواقع العربي ضد سوريا والجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة الإسلامية في لبنان، وذلك بتخويف الأنظمة العربية من إيران بدلاً من إسرائيل التي يُراد إيجاد علاقة صداقة معها على حساب الشعب الفلسطيني.

إدارة أمريكية عمياء في حربها ضد الإسلام

إننا نخشى من أن تكون زيادة عدد الجنود الأمريكيين في العراق، وإرسال حاملات الطائرات إلى الخليج، وإيجاد حالة التوتر لدى الدول الخليجية تحت شعار الخطر النووي الذي يمثله المشروع النووي السلمي لإيران... إننا نخشى أن يكون ذلك كله حركةً في اتجاه العدوان على إيران، ما قد يؤدي إلى حريق هائل في المنطقة كلها، لأن الرئيس الأمريكي تحوّل إلى إنسان هستيري يبحث عن أي حرب ينتصر فيها لينتصر من خلاله المحافظون الجدد واللوبي الصهيوني في أمريكا، ومن المؤسف أن الاتحاد الأوروبي بات يمثّل الفريق الخاضع لأمريكا في سياستها العدوانية في المنطقة.

إننا ندعو العالم الإسلامي إلى الوعي المنفتح على الأخطار التي تمثّلها الإدارة الأمريكية على شعوبه، للوقوف ضد هذا الرئيس الذي تحوّل إلى ثور هائج أمام اللون الأحمر، وهذه الإدارة العمياء التي لا تخطط إلا للحرب على الإسلام والمسلمين من خلال الغرب الذي أعلن في مؤتمر الحلف الأطلسي، أن العدو الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هو الإسلام.

الاستفادة من الواقع المؤلم

ونقول للقائمين على الأنظمة العربية والإسلامية، إن عليها أن تكون مع شعوبها في مصالحها الحيوية وقضاياها المصيرية، وأن لا تخضع للّعبة الأمريكية ـ الإسرائيلية، التي تعمل على مصادرة الأمن والثروة والسياسة للأمة كلها، لأنهم إذا خضعوا لهذه اللعبة، فسوف تنظر إليهم الشعوب كما تنظر إلى الطغاة الذين لا يحترمون مواطنيهم، بل ينفذون إرادة الأجنبي في محاصرتهم وتعطيل مبادراتهم وإسقاط أوضاعهم وتبديد ثرواتهم لحساب الشركات الاحتكارية.

إن التاريخ سوف لن يرحم كل الذين لا يحترمون المستضعفين في الأمانة التي يتحملون مسؤولياتها، بل سوف ترجمهم كل قوى الحرية، كما حدث للسابقين من أمثالهم من الطغاة.

إننا نتوجّه إلى العراقيين بأن يأخذوا الدرس من التجربة المأساوية التي يتخبط فيها وطنهم الذي يشهد اجتياح المواطنين وتحريك الفتنة والتمهيد لحرب أهلية، ذلك أنّه لا مستقبل لأهله في ظلّ هذا التمزّق في الواقع السياسي بعيداً عن أية وحدة تلتقي على أساس المصالحة والحوار العقلاني الذي يصل بالجميع إلى شاطىء الأمان.

ومن جانب آخر، فإننا نتوجّه إلى القائمين على الشؤون الفلسطينية، بأن يعوا الواقع السياسي والأمني الذي يحيط بهم، وأن يلتفتوا إلى الخداع الصهيوني في الوعود التي قدّمها رئيس حكومة العدو إلى رئيس السلطة، وعليهم أن يعرفوا كيف يلتقون على الوحدة الوطنية على صعيد الواقع والحكومة والمقاومة، لأنه لا سبيل للوصول إلى التحرير إلا بالوحدة في الموقف كله.

ونلتفت إلى المستضعفين في الصومال الذين يتلاعب الغرب بواقعهم ومستقبلهم من أجل أن يخضعوا للعبة الأمريكية التي كلّفت بعض الدول الخاضعة لها القيام بتنفيذ خطتها ثأراً من الهزيمة الماضية التي وقعت فيها... إننا نهيب بهم أن يستفيدوا من كل التجارب الماضية التي حوّلت الصومال إلى فرق متناثرة بفعل لعبة الأمم في بلاد الشعوب المستضعفة.

لبنان: الوفاق بحكومة وحدة وطنية

أما في لبنان، فإن أوّل خطوة في إيجاد حالٍ من الاستقرار السياسي والوطني، هي المواجهة لكل الدعوات التي تعمد إلى إثارة العصبية الغرائزية التي تستغل الحماس الديني المذهبي من أجل تخويف السني بالشيعي، وتخويف الشيعي بالسنّي، وتحضير الأجواء لما قد يخطط له بعض الخاضعين للخطة الأمريكية في المنطقة من حرب أهلية لا نريد للواقع الإسلامي أن يقع في وحولها...

إن الوحدة الإسلامية هي الخيار الوحيد للمسلمين، الذين ندعو علماءهم وسياسيّيهم ومثقفيهم ورجال المجتمع عندهم، إلى الارتفاع إلى مستوى القوة التي أراد الله لنا أن نحصل عليها، وإلى موقع العزّة التي أراد الله لنا أن نأخذ بها، وإلى أن لتكون الوحدة الإسلامية الواعية المنفتحة على الوطن كله هي السبيل للوحدة الوطنية بين اللبنانيين جميعاً.

ونقول للجميع: إن ما يختلف حوله المعارضون والموالون، لا يمثّل تعقيداً كبيراً في حلّ مسألة الشرعية في الحكومة أو في تحريك قضية المحكمة ذات الطابع الدولي، الأمر الذي يفرض إعطاء الفرصة للمبادرة العربية التي تمثّل جسر الحوار في الواقع السياسي، ونحذِّر الذين يحاولون إثارة الحساسيات والعصبيات التي تعطّل أي وفاق وتسقط أي مبادرة، لأن المطلوب هو كيف نردم الهوّة بين الأفرقاء، لا كيف نصنع هوّةً جديدةً.

وعلى الجميع أن يعرفوا أن أية خطة إصلاحية، وأيّ مبادرة خارجية لمساعدة لبنان، لن تنجح إذا لم يتحقق الوفاق في حكومة وحدة وطنية تكون هي الساحة للحوار، الأمر الذي يؤدي إلى أن يلتقي القائمون على الواقع السياسي في داخل المؤسسات، بدلاً من مؤتمر حواري أو تشاوري، لم يستطع أن يحقق النتائج الإيجابية للوطن كله. إنّ حل مشكلة لبنان يكمن في الواقعية السياسية التي لا تبتعد عن الثوابت الوطنية، فهل نصل إلى شاطىء الأمان؟!

ممارسة المسؤولية بالانفتاح على الزمن:
الأخذ بأسباب التقوى في بناء النفس وصنع الحاضر والمستقبل


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتّقوا الله إن الله خبير بما تعملون* ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون* لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} (الحشر:18-20).

الأخذ بأسباب التقوى

في هذه الآية، دعوة من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين جميعاً، أن يأخذوا بأسباب التقوى في دراسة كل تاريخهم الذي عاشوه وصنعوه، كلٌّ بحسب عمره وبحسب ظروفه؛ أن تدرس جيداً ماذا عملت في الماضي؟ كيف أدّيت فرائض الله؟ هل أديتها كما يريد الله منك أن تؤديها؟ كيف مارست مسؤولياتك العائلية؟ وكيف خططت لكي تكون عائلةً إسلامية منفتحة على الله وعلى الخير وعلى العدل؟ هل كنت عادلاً في علاقتك بأهلك، أو كنت تستغل سلطتك عليهم لتظلمهم كما يظلم القوي الضعيف؟

وفي الإطار العام في الواقع الإسلامي، كيف كانت علاقتك بالمؤمنين، الذين ربط الله بينك وبينهم بالأخوة الإيمانية: {إنما المؤمنون أخوة} (الحجرات:10)، وأراد لك أن تكون عنصراً خيّراً فاعلاً عادلاً في كل علاقتك بهم؛ أن تعطي لكل ذي حقٍّ حقه، وأن تقدم النصيحة لكل مؤمن ومؤمنة، وأن تحافظ على عزّتهم بحسب ما أعطاك الله من قوة، وعلى قوّتهم ووحدتهم بحسب ما أعطاك الله من وسائل، حتى يشعر المسلمون بأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر.

ماذا عملت في ماضيك؟ هل أخذت بالصراط المستقيم، أو أنك انحرفت من هنا وهناك؟

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله}، حتى تفهموا أنفسكم، وحتى تتعرَّفوا كل حصيلة تاريخكم، لأنّ هذا التاريخ ليس مجرد حالة ماضية، بل إنّ الله يحفظه إمّا لك وإمّا عليك، فإن كان خيراً أعطاك الله ثواب هذا الخير، وإن كان شراً جزاك الله عقاب هذا الشر، {فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره} (الزلزلة:7-89).

فكلّ ما تفعله مسجّل في كتاب أعمالك، لأنّ الله جعل لك كاتبين {عن اليمين وعن الشمال قعيد* ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد} (ق:17-18).

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد}، لأن الدنيا هي مزرعة الآخرة، فما تزرع تحصد. وإذا كان الله يحدثنا عما أعددناه لغد الآخرة، فإننا نستوحي من ذلك، أنّه ينبغي أن نفكّر في ما أعددناه للبقية الباقية من عمرنا، ولذلك كرّر الله عبارة {واتقوا الله}، أي بعد أن تتعرفوا كل رصيدكم، اتقوا الله فيما يبقى لكم من عمر، وكيف تركزون الرصيد العملي في ذلك، لأن الله خبير بما تعملون.

ممارسة المسؤولية بانفتاح على الزمن

وعلى ضوء هذا، فإنّك عندما تستقبل رأس كل سنة، سواء كانت سنةً ميلادية، أو سنة هجرية، عليك أن تعرف ما الذي قدّمته من سنتك الماضية لسنتك القادمة؛ هل تراجعت أوضاعك أو تحسّنت؟ هل بقيت في مواقعك أو انفتحت على مواقع جديدة؟ كيف مارست مسؤولياتك في السنة الماضية؟ كيف تنمي نفسك وتطورها وتملأها علماً وخبرةً وروحاً وتقوى؟ ما هي مسؤولياتك تجاه عائلتك وأمتك ووطنك؟ في آخر السنة، لا بد من أن تنظر ماذا قدمت لغدٍ، لغد السنة القادمة.

ولكن، مع الأسف، نرى الناس في نهاية كلّ سنة وبداية سنة جديدة، يحاولون أن يدخلوا في غيبوبة لاهية، ينطلقون فيها باللهو والعربدة والغياب عن الواقع. ولذلك فإنهم يدخلون في السنة الجديدة دخولاً أعمى، دون أن يخطّطوا لما سيقومون به خلالها. إن الكثيرين في العالم من رجال المال، يدخلون أنفسهم في حالة طوارىء مع نهاية كل سنة وبداية سنة جديدة، فيدرسون أرصدتهم المالية في الأعمال التجارية أو غيرها، ليعرفوا هل ربحوا أو خسروا، هذا مع إمكانية تعويض الخسارة المالية، لكن الإنسان عندما يخسر نفسه وروحه وعلاقته بربه، فإن ذلك قد لا يعوَّض من قريب أو بعيد.

وفي دعاء الإمام زين العابدين(ع) في بداية اليوم ـ وهو كبداية الشهر وكبداية السنة ـ يقول: "اللهم وهذا يوم حادث جديد، وهو علينا شاهد عتيد ـ فالزمان يشهد عليك أمام الله غداً ـ إن أحسنّا ـ في هذا اليوم ـ ودّعنا بحمد، وأن أسأنا فارقنا بذمّ. اللهم ارزقنا حسن مصاحبته، واعصمنا من سوء مفارقته بارتكاب جريرة أو اقتراف صغيرة أو كبيرة، واجزل لنا فيه من الحسنات، وأخلنا فيه من السيّئات، واملأ لنا ما بين طرفيه حمداً وشكراً وفضلاً وإحساناً". إن الله تعالى يريد منا أن نبدأ العام الجديد كما نبدأ اليوم الجديد، والأسبوع الجديد؛ بالجلوس بين يديه لنعترف له، ولنبتهل له، ولنطلب منه أن يعطينا في العام الجديد الكثير من الحق ومن الحكمة والعدل والاستقامة.

بالوحدة نبني القوّة

أيها الأحبة، لقد مرّت بداية العام الميلادي الجديد، وننتظر بعد أسابيع بداية العام الهجري الجديد، وإننا نسأل الله سبحانه وتعالى في هذه البدايات للسنين، أن يعزّ الإسلام وأهله، وأن يوحِّد المسلمين جميعاً، وأن يجعلنا قوةً في وجه أعداء الله وأعداء رسوله، وفي مواجهة المستكبرين؛ أن نكون جميعاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، وأن نقف ضدّ كل الذين يريدون أن يثيروا الفتن الطائفية أو المذهبية بين المسلمين، لأنّه ليس للسنة إلا الشيعة، وليس للشيعة إلا السنة.

إننا نقول لكل المسلمين في العالم، الذين يتحرك الاستكبار العالمي من أجل أن يثير الفتنة المذهبية في ما بينهم، إننا نقول لهم: إن مسؤوليتكم أن يكون الإسلام هو القوة من خلال كل وحدتنا، ومن خلال كل حركتنا في هذا المجال، لأن الاستكبار العالمي، والغرب بالذات، يحاولان أن يعملا على تدمير الإسلام في عقيدته وثقافته عند المسلمين جميعاً، وهذا ما ينبغي أن نعيه وأن نفهمه، حتى نستطيع أن نكون قوةً نصنع من خلالها القرار، ونحفظ بها أنفسنا وأمتنا وكل أوضاعنا، ونخطط من خلالها لمستقبل يكون مستقبل العزة والكرامة، ومستقبل القوة والوحدة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله، اتقوا الله، وواجهوا الموقف على أساس الوحدة، وعلى أساس العزّة والكرامة في كلّ قضايانا، ولينطلق المسلمون في كل مناطق العالم ليكونوا قوةً تصنع القرار، وتحمي أمن أمّتنا، وتواجه مخططات الاستكبار العالمي في كل ما يحاول أن يتحرك به ضد واقعنا. فماذا هناك؟

أمريكا أساس إذكاء الفتن

لا تزال الإدارة المشرفة على سياسة الرئيس بوش، تتحرك لإرباك المنطقة على صعيد العالمَيْن العربي والإسلامي، بما يجسّد قضية الفوضى البنّاءة التي تثير الحروب والفتن السياسية والخطوط الإعلامية المعقّدة، والتي تحرّك في كل مرحلة الكثير من عناصر الإثارة السياسية والطائفية والمذهبية. ففي العراق، يدرس الرئيس الأمريكي زيادة عدد قواته من أجل تحقيق التهدئة هناك، والحصول على الانتصار أو تفادي الخسارة، في الوقت الذي يعرف العالم، أن الفشل الأمريكي في العراق ليس في عدد الجنود، بل في السياسة التي تدير الاحتلال وتعطّل كل الحلول الداخلية للمشاكل الصعبة، وفي الاحتلال نفسه الذي يرفضه العراقيون بعدما زالت الغشاوة عن أعين الكثيرين منهم ممّن كانوا قد خُدِعوا بمزاعم أمريكا التي ادّعت فيها أنها جاءت لحلّ مشاكلهم الناشئة من حكم الطاغية الذي كان في كل قاعدته وتفاصيله حكماً منطلقاً من المخابرات المركزية الأمريكية، التي أدخلت العراق في مغامرات داخلية وخارجية أفقرت شعبه، وصادرت أحراره، وشرّدت مواطنيه، وأربكت الواقع الإسلامي والعربي في الحرب على إيران والكويت.

لقد كان صدام حسين يتحرك من خلال الخطة الأمريكية التي أرادت له أن يدخل العراق في حرب مع إيران دمّرت العراق وإيران معاً، وفي حربه ضد الكويت وفي حربه ضد شعبه، حتى إنه استخدم الأسلحة الكيمياوية ضد شعبه وضد الأحرار.

لذلك نحن نتساءل عن هؤلاء الذين يعتبرونه بطلاً قومياً وعربياً، ونسأل: هل أن الذي يحقق كل خطط أمريكا يمكن أن يكون بطلاً للعروبة.

إنني أقول لكل هؤلاء من النخب الإسلامية والقومية: لماذا تعارضون الأنظمة التي تضطهد شعوبها إذاً؟ إن هذه الأنظمة لم تفعل كما فعل هذا الرجل، فإذا كانت أعماله وجرائمه تمثّل بطولةً وشجاعةً وانتصاراً للعرب، فإن كل الذين يشرفون على هذه الأنظمة هم كذلك؟!

إننا ندعو النخب العربية والإسلامية أن تعيد النظر في تقييمها لكل الخطط والأحكام التي تحركها في هذا المجال، وأن يدرسوا ما قام به هذا الرجل في العراق وفي المنطقة كلها.

ولذلك فنحن مع المقاومة الوطنية الشريفة التي انطلقت لمواجهة الاحتلال على الصعيدين السياسي والعسكري، انطلاقاً من القاعدة الإسلامية التي ترفض الاحتلال كمبدأ، لأن الله يريد العزة لنفسه وللمؤمنين.

وهكذا ينطلق المخلصون للإسلام وأهله، وللعراق ومواطنيه، ليرفضوا الفتنة المذهبية التي يتحرك فيها الاحتلال وحليفته إسرائيل في إثارة غرائز الناس ضد أخوانهم في الدين وفي الوطن، ما يؤدّي إلى تحريكهم في خط استحلال دماء المسلمين بذهنية تكفيرية سوداء متخلّفة، تجعل الإجهاز على المدنيين من المسلمين العراقيين أولوية، بدل أن يقوموا بالإجهاز على المحتل، حتى إن الضحايا من المدنيين الأبرياء بلغت مئات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ والعمّال والفلاحين وعلماء الدين، وخلقت أساساً للفتنة المذهبية التي يُراد لها أن تمهّد الطريق للحرب الأهلية.

إننا نعتقد أن الأمريكيين هم سرّ كل هذه الفوضى الأمنية، وكل هذا النهب والقصور في الخدمات الحيوية للناس، لأنهم يخطّطون للبقاء طويلاً في العراق، خدمةً لمصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، ويواصلون تحرّكهم الهادف إلى إذكاء نيران الفتنة الإسلامية بين السنة والشيعة التي يسعون لإنتاجها في المنطقة الإسلامية من خلال أجهزتهم المباشرة وغير المباشرة، وذلك من خلال الحديث عن فريقين في الواقع العربي، أحدهما معتدل والآخر متطرف، وصولاً إلى تأليب الواقع العربي ضد سوريا والجمهورية الإسلامية الإيرانية والمقاومة الإسلامية في لبنان، وذلك بتخويف الأنظمة العربية من إيران بدلاً من إسرائيل التي يُراد إيجاد علاقة صداقة معها على حساب الشعب الفلسطيني.

إدارة أمريكية عمياء في حربها ضد الإسلام

إننا نخشى من أن تكون زيادة عدد الجنود الأمريكيين في العراق، وإرسال حاملات الطائرات إلى الخليج، وإيجاد حالة التوتر لدى الدول الخليجية تحت شعار الخطر النووي الذي يمثله المشروع النووي السلمي لإيران... إننا نخشى أن يكون ذلك كله حركةً في اتجاه العدوان على إيران، ما قد يؤدي إلى حريق هائل في المنطقة كلها، لأن الرئيس الأمريكي تحوّل إلى إنسان هستيري يبحث عن أي حرب ينتصر فيها لينتصر من خلاله المحافظون الجدد واللوبي الصهيوني في أمريكا، ومن المؤسف أن الاتحاد الأوروبي بات يمثّل الفريق الخاضع لأمريكا في سياستها العدوانية في المنطقة.

إننا ندعو العالم الإسلامي إلى الوعي المنفتح على الأخطار التي تمثّلها الإدارة الأمريكية على شعوبه، للوقوف ضد هذا الرئيس الذي تحوّل إلى ثور هائج أمام اللون الأحمر، وهذه الإدارة العمياء التي لا تخطط إلا للحرب على الإسلام والمسلمين من خلال الغرب الذي أعلن في مؤتمر الحلف الأطلسي، أن العدو الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي هو الإسلام.

الاستفادة من الواقع المؤلم

ونقول للقائمين على الأنظمة العربية والإسلامية، إن عليها أن تكون مع شعوبها في مصالحها الحيوية وقضاياها المصيرية، وأن لا تخضع للّعبة الأمريكية ـ الإسرائيلية، التي تعمل على مصادرة الأمن والثروة والسياسة للأمة كلها، لأنهم إذا خضعوا لهذه اللعبة، فسوف تنظر إليهم الشعوب كما تنظر إلى الطغاة الذين لا يحترمون مواطنيهم، بل ينفذون إرادة الأجنبي في محاصرتهم وتعطيل مبادراتهم وإسقاط أوضاعهم وتبديد ثرواتهم لحساب الشركات الاحتكارية.

إن التاريخ سوف لن يرحم كل الذين لا يحترمون المستضعفين في الأمانة التي يتحملون مسؤولياتها، بل سوف ترجمهم كل قوى الحرية، كما حدث للسابقين من أمثالهم من الطغاة.

إننا نتوجّه إلى العراقيين بأن يأخذوا الدرس من التجربة المأساوية التي يتخبط فيها وطنهم الذي يشهد اجتياح المواطنين وتحريك الفتنة والتمهيد لحرب أهلية، ذلك أنّه لا مستقبل لأهله في ظلّ هذا التمزّق في الواقع السياسي بعيداً عن أية وحدة تلتقي على أساس المصالحة والحوار العقلاني الذي يصل بالجميع إلى شاطىء الأمان.

ومن جانب آخر، فإننا نتوجّه إلى القائمين على الشؤون الفلسطينية، بأن يعوا الواقع السياسي والأمني الذي يحيط بهم، وأن يلتفتوا إلى الخداع الصهيوني في الوعود التي قدّمها رئيس حكومة العدو إلى رئيس السلطة، وعليهم أن يعرفوا كيف يلتقون على الوحدة الوطنية على صعيد الواقع والحكومة والمقاومة، لأنه لا سبيل للوصول إلى التحرير إلا بالوحدة في الموقف كله.

ونلتفت إلى المستضعفين في الصومال الذين يتلاعب الغرب بواقعهم ومستقبلهم من أجل أن يخضعوا للعبة الأمريكية التي كلّفت بعض الدول الخاضعة لها القيام بتنفيذ خطتها ثأراً من الهزيمة الماضية التي وقعت فيها... إننا نهيب بهم أن يستفيدوا من كل التجارب الماضية التي حوّلت الصومال إلى فرق متناثرة بفعل لعبة الأمم في بلاد الشعوب المستضعفة.

لبنان: الوفاق بحكومة وحدة وطنية

أما في لبنان، فإن أوّل خطوة في إيجاد حالٍ من الاستقرار السياسي والوطني، هي المواجهة لكل الدعوات التي تعمد إلى إثارة العصبية الغرائزية التي تستغل الحماس الديني المذهبي من أجل تخويف السني بالشيعي، وتخويف الشيعي بالسنّي، وتحضير الأجواء لما قد يخطط له بعض الخاضعين للخطة الأمريكية في المنطقة من حرب أهلية لا نريد للواقع الإسلامي أن يقع في وحولها...

إن الوحدة الإسلامية هي الخيار الوحيد للمسلمين، الذين ندعو علماءهم وسياسيّيهم ومثقفيهم ورجال المجتمع عندهم، إلى الارتفاع إلى مستوى القوة التي أراد الله لنا أن نحصل عليها، وإلى موقع العزّة التي أراد الله لنا أن نأخذ بها، وإلى أن لتكون الوحدة الإسلامية الواعية المنفتحة على الوطن كله هي السبيل للوحدة الوطنية بين اللبنانيين جميعاً.

ونقول للجميع: إن ما يختلف حوله المعارضون والموالون، لا يمثّل تعقيداً كبيراً في حلّ مسألة الشرعية في الحكومة أو في تحريك قضية المحكمة ذات الطابع الدولي، الأمر الذي يفرض إعطاء الفرصة للمبادرة العربية التي تمثّل جسر الحوار في الواقع السياسي، ونحذِّر الذين يحاولون إثارة الحساسيات والعصبيات التي تعطّل أي وفاق وتسقط أي مبادرة، لأن المطلوب هو كيف نردم الهوّة بين الأفرقاء، لا كيف نصنع هوّةً جديدةً.

وعلى الجميع أن يعرفوا أن أية خطة إصلاحية، وأيّ مبادرة خارجية لمساعدة لبنان، لن تنجح إذا لم يتحقق الوفاق في حكومة وحدة وطنية تكون هي الساحة للحوار، الأمر الذي يؤدي إلى أن يلتقي القائمون على الواقع السياسي في داخل المؤسسات، بدلاً من مؤتمر حواري أو تشاوري، لم يستطع أن يحقق النتائج الإيجابية للوطن كله. إنّ حل مشكلة لبنان يكمن في الواقعية السياسية التي لا تبتعد عن الثوابت الوطنية، فهل نصل إلى شاطىء الأمان؟!

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير