لنعمل على تحرير الإنسان والأرض في الحاضر والمستقبل

لنعمل على تحرير الإنسان والأرض في الحاضر والمستقبل

في رحاب شهر الرحمة والمغفرة والفتح:
لنعمل على تحرير الإنسان والأرض في الحاضر والمستقبل


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

فتح مكة ودخول الدين أفواجاً:

يقول الله تعالى وهو يعطي الوعد لرسوله(ص) وللمسلمين من حوله في الدخول إلى مكة وفتحها، والذي حدث في العشر الأواخر من شهر رمضان: {إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً* فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً}. تشير هذه السورة إلى أن فتح مكَّة ونصر الله للمسلمين فيها يمثّل المرحلة التي تكسر كلَّ الحواجز التي كانت تمنع الناس في شبه الجزيرة العربية آنذاك من الدخول في الإسلام، لأن مكة كانت عاصمة القوّة السياسية والدينية والتجارية في المنطقة كلها، وكانت قريش تمثِّل القوَّة التي يحتاجها الناس جميعاً، ولا يمكنهم الاستغناء عنها، لذلك كان الناس يخشون من اتّباع رسول الله(ص) والدخول في الإسلام، خوفاً من الضغوط القرشية عليها، بما يتصل بمصالحهم وأوضاعهم.

ولذلك، فإنَّ الله تعالى أكَّد هذا المعنى، وهو أنّ فتح مكَّة وكسر شوكة قريش فيها، يجعل الناس يندفعون إلى رسول الله(ص) ليعلنوا إسلامهم بين يديه. وهكذا كان، فقد بدأت وفود العرب تتقاطر إلى المدينة لتدخل في دين الله أفواجاً، وفي آية أخرى يقول تعالى: {لتدخلنّ المسجد إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين لا تخافون}.

وقد شكَّل صلح الحديبية المقدمة التي أراد رسول الله(ص) من خلالها أن يؤكد الهدنة مع قريش ليستعدّ للتحضير لفتح مكة، فقد بدأ رسول الله(ص) يخطِّط لذلك بسرّية تامّة، وحدث أن بعض صحابته(ص) كتب كتاباً إلى بعض أهله في مكة يخبرهم فيه باستعداد رسول الله(ص) للهجوم على مكة بجيش قوي لا يملكون مواجهته، وأوحى الله تعالى إلى رسوله بذلك، بأن رجلاً اسمه "حاطب بن بلتعة" قد أعطى امرأة هذا الكتاب وأمرها أن تخفيه في شعرها ولا تطلع عليه أحداً، فأرسل(ص) عليّاً(ع) ومعه الزبير ليأخذا منها الكتاب، وتحدث معها الزبير أوَّلاً، وقامت تحلف بالله أنّه ليس معها كتاب، واستسلم الزبير لذلك، ولكن عليّاً(ع) الذي كان يحمل المسؤولية من خلال رسول الله قال لها: «إنّي أحلف بالله ما كذب رسول الله(ص) ولا كذبنا، ولتخرجنّ إليَّ هذا الكتاب، أو لنكشفنّك» ـ فالقضية هي أنَّ رسول الله(ص) أخبر عليّاً بذلك، وأن الله تعالى أخبر الرسول(ص)، فلا معنى بعد ذلك لحلفها ـ فأخرجت الكتاب، وجاء به إلى رسول الله الذي سأل المسلمين عمّن أرسله، فقام الرجل وقال: «يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيّرت ولا بدّلت، ولكنّي كنت امرءاً في القوم ليس لي أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم عليه»، وقام بعض الصحابة ليقتله، فقال له النبي(ص): « وما يدريك، لعل الله اطّلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، وعفا عنه رسول الله(ص).

ونأخذ من هذه القصة فكرة، أنه لا يجوز لأيّ إنسان، تحت تأثير أية حالة شخصية، أن يقوم بأي عمل مخابراتي أمني للأعداء من أجل مصلحة شخصية، بحيث يخذل القضايا الكبرى لحساب قضيته الخاصة، ولا سيّما إذا كانت هذه القضية الكبرى تتصل بأمن الإسلام والمسلمين.

الفتح السلمي:

وكان مفتاح مسألة فتح مكة، أن قريشاً نقضت العهد بينها وبين رسول الله(ص)، فبدأ النبي(ص) يعبّئ الجنود من أجل الهجوم على مكة، وقد جمع عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار والقبائل العربية التي دخلت في الإسلام، وانطلق الجيش إلى مكّة، ولم يكن النبي(ص) يريد حرباً فيها، بل كان يريد لها أن تبقى على ما أرادها الله تعالى حرماً آمناً يأمن فيه كلُّ الناس، ولذلك عمل على إيجاد خطة تمنع الحرب ليدخلها مسالماً، وهذا ما نجده في حركته عندما أعطى الراية لأحد الأنصار، وهو "سعد بن عبادة الأنصاري " الذي بدأ يرتجز ويقول:

اليوم يوم الملحمة         اليوم تسبى الحرمة

وعندما أُخبر الرسول(ص) بذلك، أعطى الراية إلى علي(ع)، فأخذها(ع) وهو يقول:

اليوم يوم المرحمة         اليوم تحفظ الحرمة

ليبيّن أنهم لن يدخلوا مكة في حالة حرب وعدوان، ولكن في حالة رحمة تفتح عقول الناس وقلوبهم على التوحيد، وتكسر كل أصنام الشرك. وجاءه أبو سفيان مرة ثانية ليطلب منه الامتناع عن ذلك، ولكنه(ص) لم يستجب له، وتوسّط له العباس ـ عمّ النبي ـ ويُقال إنه تشهّد وأراد من النبي(ص) شيئاً يُظهر موقعه باعتبار كونه زعيم قريش، فقال له النبي(ص): «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن».

وهكذا، دخل رسول الله(ص) مكة فاتحاً، واتجه إلى الكعبة، وبدأ يكسر الأصنام من حولها، ويقال إنه رفع عليّاً(ع) على كتفيه ليكسر الأصنام الموجودة في أعلى الكعبة، وطلب(ص) من المسلمين ومن أهل مكة أن يكسر كل واحد صنمه في بيته أو حوله، وهو يقول: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً»، وبدأ النبي(ص) أول خطبة له، ليؤكد أن مكة التي بناها إبراهيم(ع) على أساس التوحيد؛ توحيد الله في الألوهية والعبادة والطاعة، عادت إلى التوحيد بعد أن سيطر عليها المشركون عشرات السنين، ولذلك بدأ خطبته بقوله(ص): «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم قال: «يا أهل قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنّكم من آدم، وآدم من طين»، فليس هناك إنسانٌ من ذهب وإنسان من فضة لتتفاضلوا على أساس النسب، والله تعالى يقول: {إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم}، فهذا التنوّع ليس للتفاضل، وإنما هو للتعارف وتبادل الخبرات، حتى تستفيد قبيلة من قبيلة، وشعب من شعب. «يا معشر قريش، ويا أهل مكة، ما ترون أني فاعل بكم»؟ ـ لقد طردتموني من مكة وشغلتموني بحروبكم عن القيام بالدعوة إلى الله ونشر رسالته، ووضعتم الحواجز بين العرب وبين الإسلام بما تملكون من قوَّة، ولقد قتلتم الكثير من أصحابي، وقمتم بكثير من الضغوط العسكرية والاقتصادية طيلة هذه الفترة، وها أنتم بين يدي الآن ولا تملكون أية قوة ـ قالوا: أخ كريم وأبن أخ كريم ـ لأننا عرفناك بالخلق العظيم، وعرفنا أنك لا تحقد ولا تعادي وأنك الرسول الكريم الذي يأمر بالعفو ويتعامل مع الناس بالقيم الروحية والرحمة المنفتحة على كل خير ـ فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء». لقد أطلقتكم من كلِّ هذا الأسر، لأنني لم آتكم فاتحاً، ولكني أتيتكم رسولاً ونبيّاً ومبشّراً، ليست قضيتي أن أقتل الناس، بل أن أهديهم إلى الحق في كلِّ مجالات الحق هنا وهناك.

وانطلق رسول الله(ص) ليؤكد هذه الرحمة الواسعة التي تميّز بها، وهو يريدنا أن نقتدي به في ذلك، عندما نندفع في واقعنا الاجتماعي ويتغلب بعضنا على بعضنا الآخر، فلا يحمل الحقد في نفسه، بل يحمل الرحمة. ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وكان رسول الله(ص) يعمل ليكون في الناس كأحدهم، ولا يكبر عند نفسه ليتكبّر على الناس ـ وإن كان كبيراً في نفسه ـ. يقال جاءه رجل، فأخذته الرعدة عندما رآه، فقال له(ص): «هوّن عليك، فإني لست بملك ـ لترتعد كما يرتعد الناس عندما يقفون أمام الملوك ـ إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد»، وقال(ص): «إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار ثم رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلّغ شاهدكم غائبكم، ولا يحلّ لنا من غنائمها شيء».

وهكذا نعرف أن الإسلام يعمل في حربه على أساس تحرير الإنسان والأرض والحاضر والمستقبل، ونعرف أن النبي(ص) فتح الفتح الأول في شهر رمضان في معركة بدر، وفتح الفتح الأخير في شهر رمضان في فتح مكة، ويبقى لنا أن نستوحي من رسول الله(ص) كيف يمكن لنا أن نفتح القدس وكل أرض استعبدها المستكبرون بكل ما نملك من قوَّة ووحدة، لأن الله تعالى يحمّلنا مسؤولية تحرير الأرض والإنسان: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الموقف في تطوّراته وتحدياته وكل ضغوطه، التي ينطلق بها أعداء الله وأعداء الإنسانية من أجل أن يسقطوا مواقعنا، ويعبثوا بكل أوضاعنا، لأن الله تعالى أراد العزة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين، من أجل أن يكون المؤمن عزيزاً بربه وبإسلامه وبنفسه، فهذا ما أراده الله لك. أن تكون حراً من خلال ما تحشده من عناصر القوة في نفسك، وقد عشنا هذا الأسبوع الكثير من التطوّرات المحلية والإقليمية والدولية، وعلينا أن نواجه ذلك كله:

بوش في الولاية الجديدة: العالم أكثر خطراً

وأخيراً، نجح "بوش" في ولاية رئاسية ثانية في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ولاية اجتاحت العالم العربي والإسلامي في حرب عسكرية بلغ ضحاياها في العراق وأفغانستان أكثر من مائتي ألف ضحية من البلدين، إلى جانب سقوط الآلاف من الفلسطينيين بفعل الدعم المطلق من قِبَل إدارة هذا الرئيس لإسرائيل...

هذا إضافةً إلى الحروب الاستباقية في أكثر من بلد عربي أو إسلامي، تحت شعار "الحرب ضد الإرهاب"، ما خلق في العالم أكثر من ردَّة فعل اختلطت فيها حركة العنف بالمفاهيم الدينية والسياسية والمذهبية والعرقية على مستوى الفوضى المتنوّعة، ما جعل الخوف الأمني والسياسي يسيطر على العالم، ويؤدّي إلى الاهتزاز حتى في أمريكا، التي عمل هذا الرئيس فيها على الاستفادة من عنصر الخوف الذي أثاره في نفوس الأمريكيين، ليصبح في نظرهم القائد الذي ينقذهم من ذلك...

لقد أصبح العالم الآن أكثر خطراً وأقلّ أمناً، من خلال نظريته في الحرب الاستباقية التي تقدّمه حاملاً للسلاح المدمِّر ضد أيّ بلد يعارض سياسته، ويتحدّى مصالحه... إن هذا الرئيس يتحدث ـ مع إدارته من المحافظين الجدد الذين يحملون لافتة المسيحية ـ على أساس أنه يحمل رسالة السماء إلى الأرض، ويحاول أن يلبس لبوس الدين في الهجمة على شعوب العالم الثالث، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية...

الأنظمة العربية وتنفيذ التعليمات:

إن البعض من المحلّلين يتحدثون عن أن "من الممكن أن يتغيّر هذا الرجل أو هذه الإدارة في الولاية الثانية"، كما في المسألة الفلسطينية أو العراقية، ولكننا نتصوّر أن خلفيّة هؤلاء هي العداء للعالم العربي والإسلامي في ذهنية الاحتقار لشعوبهما... أما الأنظمة التي تسيطر على واقعنا، فإنها تخضع للخطة الأمريكية لتصادر كل سياسة الأمة وأمنها واقتصادها وثقافتها بما ينسجم مع مصالح هذه الإدارة، لأن القضية عند هؤلاء هي أن ينفّذوا التعليمات للبقاء في مناصبهم التي تتحرك للضغط على شعوبهم، في لعبة ديمقراطية في الشكل، ولكنها تخفي كل ملامح الدكتاتورية في المضمون، بما تصفّق له أمريكا...

إنّنا لا نأمل خيراً من هذه الإدارة في الولاية الجديدة، بل إننا ننتظر المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية والحروب العسكرية في المنطقة، ولا سيّما أنّ الاتحاد الأوروبي وقع تحت الضغط الأمريكي انطلاقاً من التعقيدات في العلاقات الأمريكية ـ الأوروبية، وهذا ما نلاحظه في الضغط على إيران وسوريا ولبنان...

لماذا لا نصنع حركة المواجهة؟!

إننا نعرف أنّ العالم كله لا يتحرك من خلال القيم الإنسانية والمبادئ الحضارية، بل من خلال المصالح الاقتصادية والاستراتيجيات السياسية والأمنية، ولكن السؤال هو: لماذا لا تنطلق أمتنا من جديد في حماية مصالحها، وتعزيز قضاياها، من خلال عملية صنع القوة في الوقوف مع قوى المقاومة والانتفاضة التي تعمل من أجل التحرير السياسي والعسكري والأمني؟ ولماذا نبقى نجترّ عملية الضعف في سبيل إبقاء حالة الاستضعاف أمام الاستكبار؟ إنهم يقتلوننا بالجملة، فلماذا لا نحاول أن نصنع حركة المواجهة في ساحة القتال، من أجل إسقاط الاحتلال بما نملكه من القوّة عندنا في مقابل نقاط الضعف عندهم؟ إنهم يخططون ويمكرون، وعلينا أن نخطط ونعرف كيف نؤكّد المكر من أجل الانتصار.

الشعب الفلسطيني قادر على صنع القيادات:

أما فلسطين، فإنَّ الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية لا تزال تمارس عملية الإبادة في الواقع الفلسطيني للشجر والحجر والبشر، إضافةً إلى حركة الاعتقال، ولكن رجال الانتفاضة المجاهدين يستمرون في خطِّ المواجهة من أجل قهر العدوّ في أكثر من موقع، في عملياتهم الاستشهادية والعسكرية ضده، ليؤكدوا لـه أنّ أيّ جدار عازل لا يمنع المجاهدين من اختراق مواقعه.

ومن اللافت أن أكثر الدول العربية تقف على الحياد بين الشعب الفلسطيني والعدوّ، بل إن البعض يتآمر لمصلحة إسرائيل ضد الفلسطينيين، ويعمل على أكثر من تطبيع دبلوماسي أو اقتصادي. ويبقى الشعب الفلسطيني في صموده في الساحة، ويسقط المتخاذلون والمخذّلون والانهزاميون.

وفي هذا الجوّ، فإنّنا نريد للشعب الفلسطيني الذي يوحي له الكثيرون أن ما يمكن أن يحصل من فراغ في حركة القيادة قد يؤدي إلى تطوّرات خطيرة على قضيته وصموده.

إننا نريد لهذا الشعب ـ بكلِّ فصائله وشرائحه ـ وقد عهدناه صامداً صابراً أمام كلَّ المحن والضغوط، أن يعمل للوحدة الداخلية لتكون نصب عينيه، تماماً كما يعمل لمواصلة حركته الجهادية ضد العدوّ، وأن يسعى لإسقاط خطط العدوّ ومحاولات الاستفادة من هذه المسألة، ليؤكِّد أنّ الشعب الذي صنع قيادة في حركة القضية، يستطيع أن يصنع أكثر من قيادة في خطِّ حماية القضية وصون مستقبلها، وليؤكَّد أيضاً أنَّ وحدته الداخلية هي خط أحمر لا يمكن لأية جهة اختراقه، وأنه القادر على مواجهة كل هذه الضغوط وكل المحن مهما كانت شديدة وصعبة.

العراق: مزيد من الوعي والوحدة

أما العراق، فلا يزال يعيش في قلب الدوّامة الدموية، في سقوط الضحايا والشهداء من العراقيين، بفعل الفوضى الأمنية التي تجتاح البلد كله، تحت عناوين مختلفة قد يلبس بعضها لبوس الإسلام وهو براء منها، وخصوصاً عمليات الخطف للعاملين في الجمعيات الإنسانية...

إننا ندعو العراقيين الشرفاء إلى مواجهة المرحلة الصعبة بالمزيد من الوعي والوحدة، ولا سيّما أن البعض بدأ الحديث عن تقسيم العراق إلى دويلات مذهبية وعرقية، والتخطيط لحرب أهلية داخلية ربما يعمل لها الموساد الذي لا يريد عراقاً قوياً موحّداً حرّاً، فيدفع ببعض ضعاف النفوس أو المتخلّفين إسلامياً إلى القيام بأعمال الاغتيال المذهبي تحت شعارات تكفيرية، ما يؤدي إلى إثارة الحقد الوحشي في النفوس، وتحويل الواقع الشعبي إلى حالة من الفوضى النفسية والأمنية. إننا نحذّر الجميع ونقول إنّ عليهم أن يكونوا عيوناً ساهرة ترصد كل خفافيش الظلام.

التحديق بلبنان المأساة والأزمة:

أما لبنان، فإنه لا يزال غارقاً في الجدل السياسي الذي يتحرك في مقابل تسجيل النقاط هنا وهناك بدلاً من تجميعها، كما يعمل على أساس إثارة السلبيات بالمطلق بدلاً من الإيجابيات، وبالصوت العالي الذي يصنع العقدة، ويخطِّط للحقد، ويثير الهواجس والوساوس، ويفتح الواقع على أساس توزير هذه المنطقة أو تلك، تماماً كما لو كانت المسألة في الحكومات أن تأخذ كل منطقة حصتها وتمثيلها، ما يجعل البرنامج الوزاري هو المحاصصة في المناطق على غرار المحاصصة في الزعامات والرئاسات. أما الكفاءة، أما الاختصاص، أما نظافة الكفّ، أما الإخلاص للشعب والوطن، فإنها لم تدخل حتى الآن في حسابات الموزّرين.

ويبقى الحديث عن الهدر والفساد، والضغط على القضاء، والبعد عن التخطيط وعن الحريات، ولكن لم نسمع حديثاً عن الآلية، ما يجعلنا نستعيد برامج المطلق لا الواقع.

إن البعض يتحدث عن رفض علاقته بالخارج في مقابل الاتهام بذلك، ولكن لماذا لا يلتقي الجميع في المعارضة والموالاة على مواجهة التصريحات الأمريكية التصعيدية حول خصوصيات تشكيل الحكومة وجزئياتها!!

أيها السياسيون: حدّقوا في لبنان المأساة، الأزمة، المشكلة، واحسبوا حساب الشعب قبل حسابات مواقعكم السياسية، وفكّروا في الموسم الانتخابي القادم، ماذا لو اكتشف الشعب أصول اللعبة السياسية التي صنعت لـه أكثر من كارثة معيشية، وأكثر من أزمة اقتصادية؟!!.

في رحاب شهر الرحمة والمغفرة والفتح:
لنعمل على تحرير الإنسان والأرض في الحاضر والمستقبل


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

فتح مكة ودخول الدين أفواجاً:

يقول الله تعالى وهو يعطي الوعد لرسوله(ص) وللمسلمين من حوله في الدخول إلى مكة وفتحها، والذي حدث في العشر الأواخر من شهر رمضان: {إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً* فسبّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً}. تشير هذه السورة إلى أن فتح مكَّة ونصر الله للمسلمين فيها يمثّل المرحلة التي تكسر كلَّ الحواجز التي كانت تمنع الناس في شبه الجزيرة العربية آنذاك من الدخول في الإسلام، لأن مكة كانت عاصمة القوّة السياسية والدينية والتجارية في المنطقة كلها، وكانت قريش تمثِّل القوَّة التي يحتاجها الناس جميعاً، ولا يمكنهم الاستغناء عنها، لذلك كان الناس يخشون من اتّباع رسول الله(ص) والدخول في الإسلام، خوفاً من الضغوط القرشية عليها، بما يتصل بمصالحهم وأوضاعهم.

ولذلك، فإنَّ الله تعالى أكَّد هذا المعنى، وهو أنّ فتح مكَّة وكسر شوكة قريش فيها، يجعل الناس يندفعون إلى رسول الله(ص) ليعلنوا إسلامهم بين يديه. وهكذا كان، فقد بدأت وفود العرب تتقاطر إلى المدينة لتدخل في دين الله أفواجاً، وفي آية أخرى يقول تعالى: {لتدخلنّ المسجد إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم ومقصّرين لا تخافون}.

وقد شكَّل صلح الحديبية المقدمة التي أراد رسول الله(ص) من خلالها أن يؤكد الهدنة مع قريش ليستعدّ للتحضير لفتح مكة، فقد بدأ رسول الله(ص) يخطِّط لذلك بسرّية تامّة، وحدث أن بعض صحابته(ص) كتب كتاباً إلى بعض أهله في مكة يخبرهم فيه باستعداد رسول الله(ص) للهجوم على مكة بجيش قوي لا يملكون مواجهته، وأوحى الله تعالى إلى رسوله بذلك، بأن رجلاً اسمه "حاطب بن بلتعة" قد أعطى امرأة هذا الكتاب وأمرها أن تخفيه في شعرها ولا تطلع عليه أحداً، فأرسل(ص) عليّاً(ع) ومعه الزبير ليأخذا منها الكتاب، وتحدث معها الزبير أوَّلاً، وقامت تحلف بالله أنّه ليس معها كتاب، واستسلم الزبير لذلك، ولكن عليّاً(ع) الذي كان يحمل المسؤولية من خلال رسول الله قال لها: «إنّي أحلف بالله ما كذب رسول الله(ص) ولا كذبنا، ولتخرجنّ إليَّ هذا الكتاب، أو لنكشفنّك» ـ فالقضية هي أنَّ رسول الله(ص) أخبر عليّاً بذلك، وأن الله تعالى أخبر الرسول(ص)، فلا معنى بعد ذلك لحلفها ـ فأخرجت الكتاب، وجاء به إلى رسول الله الذي سأل المسلمين عمّن أرسله، فقام الرجل وقال: «يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله، ما غيّرت ولا بدّلت، ولكنّي كنت امرءاً في القوم ليس لي أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم أهل وولد، فصانعتهم عليه»، وقام بعض الصحابة ليقتله، فقال له النبي(ص): « وما يدريك، لعل الله اطّلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، وعفا عنه رسول الله(ص).

ونأخذ من هذه القصة فكرة، أنه لا يجوز لأيّ إنسان، تحت تأثير أية حالة شخصية، أن يقوم بأي عمل مخابراتي أمني للأعداء من أجل مصلحة شخصية، بحيث يخذل القضايا الكبرى لحساب قضيته الخاصة، ولا سيّما إذا كانت هذه القضية الكبرى تتصل بأمن الإسلام والمسلمين.

الفتح السلمي:

وكان مفتاح مسألة فتح مكة، أن قريشاً نقضت العهد بينها وبين رسول الله(ص)، فبدأ النبي(ص) يعبّئ الجنود من أجل الهجوم على مكة، وقد جمع عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار والقبائل العربية التي دخلت في الإسلام، وانطلق الجيش إلى مكّة، ولم يكن النبي(ص) يريد حرباً فيها، بل كان يريد لها أن تبقى على ما أرادها الله تعالى حرماً آمناً يأمن فيه كلُّ الناس، ولذلك عمل على إيجاد خطة تمنع الحرب ليدخلها مسالماً، وهذا ما نجده في حركته عندما أعطى الراية لأحد الأنصار، وهو "سعد بن عبادة الأنصاري " الذي بدأ يرتجز ويقول:

اليوم يوم الملحمة         اليوم تسبى الحرمة

وعندما أُخبر الرسول(ص) بذلك، أعطى الراية إلى علي(ع)، فأخذها(ع) وهو يقول:

اليوم يوم المرحمة         اليوم تحفظ الحرمة

ليبيّن أنهم لن يدخلوا مكة في حالة حرب وعدوان، ولكن في حالة رحمة تفتح عقول الناس وقلوبهم على التوحيد، وتكسر كل أصنام الشرك. وجاءه أبو سفيان مرة ثانية ليطلب منه الامتناع عن ذلك، ولكنه(ص) لم يستجب له، وتوسّط له العباس ـ عمّ النبي ـ ويُقال إنه تشهّد وأراد من النبي(ص) شيئاً يُظهر موقعه باعتبار كونه زعيم قريش، فقال له النبي(ص): «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن».

وهكذا، دخل رسول الله(ص) مكة فاتحاً، واتجه إلى الكعبة، وبدأ يكسر الأصنام من حولها، ويقال إنه رفع عليّاً(ع) على كتفيه ليكسر الأصنام الموجودة في أعلى الكعبة، وطلب(ص) من المسلمين ومن أهل مكة أن يكسر كل واحد صنمه في بيته أو حوله، وهو يقول: «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً»، وبدأ النبي(ص) أول خطبة له، ليؤكد أن مكة التي بناها إبراهيم(ع) على أساس التوحيد؛ توحيد الله في الألوهية والعبادة والطاعة، عادت إلى التوحيد بعد أن سيطر عليها المشركون عشرات السنين، ولذلك بدأ خطبته بقوله(ص): «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»، ثم قال: «يا أهل قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنّكم من آدم، وآدم من طين»، فليس هناك إنسانٌ من ذهب وإنسان من فضة لتتفاضلوا على أساس النسب، والله تعالى يقول: {إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم}، فهذا التنوّع ليس للتفاضل، وإنما هو للتعارف وتبادل الخبرات، حتى تستفيد قبيلة من قبيلة، وشعب من شعب. «يا معشر قريش، ويا أهل مكة، ما ترون أني فاعل بكم»؟ ـ لقد طردتموني من مكة وشغلتموني بحروبكم عن القيام بالدعوة إلى الله ونشر رسالته، ووضعتم الحواجز بين العرب وبين الإسلام بما تملكون من قوَّة، ولقد قتلتم الكثير من أصحابي، وقمتم بكثير من الضغوط العسكرية والاقتصادية طيلة هذه الفترة، وها أنتم بين يدي الآن ولا تملكون أية قوة ـ قالوا: أخ كريم وأبن أخ كريم ـ لأننا عرفناك بالخلق العظيم، وعرفنا أنك لا تحقد ولا تعادي وأنك الرسول الكريم الذي يأمر بالعفو ويتعامل مع الناس بالقيم الروحية والرحمة المنفتحة على كل خير ـ فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء». لقد أطلقتكم من كلِّ هذا الأسر، لأنني لم آتكم فاتحاً، ولكني أتيتكم رسولاً ونبيّاً ومبشّراً، ليست قضيتي أن أقتل الناس، بل أن أهديهم إلى الحق في كلِّ مجالات الحق هنا وهناك.

وانطلق رسول الله(ص) ليؤكد هذه الرحمة الواسعة التي تميّز بها، وهو يريدنا أن نقتدي به في ذلك، عندما نندفع في واقعنا الاجتماعي ويتغلب بعضنا على بعضنا الآخر، فلا يحمل الحقد في نفسه، بل يحمل الرحمة. ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وكان رسول الله(ص) يعمل ليكون في الناس كأحدهم، ولا يكبر عند نفسه ليتكبّر على الناس ـ وإن كان كبيراً في نفسه ـ. يقال جاءه رجل، فأخذته الرعدة عندما رآه، فقال له(ص): «هوّن عليك، فإني لست بملك ـ لترتعد كما يرتعد الناس عندما يقفون أمام الملوك ـ إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد»، وقال(ص): «إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار ثم رجعت كحرمتها بالأمس، فليبلّغ شاهدكم غائبكم، ولا يحلّ لنا من غنائمها شيء».

وهكذا نعرف أن الإسلام يعمل في حربه على أساس تحرير الإنسان والأرض والحاضر والمستقبل، ونعرف أن النبي(ص) فتح الفتح الأول في شهر رمضان في معركة بدر، وفتح الفتح الأخير في شهر رمضان في فتح مكة، ويبقى لنا أن نستوحي من رسول الله(ص) كيف يمكن لنا أن نفتح القدس وكل أرض استعبدها المستكبرون بكل ما نملك من قوَّة ووحدة، لأن الله تعالى يحمّلنا مسؤولية تحرير الأرض والإنسان: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوّكم}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الموقف في تطوّراته وتحدياته وكل ضغوطه، التي ينطلق بها أعداء الله وأعداء الإنسانية من أجل أن يسقطوا مواقعنا، ويعبثوا بكل أوضاعنا، لأن الله تعالى أراد العزة لنفسه ولرسوله وللمؤمنين، من أجل أن يكون المؤمن عزيزاً بربه وبإسلامه وبنفسه، فهذا ما أراده الله لك. أن تكون حراً من خلال ما تحشده من عناصر القوة في نفسك، وقد عشنا هذا الأسبوع الكثير من التطوّرات المحلية والإقليمية والدولية، وعلينا أن نواجه ذلك كله:

بوش في الولاية الجديدة: العالم أكثر خطراً

وأخيراً، نجح "بوش" في ولاية رئاسية ثانية في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ولاية اجتاحت العالم العربي والإسلامي في حرب عسكرية بلغ ضحاياها في العراق وأفغانستان أكثر من مائتي ألف ضحية من البلدين، إلى جانب سقوط الآلاف من الفلسطينيين بفعل الدعم المطلق من قِبَل إدارة هذا الرئيس لإسرائيل...

هذا إضافةً إلى الحروب الاستباقية في أكثر من بلد عربي أو إسلامي، تحت شعار "الحرب ضد الإرهاب"، ما خلق في العالم أكثر من ردَّة فعل اختلطت فيها حركة العنف بالمفاهيم الدينية والسياسية والمذهبية والعرقية على مستوى الفوضى المتنوّعة، ما جعل الخوف الأمني والسياسي يسيطر على العالم، ويؤدّي إلى الاهتزاز حتى في أمريكا، التي عمل هذا الرئيس فيها على الاستفادة من عنصر الخوف الذي أثاره في نفوس الأمريكيين، ليصبح في نظرهم القائد الذي ينقذهم من ذلك...

لقد أصبح العالم الآن أكثر خطراً وأقلّ أمناً، من خلال نظريته في الحرب الاستباقية التي تقدّمه حاملاً للسلاح المدمِّر ضد أيّ بلد يعارض سياسته، ويتحدّى مصالحه... إن هذا الرئيس يتحدث ـ مع إدارته من المحافظين الجدد الذين يحملون لافتة المسيحية ـ على أساس أنه يحمل رسالة السماء إلى الأرض، ويحاول أن يلبس لبوس الدين في الهجمة على شعوب العالم الثالث، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية...

الأنظمة العربية وتنفيذ التعليمات:

إن البعض من المحلّلين يتحدثون عن أن "من الممكن أن يتغيّر هذا الرجل أو هذه الإدارة في الولاية الثانية"، كما في المسألة الفلسطينية أو العراقية، ولكننا نتصوّر أن خلفيّة هؤلاء هي العداء للعالم العربي والإسلامي في ذهنية الاحتقار لشعوبهما... أما الأنظمة التي تسيطر على واقعنا، فإنها تخضع للخطة الأمريكية لتصادر كل سياسة الأمة وأمنها واقتصادها وثقافتها بما ينسجم مع مصالح هذه الإدارة، لأن القضية عند هؤلاء هي أن ينفّذوا التعليمات للبقاء في مناصبهم التي تتحرك للضغط على شعوبهم، في لعبة ديمقراطية في الشكل، ولكنها تخفي كل ملامح الدكتاتورية في المضمون، بما تصفّق له أمريكا...

إنّنا لا نأمل خيراً من هذه الإدارة في الولاية الجديدة، بل إننا ننتظر المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية والحروب العسكرية في المنطقة، ولا سيّما أنّ الاتحاد الأوروبي وقع تحت الضغط الأمريكي انطلاقاً من التعقيدات في العلاقات الأمريكية ـ الأوروبية، وهذا ما نلاحظه في الضغط على إيران وسوريا ولبنان...

لماذا لا نصنع حركة المواجهة؟!

إننا نعرف أنّ العالم كله لا يتحرك من خلال القيم الإنسانية والمبادئ الحضارية، بل من خلال المصالح الاقتصادية والاستراتيجيات السياسية والأمنية، ولكن السؤال هو: لماذا لا تنطلق أمتنا من جديد في حماية مصالحها، وتعزيز قضاياها، من خلال عملية صنع القوة في الوقوف مع قوى المقاومة والانتفاضة التي تعمل من أجل التحرير السياسي والعسكري والأمني؟ ولماذا نبقى نجترّ عملية الضعف في سبيل إبقاء حالة الاستضعاف أمام الاستكبار؟ إنهم يقتلوننا بالجملة، فلماذا لا نحاول أن نصنع حركة المواجهة في ساحة القتال، من أجل إسقاط الاحتلال بما نملكه من القوّة عندنا في مقابل نقاط الضعف عندهم؟ إنهم يخططون ويمكرون، وعلينا أن نخطط ونعرف كيف نؤكّد المكر من أجل الانتصار.

الشعب الفلسطيني قادر على صنع القيادات:

أما فلسطين، فإنَّ الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية لا تزال تمارس عملية الإبادة في الواقع الفلسطيني للشجر والحجر والبشر، إضافةً إلى حركة الاعتقال، ولكن رجال الانتفاضة المجاهدين يستمرون في خطِّ المواجهة من أجل قهر العدوّ في أكثر من موقع، في عملياتهم الاستشهادية والعسكرية ضده، ليؤكدوا لـه أنّ أيّ جدار عازل لا يمنع المجاهدين من اختراق مواقعه.

ومن اللافت أن أكثر الدول العربية تقف على الحياد بين الشعب الفلسطيني والعدوّ، بل إن البعض يتآمر لمصلحة إسرائيل ضد الفلسطينيين، ويعمل على أكثر من تطبيع دبلوماسي أو اقتصادي. ويبقى الشعب الفلسطيني في صموده في الساحة، ويسقط المتخاذلون والمخذّلون والانهزاميون.

وفي هذا الجوّ، فإنّنا نريد للشعب الفلسطيني الذي يوحي له الكثيرون أن ما يمكن أن يحصل من فراغ في حركة القيادة قد يؤدي إلى تطوّرات خطيرة على قضيته وصموده.

إننا نريد لهذا الشعب ـ بكلِّ فصائله وشرائحه ـ وقد عهدناه صامداً صابراً أمام كلَّ المحن والضغوط، أن يعمل للوحدة الداخلية لتكون نصب عينيه، تماماً كما يعمل لمواصلة حركته الجهادية ضد العدوّ، وأن يسعى لإسقاط خطط العدوّ ومحاولات الاستفادة من هذه المسألة، ليؤكِّد أنّ الشعب الذي صنع قيادة في حركة القضية، يستطيع أن يصنع أكثر من قيادة في خطِّ حماية القضية وصون مستقبلها، وليؤكَّد أيضاً أنَّ وحدته الداخلية هي خط أحمر لا يمكن لأية جهة اختراقه، وأنه القادر على مواجهة كل هذه الضغوط وكل المحن مهما كانت شديدة وصعبة.

العراق: مزيد من الوعي والوحدة

أما العراق، فلا يزال يعيش في قلب الدوّامة الدموية، في سقوط الضحايا والشهداء من العراقيين، بفعل الفوضى الأمنية التي تجتاح البلد كله، تحت عناوين مختلفة قد يلبس بعضها لبوس الإسلام وهو براء منها، وخصوصاً عمليات الخطف للعاملين في الجمعيات الإنسانية...

إننا ندعو العراقيين الشرفاء إلى مواجهة المرحلة الصعبة بالمزيد من الوعي والوحدة، ولا سيّما أن البعض بدأ الحديث عن تقسيم العراق إلى دويلات مذهبية وعرقية، والتخطيط لحرب أهلية داخلية ربما يعمل لها الموساد الذي لا يريد عراقاً قوياً موحّداً حرّاً، فيدفع ببعض ضعاف النفوس أو المتخلّفين إسلامياً إلى القيام بأعمال الاغتيال المذهبي تحت شعارات تكفيرية، ما يؤدي إلى إثارة الحقد الوحشي في النفوس، وتحويل الواقع الشعبي إلى حالة من الفوضى النفسية والأمنية. إننا نحذّر الجميع ونقول إنّ عليهم أن يكونوا عيوناً ساهرة ترصد كل خفافيش الظلام.

التحديق بلبنان المأساة والأزمة:

أما لبنان، فإنه لا يزال غارقاً في الجدل السياسي الذي يتحرك في مقابل تسجيل النقاط هنا وهناك بدلاً من تجميعها، كما يعمل على أساس إثارة السلبيات بالمطلق بدلاً من الإيجابيات، وبالصوت العالي الذي يصنع العقدة، ويخطِّط للحقد، ويثير الهواجس والوساوس، ويفتح الواقع على أساس توزير هذه المنطقة أو تلك، تماماً كما لو كانت المسألة في الحكومات أن تأخذ كل منطقة حصتها وتمثيلها، ما يجعل البرنامج الوزاري هو المحاصصة في المناطق على غرار المحاصصة في الزعامات والرئاسات. أما الكفاءة، أما الاختصاص، أما نظافة الكفّ، أما الإخلاص للشعب والوطن، فإنها لم تدخل حتى الآن في حسابات الموزّرين.

ويبقى الحديث عن الهدر والفساد، والضغط على القضاء، والبعد عن التخطيط وعن الحريات، ولكن لم نسمع حديثاً عن الآلية، ما يجعلنا نستعيد برامج المطلق لا الواقع.

إن البعض يتحدث عن رفض علاقته بالخارج في مقابل الاتهام بذلك، ولكن لماذا لا يلتقي الجميع في المعارضة والموالاة على مواجهة التصريحات الأمريكية التصعيدية حول خصوصيات تشكيل الحكومة وجزئياتها!!

أيها السياسيون: حدّقوا في لبنان المأساة، الأزمة، المشكلة، واحسبوا حساب الشعب قبل حسابات مواقعكم السياسية، وفكّروا في الموسم الانتخابي القادم، ماذا لو اكتشف الشعب أصول اللعبة السياسية التي صنعت لـه أكثر من كارثة معيشية، وأكثر من أزمة اقتصادية؟!!.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير