أحكام أداء العمل وتسليمه

أحكام أداء العمل وتسليمه

وفيه مسائل:

م ـ263: يجب على العامل أن يلتزم بمضمون العقد وبنوده التي تنص على كيفية أداء العمل ومدته وملابساته، فإذا خالفها ففقد العقد بها بعض أركانه بطلت الإجارة رأساً، وإلا  كان لصاحب العمل أن يفسخ العقد بمقتضى خيار تخلف الشرط الذي ذكرناه سابقاً، وهذا أمر أساس وقاعدة كلية تنطبق على كل عمل كان الشرط فيه هو الأصل الذي بني عليه الاتفاق وانطلق منه العمل.


م ـ264: إذا اشترط المستأجر على العامل مباشرة العمل بنفسه فأوكل العمل إلى غيره، بإجارة أو تبرع منه، بطلت الإجارة، ولم يستحق ذلك العامل شيئاً على ما أنجزه غيره له.


    وأما إذا لم يشترط عليه المباشرة، لا صريحاً ولا ضمناً، فإنه يجوز له إيكال العمل إلى غيره، متبرعاً كان ذلك الغير، أو عاملاً عنده ليساعده في أمثال ذلك، أو أجيراً له قد استأجره على هذا العمل الذي طلب منه واستؤجر عليه، وليس لصاحب العمل الاعتراض على ذلك؛ وبناءً عليه، فإن الأجير (الأول) يجوز أن يستأجر غيره بنفس الأجرة أو بالأكثر منها، ولا يجوز بالأقل منها إلا إذا كان الأول قد اشتغل فيه ولو شيئاً قليلاً، وحينئذ لا يجب جعل التفاوت بين ما أخذه الأول أجرة وبين ما دفعه للثاني موافقاً في مقداره لمقدار أجرة ما اشتغله الأول فيها، بل يجوز أن تكون الأجرة أقل بكثير من أجرة الأول لمجرد ذلك العمل القليل الذي عمله الأول؛ وفي مثل هذه الحالة، فإنه إذا كان لصاحب العمل عين في يد العامل، كقطعة القماش ليخيطها ثوباً، واستأجر العامل غيره للخياطة، لم يحتج إلى استئذان صاحب العمل في تسليم قطعة القماش للعامل الثاني.

م ـ265: إذا تصدى متبرع فأنجز ذلك العمل المطلوب من الأجير، بطلب منه أو بدونه، فإن كان قد قصد التبرع عن العامل وتفريغ ذمته منه، استحق العامل الأجرة رغم قيام الغير بالعمل عنه؛ وإن كان قد قصد التبرع عن غير العامل؛ كما في من استؤجر لقضاء العبادة عن الميت، فتبرع متبرع بالقضاء عن ذلك الميت إعزازاً له ووفاءً لذكراه، بطلت الإجارة ولم يستحق الأجير الأجرة المسماة له بعدما انتفى الموضوع الذي استؤجر لأجله، وهو الذي مرّ نظيره في المسألة: (259).


م ـ266: يجوز للعامل أن يؤجر نفسه لغير صاحب العمل قبل إنجاز ما استأجره عليه إذا لم يشترط عليه المباشرة، أو اشترط المباشرة ولم يحدد المدة، كأن يستأجره لخياطة ثوبه أو لفلاحة أرضه من دون اشتراط مباشرته لذلك، أو اشترطها ولكن لا في زمان خاص، فيصح أن يؤجر نفسه لغيره وتصح كلتا الإجارتين ويفي بهما؛ أما إذا كانت الإجارة الأولى مقيدة بالمباشرة وبالوقوع في زمان خاص، فهي تارة تقع على العامل بلحاظ شخصه المعين بما يتوفر فيه من خصوصيات، وذلك إما على جميع منافعه التي يقدر عليها، كمثل ما لو استأجر شخصاً حارساً وسائقاً ومديراً لمكتبه وكاتباً عنده وخادماً لضيوفه مثلاً، وإما على عمل خاص يحسنه، كمثل ما لو استأجره ليكتب له؛ وتارة أخرى تقع عليه بلحاظ العمل الذي يحسنه بغض النظر عن شخصه، وهو الذي يصطلح عليه بأن العمل فيه يكون في (الذمة)، أي أن مراد صاحب العمل أن يخيط ثوبه بالدرجة الأولى وعند هذا العامل بالدرجة الثانية، فعندما يستأجره على الخياطة تصبح الخياطة في (ذمة) العامل ومجردة عن خصوصية العامل وشخصه.

    والظاهر أنه مهما كان النحو الذي وقعت عليه الإجارة من هذين النحوين، فإن الإجارة إذا وقعت بقيد المباشرة وحدد لها زمان خاص لتقع فيه، لم يجز للعامل أن يقوم بما ينافي هذا الالتزام من الأعمال لغير صاحب العمل، سواء لنفسه أو لغيره، وسواء بأجرة أو تبرعاً، إلا أن يكون صاحب العمل غير محتاج إليه خلال المدة فيصح له الاشتغال فيها عند غيره حينئذٍ من دون حاجة لاستئذانه.


م ـ267: إذا ترك العامل المستأجر بجميع منافعه خدمة صاحب العمل وعمل لغيره خلال فترة الاحتياج إليه، فهنا صور:

    الأولى: أن يكون قد عمل لنفسه؛ وحكمه أن يتخير صاحب العمل بين الرضا بما فعل وإبقائه في عمله مع مطالبته بعوض ما فوت عليه من الانتفاع به محسوباً بنسبته من الأجرة المسماة بينهما، وبين أن يفسخ عقد الإجارة ويلغي المعاملة ويسترجع تمام الأجرة المسماة ويعطي العامل أجرة المثل على ما كان قد عمله، إلا أن يكون قد استأجره مشترطاً عليه الاستحقاق عند إنجاز تمام العمل، فلا يكون له شيء عنده حينئذ.

    الثانية: أن يكون قد عمل لغيره تبرعاً ومجاناً؛ وحكمه نفس حكم الصورة الأولى، لكنّ صاحب العمل إذا اختار إبقاء الإجارة مع المطالبة بعوض ما فاته فإنه لا يحق له (أي لصاحب العمل) أن يرجع بعوض الفائت على المتبرَّع له بعنوان أنه هو المستفيد من العامل، إلا أن يكون المتبرَّع له قد غرّ العامل وصور له أن صاحب العمل قد أذن له بذلك، فيضمن ـ حينئذ ـ لصاحب العمل ما فوت عليه ـ بتغريره ـ من منفعة العامل.

    الثالثة: أن يكون قد عمل لغيره بأجرة أو جعالة؛ وحكمه أن يتخير صاحب العمل بين أمرين:

    1 ـ أن يقبل بالأمر الواقع ويرضى بالإجارة الثانية الصادرة من العامل خلال مدة عمله معه، وتكون الأجرة التي سميت للعامل من هذه الإجارة الثانية للمستأجر الأول، وتبقى سائر الأمور على ما هي عليه.

    2 ـ أن لا يرضى بالإجارة الثانية؛ فيتخير حينئذ بين أن يفسخ الإجارة الأولى ويأخذ منه الأجرة المسماة ويعطيه على ما عمل أجرة المثل، وبين أن يستمر بإجارته له مع التزام العامل بتعويض ما فات من منفعته خلال مدة التزامه بالإجارة الثانية، وذلك بنسبة التفاوت إلى الأجرة المسماة.

    ثم إن هذا الحكم يجري بنفسه، وبصورة الثلاث، فيما لو كانت الإجارة قد وقعت على منفعة العامل الخاصة، لا على جميع منافعه كما هو فرض المسألة، وذلك بدون فرق بين ما لو اشتغل عند الغير بنفس عمله الذي استأجره عليه الأول، وبين ما لو اشتغل بغيره على الأقرب، وبدون فرق ـ أيضاً ـ بين ما لو كانت الإجارة قد وقعت على منفعته الخاصة بلحاظ شخصه مع اشتراط المباشرة وتحديد المدة، وبين ما لو كان قد استأجره عليها بلحاظ كونها عملاً في الذمة بقيد المباشرة وتحديد المدة.


م ـ268: إذا آجر نفسه ليخيط ثوب زيد ففلح له أرضه من دون أن يأمره زيد بذلك، لم يستحق عليه الأجرة المسماة له على الخياطة التي لم ينجزها، حتى لو رضي صاحب العمل بما فعله ولم يفسخ الإجارة، كذلك فإنه لا يستحق عليه أجرة المثل على الفلاحة التي فعلها بدون أمر من زيد ما لم يكن مستأجراً عليها، بدون فرق في ذلك بين ما لو كان العامل متعمداً لذلك أو كان قد سها وغفل عما استؤجر عليه فعمل غير المطلوب منه.


م ـ269: إذا استأجر عاملاً للفلاحة مثلاً، فاستعمله في غيرها، كتنظيف الأرض من الصخور مثلاً، استحق عليه الأجرة المسماة له على الفلاحة مع ملاحظة أجرة مثل العمل الجديد ومقارنته بالأجرة المسماة، فإن كانت أجرة العمل الجديد أزيد منها عوض عليه تلك الزيادة، وإلا اكتفى بما سماه له؛ وذلك بدون فرق بين ما لو كان العامل ملتفتاً إلى هذا التغير وراضياً به وبين ما لو كان غير ملتفت لذلك، فإن العرف قد جرى على التساهل بمثل هذا التغير في نوع العمل مع تعويض الفرق بين أجرتي العملين إن وجد فرق بينهما.


م ـ270: الظاهر أن العادة قد جرت على عدم مسؤولية صاحب العمل عن تأمين عدة العمل وآلاته التي يستخدمها العامل في عمله، كالمحراث للفلاح، وعدة البناء للبنّاء، ونحو ذلك، إلا أن يشترط العامل ذلك أو تجري به العادة في بعض الحرف؛ أما المواد التي تستخدم في العمل، فإن العادة ـ أيضاً ـ قد جرت على أن أمرها يختلف بين ما هو طفيف، كالمداد للقلم والخيط لخياطة الثوب ونحوهما، فيتحمله العامل، وبين ما هو جليل ومهم، كأحجار البناء وسائر لوازمه أو أنابيب المياه لعامل الأدوات الصحية أو أسلاك الكهرباء وسائر لوازمها لعامل الكهرباء ونحو ذلك، فإنه يكون على صاحب العمل، إلا أن يشترط كونها على هذا النحو من العادة بكونها عليه. وعليه فإنه إن استقرت معاملات الناس على هذا النحو من العادة كانت هي الحاكمة، وإن لم تجر عادة متبعة على أمر معيّن فإن المسؤولية ـ بمقتضى العقد ـ تختلف باختلاف نوع مقدمات العمل، فإن كانت المقدمات مما لا يبقى بعد انتهاء العمل، كالزاد والراحلة ونفقة من يستأجر للحج عن غيره فإنها هنا على الأجير، وإن كانت مما يبقى بعد العمل، كأوراق الكتابة ومواد الدهان وخيطان الخياطة ونحوها فإنها على المستأجر.


م ـ271: إذا استؤجر للصلاة عن زيد فاشتبه وصلى عن سعيد، فإن كان ذلك منه على نحو الخطأ في تسمية الشخص المحدد الذي كلف الصلاة عنه والذي اسمه زيد فسماه سعيداً خطأ، صح عمله عن زيد واستحق الأجرة المطلوبة، وأما إذا قصد بعمله النيابة عن غير الذي استؤجر عنه لم يصح عمن استؤجر عنه ولم يستحق الأجرة على من قصده في صلاته، وسيأتي شبيهه في أحكام التسليم.

م ـ272: إذا استؤجر لختم القرآن الكريم لزمه أداء ذلك طبق ما هو المتعارف، وهو القراءة الصحيحة في ألفاظها وحركاتها مراعياً لترتيب السور على النحو الموجود في المصحف المتداول؛ فإذا قرأ خطأً غفلةً، والتفت في أثناء قراءة الآية وجب عليه تدارك الخطأ والإتيان باللفظ الصحيح، وأما إذا التفت إلى ذلك بعد الفراغ من السورة أو بعد ختم القرآن، فإن كانت بمقدار يتسامح العرف بصدوره سهواً وغلطاً، كفاه ما أتى به واستحق الأجرة عليه، وإن كانت الأخطاء زائدة على ما هو المتعارف بشكل فاحش لم يقبل منه ذلك ولم يعتبر أداءً للعمل المطلوب، فلا يستحق شيئاً من الأجرة على مَنْ عمل له؛ وحينئذٍ فإن اللازم على العامل تدارك تلك الأخطاء وتصحيحها إن كان ممكناً وإلا بطلت الإجارة بعدما لم يتحقق العمل المطلوب، وهو القراءة الصحيحة.

    نعم، في مثل ما لو استؤجر على الكتابة أو لتصحيح الأخطاء المطبعية، وكان فيها أخطاء كثيرة غير مغتفرة، ولم يمكن تداركها، فإذا عدّ ذلك عيباً ثبت لصاحب العمل خيار العيب بالنحو الذي تقدم في أحكام لزوم العقد، وأما إذا كانت الأخطاء في الكثرة بدرجة يعد فيها العمل خارجاً عن المألوف وعلى خلاف المطلوب منه عرفاً فلا يعد مصداقاً للوفاء وتبطل به الإجارة، فلا يستحق أجرة عليه.


م ـ273: إذا استؤجر للصلاة عن الميت وكان المستأجَرُ عليه والمطلوب منه هو الصلاة الصحيحة المطابقة للأحكام الشرعية المعتبرة فيها، فإنه يكفي العامل أن يأتي بها كذلك ولو كان قد نقّص منها أجزاءها المستحبة، وكذا بعض أجزائها الواجبة سهواً، أما إذا كان قد استؤجر على الصلاة بتمام أجزائها المستحبة سهواً أو عمداً، فإنه يصح منه ذلك ـ أيضاً ـ ولكنه لا يستحق من الأجرة إلا بمقدار ما أتى به منها، إلا أن يكون قد جعل تمام الأجزاء أساساً و"قيداً" لاستحقاق الأجرة، بحيث لا يعطيه شيئاً منها إذا لم تكن الصلاة تامة، فإنه ـ حينئذ ـ لا يستحق شيئاً من الأجرة. (أنظر لمزيد من التوسع: الجزء الأول/أحكام قضاء الصلاة، وأحكام قضاء الصوم، وانظر أيضاً: مناسك الحج، أحكام النيابة).


م ـ274: إذا بذل العامل نفسه للعمل فمنعه منه فقدان العين بمثل الغصب، أو أخذ الظالم لمحل العمل بنحو لا يقدر معه على العمل فيه، فإن الإجارة تبطل لفوات محل العمل وزوال الهدف الداعي إليها، وحينئذ لا يستحق العامل أجرة على المستأجر. وأما إذا  كان المانع من العمل هو إتلاف المالك لها قبل العمل أو في أثنائه، فإن كان قد استأجره على عمل في الذمة، وكان الإتلاف قبل العمل، بطلت الإجارة، وإن كان أثناءه أعطاه من الأجرة بمقدار ما عمل، وأما إذا استأجره على منفعته الخاصة في يوم محدد، فأتلف المستأجر العين مع استعداد العامل للعمل، عد ذلك الإتلاف استيفاءً وصار العامل مستحقاً للأجرة المسماة له، سواء كان العامل قد أنجز شيئاً من العمل أو لم يكن بعدُ قد عمل شيئاً.


م ـ275: إذا حضر العامل إلى موقع عمله لإنجاز ما هو مطلوب منه فلم يمكِّنه صاحب العمل ولم يُفسح المجال أمامه لمباشرة عمله، وذلك بمثل عدم إحضار العين التي يريد العمل فيها أو عدم إخلاء المحل الذي يريد التواجد فيه أو نحو ذلك، حتى انقضى الوقت المحدد لإنجازه، فإن كان العامل خلال الوقت قد ظلّ متعطلاً ومنتظراً وجب على صاحب العمل دفع الأجرة المسماة له، وإن كان العامل قد بادر إلى القيام بعمل آخر لغيره أو لنفسه لم يستحق الأجرة على صاحب العمل؛ بدون فرق في ذلك بين ما لو كان عدم التمكين لعذر طرأ على صاحب العمل كالمرض والنسيان ونحوهما، وبين ما لو كان ذلك عن عمد واختيار.

    نعم إذا كان المانع للمستأجر من استيفاء منفعة العامل عذراً عاماً، كحدوث عاصفة شديدة أو حرب أو نحوهما، بطلت الإجارة من أصلها، وحينئذٍ لا يستحق العامل أجرة على صاحب العمل حتى لو ظلّ متعطلاً من أجله.


م ـ276: إذا استأجره ليحمل متاعه على دابته أو في سيارته أو لينقله إلى مكان معين، أو استأجره للفلاحة أو الكتابة أو نحو ذلك، فحدث في الأثناء ما منع العامل من إنجاز ما تعهد به، كحدوث خلل في آلات العمل، أو حبسه عدو أو خوف من برد أو مرضٌ حل به أو تلفت العين التي يستخدمها في عمله أو أتلفها العامل أو الأجنبي، أو نحو ذلك من الموانع، فإن كانت الإجارة قد وقعت على نحو يلحظ فيه استحقاق الأجرة على كل جزء منها، وهو ما يصطلح عليه بـ(تعدد المطلوب)، فحيث إن العامل لم ينجزه كله فإنه يحكم ببطلان الإجارة وعدم استحقاق العامل شيئاً من الأجرة، بدون فرق بين ما لو كانت المقدمات ملحوظة مع النتيجة، كما لو كان يهمه إيصال البضاعة مع اهتمامه بإيصالها بشاحنة ذات أوصاف خاصة، وبين ما لو كان المهم عنده وصول البضاعة بأي نحو كان.


م ـ277: إذا وقع العقد صحيحاً بالنحو الذي بيّناه في المبحث السابق ـ بما في ذلك ما يقتضيه العقد من لزوم الفورية ـ صار العامل ملزماً بتقديم جهده لصاحب العمل الذي استأجره، وبحسب عبارة الفقهاء: "صارت منفعة العامل مملوكة للمستأجر"، كذلك فإنّ العامل يملك الأجرة بمقتضى ذلك العقد وبمجرد وقوعه، ولكن هذه الملكية الثابتة لكل منهما لا تُجوِّز لأحدهما مطالبة الآخر بأداء ما عليه وتسليمه قبل أداء الآخر ما عليه وتسليمه، بل إنه يجب عليهما مقترنين تسليم كل واحد ما للآخر عنده ما لم يشترط أحدهما خلاف ذلك على الآخر، وتختلف كيفية التسليم من قبل العامل باختلاف نوع العمل، فإن كان للمستأجر عين يعمل فيها الأجير، كالثوب يخيطه أو السيارة يصلحها أو نحوهما، فإن التسليم يتحقق ـ حينئذ ـ بتسليم العين بعد إنجاز العمل المطلوب فيها، وإن لم يكن له عين بيده، بل كان من قبيل الحراسة والطبابة، فإن تسليمه يكون بإنجاز العمل المطلوب منه بالنحو الذي اتفق عليه، فيسلمه المستأجر الأجرة التي يستحقها حينئذ حتى لو كانت تلك الأجرة المسماة عملاً، إذ إن المستأجر ملزم بأن يراعي إنجاز العمل المطلوب منه أجرةً للعامل عند إنجاز العامل العمل المطلوب للمستأجر.


    هذا كله فيما لو تم العقد بلا شروط، أما إذا اشترط أحد الطرفين خلاف ذلك في التسليم وكيفيته ومدته ومكانه وغير ذلك من شؤونه، وقبل الآخر، وجب على المشروط عليه الوفاء للمشروط له بجميع ما شرط.


م ـ278: إذا امتنع صاحب العمل عن دفع الأجرة للعامل بالنحو الذي اتفقا عليه، فإن كان الاتفاق على دفع شيء من الأجرة كلما أنجز شيئاً من العمل، فإن العامل حينئذ يتخير بين الاستمرار في العمل وترك المطالبة وبين الفسخ والمطالبة بحصته من الأجرة المسماة بمقدار ما عمل؛ وإن كان الاتفاق على تسليم الأجرة بعد إنجاز تمام العمل، فامتنع المستأجر عن دفعها للعامل مع استحقاقه ووفائه له بما طالب، فإن العامل يتخير حينئذ بين أمرين:


    1 ـ أن يجبر المستأجر على دفعها له، وذلك إما بمبادرته إلى قهره على الدفع من دون إيذائه بشتم أو ضرب أو نحوهما، أو بشكايته إلى الحاكم، أو بحبس العين التي يعمل له فيها حتى يدفع له الأجرة.


    2 ـ أن يقتص منه، وذلك بأن يأخذ العين المشخصة التي جعلت أجرةً له خلسة، فإن لم تكن مشخصة لم يجز له اختلاس شيء في مقابلها إلا بإذن الحاكم الشرعي.


    هذا هو حكم ما لو كان صاحب العمل هو الممتنع؛ أما إذا امتنع العامل عن تسليم العين التي يعمل فيها للمستأجر مع بذله له تمام الأجرة، فإن للمستأجر ـ أيضاً ـ أن يجبره على ذلك بنفسه بالنحو الذي تقدّم آنفاً أو عن طريق الحاكم، وله أن يقتص منه بأخذ شيء من ماله خلسة بإذن الحاكم الشرعي.

وفيه مسائل:

م ـ263: يجب على العامل أن يلتزم بمضمون العقد وبنوده التي تنص على كيفية أداء العمل ومدته وملابساته، فإذا خالفها ففقد العقد بها بعض أركانه بطلت الإجارة رأساً، وإلا  كان لصاحب العمل أن يفسخ العقد بمقتضى خيار تخلف الشرط الذي ذكرناه سابقاً، وهذا أمر أساس وقاعدة كلية تنطبق على كل عمل كان الشرط فيه هو الأصل الذي بني عليه الاتفاق وانطلق منه العمل.


م ـ264: إذا اشترط المستأجر على العامل مباشرة العمل بنفسه فأوكل العمل إلى غيره، بإجارة أو تبرع منه، بطلت الإجارة، ولم يستحق ذلك العامل شيئاً على ما أنجزه غيره له.


    وأما إذا لم يشترط عليه المباشرة، لا صريحاً ولا ضمناً، فإنه يجوز له إيكال العمل إلى غيره، متبرعاً كان ذلك الغير، أو عاملاً عنده ليساعده في أمثال ذلك، أو أجيراً له قد استأجره على هذا العمل الذي طلب منه واستؤجر عليه، وليس لصاحب العمل الاعتراض على ذلك؛ وبناءً عليه، فإن الأجير (الأول) يجوز أن يستأجر غيره بنفس الأجرة أو بالأكثر منها، ولا يجوز بالأقل منها إلا إذا كان الأول قد اشتغل فيه ولو شيئاً قليلاً، وحينئذ لا يجب جعل التفاوت بين ما أخذه الأول أجرة وبين ما دفعه للثاني موافقاً في مقداره لمقدار أجرة ما اشتغله الأول فيها، بل يجوز أن تكون الأجرة أقل بكثير من أجرة الأول لمجرد ذلك العمل القليل الذي عمله الأول؛ وفي مثل هذه الحالة، فإنه إذا كان لصاحب العمل عين في يد العامل، كقطعة القماش ليخيطها ثوباً، واستأجر العامل غيره للخياطة، لم يحتج إلى استئذان صاحب العمل في تسليم قطعة القماش للعامل الثاني.

م ـ265: إذا تصدى متبرع فأنجز ذلك العمل المطلوب من الأجير، بطلب منه أو بدونه، فإن كان قد قصد التبرع عن العامل وتفريغ ذمته منه، استحق العامل الأجرة رغم قيام الغير بالعمل عنه؛ وإن كان قد قصد التبرع عن غير العامل؛ كما في من استؤجر لقضاء العبادة عن الميت، فتبرع متبرع بالقضاء عن ذلك الميت إعزازاً له ووفاءً لذكراه، بطلت الإجارة ولم يستحق الأجير الأجرة المسماة له بعدما انتفى الموضوع الذي استؤجر لأجله، وهو الذي مرّ نظيره في المسألة: (259).


م ـ266: يجوز للعامل أن يؤجر نفسه لغير صاحب العمل قبل إنجاز ما استأجره عليه إذا لم يشترط عليه المباشرة، أو اشترط المباشرة ولم يحدد المدة، كأن يستأجره لخياطة ثوبه أو لفلاحة أرضه من دون اشتراط مباشرته لذلك، أو اشترطها ولكن لا في زمان خاص، فيصح أن يؤجر نفسه لغيره وتصح كلتا الإجارتين ويفي بهما؛ أما إذا كانت الإجارة الأولى مقيدة بالمباشرة وبالوقوع في زمان خاص، فهي تارة تقع على العامل بلحاظ شخصه المعين بما يتوفر فيه من خصوصيات، وذلك إما على جميع منافعه التي يقدر عليها، كمثل ما لو استأجر شخصاً حارساً وسائقاً ومديراً لمكتبه وكاتباً عنده وخادماً لضيوفه مثلاً، وإما على عمل خاص يحسنه، كمثل ما لو استأجره ليكتب له؛ وتارة أخرى تقع عليه بلحاظ العمل الذي يحسنه بغض النظر عن شخصه، وهو الذي يصطلح عليه بأن العمل فيه يكون في (الذمة)، أي أن مراد صاحب العمل أن يخيط ثوبه بالدرجة الأولى وعند هذا العامل بالدرجة الثانية، فعندما يستأجره على الخياطة تصبح الخياطة في (ذمة) العامل ومجردة عن خصوصية العامل وشخصه.

    والظاهر أنه مهما كان النحو الذي وقعت عليه الإجارة من هذين النحوين، فإن الإجارة إذا وقعت بقيد المباشرة وحدد لها زمان خاص لتقع فيه، لم يجز للعامل أن يقوم بما ينافي هذا الالتزام من الأعمال لغير صاحب العمل، سواء لنفسه أو لغيره، وسواء بأجرة أو تبرعاً، إلا أن يكون صاحب العمل غير محتاج إليه خلال المدة فيصح له الاشتغال فيها عند غيره حينئذٍ من دون حاجة لاستئذانه.


م ـ267: إذا ترك العامل المستأجر بجميع منافعه خدمة صاحب العمل وعمل لغيره خلال فترة الاحتياج إليه، فهنا صور:

    الأولى: أن يكون قد عمل لنفسه؛ وحكمه أن يتخير صاحب العمل بين الرضا بما فعل وإبقائه في عمله مع مطالبته بعوض ما فوت عليه من الانتفاع به محسوباً بنسبته من الأجرة المسماة بينهما، وبين أن يفسخ عقد الإجارة ويلغي المعاملة ويسترجع تمام الأجرة المسماة ويعطي العامل أجرة المثل على ما كان قد عمله، إلا أن يكون قد استأجره مشترطاً عليه الاستحقاق عند إنجاز تمام العمل، فلا يكون له شيء عنده حينئذ.

    الثانية: أن يكون قد عمل لغيره تبرعاً ومجاناً؛ وحكمه نفس حكم الصورة الأولى، لكنّ صاحب العمل إذا اختار إبقاء الإجارة مع المطالبة بعوض ما فاته فإنه لا يحق له (أي لصاحب العمل) أن يرجع بعوض الفائت على المتبرَّع له بعنوان أنه هو المستفيد من العامل، إلا أن يكون المتبرَّع له قد غرّ العامل وصور له أن صاحب العمل قد أذن له بذلك، فيضمن ـ حينئذ ـ لصاحب العمل ما فوت عليه ـ بتغريره ـ من منفعة العامل.

    الثالثة: أن يكون قد عمل لغيره بأجرة أو جعالة؛ وحكمه أن يتخير صاحب العمل بين أمرين:

    1 ـ أن يقبل بالأمر الواقع ويرضى بالإجارة الثانية الصادرة من العامل خلال مدة عمله معه، وتكون الأجرة التي سميت للعامل من هذه الإجارة الثانية للمستأجر الأول، وتبقى سائر الأمور على ما هي عليه.

    2 ـ أن لا يرضى بالإجارة الثانية؛ فيتخير حينئذ بين أن يفسخ الإجارة الأولى ويأخذ منه الأجرة المسماة ويعطيه على ما عمل أجرة المثل، وبين أن يستمر بإجارته له مع التزام العامل بتعويض ما فات من منفعته خلال مدة التزامه بالإجارة الثانية، وذلك بنسبة التفاوت إلى الأجرة المسماة.

    ثم إن هذا الحكم يجري بنفسه، وبصورة الثلاث، فيما لو كانت الإجارة قد وقعت على منفعة العامل الخاصة، لا على جميع منافعه كما هو فرض المسألة، وذلك بدون فرق بين ما لو اشتغل عند الغير بنفس عمله الذي استأجره عليه الأول، وبين ما لو اشتغل بغيره على الأقرب، وبدون فرق ـ أيضاً ـ بين ما لو كانت الإجارة قد وقعت على منفعته الخاصة بلحاظ شخصه مع اشتراط المباشرة وتحديد المدة، وبين ما لو كان قد استأجره عليها بلحاظ كونها عملاً في الذمة بقيد المباشرة وتحديد المدة.


م ـ268: إذا آجر نفسه ليخيط ثوب زيد ففلح له أرضه من دون أن يأمره زيد بذلك، لم يستحق عليه الأجرة المسماة له على الخياطة التي لم ينجزها، حتى لو رضي صاحب العمل بما فعله ولم يفسخ الإجارة، كذلك فإنه لا يستحق عليه أجرة المثل على الفلاحة التي فعلها بدون أمر من زيد ما لم يكن مستأجراً عليها، بدون فرق في ذلك بين ما لو كان العامل متعمداً لذلك أو كان قد سها وغفل عما استؤجر عليه فعمل غير المطلوب منه.


م ـ269: إذا استأجر عاملاً للفلاحة مثلاً، فاستعمله في غيرها، كتنظيف الأرض من الصخور مثلاً، استحق عليه الأجرة المسماة له على الفلاحة مع ملاحظة أجرة مثل العمل الجديد ومقارنته بالأجرة المسماة، فإن كانت أجرة العمل الجديد أزيد منها عوض عليه تلك الزيادة، وإلا اكتفى بما سماه له؛ وذلك بدون فرق بين ما لو كان العامل ملتفتاً إلى هذا التغير وراضياً به وبين ما لو كان غير ملتفت لذلك، فإن العرف قد جرى على التساهل بمثل هذا التغير في نوع العمل مع تعويض الفرق بين أجرتي العملين إن وجد فرق بينهما.


م ـ270: الظاهر أن العادة قد جرت على عدم مسؤولية صاحب العمل عن تأمين عدة العمل وآلاته التي يستخدمها العامل في عمله، كالمحراث للفلاح، وعدة البناء للبنّاء، ونحو ذلك، إلا أن يشترط العامل ذلك أو تجري به العادة في بعض الحرف؛ أما المواد التي تستخدم في العمل، فإن العادة ـ أيضاً ـ قد جرت على أن أمرها يختلف بين ما هو طفيف، كالمداد للقلم والخيط لخياطة الثوب ونحوهما، فيتحمله العامل، وبين ما هو جليل ومهم، كأحجار البناء وسائر لوازمه أو أنابيب المياه لعامل الأدوات الصحية أو أسلاك الكهرباء وسائر لوازمها لعامل الكهرباء ونحو ذلك، فإنه يكون على صاحب العمل، إلا أن يشترط كونها على هذا النحو من العادة بكونها عليه. وعليه فإنه إن استقرت معاملات الناس على هذا النحو من العادة كانت هي الحاكمة، وإن لم تجر عادة متبعة على أمر معيّن فإن المسؤولية ـ بمقتضى العقد ـ تختلف باختلاف نوع مقدمات العمل، فإن كانت المقدمات مما لا يبقى بعد انتهاء العمل، كالزاد والراحلة ونفقة من يستأجر للحج عن غيره فإنها هنا على الأجير، وإن كانت مما يبقى بعد العمل، كأوراق الكتابة ومواد الدهان وخيطان الخياطة ونحوها فإنها على المستأجر.


م ـ271: إذا استؤجر للصلاة عن زيد فاشتبه وصلى عن سعيد، فإن كان ذلك منه على نحو الخطأ في تسمية الشخص المحدد الذي كلف الصلاة عنه والذي اسمه زيد فسماه سعيداً خطأ، صح عمله عن زيد واستحق الأجرة المطلوبة، وأما إذا قصد بعمله النيابة عن غير الذي استؤجر عنه لم يصح عمن استؤجر عنه ولم يستحق الأجرة على من قصده في صلاته، وسيأتي شبيهه في أحكام التسليم.

م ـ272: إذا استؤجر لختم القرآن الكريم لزمه أداء ذلك طبق ما هو المتعارف، وهو القراءة الصحيحة في ألفاظها وحركاتها مراعياً لترتيب السور على النحو الموجود في المصحف المتداول؛ فإذا قرأ خطأً غفلةً، والتفت في أثناء قراءة الآية وجب عليه تدارك الخطأ والإتيان باللفظ الصحيح، وأما إذا التفت إلى ذلك بعد الفراغ من السورة أو بعد ختم القرآن، فإن كانت بمقدار يتسامح العرف بصدوره سهواً وغلطاً، كفاه ما أتى به واستحق الأجرة عليه، وإن كانت الأخطاء زائدة على ما هو المتعارف بشكل فاحش لم يقبل منه ذلك ولم يعتبر أداءً للعمل المطلوب، فلا يستحق شيئاً من الأجرة على مَنْ عمل له؛ وحينئذٍ فإن اللازم على العامل تدارك تلك الأخطاء وتصحيحها إن كان ممكناً وإلا بطلت الإجارة بعدما لم يتحقق العمل المطلوب، وهو القراءة الصحيحة.

    نعم، في مثل ما لو استؤجر على الكتابة أو لتصحيح الأخطاء المطبعية، وكان فيها أخطاء كثيرة غير مغتفرة، ولم يمكن تداركها، فإذا عدّ ذلك عيباً ثبت لصاحب العمل خيار العيب بالنحو الذي تقدم في أحكام لزوم العقد، وأما إذا كانت الأخطاء في الكثرة بدرجة يعد فيها العمل خارجاً عن المألوف وعلى خلاف المطلوب منه عرفاً فلا يعد مصداقاً للوفاء وتبطل به الإجارة، فلا يستحق أجرة عليه.


م ـ273: إذا استؤجر للصلاة عن الميت وكان المستأجَرُ عليه والمطلوب منه هو الصلاة الصحيحة المطابقة للأحكام الشرعية المعتبرة فيها، فإنه يكفي العامل أن يأتي بها كذلك ولو كان قد نقّص منها أجزاءها المستحبة، وكذا بعض أجزائها الواجبة سهواً، أما إذا كان قد استؤجر على الصلاة بتمام أجزائها المستحبة سهواً أو عمداً، فإنه يصح منه ذلك ـ أيضاً ـ ولكنه لا يستحق من الأجرة إلا بمقدار ما أتى به منها، إلا أن يكون قد جعل تمام الأجزاء أساساً و"قيداً" لاستحقاق الأجرة، بحيث لا يعطيه شيئاً منها إذا لم تكن الصلاة تامة، فإنه ـ حينئذ ـ لا يستحق شيئاً من الأجرة. (أنظر لمزيد من التوسع: الجزء الأول/أحكام قضاء الصلاة، وأحكام قضاء الصوم، وانظر أيضاً: مناسك الحج، أحكام النيابة).


م ـ274: إذا بذل العامل نفسه للعمل فمنعه منه فقدان العين بمثل الغصب، أو أخذ الظالم لمحل العمل بنحو لا يقدر معه على العمل فيه، فإن الإجارة تبطل لفوات محل العمل وزوال الهدف الداعي إليها، وحينئذ لا يستحق العامل أجرة على المستأجر. وأما إذا  كان المانع من العمل هو إتلاف المالك لها قبل العمل أو في أثنائه، فإن كان قد استأجره على عمل في الذمة، وكان الإتلاف قبل العمل، بطلت الإجارة، وإن كان أثناءه أعطاه من الأجرة بمقدار ما عمل، وأما إذا استأجره على منفعته الخاصة في يوم محدد، فأتلف المستأجر العين مع استعداد العامل للعمل، عد ذلك الإتلاف استيفاءً وصار العامل مستحقاً للأجرة المسماة له، سواء كان العامل قد أنجز شيئاً من العمل أو لم يكن بعدُ قد عمل شيئاً.


م ـ275: إذا حضر العامل إلى موقع عمله لإنجاز ما هو مطلوب منه فلم يمكِّنه صاحب العمل ولم يُفسح المجال أمامه لمباشرة عمله، وذلك بمثل عدم إحضار العين التي يريد العمل فيها أو عدم إخلاء المحل الذي يريد التواجد فيه أو نحو ذلك، حتى انقضى الوقت المحدد لإنجازه، فإن كان العامل خلال الوقت قد ظلّ متعطلاً ومنتظراً وجب على صاحب العمل دفع الأجرة المسماة له، وإن كان العامل قد بادر إلى القيام بعمل آخر لغيره أو لنفسه لم يستحق الأجرة على صاحب العمل؛ بدون فرق في ذلك بين ما لو كان عدم التمكين لعذر طرأ على صاحب العمل كالمرض والنسيان ونحوهما، وبين ما لو كان ذلك عن عمد واختيار.

    نعم إذا كان المانع للمستأجر من استيفاء منفعة العامل عذراً عاماً، كحدوث عاصفة شديدة أو حرب أو نحوهما، بطلت الإجارة من أصلها، وحينئذٍ لا يستحق العامل أجرة على صاحب العمل حتى لو ظلّ متعطلاً من أجله.


م ـ276: إذا استأجره ليحمل متاعه على دابته أو في سيارته أو لينقله إلى مكان معين، أو استأجره للفلاحة أو الكتابة أو نحو ذلك، فحدث في الأثناء ما منع العامل من إنجاز ما تعهد به، كحدوث خلل في آلات العمل، أو حبسه عدو أو خوف من برد أو مرضٌ حل به أو تلفت العين التي يستخدمها في عمله أو أتلفها العامل أو الأجنبي، أو نحو ذلك من الموانع، فإن كانت الإجارة قد وقعت على نحو يلحظ فيه استحقاق الأجرة على كل جزء منها، وهو ما يصطلح عليه بـ(تعدد المطلوب)، فحيث إن العامل لم ينجزه كله فإنه يحكم ببطلان الإجارة وعدم استحقاق العامل شيئاً من الأجرة، بدون فرق بين ما لو كانت المقدمات ملحوظة مع النتيجة، كما لو كان يهمه إيصال البضاعة مع اهتمامه بإيصالها بشاحنة ذات أوصاف خاصة، وبين ما لو كان المهم عنده وصول البضاعة بأي نحو كان.


م ـ277: إذا وقع العقد صحيحاً بالنحو الذي بيّناه في المبحث السابق ـ بما في ذلك ما يقتضيه العقد من لزوم الفورية ـ صار العامل ملزماً بتقديم جهده لصاحب العمل الذي استأجره، وبحسب عبارة الفقهاء: "صارت منفعة العامل مملوكة للمستأجر"، كذلك فإنّ العامل يملك الأجرة بمقتضى ذلك العقد وبمجرد وقوعه، ولكن هذه الملكية الثابتة لكل منهما لا تُجوِّز لأحدهما مطالبة الآخر بأداء ما عليه وتسليمه قبل أداء الآخر ما عليه وتسليمه، بل إنه يجب عليهما مقترنين تسليم كل واحد ما للآخر عنده ما لم يشترط أحدهما خلاف ذلك على الآخر، وتختلف كيفية التسليم من قبل العامل باختلاف نوع العمل، فإن كان للمستأجر عين يعمل فيها الأجير، كالثوب يخيطه أو السيارة يصلحها أو نحوهما، فإن التسليم يتحقق ـ حينئذ ـ بتسليم العين بعد إنجاز العمل المطلوب فيها، وإن لم يكن له عين بيده، بل كان من قبيل الحراسة والطبابة، فإن تسليمه يكون بإنجاز العمل المطلوب منه بالنحو الذي اتفق عليه، فيسلمه المستأجر الأجرة التي يستحقها حينئذ حتى لو كانت تلك الأجرة المسماة عملاً، إذ إن المستأجر ملزم بأن يراعي إنجاز العمل المطلوب منه أجرةً للعامل عند إنجاز العامل العمل المطلوب للمستأجر.


    هذا كله فيما لو تم العقد بلا شروط، أما إذا اشترط أحد الطرفين خلاف ذلك في التسليم وكيفيته ومدته ومكانه وغير ذلك من شؤونه، وقبل الآخر، وجب على المشروط عليه الوفاء للمشروط له بجميع ما شرط.


م ـ278: إذا امتنع صاحب العمل عن دفع الأجرة للعامل بالنحو الذي اتفقا عليه، فإن كان الاتفاق على دفع شيء من الأجرة كلما أنجز شيئاً من العمل، فإن العامل حينئذ يتخير بين الاستمرار في العمل وترك المطالبة وبين الفسخ والمطالبة بحصته من الأجرة المسماة بمقدار ما عمل؛ وإن كان الاتفاق على تسليم الأجرة بعد إنجاز تمام العمل، فامتنع المستأجر عن دفعها للعامل مع استحقاقه ووفائه له بما طالب، فإن العامل يتخير حينئذ بين أمرين:


    1 ـ أن يجبر المستأجر على دفعها له، وذلك إما بمبادرته إلى قهره على الدفع من دون إيذائه بشتم أو ضرب أو نحوهما، أو بشكايته إلى الحاكم، أو بحبس العين التي يعمل له فيها حتى يدفع له الأجرة.


    2 ـ أن يقتص منه، وذلك بأن يأخذ العين المشخصة التي جعلت أجرةً له خلسة، فإن لم تكن مشخصة لم يجز له اختلاس شيء في مقابلها إلا بإذن الحاكم الشرعي.


    هذا هو حكم ما لو كان صاحب العمل هو الممتنع؛ أما إذا امتنع العامل عن تسليم العين التي يعمل فيها للمستأجر مع بذله له تمام الأجرة، فإن للمستأجر ـ أيضاً ـ أن يجبره على ذلك بنفسه بالنحو الذي تقدّم آنفاً أو عن طريق الحاكم، وله أن يقتص منه بأخذ شيء من ماله خلسة بإذن الحاكم الشرعي.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير