مسيرتنا مع السيّد حافلة بالدّروس والعِبَر

مسيرتنا مع السيّد حافلة بالدّروس والعِبَر

بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين.

اللّقاء الأوّل

اللّقاء الأوّل مع سماحة السيّد، كان إلى حدّ ما لقاءً عابراً وسريعاً، ففي العام 1976، كنّا طلاب علم في قرية جنوبيّة اسمها مركبا، وكان هناك احتفال في قرية أخرى اسمها الطيبة، وكان سماحة السيّد مدعوّاً لإلقاء كلمة، وكانت مسؤوليّتي أن أرشده إلى المكان. انتظرته على مفرق قرية مركبا على الخطّ العام، وركبت معه في السيارة. كانت السيارات في ذاك الزمن متواضعة، ولم يكن هناك المسائل الأمنيّة الموجودة الّتي استجدّت فيما بعد.

وكان هذا أوّل لقاء بيني وبينه. لكن في أوائل العام 77، صار هناك وضع أمنيّ سيّئ في مركبا. تركنا القرية ونزلنا إلى بيروت كطلّاب علم، واستمرّينا في الدراسة. لكن في هذه المرحلة، كنا قد أنهينا دراسة المقدِّمات، وبدأنا بدراسة السطوح؛ أصول الفقه، الّتي هي تأليف الشيخ رضا المظفّر، واللّمعة الدمشقية، وهذه بدأنا بدراستها مع سماحة السيّد عنده في البيت، عندما كان في بئر العبد... ثم بعد ذلك، استمرّت دراستنا عند سماحته تقريباً من أواخر العام 76 إلى حين وفاته، فدرسنا عنده كلّ السطوح، ثم بدأ بتدريس بحث الخارج، واستمرّينا معه.

في هذه المرحلة، كانت تربطنا بسماحة السيّد ليس فقط الدروس التي كنّا نتلقّاها من سماحته. يعني أنا وبعض الإخوان؛ الشيخ محمد قبيسي مثلاً، الشيخ جمال سباعي (رحمة الله عليه)، الشيخ عباس حرب، وبعض الإخوان الآخرين، كان عندنا نشاط آخر غير طلب العلم، وهو تدريس الإخوة والأخوات دروساً غير حوزويّة، لغير طلّاب العلم، بما يسمى بمدرسة الإمام الحسين الدينيّة(ع).

هذا النشاط الذي كنا نقوم به، ما بين الدّراسة والاحتفالات ودورات مهنية للأخوات، كان هناك تنسيق تامّ مع سماحة السيّد حوله، وأخذ الإرشادات منه. والملاحظ، أنَّ سماحته كان يعطي الإرشادات والملاحظات، لكنّه لم يكن يتدخّل في عملنا بشكل مباشر، إنما كان يعطي النصيحة ويعتمد على ثقته بنا، لأنّنا نقوم بالعمل بالوجه المطلوب، وهذه المسألة ـ العمل في مدرسة الإمام الحسين(ع) ـ استمرّت إلى حين وفاته.

أحياناً كنّا نقيم احتفالات، وكان سماحته يشارك فيها عبر إلقاء كلمة، وكنّا نقيم ندوات ليليّة، وكان سماحته يشارك فيها أيضاً. وقد نشأ في ذلك الوقت اهتمام بدرس التفسير القرآني، والذي كان سماحته يعطيه في بيت أحد الإخوان، وهو الحاج طارق الخليل، والذي كان يشارك معنا بنشاط في مدرسة الإمام الحسين(ع)، ثم انتقل الدّرس إلى الثانوية الرسمية للبنات في منطقة الرمل العالي.

وقد ظلَّ يعطي الدّروس هناك لفترة معيَّنة، ثم انتقل إلى حسينيّة الشياح، وظلّ ينتقل من مكانٍ إلى مكان، وكنّا تقريباً نواكبه، واستمرّينا معه في الدراسة، كما ذكرت، إلى حين وفاته.

الثّقة والمسؤوليّة

وبقي التنسيق في مجال العمل على حاله، ولكن على مبدأ السيّد، وهو أنّه كان يعطينا الثقة التامّة لنقوم بالعمل والنشاط. أذكر في أوائل العام 87، طلب بعض الإخوان في ليبيريا في غرب أفريقيا من سماحته أن يرسل في شهر رمضان المبارك عالم دين لإلقاء المحاضرات للجالية اللّبنانيّة هناك، فأشار سماحة السيّد إليّ. وباختصار، وقبل السفر، قلت له: مولانا، ما هي وصيّتكم؟ فقال كلمةً تجعل أيّ إنسان يكون لديه ثقة بنفسه، ويشعر بالمسؤوليّة أكثر: "أرسل حريصاً ولا توصه". فهذا يجعلنا نثق بأنفسنا، ويحمّلنا مسؤوليّة. فكانت هذه طريقته في التعامل معنا، إن كان نشاط مدرسة الإمام الحسين(ع)، أو السفر الّذي تكرّر عدّة مرات على غرب أفريقيا ووسط أفريقيا ودول أوروبيّة عدة، وهذه ثقته التي كان يعطينا إيّاها دائماً. والحمد لله، كان هناك نجاح في عملنا، يسجَّل، إن شاء الله، في سجلّ أعمالنا يوم القيامة.

المساواة أمام القضاء

سماحة السيّد عندما طلب مني أن أستلم هذا المكتب في العام 2002، بعد استقالة مديره، كانت توصياته الأساسيّة أنَّ النّاس أمام القضاء سواسية. وأنا كان عندي خوف من القضاء، ثمّ خوَّفني سماحة السيّد أكثر، عندما عُرِضَ عليّ تولّي القضاء في المحكمة الشرعيّة، فرفضته بعد استشارته وقوله لي: فرّ من القضاء فرارك من الأسد. لكن بعد ذلك، دعاني لأن أستلم القضاء عنده، ولكن كان لي شرط أساس، أن لا أحكم في أيّ قضيّة، مهما كانت صغيرة وواضحة وبسيطة، إلّا من خلال جمع معلومات وتقديمها له، وهو يحكم، ومشينا على هذا المنوال.

وقد حصلت حادثة قد تكون شاهداً على مستوى العدالة في هذه الأمور، وهي أنّ أحد الأشخاص كان له مركز اجتماعي كبير، وقد رفع موظّف عنده شكوى في مكتب القضاء، فاستدعيناه كما نستدعي أيّ إنسان آخر، وهو صاحب مركز مرموق، وبدأت الاتصالات، بأنّه كيف يتمّ استدعاء هكذا شخص! بعد انتهاء الدرس مع سماحة السيّد في يوم من الأيّام، جلست مع سماحته، وقلت له: مولانا، فلان مع فلان وفلان اتصلوا بأنّ هذا الشخص مرفوع دعوى عليه، ويجب أن نعامله معاملة غير بقيّة الناس، فكان جواب السيّد (رحمه الله): الناس أمام القضاء سواء، لا يجوز تمييز إنسان عن إنسان.

انتهينا الحديث، وإذا بأحد الأشخاص ممّن اتّصل من أجل الشّخص الّذي رُفِعت دعوى عليه، يتحدّث مع السيّد بشأنه، ولكنّ السيّد ردّ عليه بأنّه شرعاً لا يجوز تمييز إنسان عن إنسان، كائناً من كان. وسرنا في المسألة على هذا الأساس، وظلّ السيّد يسير على هذا الأساس حتّى آخر حياته، حتّى إنّه كان يلزم أولاده بالحضور أمام القضاء الشّرعي في حال رفع أحد عليهم قضيّة.

على كلّ حال، فإنّ مسيرتنا الفعلية مع سماحة السيّد، الّتي كانت من العام 77 إلى ساعة وفاته، علّمتنا دروساً كثيرة؛ علّمتنا كيف نصبر على النّاس، كيف نتحمّل التّبعات، كيف نواجه المصاعب، كيف نسير بما يرضي الله. وإن شاء الله، نكون على الدّرب الّذي خطّه لنا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين.

اللّقاء الأوّل

اللّقاء الأوّل مع سماحة السيّد، كان إلى حدّ ما لقاءً عابراً وسريعاً، ففي العام 1976، كنّا طلاب علم في قرية جنوبيّة اسمها مركبا، وكان هناك احتفال في قرية أخرى اسمها الطيبة، وكان سماحة السيّد مدعوّاً لإلقاء كلمة، وكانت مسؤوليّتي أن أرشده إلى المكان. انتظرته على مفرق قرية مركبا على الخطّ العام، وركبت معه في السيارة. كانت السيارات في ذاك الزمن متواضعة، ولم يكن هناك المسائل الأمنيّة الموجودة الّتي استجدّت فيما بعد.

وكان هذا أوّل لقاء بيني وبينه. لكن في أوائل العام 77، صار هناك وضع أمنيّ سيّئ في مركبا. تركنا القرية ونزلنا إلى بيروت كطلّاب علم، واستمرّينا في الدراسة. لكن في هذه المرحلة، كنا قد أنهينا دراسة المقدِّمات، وبدأنا بدراسة السطوح؛ أصول الفقه، الّتي هي تأليف الشيخ رضا المظفّر، واللّمعة الدمشقية، وهذه بدأنا بدراستها مع سماحة السيّد عنده في البيت، عندما كان في بئر العبد... ثم بعد ذلك، استمرّت دراستنا عند سماحته تقريباً من أواخر العام 76 إلى حين وفاته، فدرسنا عنده كلّ السطوح، ثم بدأ بتدريس بحث الخارج، واستمرّينا معه.

في هذه المرحلة، كانت تربطنا بسماحة السيّد ليس فقط الدروس التي كنّا نتلقّاها من سماحته. يعني أنا وبعض الإخوان؛ الشيخ محمد قبيسي مثلاً، الشيخ جمال سباعي (رحمة الله عليه)، الشيخ عباس حرب، وبعض الإخوان الآخرين، كان عندنا نشاط آخر غير طلب العلم، وهو تدريس الإخوة والأخوات دروساً غير حوزويّة، لغير طلّاب العلم، بما يسمى بمدرسة الإمام الحسين الدينيّة(ع).

هذا النشاط الذي كنا نقوم به، ما بين الدّراسة والاحتفالات ودورات مهنية للأخوات، كان هناك تنسيق تامّ مع سماحة السيّد حوله، وأخذ الإرشادات منه. والملاحظ، أنَّ سماحته كان يعطي الإرشادات والملاحظات، لكنّه لم يكن يتدخّل في عملنا بشكل مباشر، إنما كان يعطي النصيحة ويعتمد على ثقته بنا، لأنّنا نقوم بالعمل بالوجه المطلوب، وهذه المسألة ـ العمل في مدرسة الإمام الحسين(ع) ـ استمرّت إلى حين وفاته.

أحياناً كنّا نقيم احتفالات، وكان سماحته يشارك فيها عبر إلقاء كلمة، وكنّا نقيم ندوات ليليّة، وكان سماحته يشارك فيها أيضاً. وقد نشأ في ذلك الوقت اهتمام بدرس التفسير القرآني، والذي كان سماحته يعطيه في بيت أحد الإخوان، وهو الحاج طارق الخليل، والذي كان يشارك معنا بنشاط في مدرسة الإمام الحسين(ع)، ثم انتقل الدّرس إلى الثانوية الرسمية للبنات في منطقة الرمل العالي.

وقد ظلَّ يعطي الدّروس هناك لفترة معيَّنة، ثم انتقل إلى حسينيّة الشياح، وظلّ ينتقل من مكانٍ إلى مكان، وكنّا تقريباً نواكبه، واستمرّينا معه في الدراسة، كما ذكرت، إلى حين وفاته.

الثّقة والمسؤوليّة

وبقي التنسيق في مجال العمل على حاله، ولكن على مبدأ السيّد، وهو أنّه كان يعطينا الثقة التامّة لنقوم بالعمل والنشاط. أذكر في أوائل العام 87، طلب بعض الإخوان في ليبيريا في غرب أفريقيا من سماحته أن يرسل في شهر رمضان المبارك عالم دين لإلقاء المحاضرات للجالية اللّبنانيّة هناك، فأشار سماحة السيّد إليّ. وباختصار، وقبل السفر، قلت له: مولانا، ما هي وصيّتكم؟ فقال كلمةً تجعل أيّ إنسان يكون لديه ثقة بنفسه، ويشعر بالمسؤوليّة أكثر: "أرسل حريصاً ولا توصه". فهذا يجعلنا نثق بأنفسنا، ويحمّلنا مسؤوليّة. فكانت هذه طريقته في التعامل معنا، إن كان نشاط مدرسة الإمام الحسين(ع)، أو السفر الّذي تكرّر عدّة مرات على غرب أفريقيا ووسط أفريقيا ودول أوروبيّة عدة، وهذه ثقته التي كان يعطينا إيّاها دائماً. والحمد لله، كان هناك نجاح في عملنا، يسجَّل، إن شاء الله، في سجلّ أعمالنا يوم القيامة.

المساواة أمام القضاء

سماحة السيّد عندما طلب مني أن أستلم هذا المكتب في العام 2002، بعد استقالة مديره، كانت توصياته الأساسيّة أنَّ النّاس أمام القضاء سواسية. وأنا كان عندي خوف من القضاء، ثمّ خوَّفني سماحة السيّد أكثر، عندما عُرِضَ عليّ تولّي القضاء في المحكمة الشرعيّة، فرفضته بعد استشارته وقوله لي: فرّ من القضاء فرارك من الأسد. لكن بعد ذلك، دعاني لأن أستلم القضاء عنده، ولكن كان لي شرط أساس، أن لا أحكم في أيّ قضيّة، مهما كانت صغيرة وواضحة وبسيطة، إلّا من خلال جمع معلومات وتقديمها له، وهو يحكم، ومشينا على هذا المنوال.

وقد حصلت حادثة قد تكون شاهداً على مستوى العدالة في هذه الأمور، وهي أنّ أحد الأشخاص كان له مركز اجتماعي كبير، وقد رفع موظّف عنده شكوى في مكتب القضاء، فاستدعيناه كما نستدعي أيّ إنسان آخر، وهو صاحب مركز مرموق، وبدأت الاتصالات، بأنّه كيف يتمّ استدعاء هكذا شخص! بعد انتهاء الدرس مع سماحة السيّد في يوم من الأيّام، جلست مع سماحته، وقلت له: مولانا، فلان مع فلان وفلان اتصلوا بأنّ هذا الشخص مرفوع دعوى عليه، ويجب أن نعامله معاملة غير بقيّة الناس، فكان جواب السيّد (رحمه الله): الناس أمام القضاء سواء، لا يجوز تمييز إنسان عن إنسان.

انتهينا الحديث، وإذا بأحد الأشخاص ممّن اتّصل من أجل الشّخص الّذي رُفِعت دعوى عليه، يتحدّث مع السيّد بشأنه، ولكنّ السيّد ردّ عليه بأنّه شرعاً لا يجوز تمييز إنسان عن إنسان، كائناً من كان. وسرنا في المسألة على هذا الأساس، وظلّ السيّد يسير على هذا الأساس حتّى آخر حياته، حتّى إنّه كان يلزم أولاده بالحضور أمام القضاء الشّرعي في حال رفع أحد عليهم قضيّة.

على كلّ حال، فإنّ مسيرتنا الفعلية مع سماحة السيّد، الّتي كانت من العام 77 إلى ساعة وفاته، علّمتنا دروساً كثيرة؛ علّمتنا كيف نصبر على النّاس، كيف نتحمّل التّبعات، كيف نواجه المصاعب، كيف نسير بما يرضي الله. وإن شاء الله، نكون على الدّرب الّذي خطّه لنا.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير