قصّة النبيّ يونس(ع)

قصّة النبيّ يونس(ع)

من القصص الّتي وردت في القرآن الكريم، قصّة نبيّ الله يونس بن متّى(ع)، ومتّى أمّه. قال ابن الأثير في كتاب "الكامل في التّاريخ": لم يُنسب أحد من الأنبياء إلى أمّه إلا عيسى بن مريم، ويونس بن متّى.. بينما نجد أبا الفرج ابن الجوزي في المنتظم يقول: وحتى أبوه هو من ولد بنيامين بن يعقوب، وفي مختصر تاريخ دمشق: يونس بن متّى ذو النّون، نبيّ الله ورسوله، وهو من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم(ع).

يونس هو من الأنبياء، ويسمّى عند أهل الكتاب بـ"يونان بن أمتاي"، أرسله الله تعالى، بحسب ما يذكر، إلى أهل "نينوى"، وهي مدينة على ضفاف نهر دجلة في العراق، خلال القرن الثّاني الميلادي، لنهي النّاس عن عبادة الأصنام والأوثان، وردّهم إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، ومن أشهر الأصنام الّتي كانوا يعبدونها بحسب المؤرّخين، "عشتار".

وقد سمّاه الله تعالى (ذا النون)، كما في سورة الأنبياء، الآية 87: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وسورة الصّافّات: {وإنّ يونس لمن المرسلين}[الصافّات: 139].

يقول سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض): وهذا رسول آخر عاش مع قومه مدّة طويلة، لم يستجب له فيها إلا القليلون، فخرج مغاضباً احتجاجاً على ذلك، من دون أن يتلقّى أيّة تعليمات من الله تدعوه للخروج، اقتناعاً منه بأنّ السّاحة لا تحتاج إلى بقائه، فقد قام بدوره كما يجب، ولكنَّ الله اعتبر عمله نوعاً من الهروب في ما يمثّله ذلك من معنى الإباق، تماماً كما إباق العبد من مولاه.

ويتابع سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض) حديثه عن قصّة النبيّ يونس(ع): {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[الصافّات: 140]، أي السفينة المملوءة بالنّاس، فركبها كفردٍ من النّاس من دون أن يعرف أحد شخصيّته المميّزة، وكانت المفاجأة أنّ حوتاً عرض للسّفينة، وكان ذلك يفرض تقديم شخص من الركّاب له، ليبتلعه ليذهب بعيداً عنها، فلا يهاجمها أو يغرقها.

{فَسَاهَمَ}، أي دخل في عمليّة خلط السّهام، وهي القرعة الّتي يراد بها استخراج اسم أيّ شخص من الركّاب ليقفز إلى البحر {فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} أي المغلوبين، وهكذا تمّ إلقاؤه في البحر {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}[الصافّات: 142]، أي ذو ملامة، يعيش لوم نفسه على ما فعله {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ}[الصافّات: 143] الّذين يبتهلون إلى الله بأسلوب التّسبيح الّذي يعبِّر عن عظمة الله، بما يمثّله ذلك من عمق العبوديّة وروحيّة الابتهال وحسن الخشوع، ما يجعله موضعاً لرعاية الله ورحمته ولطفه وإحسانه، {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافّات: 144]، أي لأكله الحوت كما يأكل المخلوقات الأخرى، فيصير جزءاً من جسده، فيبعث منه كما يبعث الميت من قبره، وهو وارد على سبيل الكناية.

{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء}، وهو المكان الخالي الّذي لا شجر فيه ولا شيء يغطّيه {وَهُوَ سَقِيمٌ}[الصّافات: 145] عليل مما حلّ به، {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}[الصافّات: 146] وهي القرع لتظلّله {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}[الصافّات: 147]، ربما يستوحي بعضهم من هذه الآية، أنّ رسالته كانت متأخّرة عن هذا الحدث الّذي حلّ به، لأنّ الحديث عن الرّسالة جاء بعد الحديث عنه، وربما كان المراد به الحديث عن موقعه في صلته الرساليّة بعيداً عن التّوقيت، وهناك احتمالات أخرى. {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[الصافات: 148] أي إلى أجلٍ مسمّى...[تفسير من وحي القرآن، ج19، ص:217].

وهناك في التّفاسير وغيرها كلام حول مدّة بقائه في بطن الحوت، ففي تفسير "ابن كثير"، أنّه مكث في بطنه أربعين يوماً، وقال "البغوي" في تفسيره: "فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة"، وهناك أقوال أنّه بقي سبعة أيّام أو ثلاثة أيّام وغير ذلك.

وعن الأجواء العامّة لسورة "يونس"، يتابع سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض) حديثه بالقول: "يونس هو اسم نبيّ أرسله الله لهداية النّاس، ولكنّهم تمرّدوا عليه، ففارقهم ودعا عليهم، وكانت له قصّة بلاءٍ في ما ابتلاه الله به من التقام الحوت له، ثم إنقاذ الله له، حيث أخرجه من بطن الحوت، وأنبت عليه شجرةً من يقطين، وانطلق اسمه ـ بعد ذلك ـ في الضّباب، لأنّ القرآن لم يفصح لنا الكثير عن ذلك، كما لم يتحدّث لنا عن تفاصيل قصّته قبل ذلك، كما هي طريقة القرآن في تأكيد الملامح المميّزة للشخصيّة المتعلّقة بالخطّ السلبيّ أو الإيجابيّ للرّسالة وللإنسان وللحياة.

ولهذا، فإنّ القرآن لا ينقل إلينا تاريخاً يحدّد ملامح البداية والنّهاية، لأنها ليست بذات موضوع في الهدف القرآني غالباً.

وفي ضوء ذلك، كان اسم السّورة لا يمثّل حجماً كبيراً في حركة الآيات في داخلها، بل يمثّل حالة سريعة لا تكاد تقف عندها، حتّى تشعر بأنّها انتهت لتفسح المجال لقصّة أخرى وشخصية ثانية، لأنّ الهدف هو الإيحاء باللّمحة وبالصّورة وبالكلمة المليئة بالرّوح الموحية بالإيمان، وهذا ما تتمثّله في الآية المباركة: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس: 98]...[تفسير من وحي القرآن، ج11، ص:259].

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


من القصص الّتي وردت في القرآن الكريم، قصّة نبيّ الله يونس بن متّى(ع)، ومتّى أمّه. قال ابن الأثير في كتاب "الكامل في التّاريخ": لم يُنسب أحد من الأنبياء إلى أمّه إلا عيسى بن مريم، ويونس بن متّى.. بينما نجد أبا الفرج ابن الجوزي في المنتظم يقول: وحتى أبوه هو من ولد بنيامين بن يعقوب، وفي مختصر تاريخ دمشق: يونس بن متّى ذو النّون، نبيّ الله ورسوله، وهو من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم(ع).

يونس هو من الأنبياء، ويسمّى عند أهل الكتاب بـ"يونان بن أمتاي"، أرسله الله تعالى، بحسب ما يذكر، إلى أهل "نينوى"، وهي مدينة على ضفاف نهر دجلة في العراق، خلال القرن الثّاني الميلادي، لنهي النّاس عن عبادة الأصنام والأوثان، وردّهم إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، ومن أشهر الأصنام الّتي كانوا يعبدونها بحسب المؤرّخين، "عشتار".

وقد سمّاه الله تعالى (ذا النون)، كما في سورة الأنبياء، الآية 87: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وسورة الصّافّات: {وإنّ يونس لمن المرسلين}[الصافّات: 139].

يقول سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض): وهذا رسول آخر عاش مع قومه مدّة طويلة، لم يستجب له فيها إلا القليلون، فخرج مغاضباً احتجاجاً على ذلك، من دون أن يتلقّى أيّة تعليمات من الله تدعوه للخروج، اقتناعاً منه بأنّ السّاحة لا تحتاج إلى بقائه، فقد قام بدوره كما يجب، ولكنَّ الله اعتبر عمله نوعاً من الهروب في ما يمثّله ذلك من معنى الإباق، تماماً كما إباق العبد من مولاه.

ويتابع سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض) حديثه عن قصّة النبيّ يونس(ع): {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[الصافّات: 140]، أي السفينة المملوءة بالنّاس، فركبها كفردٍ من النّاس من دون أن يعرف أحد شخصيّته المميّزة، وكانت المفاجأة أنّ حوتاً عرض للسّفينة، وكان ذلك يفرض تقديم شخص من الركّاب له، ليبتلعه ليذهب بعيداً عنها، فلا يهاجمها أو يغرقها.

{فَسَاهَمَ}، أي دخل في عمليّة خلط السّهام، وهي القرعة الّتي يراد بها استخراج اسم أيّ شخص من الركّاب ليقفز إلى البحر {فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} أي المغلوبين، وهكذا تمّ إلقاؤه في البحر {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}[الصافّات: 142]، أي ذو ملامة، يعيش لوم نفسه على ما فعله {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ}[الصافّات: 143] الّذين يبتهلون إلى الله بأسلوب التّسبيح الّذي يعبِّر عن عظمة الله، بما يمثّله ذلك من عمق العبوديّة وروحيّة الابتهال وحسن الخشوع، ما يجعله موضعاً لرعاية الله ورحمته ولطفه وإحسانه، {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافّات: 144]، أي لأكله الحوت كما يأكل المخلوقات الأخرى، فيصير جزءاً من جسده، فيبعث منه كما يبعث الميت من قبره، وهو وارد على سبيل الكناية.

{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء}، وهو المكان الخالي الّذي لا شجر فيه ولا شيء يغطّيه {وَهُوَ سَقِيمٌ}[الصّافات: 145] عليل مما حلّ به، {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}[الصافّات: 146] وهي القرع لتظلّله {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}[الصافّات: 147]، ربما يستوحي بعضهم من هذه الآية، أنّ رسالته كانت متأخّرة عن هذا الحدث الّذي حلّ به، لأنّ الحديث عن الرّسالة جاء بعد الحديث عنه، وربما كان المراد به الحديث عن موقعه في صلته الرساليّة بعيداً عن التّوقيت، وهناك احتمالات أخرى. {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[الصافات: 148] أي إلى أجلٍ مسمّى...[تفسير من وحي القرآن، ج19، ص:217].

وهناك في التّفاسير وغيرها كلام حول مدّة بقائه في بطن الحوت، ففي تفسير "ابن كثير"، أنّه مكث في بطنه أربعين يوماً، وقال "البغوي" في تفسيره: "فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة"، وهناك أقوال أنّه بقي سبعة أيّام أو ثلاثة أيّام وغير ذلك.

وعن الأجواء العامّة لسورة "يونس"، يتابع سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض) حديثه بالقول: "يونس هو اسم نبيّ أرسله الله لهداية النّاس، ولكنّهم تمرّدوا عليه، ففارقهم ودعا عليهم، وكانت له قصّة بلاءٍ في ما ابتلاه الله به من التقام الحوت له، ثم إنقاذ الله له، حيث أخرجه من بطن الحوت، وأنبت عليه شجرةً من يقطين، وانطلق اسمه ـ بعد ذلك ـ في الضّباب، لأنّ القرآن لم يفصح لنا الكثير عن ذلك، كما لم يتحدّث لنا عن تفاصيل قصّته قبل ذلك، كما هي طريقة القرآن في تأكيد الملامح المميّزة للشخصيّة المتعلّقة بالخطّ السلبيّ أو الإيجابيّ للرّسالة وللإنسان وللحياة.

ولهذا، فإنّ القرآن لا ينقل إلينا تاريخاً يحدّد ملامح البداية والنّهاية، لأنها ليست بذات موضوع في الهدف القرآني غالباً.

وفي ضوء ذلك، كان اسم السّورة لا يمثّل حجماً كبيراً في حركة الآيات في داخلها، بل يمثّل حالة سريعة لا تكاد تقف عندها، حتّى تشعر بأنّها انتهت لتفسح المجال لقصّة أخرى وشخصية ثانية، لأنّ الهدف هو الإيحاء باللّمحة وبالصّورة وبالكلمة المليئة بالرّوح الموحية بالإيمان، وهذا ما تتمثّله في الآية المباركة: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس: 98]...[تفسير من وحي القرآن، ج11، ص:259].

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير