السيِّد فضل الله يتحدَّث عن سيرته والمرجعيَّة والمقاومة والسياسة والمرأة

السيِّد فضل الله يتحدَّث عن سيرته والمرجعيَّة والمقاومة والسياسة والمرأة

في حوارٍ له مع الفضائيَّة الكويتيَّة:

السيِّد فضل الله يتحدَّث عن سيرته والمرجعيَّة والمقاومة والسياسة والمرأة

ضيف البرنامج هو شخصيَّة دينيَّة، جمعت ما بين الفقه الدّيني والثقافة العربيَّة والشعر، هذه الشخصيَّة تحظى باحترام أعداد كبيرة من المؤمنين في أنحاء العالم، وبقدر ما أثارت هذه الشخصيَّة من إعجاب، بقدر ما أثارت من جدل.

أرحِّب بكم من الضَّاحية الجنوبيَّة من لبنان، وأرحِّب بضيف هذه الحلقة، سماحة آية الله السيِّد محمد حسين فضل الله. أهلاً سماحة السيِّد. سعداء جداً بوجودك معنا والتقائنا بك.

من هو السيِّد فضل الله؟!

س: سماحة السيِّد، باختصار شديد، وإن كان الواحد منّا لا يحبّ التحدّث عن نفسه، من هو السيِّد محمد حسين فضل الله؟

ج: هو إنسان ولد في النجف الأشرف في العراق، والده كان أستاذاً في الحوزة، انفتح فيها على الثقافة الإسلاميَّة من خلال مختلف المؤثِّرات التي تقتحم العقل والقلب والروح وتؤثِّر في المشاعر، وانفتح على الأدب العربي وعلى الشعر مبكراً، وفي السنة العاشرة من عمره، كان يقول شعراً، ثم انطلق في الدراسة الدينيَّة مبكراً، درس على والده، انفتح على العصر من خلال قراءته لأكثر من مجلَّة لبنانيَّة ومصريَّة، ولأكثر من قصَّة مترجمة عن الفرنسيَّة أو عن الإنكليزيَّة، وانفتح على الواقع السياسي هناك، واستمرَّ في دراسته عند أساتذة النَّجف الكبار (السيّد أبو القاسم الخوئي والسيّد محسن الحكيم والشّيخ حسين الحلّي)، وعاش نشاطاً صحافياً عندما كان يشرف مع السيِّد محمد باقر الصَّدر وآخرين على مجلَّة الأضواء الّتي كان يصدرها جماعة العلماء في النجف الأشرف في سنة 1958، وكان يكتب افتتاحيّتها بعنوان "كلمتنا" لمدة ستّ سنوات، وهكذا دخل النَّجف من الموقع المتحرَّك ثقافياً وأدبياً وفقهياً، وربما سياسياً، بطريقة وبأخرى كنت إسلامياً منذ البداية، أفكّر في أنَّ علينا أن نقدِّم الإسلام كقاعدة للفكر والعاطفة والحياة.

في سنة 1966، جئت إلى لبنان، إلى منطقة البؤس في بيروت، (منطقة النبعة)، وقمت بتأسيس عدة مشاريع، ثم انفتحت بعد سقوط النبعة على كلّ الواقع اللّبناني، وقمت بإلقاء المحاضرات هنا وهناك، وبتأسيس حوزة علميَّة ومبرات خيرية للأيتام ومدارس أكاديمية ومكاتب اجتماعية ومبرات أيضاً للمعاقين، حتى بلغت المؤسَّسات بفضل كثير من المحسنين، ومنهم محسنون كويتيون طيِّبون، ما يزيد على العشرين مؤسَّسة.

س: سماحة السيِّد، ألم تكن هذه المؤسَّسات موجودة؟

ج: المؤسَّسات التي أنشأتها لم تكن موجودة، فهناك خمس مبرات للأيتام في بيروت وفي الهرمل في البقاع وفي الجنوب، وهناك عدة مدارس ابتدائيّة وثانويّة وروضات في أكثر من محافظة من محافظات لبنان، وهكذا قمنا بتأسيس مكاتب للخدمات الاجتماعيَّة ومعهد للمكفوفين ومعهد للصّمّ، بحيث أصبحت مؤسَّساتنا تمثّل الموقع النموذجي الَّذي قد يتفوَّق على كثيرٍ من المؤسَّسات اللبنانيَّة من سائر الطوائف الأخرى.

العمل في السياسة!

س: أثناء وجودكم في العراق، كتبتم وناقشتم، ومعروف أنَّ مجال النَّجف هو مجال ثقافيّ كبير جداً، هل عملتم في مجال السياسة؟ أقصد تنظيميّاً؟

ج: لم أعمل في مجال السياسة تنظيميّاً، بل كنت أعيش في هذا الجوّ، أي كنت أنظر إلى الإسلام من خلال كتاباتي، ولم أدخل في أيّ صيغة تنظيميَّة كانت تتحرَّك بها التنظيمات الإسلاميَّة في العراق، ومنها حزب الدعوة.

س: لمـاذا سماحـة السيـِّد؟

ج: لأني أحبّ أن أعمل في الهواء الطّلق، أحب أن أكتب وأنظِّر للحركة الإسلاميَّة، وأشرف إشرافاً ثقافيّاً على الخطوط الإسلاميَّة، وأعطي رأياً في المسائل السياسيَّة، سواء كان رأياً تحليلياً أو موقعياً.

س: هل هذا معناه سماحة السيِّد، أنَّك تريد أن تكون ملهم الثَّورة، ملهم التحرّر، أن تكون طرفاً في الصِّراع؟

ج: لا أضع نفسي في هذا العنوان الكبير، ولكنّي أحاول، كما قلت، أن أتنفَّس الفكر الإسلاميَّ في الهواء الطلق، قد تكون المسألة مزاجيَّة في أن لا أعيش شخصيَّة العمل التنظيمي الذي يصوّر بأكثر من صورة.

س: لماذا لم تنشىء تنظيماً؟ أن تكون رأس هذا التَّنظيم ومغذِّي هذا التنظيم؟

ج: قد لا تكون لديَّ الظروف الموضوعيَّة التي تتيح لي ذلك، ولكني أزعم أنَّني موجود في روح أكثر التنظيمات الإسلاميَّة.

شخصيّة جدليّة!

س: دعني أواجهك بصراحة، أنت أثرت للحقيقة الكثير من الجدل، يبدو أنَّ هناك خلافاً حول شخصيَّتك، هناك من يقول إنّك تسعى بكلّ إمكانياتك لأن تكون المرجعية الدينية للطائفة الشيعيَّة، وهناك من يقول بأنَّك لست الأولى بذلك، وأنَّ هناك من هم أولى بذلك، هل وصلتك تلك الأمور؟

ج: لقد سمعت الكثير من ذلك، مشكلتي أنَّني أعيش الحريَّة الفكريَّة، لا من موقع ذاتي يحاول أن يضخِّم للإنسان شخصيَّته، ولكنّي عندما أدرس كلَّ تاريخ الثقافة الفقهيَّة أو الكلاميَّة أو غير ذلك من الثقافة الإسلاميَّة، أشعر بأنَّ الذين تقدّمونا هم رجال يفكِّرون ونحن نفكّر، ليست كلّ الآراء الفقهيَّة والآراء الكلاميَّة التي قال بها العلماء من قبلنا هي آراء معصومة، ولذلك من حقّنا أن نختلف معهم أو نتّفق، كما من حقهم أن يختلف بعضهم مع بعض أو يتّفقوا، لذلك كنت أحاول أن أدرس المسائل دراسة موضوعيّة، بعيداً من كلّ المقدَّسات الفكرية التي أنتجها العلماء، ليس معنى ذلك أنَّنا ننكر عليهم علمهم، قد تكون هناك بعض الفتاوى التي لا يوافق عليها الكثيرون قد وصلت إلى نتيجة إيجابيَّة بالنسبة إليهم.

هناك رأي مشهور بين فقهاء علماء الشيعة كاد أن يكون إجماعاً، وهو نجاسة الكافر ونجاسة الكتابي بشكل مشهور، وغير الكتابي بشكل إجماعيّ، ولكني رأيت أن ليس هناك دليلٌ يمكن أن لا يخضع للمناقشة في هذا الموضوع، ولهذا أفتيت بطهارة كلّ إنسان، فليس هناك إنسان نجس، سواء كان ملحداً أو كان كتابياً أو بوذياً أو أيّ شيء من ذلك.

نحن نعتقد أنَّ هناك فرقاً بين أن تحكم بقذارة فكر معيَّن أو بقذارة جسدٍ معيَّن، إنَّ قذارة الفكر لا تصل إلى قذارة الجسد، حتى إنَّنا نقول إنَّ كلمة "إنما المشركون نجس"، ليس المراد بها نجاسة أجساد المشركين، بل نجاسة الشِّرك من حيث هو قذارة معنويَّة، نجاسة معنويَّة وليست نجاسة مادية.

هناك رأي مشهور بين الفقهاء، ولا سيَّما الشيعة، أنه لا يجوز اللَّعب بآلات القمار حتى للتسلية، نحن نقول إنَّه يجوز ذلك إذا كان للتَّسلية، بشرط ألا يأخذ وقت الإنسان، هناك رأيٌ بتحريم الشَّطرنج، لم يخترقه إلَّا الإمام الخميني، ونحن نرى حليَّة الشطرنج إذا كان اللّعب بدون عوض، وهكذا، المشهور عند علماء الشيعة حرمة حلق اللّحية، وأنا أرى أنَّه يجوز حلق اللّحية.

من المسؤول عن عزلِ المرأة؟!

س: سماحة السيِّد، لك أيضاً رأي في مسألة استقلاليَّة المرأة؟

ج: نحن نرى أنَّ المرأة هي إنسان كما هو الرّجل إنسان، عقلها كعقله، وطاقتها كطاقته، ونرى أنَّ المرأة قد عزلت في التَّاريخ، فلم تستطع أن تؤكِّد مقدرتها العقليَّة والذهنيَّة، لأنها حبست في البيت.

س: من الَّـذي عزلـها؟

ج: المجـتمــع!

س: المجتمع أم أنتم رجال الدين؟

ج: لا، المجتمع، حتى قبل الدّين، قبل انطلاق المجتمع الدّيني بشكل متحرك، كان المجتمع يضع المرأة في مواقع التخلّف، حتى إننا نرى أنه قبل أن تنطلق أوروبا بثقافتها وتطورها، كانت المرأة تمثِّل شيئاً هامشياً في المجتمع.. المهمّ من الذي عزلها؟ تلك مسألة قابلة للنقاش، ولكنَّها عندما عزلت كفَّت على أن تكون العنصر المنتج الذي يمكن أن يعطي عقلاً وفكراً وحركةً ومنهجاً وما إلى ذلك.

فأنا من خلال دراستي للقرآن، أجد أن القرآن لم يفرّق بين المرأة والرَّجل في المسؤوليَّات في داخل الحياة الزوجيَّة، فقط في مسألة "الرجال قوَّامون على النساء". أما في المجتمع، فليس للرجل قوامة على المرأة في القضايا الاجتماعية أو السياسية العامَّة. ولهذا، نحن قلنا إنّ من حقّ المرأة أن تنتخِب وتُنتَخَب، ومن حقّ المرأة أن تمارس العمل الاجتماعيّ والعمل السياسيّ جنباً إلى جنب مع الرَّجل، أما مسألة أخلاقيَّة المرأة، فذات أخلاقيّة الرجل، وإنَّ الأخلاق ليست سجناً يسجن المرأة ويعيش الرّجل حريته في هذا المجال.

س: سماحة السيِّد، في هذا المجال، هناك من يقول: نحن لا نريد أن ندخل في الشّبهات!

ج: إنّ قضيّة الدخول في الشبهات هي مسألة نسبيّة، يمكن أن تعيش في دائرة الرجل، ويمكن أن تعيش في دائرة المرأة، إن الشبهات لا تعيش فقط في دائرة الجنس، وإن المجتمع، وخصوصاً المجتمع العربي والشّرقي، ينظر إلى المرأة لا كإنسان، بل كأداة جنس، ولهذا يحاول أن يحكم عليها من خلال الأمور الجنسيَّة، ونحن نقول المسألة هي أنَّ المرأة إنسان قد يقع في الخطأ كما هو الرَّجل كذلك، لهذا علينا أن ندرس المسألة دراسة موضوعيَّة، وأنّ القضيَّة ليست قضيّة أنَّ المرأة قابلة للانحراف أكثر من الرَّجل، ولكنَّ القضيَّة هي أننا وضعنا المرأة في ظروفٍ حبستها في زنزانة ضيّقة، وعندما نطلق حريتها في خطّ التوازن، فإنّ من الممكن أن تعطي إنتاجاً كبيراً. إني أعتقد أنَّ العالم خسر في عزله للمرأة الاستفادة من عقلها ومن قلبها.

س: العالم الإسـلامـي؟

ج: العالم كلّه قد خسر من عزل المرأة على مدى التاريخ الكثير من المبادرات الثقافيّة والعلميّة.

س: سماحة السيِّد، المرأة، مثلاً، في أفغانستان، لا تعمل، لا تدرس، لا تخرج إلَّا في ظروف معيَّنة؟

ج: نحن نعتقد أن التخلّف الذي عاشه الكثير من المثقّفين المسلمين من علماء دين وغيرهم، هو الذي فرض على المرأة هذا التخلّف.

س: ولكن ألا يمكننا أن نقول إننا نخشى على المرأة عندما تنخرط في العمل العام، أن تنسى أمور الأسرة، وأن يؤدّي ذلك إلى تفكيك الأسرة، وإلى حصول مشاكل اجتماعيّة؟

ج: هناك فرق بين أن تمنع المرأة من العمل العام، وبين أن تستهلكها في العمل العام، كلاهما خطأ، إنّ علينا أن نقول للمرأة إن دورها في البيت ليس دوراً يلغي ذاتها، بل يؤكّده، ولكن في الوقت نفسه، لها الحقّ في أن تمارس العمل العام بالمستوى الّذي لا يلغي دورها في البيت، ومن حقّها أن تعيش إنسانيَّتها، وأن تتثقَّف إلى أعلى درجات الثقافة، هذا لا يلغي دورها في البيت.

س: سماحة السيّد، هل أفهم من هذا الكلام أنَّك تدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في الجانب السياسيّ؟

ج: أنا أدعو إلى أن تأخذ المرأة حقَّها في المبادرات السياسيّة، في أن تعطي رأيها في الواقع السياسي، وأن تتخذ الموقف السياسي، أن تؤيّد وأن ترفض في عملية اللعبة السياسية.

اللّعب بأدوات التسلية

س: سماحة السيّد، حتى لا يُساء الفهم، كأنَّك قلت إنَّ الشطرنج والقمار حلال؟

ج: القمار حرام، ولكن اللّعب بأدوات التّسلية حلال، والشّطرنج من دون عوض حلال.

س: يعني هذا لا يدخل في إطار: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة: 90]؟

ج: لا، لأنَّ الميسر هو اللّعب بعوض، أمّا اللّعب للتّسلية فبدون عوض.

عدم الردِّ على التَّشهير؟!

س: سماحة السيِّد، هناك جهات كثيرة تعاديكم، تصدر بيانات، ويتضمَّن بعضها تشهيراً بحقّ السيّد، وأنتم صامتون، فهل أنتم خائفون منهم وغير قادرين عليهم، أم ليس لديكم قوّة حجيّة تمكنكم من الردّ عليهم؟

ج: إنّني أؤمن بأنَّ هؤلاء الَّذين يشهرون ويتَّهمون لا يملكون الحجّة العلميَّة، ولا يقرأون ما أكتب وأقول، بل إنَّني أستطيع أن أقول إنَّ بعض الكبار، وحتى من بعض المراجع الدينيّين، لم يقرأوا كتاباً من كتبي، وإنما اعتمدوا على نقلٍ هنا ونقلٍ هناك، ولذلك كان تعليقي أنّني أطلب منهم أن يكونوا أتقياء في قراءاتهم، وأتقياء في أحكامهم، لأنَّ التقوى تفرض التثبّت، حيث إنّ كتبي منتشرة في العالم الإسلامي كلّه، كما أنّ لديَّ صفحة على الإنترنت، ويمكن الاتَّصال بي على الفاكس وغير ذلك من وسائل الاتصال، ولذلك يمكنهم الاتصال بي كي يسألوني.

س: هؤلاء الذين ينتقدون، بعضهم علماء، بعضهم أهل فقه، أهل مرجعيَّة؟

ج: نعم،لم يقرأوا.

س: ألا يعتبر هؤلاء، مثلاً، أنَّك تمرَّدت عليهم، وتريد أن تكون سيِّد الموقف؟

ج: إنني لم أقم بعملية تمرد، ولكني كنت إنساناً أفكّر بحرية، كما قد يفكرون هم في بعض مواقعهم بحريّة.

لقد عشت المرجعيَّة من خلال رجوع الكثيرين من النَّاس إليَّ في الفتوى، من دون أن أطلب منهم ذلك

أنا أتصوَّر أنَّ هناك عقليَّات معقَّدة قد تدخل فيها الأجهزة المخابراتيَّة بشكلٍ غير مباشر، وقد تدخل فيها بعض التَّعقيدات الذاتيَّة بشكلٍ وبآخر، المشكلة ليست مشكلة فكر ينتقدونه، ولكنَّ المشكلة مشكلة موقعٍ يريدون أن يهدموه. لست ذلك الإنسان الَّذي يدخل في صراعٍ من خلال المرجعيَّة، لقد عشت المرجعيَّة من خلال رجوع الكثيرين من النَّاس إليَّ في الفتوى، من دون أن أطلب منهم ذلك، ومن دون أن تكون طموحاتي كذلك. لذلك، فإني أحبّ أن أقول إنَّ ما قرأته وما سمعته في كلماتهم لا يرتكز على أساس، لذلك كنت أقول، إنَّ أفكاري هي التي تردّ عليهم، عندما تذهب كلّ هذه التهاويل المحيطة بالموضوع.

مشكلة الكثيرين أنهم يعتمدون على قاعدة "اكذب اكذب حتى يصدِّقك الناس، واكذب اكذب حتى تصدِّق نفسك"، إنّني مشغول بأعمال فكريّة واجتماعيّة وسياسيّة وإسلاميّة، وليس عندي وقت لأردَّ عليهم. إنّني أتذكَّر في هذا المجال كلمة لأرسطو: إنهم يقولون.. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون.

المرجعيّة بين النَّجف وغيره

س: هل تعتقد أنَّ المرجعيَّة الفقهيَّة في الجانب الشيعي من الإسلام ممكن أن تنتقل من النَّجف إلى مكان آخر، فهناك على ما يبدو نزاع بعد وفاة المرحوم آية الله الخوئي؟

ج: موقع المرجعيَّة لم يكن مركزياً في بلد، بل كانت الظروف العلميَّة التي تتوفَّر في بلدٍ ما هي التي تصنع المرجع، النجف كانت الجامعة العلميَّة الدينية للمسلمين الشّيعة منذ أكثر من ألف سنة، وكان الطلاب الشّيعة يقصدونها من مختلف أنحاء العالم، ولعلَّ أكثريتهم من الإيرانيّين، وكانت إيران موقعاً من مواقع الحوزات العلميَّة، لكن النظام الحالي في العراق عمل على إسقاط النَّجف كحوزة، ولذلك هجر من هجر، وسجن من سجن، حتى تضاءل دور النجف كحوزة، ومن هنا انتقلت الحوزة أو توسَّعت الحوزة التي كانت موجودة في قمّ، باعتبار أن الظروف الموضوعيَّة كانت مهيّأة فيها أكثر.

س: الحوزات موجودة، سواء في النَّجف أو كربلاء أو قمّ، في أيّ منطقة المرجعيّة الآن موجودة؟

ج: هناك مرجعيّة في النجف ومرجعيّة في قمّ.

س: إذاً يوجد مرجعيّتان؟

ج: المرجعيَّة لم تكن واحدة في أيّ عصرٍ من العصور.

مرجعيَّة السيِّد فضل الله

س: هل تريدون مرجعيَّة في لبنان؟

ج: ليست المسألة أنَّني أريد مرجعيَّة أو لا أريد، القضيَّة هي أن الناس الذين رجعوا إليّ اقتنعوا بما أملكه من ثقافة فقهيَّة في هذا المجال. إنني أحبّ أن أؤكّد نقطة بالنِّسبة إلى التقاليد الشيعيَّة في عالم المرجعيَّة، هي أنّ المرجعية تتبع الشخص ولا تتبع البلد.

س: هل أنت راغب في أن تكون المرجع الشّيعي الأعلى مثلاً، وهل تعتقد أنّك مؤهَّل لذلك؟

ج: إنَّني أتصوَّر أني أستطيع أن أقدِّم الجديد في الكثير من مواقعي هذه في إيران وفي العراق وفي أماكن أخرى من العالم الإسلامي.

س: هل تعتقد أنَّه من الممكن أن يبايعوك؟

ج: لديَّ مقلِّدون في العراق وفي إيران، ولكلّ مرجع معارضون ومقلِّدون، لست بدعاً من النَّاس في هذا.

س: كيف يستقرّ الحال؟ هل يمكن أن تكون المرجعيَّة وراثية؟

ج: التطوّرات المتنوعة قد تقف عند حدّ معين في بعض المراحل.

لا ارتباطَ مباشر بالتَّنظيمات

س: من الملاحظ أنك لاقيت استقبالاً كبيراً في الجنوب. هل أنت عضو مؤسِّس، أم أب روحيّ لحزب الله، وإذا لم تكن كذلك، هل لك علاقة بحزب الله، أو بأيّ تنظيم سياسيّ آخر؟

ج: قلْتُ أكثر من مرَّة لست جزءاً من أيّ تنظيم، هذا الجيل الإسلاميّ الَّذي قاوم والَّذي جاهد والَّذي انطلق في الرأي السياسي والموقف السياسي، هذا الجيل تربى على يديَّ منذ ثلاثين سنة، وقد ربَّيته على المفاهيم الإسلاميَّة الَّتي أملكها، وعلى الخطوط السياسيَّة التي أتحرّك فيها، حتى إني كنت ولا أزال أرعى المقاومة وأتحرَّك معها وأؤيّدها وأدعمها، وقد تعرَّضت للكثير من الضّغوط والحملات ولعمليَّات الاغتيال من أجل ذلك.

كنت ولا أزال أرعى المقاومة وأؤيّدها وأدعمها، وقد تعرضت للكثير من الضغوط والحملات ولعمليات الاغتيال من أجل ذلك

محاولات اغتيال

س: هل كانت محاولات الاغتيال من قوى لبنانيّة منافسة، أم كانت من قوى خارجيَّة، خارج لبنان؟

ج: هناك محاولات من قوى خارجيَّة، منها تلك المحاولات من قِبَل عملاء النّظام العراقي الذي حاول اغتيالي أكثر من مرَّة في أوائل الثّمانينات، ثم كانت محاولة المخابرات المركزيّة الأمريكيَّة التي تحدَّث عنها الإعلام، وهي متفجّرة بئر العبد، وقد حدثت في سنة 1985، وقد تحدَّث عنها (وود ورد) في كتاب "القناع" الذي يمثل مذكرات "وليم كايسي"، العضو في المخابرات المركزية الأمريكية، الذي التقى ببعض السفراء العرب الذين كانوا لا يرتاحون لي حسب ما أذكر، وتفاهموا مع "وليم كايسي" بأنّ فلاناً أصبح مزعجاً للسياسة الأمريكيّة في لبنان، وأنَّ عليه أن يرحل، وقد موَّله هذا السفير بثلاثة ملايين دولار.

س: المخابرات الأمريكيَّة قد يكون لها مصلحة في ذلك الوقت، ولا سيّما بعد التفجيرات الَّتي حدثت في بيروت، إنَّما لماذا حاولت الحكومة العراقيَّة اغتيالك تحديداً، أنت لبناني، هل كنت تقوم بنشاط في العراق مثلاً؟

ج: كنت معارضاً لسياسة النظام العراقي الحاكم منذ كنت في العراق حتى جئت إلى لبنان، وقد تحركنا بشكل فاعل عندما هجّرتِ الحكومةُ العراقيَّةُ طلابَ النجف، وحين اتهمتْ العلَّامة الحكيم وابنه السيّد مهدي الحكيم بالعمالة وما إلى ذلك. لقد وقفنا وقفة حاسمة في لبنان ضدّ النظام العراقي، أما بالنّسبة إلى المخابرات المركزية الأمريكية، فإنها كانت تتهمني بأنني كنت وراء تفجير مقرّ المارينـز ومقرّ المظليين الفرنسيين، ولذلك عملت على...

س: هل كنت وراء هذه العمليَّة؟

ج: لم أكن وراء هذه العمليَّة بشكل تنظيمي مباشر، ولكن كنت ضدّ الوجود الأمريكي في لبنان.

س: يعني أفتيت بقيام هذه العمليَّة؟

ج: قلت إنَّ هذا شرف لا أدّعيه وتهمة لا أردّها.

هل هناك استبعادٌ للسيّد؟!

س: الآن تحرَّر الجنوب اللبناني، قد تكون لعبت دوراً كبيراً في الصراع ضدّ العدو الإسرائيلي، هناك ربما من خطف الأضواء واعتبروا أنّك رجل دين طيّب، أصدر فتاوى، تقيم مشروعات إسلاميَّة تفيد الناس، لكن الدور الجهادي له أناس آخرون؟

ج: أوّلاً، إنني لم أبتعد عن المواقع الجهاديَّة حتى لحظة التَّحرير، لأنني كنت أعمل على دعم المقاومة وعلى التَّنظير لها وعلى حمايتها من كلّ الألاعيب السياسيّة، بما أملك من جهد في المسألة الإعلاميّة والسياسيّة، وحتى الاجتماعيّة. وثانياً، أنا لا أعتقد أنَّ المسألة كانت مسألة أضواء أنفتح عليها أو تغيب عني، لأني أعتقد أنَّ كلّ هذا الجيل هو الجيل الَّذي بنيته وصنعته، ولذا فأنا موجود في كلِّ واحد منهم، أنا موجود في قيادات المقاومة الإسلاميَّة، لأن الكثيرين منهم قد تربوا على يدي.

وأنا موجود في كل الشهداء الذين استشهدوا، وفي كلّ المجاهدين الذين جاهدوا، لأنهم عاشوا معي وتربوا على أفكاري وعلى مفاهيمي، ولا أقول إنهم تربوا على هذه المفاهيم وحدها، فأنا أعرف أنّ للثورة الإسلامية في إيران دورها في الكثير من حالات الإلهام والدَّعم، حتى المساندة في هذا المجال، لكني أتصوّر أنّ هناك أبوَّة ثقافية وسياسية وروحية لهذا الجيل بشكل عام، ولكن الأمور بطبيعة الحال تتحرك في الإعلام السياسي في إطار القيادات الميدانيَّة.

س: هذه القيادات الميدانية سماحة السيِّد، أنت لست منها، وهي بالتَّأكيد تريد أن تقطف ثمار النَّصر، ولن تعطيك شيئاً من هذا؟

ج: نحن أخذنا كلَّ ثمار النصر من خلال ما أخذه كل أبنائنا.

س: ما زلت مصراً على أنَّك الأب؟

ج: ليست المسألة هي أنني أصرّ أو لا، هي مسألة عاشها كلّ الواقع السياسي اللبناني والعربي، من خلال كلّ هذا التاريخ الذي مرّت فيه فترات لم يسمع أحد فيها إلا الصوت الذي ينطلق مني في هذا المجال، ولكن من الطبيعي أن للقيادات الميدانيّة دورها الكبير الذي أحترمه وأقدّره، ولا أعتبر أنه يلغي أحداً، لأن من الطبيعي أن يتعامل الإعلام مع الواقع الميداني.

العلاقة بحزب الله

س: علاقتـك بحـزب الله؟

ج: العلاقـة جيـدة.

س: جيدة إلى أيّ مدى، هل مثلاً يرجعون إليك؟

ج: لست القيادة المرجعية في الفتوى لحزب الله، لأنهم يرجعون إلى آية الله السيِّد الخامنئي، وهناك الكثير من قواعد حزب الله ترجع إليَّ في الفتوى.

س: إذاً في هذه الحالة، أنت غير مرضيّ عنك مثلاً من حزب الله؟

ج: ليست المسألة أن تكون لهم مرجعيَّة أخرى، ليس معنى ذلك...

س: لماذا لا يرجعون إليك إذاً؟

ج: لأن قضية التعددية المرجعية في العالم الشيعي أمر طبيعي.

س: عندهم مرجعيَّة قريبة جداً وملهمة لهذه الثَّورة؟

ج: ربما يقتنعون بتلك المرجعيَّة أكثر، هذا من الناحية الرسميَّة، ولكنَّ هناك أعداداً جيدة وكبيرة من قاعدة حزب الله ترجع إليَّ في الفتوى.

س: وجماعة أمل.. والقوى الأخرى؟

ج: لي علاقة جيِّدة مع جماعة أمل، وهناك أشخاص من جماعة أمل يرجعون إليّ في الفتوى.

س: نحن لا نريد أن ننكأ الجراح، ولكن أيضاً لا نريد أن نتكلَّم بدبلوماسيَّة في مثل هذه الحوارات!

ج: من الطّبيعيّ هناك اختلاف في وجهات النّظر، وأنا أحترم من يختلفون معي في وجهات النَّظر، وإنّني دائماً أكرّر إذا كنت أعطي لنفسي الحقّ في أن أختلف مع الآخر، فللآخر الحقّ في أن يختلف معي.

س: أنت أيضاً تختلف مع الإيرانيّين في المرجعيّة، هل هذا يصل إلى قمَّة القيادة أم يقتصر على حوزات محدودة؟

ج: هناك اختلاف في وجهات النَّظر قد يكون مع القيادة وقد يكون مع القواعد.

س: يعني اختلاف في وجهات النظر الفقهيَّة أم السياسيّة؟

ج: الفقهيَّة، وربما بعض المواقع السياسيَّة.

من إنجازاتِ السيِّد

س: ماذا أنجز السيِّد محمَّد حسين فضل الله، على مستوى الساحة الثقافية والاجتماعية والمشاريع الإنسانيَّة؟

ج: لديّ أكثر من ستين كتاباً، من أهمّها: تفسير القرآن، وهو من أحدث التفاسير المعاصرة، لأنَّه تفسير حركي يستوحي الواقع في 25 مجلَّداً . وهناك كتاب في الحوار "الحوار في القرآن"، و"أسلوب الدّعوة في القرآن" و"في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي"، وهناك كتب في الحركية الإسلامية أيضاً "الحركة الإسلامية هموم وقضايا"، "خطوات على طريق الإسلام"، "قضايانا على ضوء الإسلام"، إضافةً إلى بعض الكتب التي تتضمَّن موضوعات حوارية في الثقافة الإسلامية "الندوة"، وهو كتاب يقع في سبع مجلَّدات ، هذا فضلاً عن عشرة كتب فقهيَّة في الفقه الاستدلالي، وأربعة دواوين شعر "على شاطئ الوجدان"، و"قصائد للإسلام والحياة"، و "يا ظلال الإسلام"، وديوان شعر لم يطبع حتى الآن.

وكما أشرنا، هناك أيضاً إنجازات مؤسساتيَّة، فلديَّ خمس مبرات للأيتام في لبنان منتشرة ما بين الجنوب والبقاع وبيروت، ولدينا أيضاً معهد علي الأكبر المهني، كما لدينا مكاتب للخدمات الاجتماعيَّة، ومعهد للمكفوفين، ومعهد للصمّ، وعدة مدارس أكاديمية منتشرة في البقاع والجنوب وبيروت والشّمال، أي لدينا ما يزيد على العشرين مؤسَّسة.

العلاقة مع السّلطة

س: ما هي علاقتك بالحكومة اللّبنانيّة، هل هناك علاقة حميمة طيّبة؟

ج: مع العهد الحالي هناك علاقة جيّدة، ولكني لم أكن على علاقة جيّدة مع العهد السابق.

س: العهد الحالي، هل هناك اتّصالات مثلاً برئاسة الجمهوريّة؟

ج: هنـاك اتـصـالات.

س: لماذا كانت العلاقة سيّئة مع العهد السابق؟

ج: لا أقول كانت العلاقة سيّئة، ولكني أقول لم أكن مرتاحاً للخطوط السياسيَّة ولبعض المواقف السياسيَّة في ذاك العهد.

س: هل كان ذلك في موقع الصِّراع مع إسرائيل، أم في مواقع أخرى؟

ج: لم يكن واضحاً من عمليَّة الصّراع مع إسرائيل في دعم المقاومة كموقف العهد الحاليّ الذي انفتح انفتاحاً كلّياً وكبيراً على المقاومة وعلى الموقف ضدّ إسرائيل.

الخشيةُ من اغتيال

س: جرت محاولتان لاغتيالكم من قِبَل الحكومة العراقيَّة في 1981 و1985، كما ذكرتم، هل كان هذا بسبب دعم تنظيم سياسي عقائدي هو (حزب الدَّعوة) في ذلك الوقت؟

ج: ربما كان يعود ذلك إلى أنَّني كنت متَّهماً بدعم حزب الدعوة، ولكن ربما يعود السَّبب في ذلك إلى مجال أوسع، باعتبار أنَّ نشاطنا كان ضدّ سياسة النظام العراقي.

س: ألا تخشى أيضاً محاولات اغتيال من قِبَل الإسرائيليّين؟

ج: من الطبيعي جداً، حيث جرت عدّة محاولات، ولكنها لم تنجح، وكنت مهدَّداً من قبل إسرائيل، ولذلك امتنعت لمدَّة ما يقارب الربع قرن من الذهاب إلى الجنوب، إلى بلدي، بنت جبيل (عيناثا).

تحرير الجنوب.. ومزارع شبع

س: الآن الجنوب قد تحرَّر، هل أنت راضٍ عمَّا تمَّ حتى الآن، أي أنَّ التَّحرير تم َّكما تقول الأمم المتَّحدة، في حين أنَّ الحكومة اللّبنانيّة تقول إن هناك بعض الخروقات؟

ج: من خلال معلوماتنا، وبعيداً من مسألة كلام الحكومة اللبنانيّة والأمم المتحدة، فإن هناك مناطق لبنانية لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.

س: هل يمكن أن أسألك، لماذا لم تنطلق من مزارع شبعا ومنطقة شبعا ككلّ رصاصة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، هل السَّبب طائفي؟

ج: ليست المسألة مسألة طائفيَّة، فنحن نعرف أن المجاهدين كانوا يدافعون عن كلّ المناطق اللبنانية، مشكلة مزارع شبعا هي أنَّها كانت منسيَّة حتى من الحكومة اللبنانيَّة، ولم تنتبه إليها الحكومة اللبنانيَّة إلا مؤخَّراً.

س: يوجد أيضاً مسألة القرى السَّبع، هل في بالكم هذه القرى؟

ج: نعم، كانت القرى السبع تمثّل امتداداً للبنان، ولكن عندما حصل التَّقسيم بين البريطانيّين والفرنسيّين، أعطيت للإسرائيليين.

لا سلامَ مع إسرائيل

س: الآن بعد التَّحرير، هل ترى ما يمنع توقيع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل؟

ج: إننا من خلال موقعنا الإسلاميّ، لا نجد هناك أيّ شرعيَّة للاعتراف بإسرائيل، لأنَّ إسرائيل هي دولة قامت على أنقاض شعب، وهي ليست مستعدَّة للاعتراف بعودة هذا الشعب إلى وطنه، ولذلك نعتبر أن لا شرعية لإسرائيل، لا في المنطق الإسلاميّ، ولا في المنطق الإنساني.

إنَّنا من خلال موقعنا الإسلاميّ، لا نجد أيّ شرعيَّة للاعتراف بإسرائيل، لا بالمنطق الإسلاميّ، ولا بالمنطق الإنساني

س: ولكن هناك جانب سياسيّ، ويوجد واقع على الأرض؟

ج: نحن لدينا شعار: نتعايش مع الباطل ولا نعترف بشرعيَّته، نعيش معه كأمر واقع، كما يعيش الإنسان مع المرض كأمر واقع، لكنَّه لا يعترف بشرعيَّته، وفي الحوار الذي جرى بيني وبين الكاردينال (إرينس)، المسؤول عن الحوار في الفاتيكان، وهو كاردينال أسود، قلت له: لو كان السيِّد المسيح حاضراً، مع من يكون؛ مع الفلسطينيين أم مع اليهود!! قال هذا أمر سياسيّ لا أتدخَّل فيه، قلت له: أنا أسألك بوجدانك المسيحيّ. هنا تدخّل السفير البابويّ في دمشق - وكنا مجتمعين في دمشق - وقال إنَّ إسرائيل أمر واقع، قلت له إن الشيطان أمر واقع، فهل تعترف بشرعيَّته؟ تلك هي المسألة.

أهميّةُ الحوار

س: تحدَّثنا عن الحوار الإسلامي - المسيحي، هل أنت من مؤيِّدي هذا الحوار؟

ج: دائماً كنت المبادر إلى هذا الحوار، وما زلت أدعو له، لأنّ القرآن الكريم علَّمنا أن نحاور أهل الكتاب بالَّتي هي أحسن.

س: لماذا الآن، لا أجد المسلمين يتحاور بعضهم مع بعض، وهم عدَّة طوائف؟

ج: نحن من دعاة الحوار الإسلامي - الإسلامي، أنا أحبّ أن أؤكّد، وقد ذكرت أكثر من مرَّة هذا الموضوع، أنّني لأوّل مرّة زرت لبنان، وفي سنة 1952، ألقيت قصيدة في أربعين السيِّد محسن الأمين، ودعوت فيها إلى الوحدة الإسلاميَّة، وقد جاء في القصيدة:

والدِّينُ، وهْوَ عقيدةٌ شَعَّتْ على أفُقِ الوجُودِ

ومبَادئ، تجري بِنا قُدُماً، إلى أقصى الحُدودِ

ومناهجٌ تُوحي لنا رُوحَ التّضامُنِ والصّمودِ

عرَّفْتَنَا فيهِ الحيَا ةَ.. بِمَا حوَاهُ مِنَ البُنودِ

وأرَيْتنا أنَّ الإخَا ءَ مِنَ الهُدَى بيْتُ القصِيدِ

فَالمُسلِمـونَ.. لبعْضِـهِمْ.. في الدِّينِ كالصَّرحِ المشِيدِ

لا طائفيَّةَ.. بينَهُمْ... ترمي العقائِدَ بالجُحُودِ

والدِّينُ رُوحٌ برَّةٌ تحنو على كلِّ العبيدِ

ترمي لتوحيدِ الصُّفو فِ ودفْعِ غائِلَةِ الحقُودِ

عاشَ المُوَحِّدُ في ظِل لِ الحقِّ.. في أُفُقِ الخلودِ

س: هذا الموقف مثاليَّات جميلة وطموحات أيضاً، لكن حتى على مستوى الطّائفة الشيعيَّة، وجدنا أنَّ حزب الله وأمل اقتتلوا اقتتالاً شديداً؟

ج: نحن نعتقد أنَّ الواقع السياسي الموجود في الشَّرق هو واقع يخلط كلّ الأوراق، كما هي العلاقات المسيحيَّة في لبنان بعضهم مع بعض. إنَّ القتال الَّذي حصل بين القوّات اللبنانيّة وجماعة عون كان أشدَّ من القتال بين المسلمين والمسيحيّين، هذه حروب تحركت فيها الأوضاع والتعقيدات السياسيَّة، وهي قد تحصل في العائلة الواحدة. لذلك، نحن نعتقد أن هناك مناخاً جيّداً للتلاقي الإسلامي - الإسلامي، فالمسلمون الآن يحضرون في المؤتمرات الإسلاميَّة المشترك، ويحضرون في المواقع الإسلاميَّة المشتركة، ويلتقون على قواعد سياسيَّة مشتركة. من الطبيعي أن مسألة الوحدة الإسلاميَّة كالوحدة القوميّة، كالوحدة الوطنيّة، من الممنوعات الأمريكية - الأوروبية التي تتغذَّى من بعض نقاط الضّعف والتّعقيدات والتخلف الموجود في العالم الإسلامي.

س: ألا تعتقد أنَّ هذه مشكلة ناتجة من عجزنا، ونحن نرميها على أمريكا والإمبريالية؟

ج: لقد قلت بأنهم يستفيدون من التَّعقيدات ونقاط الضّعف الموجودة في داخلنا، وقد وظَّفوا لنا أجهزة وأشخاصاً، بحيث إنهم يحرسون كلّ هذا الواقع من التمزق.

العلاقةُ مع إيران

س: ما هي علاقتك الشخصيَّة وعلاقة الجانب الإسلامي، وخصوصاً الشيعي، بإيران، الآن تحديداً، هل هذه العلاقة ساءت، أم أصبحت غير دافئة؟

ج: أنا منذ كنت وحتى الآن، لم أكن تابعاً لأيِّ جهة.

س: هل زرت إيـران؟

ج: طبعاً زرت إيران عدَّة مرات، ولكن الآن هناك أشغال كثيرة منعتني من أيّ زيارة حتى لغير إيران، لذلك نحن أيَّدنا الثورة الإسلاميَّة في إيران، لأنَّ شعاراتها كانت تلتقي مع أفكارنا، ولا نزال على علاقة جيّدة مع القيادات الإسلاميَّة فيها، ولا سيَّما مع السيد الخامنئي والسيد الخاتمي.

س: هل هذه العلاقات مع الإخوة في إيران، تنعكس على السَّاحة في لبنان نوعاً من العلاقة الحميمة بين الأطراف اللّبنانيّين الآخرين؟

ـ في تصوّري أنّ علاقات إيران مع أكثر الأطراف اللبنانيّين جيّدة، لكنّها كدولة ترعى مصالحها وتتحرّك من خلال مصالحها.

التطرّف.. والدّولة الإسلاميّة

س: هناك تهمة اسمها التطرف الإسلامي؟

ج: أنا لا أتعامل مع كلمة التطرّف والاعتدال أو الأصوليّة، لأنها كلمات نسبيّة، ولأنها كلمات غائمة، فالأصوليّة في المفهوم الغربي تتلخَّص في نقطتين: إلغاء الآخر، واعتبار العنف أساساً في حلّ المشاكل، ونحن نعتبر أنَّ الإسلام اعترف بالآخر {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[آل عمران: 64]، واعتبر الرّفق أساساً {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصِّلت: 34].

س: هل أنت سماحة السيّد مع إقامة نظام ديمقراطيّ أم مع إقامة جمهوريّة دينيّة؟

ج: أنا أقول دولة إسلاميَّة تنفتح على الشَّعب.

س: دولة إسلاميّة ديمقراطيّة؟

ج: تنفتح على الشعب، الاستفتاء الشعبي، أنا لا أستخدم الكلمات الأجنبيَّة، لأن كلمة الديمقراطيّة محمَّلة بأكثر من مفهوم بالخلفية الفكرية، لكن نقول، ولنسمّ الأسماء باللغة العربية، إنّ الحكم الإسلامي يستفتي الشّعب في كلّ قضاياه، وأعتقد أنَّ النموذج الإسلامي في إيران هو نموذج جيِّد، فنحن نرى أنَّ الإمام الخميني استفتى الشَّعب حتى على الدستور. أعطي مثلاً: الآن نحن نتصوّر أمام تجربة في إيران، ربما كان النّظام - على خطأ أو على صواب - في اتجاه، وكانت آراء الشعب في اتجاه آخر، فنلاحظ أنَّ القيادة لم تقف موقفاً سلبيّاً، أما قضيّة ما هي شروط المرشَّح وما إلى ذلك، فهذه قضيّة تتبع كلّ دولة بحسب نظامها.

س: علاقتك بسوريا؟

ج: علاقة جيِّدة، منفتحة، ولكنّها ليست علاقة ذات عضويّة. علاقتي بالمرحوم الأسد كانت جيّدة، وعلاقتي بالدكتور بشار جيّدة.

من يدعم السيِّد مادّيّاً؟!

س: غير إيران وسوريا، من يدعمكم مادياً؟

ج: أنا لم أُدعَم مادّياً من إيران ولم أدعم مادّياً من سوريا، إنما أدعم مادّياً من الإسلام، من الحقوق الشرعيَّة التي تأتيني من هنا وهناك، وأنا أتحدَّى العالم وأقول: ليس لأيّ دولة، بما فيها إيران، دخل في مشاريعي، أنا أطلّ من على شاشة تلفزيون كويتي، حيث للكويت وللمحسنين في الكويت الَّذين نشكرهم على مساهماتهم، دور حيويّ كبير في أكثر من مؤسَّسة من مؤسَّساتي.

الأسرى الكويتيّون

س: موضوع الأسرى والمرتهنين الكويتيّين، هل هناك أسرى ومرتهنون لبنانيّون أيضاً؟

ج: نحن كنا منذ اجتياح العراق للكويت ضدّ هذا الاستيلاء، لقد كنت أقول في الصحف اللبنانيّة ووسائل الإعلام المختلفة، إنّنا مع الوحدة العربيّة، ولكن بشرط أن يوافق الشعب على الاتحاد مع بلدٍ آخر. ولذلك، كنا نعتبر أن النظام العراقي أجرم في حقّ الكويتيّين، سواء في مسألة الاجتياح أو في تفاصيل الاجتياح، وكنَّا ولا زلنا نقول إنَّ أمريكا أعطت ضوءاً أصفر للعراق في اجتياح الكويت، وضوءاً أحمر بالنّسبة إلى السعودية، نحن مع عودة كلّ أسير كويتي إلى أهله، ونحن نعتقد أنَّ النظام العراقي يتاجر بقضيَّة الأسرى كما يتاجر بأكثر من قضيَّة في داخل الشعب العراقي.

وختاماً، أنا من كلّ عقلي وقلبي، أبعث بكلّ مشاعري وتحيَّاتي إلى كل إخواننا وأهلنا الكويتيّين، شاكراً لهم مبادراتهم الإنسانيَّة، وداعياً إلى الله أن يردَّ الأسرى إلى أهلهم، وأن يحفظ الكويت من أعدائها ومن بعض أصدقائها.

*حوار لسماحته مع الفضائيّة الكويتيَّة، برنامج "شخصيّة ومواقف"، في 18/آب/2000م.

في حوارٍ له مع الفضائيَّة الكويتيَّة:

السيِّد فضل الله يتحدَّث عن سيرته والمرجعيَّة والمقاومة والسياسة والمرأة

ضيف البرنامج هو شخصيَّة دينيَّة، جمعت ما بين الفقه الدّيني والثقافة العربيَّة والشعر، هذه الشخصيَّة تحظى باحترام أعداد كبيرة من المؤمنين في أنحاء العالم، وبقدر ما أثارت هذه الشخصيَّة من إعجاب، بقدر ما أثارت من جدل.

أرحِّب بكم من الضَّاحية الجنوبيَّة من لبنان، وأرحِّب بضيف هذه الحلقة، سماحة آية الله السيِّد محمد حسين فضل الله. أهلاً سماحة السيِّد. سعداء جداً بوجودك معنا والتقائنا بك.

من هو السيِّد فضل الله؟!

س: سماحة السيِّد، باختصار شديد، وإن كان الواحد منّا لا يحبّ التحدّث عن نفسه، من هو السيِّد محمد حسين فضل الله؟

ج: هو إنسان ولد في النجف الأشرف في العراق، والده كان أستاذاً في الحوزة، انفتح فيها على الثقافة الإسلاميَّة من خلال مختلف المؤثِّرات التي تقتحم العقل والقلب والروح وتؤثِّر في المشاعر، وانفتح على الأدب العربي وعلى الشعر مبكراً، وفي السنة العاشرة من عمره، كان يقول شعراً، ثم انطلق في الدراسة الدينيَّة مبكراً، درس على والده، انفتح على العصر من خلال قراءته لأكثر من مجلَّة لبنانيَّة ومصريَّة، ولأكثر من قصَّة مترجمة عن الفرنسيَّة أو عن الإنكليزيَّة، وانفتح على الواقع السياسي هناك، واستمرَّ في دراسته عند أساتذة النَّجف الكبار (السيّد أبو القاسم الخوئي والسيّد محسن الحكيم والشّيخ حسين الحلّي)، وعاش نشاطاً صحافياً عندما كان يشرف مع السيِّد محمد باقر الصَّدر وآخرين على مجلَّة الأضواء الّتي كان يصدرها جماعة العلماء في النجف الأشرف في سنة 1958، وكان يكتب افتتاحيّتها بعنوان "كلمتنا" لمدة ستّ سنوات، وهكذا دخل النَّجف من الموقع المتحرَّك ثقافياً وأدبياً وفقهياً، وربما سياسياً، بطريقة وبأخرى كنت إسلامياً منذ البداية، أفكّر في أنَّ علينا أن نقدِّم الإسلام كقاعدة للفكر والعاطفة والحياة.

في سنة 1966، جئت إلى لبنان، إلى منطقة البؤس في بيروت، (منطقة النبعة)، وقمت بتأسيس عدة مشاريع، ثم انفتحت بعد سقوط النبعة على كلّ الواقع اللّبناني، وقمت بإلقاء المحاضرات هنا وهناك، وبتأسيس حوزة علميَّة ومبرات خيرية للأيتام ومدارس أكاديمية ومكاتب اجتماعية ومبرات أيضاً للمعاقين، حتى بلغت المؤسَّسات بفضل كثير من المحسنين، ومنهم محسنون كويتيون طيِّبون، ما يزيد على العشرين مؤسَّسة.

س: سماحة السيِّد، ألم تكن هذه المؤسَّسات موجودة؟

ج: المؤسَّسات التي أنشأتها لم تكن موجودة، فهناك خمس مبرات للأيتام في بيروت وفي الهرمل في البقاع وفي الجنوب، وهناك عدة مدارس ابتدائيّة وثانويّة وروضات في أكثر من محافظة من محافظات لبنان، وهكذا قمنا بتأسيس مكاتب للخدمات الاجتماعيَّة ومعهد للمكفوفين ومعهد للصّمّ، بحيث أصبحت مؤسَّساتنا تمثّل الموقع النموذجي الَّذي قد يتفوَّق على كثيرٍ من المؤسَّسات اللبنانيَّة من سائر الطوائف الأخرى.

العمل في السياسة!

س: أثناء وجودكم في العراق، كتبتم وناقشتم، ومعروف أنَّ مجال النَّجف هو مجال ثقافيّ كبير جداً، هل عملتم في مجال السياسة؟ أقصد تنظيميّاً؟

ج: لم أعمل في مجال السياسة تنظيميّاً، بل كنت أعيش في هذا الجوّ، أي كنت أنظر إلى الإسلام من خلال كتاباتي، ولم أدخل في أيّ صيغة تنظيميَّة كانت تتحرَّك بها التنظيمات الإسلاميَّة في العراق، ومنها حزب الدعوة.

س: لمـاذا سماحـة السيـِّد؟

ج: لأني أحبّ أن أعمل في الهواء الطّلق، أحب أن أكتب وأنظِّر للحركة الإسلاميَّة، وأشرف إشرافاً ثقافيّاً على الخطوط الإسلاميَّة، وأعطي رأياً في المسائل السياسيَّة، سواء كان رأياً تحليلياً أو موقعياً.

س: هل هذا معناه سماحة السيِّد، أنَّك تريد أن تكون ملهم الثَّورة، ملهم التحرّر، أن تكون طرفاً في الصِّراع؟

ج: لا أضع نفسي في هذا العنوان الكبير، ولكنّي أحاول، كما قلت، أن أتنفَّس الفكر الإسلاميَّ في الهواء الطلق، قد تكون المسألة مزاجيَّة في أن لا أعيش شخصيَّة العمل التنظيمي الذي يصوّر بأكثر من صورة.

س: لماذا لم تنشىء تنظيماً؟ أن تكون رأس هذا التَّنظيم ومغذِّي هذا التنظيم؟

ج: قد لا تكون لديَّ الظروف الموضوعيَّة التي تتيح لي ذلك، ولكني أزعم أنَّني موجود في روح أكثر التنظيمات الإسلاميَّة.

شخصيّة جدليّة!

س: دعني أواجهك بصراحة، أنت أثرت للحقيقة الكثير من الجدل، يبدو أنَّ هناك خلافاً حول شخصيَّتك، هناك من يقول إنّك تسعى بكلّ إمكانياتك لأن تكون المرجعية الدينية للطائفة الشيعيَّة، وهناك من يقول بأنَّك لست الأولى بذلك، وأنَّ هناك من هم أولى بذلك، هل وصلتك تلك الأمور؟

ج: لقد سمعت الكثير من ذلك، مشكلتي أنَّني أعيش الحريَّة الفكريَّة، لا من موقع ذاتي يحاول أن يضخِّم للإنسان شخصيَّته، ولكنّي عندما أدرس كلَّ تاريخ الثقافة الفقهيَّة أو الكلاميَّة أو غير ذلك من الثقافة الإسلاميَّة، أشعر بأنَّ الذين تقدّمونا هم رجال يفكِّرون ونحن نفكّر، ليست كلّ الآراء الفقهيَّة والآراء الكلاميَّة التي قال بها العلماء من قبلنا هي آراء معصومة، ولذلك من حقّنا أن نختلف معهم أو نتّفق، كما من حقهم أن يختلف بعضهم مع بعض أو يتّفقوا، لذلك كنت أحاول أن أدرس المسائل دراسة موضوعيّة، بعيداً من كلّ المقدَّسات الفكرية التي أنتجها العلماء، ليس معنى ذلك أنَّنا ننكر عليهم علمهم، قد تكون هناك بعض الفتاوى التي لا يوافق عليها الكثيرون قد وصلت إلى نتيجة إيجابيَّة بالنسبة إليهم.

هناك رأي مشهور بين فقهاء علماء الشيعة كاد أن يكون إجماعاً، وهو نجاسة الكافر ونجاسة الكتابي بشكل مشهور، وغير الكتابي بشكل إجماعيّ، ولكني رأيت أن ليس هناك دليلٌ يمكن أن لا يخضع للمناقشة في هذا الموضوع، ولهذا أفتيت بطهارة كلّ إنسان، فليس هناك إنسان نجس، سواء كان ملحداً أو كان كتابياً أو بوذياً أو أيّ شيء من ذلك.

نحن نعتقد أنَّ هناك فرقاً بين أن تحكم بقذارة فكر معيَّن أو بقذارة جسدٍ معيَّن، إنَّ قذارة الفكر لا تصل إلى قذارة الجسد، حتى إنَّنا نقول إنَّ كلمة "إنما المشركون نجس"، ليس المراد بها نجاسة أجساد المشركين، بل نجاسة الشِّرك من حيث هو قذارة معنويَّة، نجاسة معنويَّة وليست نجاسة مادية.

هناك رأي مشهور بين الفقهاء، ولا سيَّما الشيعة، أنه لا يجوز اللَّعب بآلات القمار حتى للتسلية، نحن نقول إنَّه يجوز ذلك إذا كان للتَّسلية، بشرط ألا يأخذ وقت الإنسان، هناك رأيٌ بتحريم الشَّطرنج، لم يخترقه إلَّا الإمام الخميني، ونحن نرى حليَّة الشطرنج إذا كان اللّعب بدون عوض، وهكذا، المشهور عند علماء الشيعة حرمة حلق اللّحية، وأنا أرى أنَّه يجوز حلق اللّحية.

من المسؤول عن عزلِ المرأة؟!

س: سماحة السيِّد، لك أيضاً رأي في مسألة استقلاليَّة المرأة؟

ج: نحن نرى أنَّ المرأة هي إنسان كما هو الرّجل إنسان، عقلها كعقله، وطاقتها كطاقته، ونرى أنَّ المرأة قد عزلت في التَّاريخ، فلم تستطع أن تؤكِّد مقدرتها العقليَّة والذهنيَّة، لأنها حبست في البيت.

س: من الَّـذي عزلـها؟

ج: المجـتمــع!

س: المجتمع أم أنتم رجال الدين؟

ج: لا، المجتمع، حتى قبل الدّين، قبل انطلاق المجتمع الدّيني بشكل متحرك، كان المجتمع يضع المرأة في مواقع التخلّف، حتى إننا نرى أنه قبل أن تنطلق أوروبا بثقافتها وتطورها، كانت المرأة تمثِّل شيئاً هامشياً في المجتمع.. المهمّ من الذي عزلها؟ تلك مسألة قابلة للنقاش، ولكنَّها عندما عزلت كفَّت على أن تكون العنصر المنتج الذي يمكن أن يعطي عقلاً وفكراً وحركةً ومنهجاً وما إلى ذلك.

فأنا من خلال دراستي للقرآن، أجد أن القرآن لم يفرّق بين المرأة والرَّجل في المسؤوليَّات في داخل الحياة الزوجيَّة، فقط في مسألة "الرجال قوَّامون على النساء". أما في المجتمع، فليس للرجل قوامة على المرأة في القضايا الاجتماعية أو السياسية العامَّة. ولهذا، نحن قلنا إنّ من حقّ المرأة أن تنتخِب وتُنتَخَب، ومن حقّ المرأة أن تمارس العمل الاجتماعيّ والعمل السياسيّ جنباً إلى جنب مع الرَّجل، أما مسألة أخلاقيَّة المرأة، فذات أخلاقيّة الرجل، وإنَّ الأخلاق ليست سجناً يسجن المرأة ويعيش الرّجل حريته في هذا المجال.

س: سماحة السيِّد، في هذا المجال، هناك من يقول: نحن لا نريد أن ندخل في الشّبهات!

ج: إنّ قضيّة الدخول في الشبهات هي مسألة نسبيّة، يمكن أن تعيش في دائرة الرجل، ويمكن أن تعيش في دائرة المرأة، إن الشبهات لا تعيش فقط في دائرة الجنس، وإن المجتمع، وخصوصاً المجتمع العربي والشّرقي، ينظر إلى المرأة لا كإنسان، بل كأداة جنس، ولهذا يحاول أن يحكم عليها من خلال الأمور الجنسيَّة، ونحن نقول المسألة هي أنَّ المرأة إنسان قد يقع في الخطأ كما هو الرَّجل كذلك، لهذا علينا أن ندرس المسألة دراسة موضوعيَّة، وأنّ القضيَّة ليست قضيّة أنَّ المرأة قابلة للانحراف أكثر من الرَّجل، ولكنَّ القضيَّة هي أننا وضعنا المرأة في ظروفٍ حبستها في زنزانة ضيّقة، وعندما نطلق حريتها في خطّ التوازن، فإنّ من الممكن أن تعطي إنتاجاً كبيراً. إني أعتقد أنَّ العالم خسر في عزله للمرأة الاستفادة من عقلها ومن قلبها.

س: العالم الإسـلامـي؟

ج: العالم كلّه قد خسر من عزل المرأة على مدى التاريخ الكثير من المبادرات الثقافيّة والعلميّة.

س: سماحة السيِّد، المرأة، مثلاً، في أفغانستان، لا تعمل، لا تدرس، لا تخرج إلَّا في ظروف معيَّنة؟

ج: نحن نعتقد أن التخلّف الذي عاشه الكثير من المثقّفين المسلمين من علماء دين وغيرهم، هو الذي فرض على المرأة هذا التخلّف.

س: ولكن ألا يمكننا أن نقول إننا نخشى على المرأة عندما تنخرط في العمل العام، أن تنسى أمور الأسرة، وأن يؤدّي ذلك إلى تفكيك الأسرة، وإلى حصول مشاكل اجتماعيّة؟

ج: هناك فرق بين أن تمنع المرأة من العمل العام، وبين أن تستهلكها في العمل العام، كلاهما خطأ، إنّ علينا أن نقول للمرأة إن دورها في البيت ليس دوراً يلغي ذاتها، بل يؤكّده، ولكن في الوقت نفسه، لها الحقّ في أن تمارس العمل العام بالمستوى الّذي لا يلغي دورها في البيت، ومن حقّها أن تعيش إنسانيَّتها، وأن تتثقَّف إلى أعلى درجات الثقافة، هذا لا يلغي دورها في البيت.

س: سماحة السيّد، هل أفهم من هذا الكلام أنَّك تدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في الجانب السياسيّ؟

ج: أنا أدعو إلى أن تأخذ المرأة حقَّها في المبادرات السياسيّة، في أن تعطي رأيها في الواقع السياسي، وأن تتخذ الموقف السياسي، أن تؤيّد وأن ترفض في عملية اللعبة السياسية.

اللّعب بأدوات التسلية

س: سماحة السيّد، حتى لا يُساء الفهم، كأنَّك قلت إنَّ الشطرنج والقمار حلال؟

ج: القمار حرام، ولكن اللّعب بأدوات التّسلية حلال، والشّطرنج من دون عوض حلال.

س: يعني هذا لا يدخل في إطار: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة: 90]؟

ج: لا، لأنَّ الميسر هو اللّعب بعوض، أمّا اللّعب للتّسلية فبدون عوض.

عدم الردِّ على التَّشهير؟!

س: سماحة السيِّد، هناك جهات كثيرة تعاديكم، تصدر بيانات، ويتضمَّن بعضها تشهيراً بحقّ السيّد، وأنتم صامتون، فهل أنتم خائفون منهم وغير قادرين عليهم، أم ليس لديكم قوّة حجيّة تمكنكم من الردّ عليهم؟

ج: إنّني أؤمن بأنَّ هؤلاء الَّذين يشهرون ويتَّهمون لا يملكون الحجّة العلميَّة، ولا يقرأون ما أكتب وأقول، بل إنَّني أستطيع أن أقول إنَّ بعض الكبار، وحتى من بعض المراجع الدينيّين، لم يقرأوا كتاباً من كتبي، وإنما اعتمدوا على نقلٍ هنا ونقلٍ هناك، ولذلك كان تعليقي أنّني أطلب منهم أن يكونوا أتقياء في قراءاتهم، وأتقياء في أحكامهم، لأنَّ التقوى تفرض التثبّت، حيث إنّ كتبي منتشرة في العالم الإسلامي كلّه، كما أنّ لديَّ صفحة على الإنترنت، ويمكن الاتَّصال بي على الفاكس وغير ذلك من وسائل الاتصال، ولذلك يمكنهم الاتصال بي كي يسألوني.

س: هؤلاء الذين ينتقدون، بعضهم علماء، بعضهم أهل فقه، أهل مرجعيَّة؟

ج: نعم،لم يقرأوا.

س: ألا يعتبر هؤلاء، مثلاً، أنَّك تمرَّدت عليهم، وتريد أن تكون سيِّد الموقف؟

ج: إنني لم أقم بعملية تمرد، ولكني كنت إنساناً أفكّر بحرية، كما قد يفكرون هم في بعض مواقعهم بحريّة.

لقد عشت المرجعيَّة من خلال رجوع الكثيرين من النَّاس إليَّ في الفتوى، من دون أن أطلب منهم ذلك

أنا أتصوَّر أنَّ هناك عقليَّات معقَّدة قد تدخل فيها الأجهزة المخابراتيَّة بشكلٍ غير مباشر، وقد تدخل فيها بعض التَّعقيدات الذاتيَّة بشكلٍ وبآخر، المشكلة ليست مشكلة فكر ينتقدونه، ولكنَّ المشكلة مشكلة موقعٍ يريدون أن يهدموه. لست ذلك الإنسان الَّذي يدخل في صراعٍ من خلال المرجعيَّة، لقد عشت المرجعيَّة من خلال رجوع الكثيرين من النَّاس إليَّ في الفتوى، من دون أن أطلب منهم ذلك، ومن دون أن تكون طموحاتي كذلك. لذلك، فإني أحبّ أن أقول إنَّ ما قرأته وما سمعته في كلماتهم لا يرتكز على أساس، لذلك كنت أقول، إنَّ أفكاري هي التي تردّ عليهم، عندما تذهب كلّ هذه التهاويل المحيطة بالموضوع.

مشكلة الكثيرين أنهم يعتمدون على قاعدة "اكذب اكذب حتى يصدِّقك الناس، واكذب اكذب حتى تصدِّق نفسك"، إنّني مشغول بأعمال فكريّة واجتماعيّة وسياسيّة وإسلاميّة، وليس عندي وقت لأردَّ عليهم. إنّني أتذكَّر في هذا المجال كلمة لأرسطو: إنهم يقولون.. ماذا يقولون؟ دعهم يقولون.

المرجعيّة بين النَّجف وغيره

س: هل تعتقد أنَّ المرجعيَّة الفقهيَّة في الجانب الشيعي من الإسلام ممكن أن تنتقل من النَّجف إلى مكان آخر، فهناك على ما يبدو نزاع بعد وفاة المرحوم آية الله الخوئي؟

ج: موقع المرجعيَّة لم يكن مركزياً في بلد، بل كانت الظروف العلميَّة التي تتوفَّر في بلدٍ ما هي التي تصنع المرجع، النجف كانت الجامعة العلميَّة الدينية للمسلمين الشّيعة منذ أكثر من ألف سنة، وكان الطلاب الشّيعة يقصدونها من مختلف أنحاء العالم، ولعلَّ أكثريتهم من الإيرانيّين، وكانت إيران موقعاً من مواقع الحوزات العلميَّة، لكن النظام الحالي في العراق عمل على إسقاط النَّجف كحوزة، ولذلك هجر من هجر، وسجن من سجن، حتى تضاءل دور النجف كحوزة، ومن هنا انتقلت الحوزة أو توسَّعت الحوزة التي كانت موجودة في قمّ، باعتبار أن الظروف الموضوعيَّة كانت مهيّأة فيها أكثر.

س: الحوزات موجودة، سواء في النَّجف أو كربلاء أو قمّ، في أيّ منطقة المرجعيّة الآن موجودة؟

ج: هناك مرجعيّة في النجف ومرجعيّة في قمّ.

س: إذاً يوجد مرجعيّتان؟

ج: المرجعيَّة لم تكن واحدة في أيّ عصرٍ من العصور.

مرجعيَّة السيِّد فضل الله

س: هل تريدون مرجعيَّة في لبنان؟

ج: ليست المسألة أنَّني أريد مرجعيَّة أو لا أريد، القضيَّة هي أن الناس الذين رجعوا إليّ اقتنعوا بما أملكه من ثقافة فقهيَّة في هذا المجال. إنني أحبّ أن أؤكّد نقطة بالنِّسبة إلى التقاليد الشيعيَّة في عالم المرجعيَّة، هي أنّ المرجعية تتبع الشخص ولا تتبع البلد.

س: هل أنت راغب في أن تكون المرجع الشّيعي الأعلى مثلاً، وهل تعتقد أنّك مؤهَّل لذلك؟

ج: إنَّني أتصوَّر أني أستطيع أن أقدِّم الجديد في الكثير من مواقعي هذه في إيران وفي العراق وفي أماكن أخرى من العالم الإسلامي.

س: هل تعتقد أنَّه من الممكن أن يبايعوك؟

ج: لديَّ مقلِّدون في العراق وفي إيران، ولكلّ مرجع معارضون ومقلِّدون، لست بدعاً من النَّاس في هذا.

س: كيف يستقرّ الحال؟ هل يمكن أن تكون المرجعيَّة وراثية؟

ج: التطوّرات المتنوعة قد تقف عند حدّ معين في بعض المراحل.

لا ارتباطَ مباشر بالتَّنظيمات

س: من الملاحظ أنك لاقيت استقبالاً كبيراً في الجنوب. هل أنت عضو مؤسِّس، أم أب روحيّ لحزب الله، وإذا لم تكن كذلك، هل لك علاقة بحزب الله، أو بأيّ تنظيم سياسيّ آخر؟

ج: قلْتُ أكثر من مرَّة لست جزءاً من أيّ تنظيم، هذا الجيل الإسلاميّ الَّذي قاوم والَّذي جاهد والَّذي انطلق في الرأي السياسي والموقف السياسي، هذا الجيل تربى على يديَّ منذ ثلاثين سنة، وقد ربَّيته على المفاهيم الإسلاميَّة الَّتي أملكها، وعلى الخطوط السياسيَّة التي أتحرّك فيها، حتى إني كنت ولا أزال أرعى المقاومة وأتحرَّك معها وأؤيّدها وأدعمها، وقد تعرَّضت للكثير من الضّغوط والحملات ولعمليَّات الاغتيال من أجل ذلك.

كنت ولا أزال أرعى المقاومة وأؤيّدها وأدعمها، وقد تعرضت للكثير من الضغوط والحملات ولعمليات الاغتيال من أجل ذلك

محاولات اغتيال

س: هل كانت محاولات الاغتيال من قوى لبنانيّة منافسة، أم كانت من قوى خارجيَّة، خارج لبنان؟

ج: هناك محاولات من قوى خارجيَّة، منها تلك المحاولات من قِبَل عملاء النّظام العراقي الذي حاول اغتيالي أكثر من مرَّة في أوائل الثّمانينات، ثم كانت محاولة المخابرات المركزيّة الأمريكيَّة التي تحدَّث عنها الإعلام، وهي متفجّرة بئر العبد، وقد حدثت في سنة 1985، وقد تحدَّث عنها (وود ورد) في كتاب "القناع" الذي يمثل مذكرات "وليم كايسي"، العضو في المخابرات المركزية الأمريكية، الذي التقى ببعض السفراء العرب الذين كانوا لا يرتاحون لي حسب ما أذكر، وتفاهموا مع "وليم كايسي" بأنّ فلاناً أصبح مزعجاً للسياسة الأمريكيّة في لبنان، وأنَّ عليه أن يرحل، وقد موَّله هذا السفير بثلاثة ملايين دولار.

س: المخابرات الأمريكيَّة قد يكون لها مصلحة في ذلك الوقت، ولا سيّما بعد التفجيرات الَّتي حدثت في بيروت، إنَّما لماذا حاولت الحكومة العراقيَّة اغتيالك تحديداً، أنت لبناني، هل كنت تقوم بنشاط في العراق مثلاً؟

ج: كنت معارضاً لسياسة النظام العراقي الحاكم منذ كنت في العراق حتى جئت إلى لبنان، وقد تحركنا بشكل فاعل عندما هجّرتِ الحكومةُ العراقيَّةُ طلابَ النجف، وحين اتهمتْ العلَّامة الحكيم وابنه السيّد مهدي الحكيم بالعمالة وما إلى ذلك. لقد وقفنا وقفة حاسمة في لبنان ضدّ النظام العراقي، أما بالنّسبة إلى المخابرات المركزية الأمريكية، فإنها كانت تتهمني بأنني كنت وراء تفجير مقرّ المارينـز ومقرّ المظليين الفرنسيين، ولذلك عملت على...

س: هل كنت وراء هذه العمليَّة؟

ج: لم أكن وراء هذه العمليَّة بشكل تنظيمي مباشر، ولكن كنت ضدّ الوجود الأمريكي في لبنان.

س: يعني أفتيت بقيام هذه العمليَّة؟

ج: قلت إنَّ هذا شرف لا أدّعيه وتهمة لا أردّها.

هل هناك استبعادٌ للسيّد؟!

س: الآن تحرَّر الجنوب اللبناني، قد تكون لعبت دوراً كبيراً في الصراع ضدّ العدو الإسرائيلي، هناك ربما من خطف الأضواء واعتبروا أنّك رجل دين طيّب، أصدر فتاوى، تقيم مشروعات إسلاميَّة تفيد الناس، لكن الدور الجهادي له أناس آخرون؟

ج: أوّلاً، إنني لم أبتعد عن المواقع الجهاديَّة حتى لحظة التَّحرير، لأنني كنت أعمل على دعم المقاومة وعلى التَّنظير لها وعلى حمايتها من كلّ الألاعيب السياسيّة، بما أملك من جهد في المسألة الإعلاميّة والسياسيّة، وحتى الاجتماعيّة. وثانياً، أنا لا أعتقد أنَّ المسألة كانت مسألة أضواء أنفتح عليها أو تغيب عني، لأني أعتقد أنَّ كلّ هذا الجيل هو الجيل الَّذي بنيته وصنعته، ولذا فأنا موجود في كلِّ واحد منهم، أنا موجود في قيادات المقاومة الإسلاميَّة، لأن الكثيرين منهم قد تربوا على يدي.

وأنا موجود في كل الشهداء الذين استشهدوا، وفي كلّ المجاهدين الذين جاهدوا، لأنهم عاشوا معي وتربوا على أفكاري وعلى مفاهيمي، ولا أقول إنهم تربوا على هذه المفاهيم وحدها، فأنا أعرف أنّ للثورة الإسلامية في إيران دورها في الكثير من حالات الإلهام والدَّعم، حتى المساندة في هذا المجال، لكني أتصوّر أنّ هناك أبوَّة ثقافية وسياسية وروحية لهذا الجيل بشكل عام، ولكن الأمور بطبيعة الحال تتحرك في الإعلام السياسي في إطار القيادات الميدانيَّة.

س: هذه القيادات الميدانية سماحة السيِّد، أنت لست منها، وهي بالتَّأكيد تريد أن تقطف ثمار النَّصر، ولن تعطيك شيئاً من هذا؟

ج: نحن أخذنا كلَّ ثمار النصر من خلال ما أخذه كل أبنائنا.

س: ما زلت مصراً على أنَّك الأب؟

ج: ليست المسألة هي أنني أصرّ أو لا، هي مسألة عاشها كلّ الواقع السياسي اللبناني والعربي، من خلال كلّ هذا التاريخ الذي مرّت فيه فترات لم يسمع أحد فيها إلا الصوت الذي ينطلق مني في هذا المجال، ولكن من الطبيعي أن للقيادات الميدانيّة دورها الكبير الذي أحترمه وأقدّره، ولا أعتبر أنه يلغي أحداً، لأن من الطبيعي أن يتعامل الإعلام مع الواقع الميداني.

العلاقة بحزب الله

س: علاقتـك بحـزب الله؟

ج: العلاقـة جيـدة.

س: جيدة إلى أيّ مدى، هل مثلاً يرجعون إليك؟

ج: لست القيادة المرجعية في الفتوى لحزب الله، لأنهم يرجعون إلى آية الله السيِّد الخامنئي، وهناك الكثير من قواعد حزب الله ترجع إليَّ في الفتوى.

س: إذاً في هذه الحالة، أنت غير مرضيّ عنك مثلاً من حزب الله؟

ج: ليست المسألة أن تكون لهم مرجعيَّة أخرى، ليس معنى ذلك...

س: لماذا لا يرجعون إليك إذاً؟

ج: لأن قضية التعددية المرجعية في العالم الشيعي أمر طبيعي.

س: عندهم مرجعيَّة قريبة جداً وملهمة لهذه الثَّورة؟

ج: ربما يقتنعون بتلك المرجعيَّة أكثر، هذا من الناحية الرسميَّة، ولكنَّ هناك أعداداً جيدة وكبيرة من قاعدة حزب الله ترجع إليَّ في الفتوى.

س: وجماعة أمل.. والقوى الأخرى؟

ج: لي علاقة جيِّدة مع جماعة أمل، وهناك أشخاص من جماعة أمل يرجعون إليّ في الفتوى.

س: نحن لا نريد أن ننكأ الجراح، ولكن أيضاً لا نريد أن نتكلَّم بدبلوماسيَّة في مثل هذه الحوارات!

ج: من الطّبيعيّ هناك اختلاف في وجهات النّظر، وأنا أحترم من يختلفون معي في وجهات النَّظر، وإنّني دائماً أكرّر إذا كنت أعطي لنفسي الحقّ في أن أختلف مع الآخر، فللآخر الحقّ في أن يختلف معي.

س: أنت أيضاً تختلف مع الإيرانيّين في المرجعيّة، هل هذا يصل إلى قمَّة القيادة أم يقتصر على حوزات محدودة؟

ج: هناك اختلاف في وجهات النَّظر قد يكون مع القيادة وقد يكون مع القواعد.

س: يعني اختلاف في وجهات النظر الفقهيَّة أم السياسيّة؟

ج: الفقهيَّة، وربما بعض المواقع السياسيَّة.

من إنجازاتِ السيِّد

س: ماذا أنجز السيِّد محمَّد حسين فضل الله، على مستوى الساحة الثقافية والاجتماعية والمشاريع الإنسانيَّة؟

ج: لديّ أكثر من ستين كتاباً، من أهمّها: تفسير القرآن، وهو من أحدث التفاسير المعاصرة، لأنَّه تفسير حركي يستوحي الواقع في 25 مجلَّداً . وهناك كتاب في الحوار "الحوار في القرآن"، و"أسلوب الدّعوة في القرآن" و"في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي"، وهناك كتب في الحركية الإسلامية أيضاً "الحركة الإسلامية هموم وقضايا"، "خطوات على طريق الإسلام"، "قضايانا على ضوء الإسلام"، إضافةً إلى بعض الكتب التي تتضمَّن موضوعات حوارية في الثقافة الإسلامية "الندوة"، وهو كتاب يقع في سبع مجلَّدات ، هذا فضلاً عن عشرة كتب فقهيَّة في الفقه الاستدلالي، وأربعة دواوين شعر "على شاطئ الوجدان"، و"قصائد للإسلام والحياة"، و "يا ظلال الإسلام"، وديوان شعر لم يطبع حتى الآن.

وكما أشرنا، هناك أيضاً إنجازات مؤسساتيَّة، فلديَّ خمس مبرات للأيتام في لبنان منتشرة ما بين الجنوب والبقاع وبيروت، ولدينا أيضاً معهد علي الأكبر المهني، كما لدينا مكاتب للخدمات الاجتماعيَّة، ومعهد للمكفوفين، ومعهد للصمّ، وعدة مدارس أكاديمية منتشرة في البقاع والجنوب وبيروت والشّمال، أي لدينا ما يزيد على العشرين مؤسَّسة.

العلاقة مع السّلطة

س: ما هي علاقتك بالحكومة اللّبنانيّة، هل هناك علاقة حميمة طيّبة؟

ج: مع العهد الحالي هناك علاقة جيّدة، ولكني لم أكن على علاقة جيّدة مع العهد السابق.

س: العهد الحالي، هل هناك اتّصالات مثلاً برئاسة الجمهوريّة؟

ج: هنـاك اتـصـالات.

س: لماذا كانت العلاقة سيّئة مع العهد السابق؟

ج: لا أقول كانت العلاقة سيّئة، ولكني أقول لم أكن مرتاحاً للخطوط السياسيَّة ولبعض المواقف السياسيَّة في ذاك العهد.

س: هل كان ذلك في موقع الصِّراع مع إسرائيل، أم في مواقع أخرى؟

ج: لم يكن واضحاً من عمليَّة الصّراع مع إسرائيل في دعم المقاومة كموقف العهد الحاليّ الذي انفتح انفتاحاً كلّياً وكبيراً على المقاومة وعلى الموقف ضدّ إسرائيل.

الخشيةُ من اغتيال

س: جرت محاولتان لاغتيالكم من قِبَل الحكومة العراقيَّة في 1981 و1985، كما ذكرتم، هل كان هذا بسبب دعم تنظيم سياسي عقائدي هو (حزب الدَّعوة) في ذلك الوقت؟

ج: ربما كان يعود ذلك إلى أنَّني كنت متَّهماً بدعم حزب الدعوة، ولكن ربما يعود السَّبب في ذلك إلى مجال أوسع، باعتبار أنَّ نشاطنا كان ضدّ سياسة النظام العراقي.

س: ألا تخشى أيضاً محاولات اغتيال من قِبَل الإسرائيليّين؟

ج: من الطبيعي جداً، حيث جرت عدّة محاولات، ولكنها لم تنجح، وكنت مهدَّداً من قبل إسرائيل، ولذلك امتنعت لمدَّة ما يقارب الربع قرن من الذهاب إلى الجنوب، إلى بلدي، بنت جبيل (عيناثا).

تحرير الجنوب.. ومزارع شبع

س: الآن الجنوب قد تحرَّر، هل أنت راضٍ عمَّا تمَّ حتى الآن، أي أنَّ التَّحرير تم َّكما تقول الأمم المتَّحدة، في حين أنَّ الحكومة اللّبنانيّة تقول إن هناك بعض الخروقات؟

ج: من خلال معلوماتنا، وبعيداً من مسألة كلام الحكومة اللبنانيّة والأمم المتحدة، فإن هناك مناطق لبنانية لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.

س: هل يمكن أن أسألك، لماذا لم تنطلق من مزارع شبعا ومنطقة شبعا ككلّ رصاصة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، هل السَّبب طائفي؟

ج: ليست المسألة مسألة طائفيَّة، فنحن نعرف أن المجاهدين كانوا يدافعون عن كلّ المناطق اللبنانية، مشكلة مزارع شبعا هي أنَّها كانت منسيَّة حتى من الحكومة اللبنانيَّة، ولم تنتبه إليها الحكومة اللبنانيَّة إلا مؤخَّراً.

س: يوجد أيضاً مسألة القرى السَّبع، هل في بالكم هذه القرى؟

ج: نعم، كانت القرى السبع تمثّل امتداداً للبنان، ولكن عندما حصل التَّقسيم بين البريطانيّين والفرنسيّين، أعطيت للإسرائيليين.

لا سلامَ مع إسرائيل

س: الآن بعد التَّحرير، هل ترى ما يمنع توقيع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل؟

ج: إننا من خلال موقعنا الإسلاميّ، لا نجد هناك أيّ شرعيَّة للاعتراف بإسرائيل، لأنَّ إسرائيل هي دولة قامت على أنقاض شعب، وهي ليست مستعدَّة للاعتراف بعودة هذا الشعب إلى وطنه، ولذلك نعتبر أن لا شرعية لإسرائيل، لا في المنطق الإسلاميّ، ولا في المنطق الإنساني.

إنَّنا من خلال موقعنا الإسلاميّ، لا نجد أيّ شرعيَّة للاعتراف بإسرائيل، لا بالمنطق الإسلاميّ، ولا بالمنطق الإنساني

س: ولكن هناك جانب سياسيّ، ويوجد واقع على الأرض؟

ج: نحن لدينا شعار: نتعايش مع الباطل ولا نعترف بشرعيَّته، نعيش معه كأمر واقع، كما يعيش الإنسان مع المرض كأمر واقع، لكنَّه لا يعترف بشرعيَّته، وفي الحوار الذي جرى بيني وبين الكاردينال (إرينس)، المسؤول عن الحوار في الفاتيكان، وهو كاردينال أسود، قلت له: لو كان السيِّد المسيح حاضراً، مع من يكون؛ مع الفلسطينيين أم مع اليهود!! قال هذا أمر سياسيّ لا أتدخَّل فيه، قلت له: أنا أسألك بوجدانك المسيحيّ. هنا تدخّل السفير البابويّ في دمشق - وكنا مجتمعين في دمشق - وقال إنَّ إسرائيل أمر واقع، قلت له إن الشيطان أمر واقع، فهل تعترف بشرعيَّته؟ تلك هي المسألة.

أهميّةُ الحوار

س: تحدَّثنا عن الحوار الإسلامي - المسيحي، هل أنت من مؤيِّدي هذا الحوار؟

ج: دائماً كنت المبادر إلى هذا الحوار، وما زلت أدعو له، لأنّ القرآن الكريم علَّمنا أن نحاور أهل الكتاب بالَّتي هي أحسن.

س: لماذا الآن، لا أجد المسلمين يتحاور بعضهم مع بعض، وهم عدَّة طوائف؟

ج: نحن من دعاة الحوار الإسلامي - الإسلامي، أنا أحبّ أن أؤكّد، وقد ذكرت أكثر من مرَّة هذا الموضوع، أنّني لأوّل مرّة زرت لبنان، وفي سنة 1952، ألقيت قصيدة في أربعين السيِّد محسن الأمين، ودعوت فيها إلى الوحدة الإسلاميَّة، وقد جاء في القصيدة:

والدِّينُ، وهْوَ عقيدةٌ شَعَّتْ على أفُقِ الوجُودِ

ومبَادئ، تجري بِنا قُدُماً، إلى أقصى الحُدودِ

ومناهجٌ تُوحي لنا رُوحَ التّضامُنِ والصّمودِ

عرَّفْتَنَا فيهِ الحيَا ةَ.. بِمَا حوَاهُ مِنَ البُنودِ

وأرَيْتنا أنَّ الإخَا ءَ مِنَ الهُدَى بيْتُ القصِيدِ

فَالمُسلِمـونَ.. لبعْضِـهِمْ.. في الدِّينِ كالصَّرحِ المشِيدِ

لا طائفيَّةَ.. بينَهُمْ... ترمي العقائِدَ بالجُحُودِ

والدِّينُ رُوحٌ برَّةٌ تحنو على كلِّ العبيدِ

ترمي لتوحيدِ الصُّفو فِ ودفْعِ غائِلَةِ الحقُودِ

عاشَ المُوَحِّدُ في ظِل لِ الحقِّ.. في أُفُقِ الخلودِ

س: هذا الموقف مثاليَّات جميلة وطموحات أيضاً، لكن حتى على مستوى الطّائفة الشيعيَّة، وجدنا أنَّ حزب الله وأمل اقتتلوا اقتتالاً شديداً؟

ج: نحن نعتقد أنَّ الواقع السياسي الموجود في الشَّرق هو واقع يخلط كلّ الأوراق، كما هي العلاقات المسيحيَّة في لبنان بعضهم مع بعض. إنَّ القتال الَّذي حصل بين القوّات اللبنانيّة وجماعة عون كان أشدَّ من القتال بين المسلمين والمسيحيّين، هذه حروب تحركت فيها الأوضاع والتعقيدات السياسيَّة، وهي قد تحصل في العائلة الواحدة. لذلك، نحن نعتقد أن هناك مناخاً جيّداً للتلاقي الإسلامي - الإسلامي، فالمسلمون الآن يحضرون في المؤتمرات الإسلاميَّة المشترك، ويحضرون في المواقع الإسلاميَّة المشتركة، ويلتقون على قواعد سياسيَّة مشتركة. من الطبيعي أن مسألة الوحدة الإسلاميَّة كالوحدة القوميّة، كالوحدة الوطنيّة، من الممنوعات الأمريكية - الأوروبية التي تتغذَّى من بعض نقاط الضّعف والتّعقيدات والتخلف الموجود في العالم الإسلامي.

س: ألا تعتقد أنَّ هذه مشكلة ناتجة من عجزنا، ونحن نرميها على أمريكا والإمبريالية؟

ج: لقد قلت بأنهم يستفيدون من التَّعقيدات ونقاط الضّعف الموجودة في داخلنا، وقد وظَّفوا لنا أجهزة وأشخاصاً، بحيث إنهم يحرسون كلّ هذا الواقع من التمزق.

العلاقةُ مع إيران

س: ما هي علاقتك الشخصيَّة وعلاقة الجانب الإسلامي، وخصوصاً الشيعي، بإيران، الآن تحديداً، هل هذه العلاقة ساءت، أم أصبحت غير دافئة؟

ج: أنا منذ كنت وحتى الآن، لم أكن تابعاً لأيِّ جهة.

س: هل زرت إيـران؟

ج: طبعاً زرت إيران عدَّة مرات، ولكن الآن هناك أشغال كثيرة منعتني من أيّ زيارة حتى لغير إيران، لذلك نحن أيَّدنا الثورة الإسلاميَّة في إيران، لأنَّ شعاراتها كانت تلتقي مع أفكارنا، ولا نزال على علاقة جيّدة مع القيادات الإسلاميَّة فيها، ولا سيَّما مع السيد الخامنئي والسيد الخاتمي.

س: هل هذه العلاقات مع الإخوة في إيران، تنعكس على السَّاحة في لبنان نوعاً من العلاقة الحميمة بين الأطراف اللّبنانيّين الآخرين؟

ـ في تصوّري أنّ علاقات إيران مع أكثر الأطراف اللبنانيّين جيّدة، لكنّها كدولة ترعى مصالحها وتتحرّك من خلال مصالحها.

التطرّف.. والدّولة الإسلاميّة

س: هناك تهمة اسمها التطرف الإسلامي؟

ج: أنا لا أتعامل مع كلمة التطرّف والاعتدال أو الأصوليّة، لأنها كلمات نسبيّة، ولأنها كلمات غائمة، فالأصوليّة في المفهوم الغربي تتلخَّص في نقطتين: إلغاء الآخر، واعتبار العنف أساساً في حلّ المشاكل، ونحن نعتبر أنَّ الإسلام اعترف بالآخر {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[آل عمران: 64]، واعتبر الرّفق أساساً {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصِّلت: 34].

س: هل أنت سماحة السيّد مع إقامة نظام ديمقراطيّ أم مع إقامة جمهوريّة دينيّة؟

ج: أنا أقول دولة إسلاميَّة تنفتح على الشَّعب.

س: دولة إسلاميّة ديمقراطيّة؟

ج: تنفتح على الشعب، الاستفتاء الشعبي، أنا لا أستخدم الكلمات الأجنبيَّة، لأن كلمة الديمقراطيّة محمَّلة بأكثر من مفهوم بالخلفية الفكرية، لكن نقول، ولنسمّ الأسماء باللغة العربية، إنّ الحكم الإسلامي يستفتي الشّعب في كلّ قضاياه، وأعتقد أنَّ النموذج الإسلامي في إيران هو نموذج جيِّد، فنحن نرى أنَّ الإمام الخميني استفتى الشَّعب حتى على الدستور. أعطي مثلاً: الآن نحن نتصوّر أمام تجربة في إيران، ربما كان النّظام - على خطأ أو على صواب - في اتجاه، وكانت آراء الشعب في اتجاه آخر، فنلاحظ أنَّ القيادة لم تقف موقفاً سلبيّاً، أما قضيّة ما هي شروط المرشَّح وما إلى ذلك، فهذه قضيّة تتبع كلّ دولة بحسب نظامها.

س: علاقتك بسوريا؟

ج: علاقة جيِّدة، منفتحة، ولكنّها ليست علاقة ذات عضويّة. علاقتي بالمرحوم الأسد كانت جيّدة، وعلاقتي بالدكتور بشار جيّدة.

من يدعم السيِّد مادّيّاً؟!

س: غير إيران وسوريا، من يدعمكم مادياً؟

ج: أنا لم أُدعَم مادّياً من إيران ولم أدعم مادّياً من سوريا، إنما أدعم مادّياً من الإسلام، من الحقوق الشرعيَّة التي تأتيني من هنا وهناك، وأنا أتحدَّى العالم وأقول: ليس لأيّ دولة، بما فيها إيران، دخل في مشاريعي، أنا أطلّ من على شاشة تلفزيون كويتي، حيث للكويت وللمحسنين في الكويت الَّذين نشكرهم على مساهماتهم، دور حيويّ كبير في أكثر من مؤسَّسة من مؤسَّساتي.

الأسرى الكويتيّون

س: موضوع الأسرى والمرتهنين الكويتيّين، هل هناك أسرى ومرتهنون لبنانيّون أيضاً؟

ج: نحن كنا منذ اجتياح العراق للكويت ضدّ هذا الاستيلاء، لقد كنت أقول في الصحف اللبنانيّة ووسائل الإعلام المختلفة، إنّنا مع الوحدة العربيّة، ولكن بشرط أن يوافق الشعب على الاتحاد مع بلدٍ آخر. ولذلك، كنا نعتبر أن النظام العراقي أجرم في حقّ الكويتيّين، سواء في مسألة الاجتياح أو في تفاصيل الاجتياح، وكنَّا ولا زلنا نقول إنَّ أمريكا أعطت ضوءاً أصفر للعراق في اجتياح الكويت، وضوءاً أحمر بالنّسبة إلى السعودية، نحن مع عودة كلّ أسير كويتي إلى أهله، ونحن نعتقد أنَّ النظام العراقي يتاجر بقضيَّة الأسرى كما يتاجر بأكثر من قضيَّة في داخل الشعب العراقي.

وختاماً، أنا من كلّ عقلي وقلبي، أبعث بكلّ مشاعري وتحيَّاتي إلى كل إخواننا وأهلنا الكويتيّين، شاكراً لهم مبادراتهم الإنسانيَّة، وداعياً إلى الله أن يردَّ الأسرى إلى أهلهم، وأن يحفظ الكويت من أعدائها ومن بعض أصدقائها.

*حوار لسماحته مع الفضائيّة الكويتيَّة، برنامج "شخصيّة ومواقف"، في 18/آب/2000م.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير