المقاومة في لبنان استطاعت أن تحشر "إسرائيل" في الزاوية الأمنية والسياسية

المقاومة في لبنان استطاعت أن تحشر "إسرائيل" في الزاوية الأمنية والسياسية

نص الحوار الذي أجرته صحيفة "تشرين" مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، بتاريخ: 25 نيسان2000، الموافق 20محرم 1421هـ. وقد جاء في الحديث:

العلامة السيد محمد حسين فضل الله، ليس فقط رجل دين وليس فقط أي سياسي، ولذلك فإن اللقاء معه يعني التبصر باللحظة الراهنة، وبآفاقها القريبة والبعيدة في آن معاً.

صحيفة تشرين:21/محرم/1421هـ،الموافق:25/4/2000م،العدد:7684

"الحشـرة" الإسرائيلية

س: ما المغزى من إعلان "إسرائيل" أنها ستنفذ، لأول مرة منذ تأليفها قراراً لمجلس الأمن، القرار 425؟

ج: استطاعت المقاومة في لبنان أن تحشر "إسرائيل" في الزاوية الأمنية والسياسية.

س: أمنياً: أدخلتها في مأزق، حيث أن المقاومة أسقطت الكثير من جنودها ودمرت الكثير من آلياتها وحوّلت الاحتلال إلى ما يشبه "المأساة الإنسانية اليهودية"، كما عبر عن ذلك باراك، بحيث خلقت وضعاً احتجاجياً لدى أكثر فئات الناس هنا، وقد أدى ذلك إلى تشكيل تنظيم بعنوان "الأمهات الأربع"، يرتكز على المطالبة بالانسحاب من لبنان، تحت تأثير الخسائر البشرية التي حولت الجنود الإسرائيليين إلى ما يشبه الأرانب المذعورة.

ج: وسياسياً: ثم إن المقاومة حشرت "إسرائيل" وأدخلتها في مأزق سياسي، وأسقطت عنفوانها الذي كانت تستعرض فيه "عضلاتها" أمام العالم بأنها لا تقهر، وبأن جيشها لا يقهر. كما شعرت "إسرائيل" بأن احتلالها للبنان لم يحقق لها أي مكسب سياسي على جميع المستويات، بل إنه وضعها في ظروف تفرض عليها الخروج من لبنان.

حفـظ مـاء الوجـه

وقد كانت "إسرائيل" تفكر بأنه من الممكن أن تحفظ ماء وجهها من خلال الدخول في مفاوضات للانسحاب من لبنان بالتزامن مع المفاوضات للانسحاب من الجولان، تحت تأثير مقولة إسرائيلية منفتحة على مقولة أمريكية، وهي أنه من الممكن أن تقدم سورية تنازلات في المساحة الجغرافية، أو في مسألة المياه، لتربح "إسرائيل" في هذا كله اتفاقاً يسهل على باراك مهمته الداخلية.

ولكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، لأن سورية ـ حتى في قمة جنيف ـ لم تتنازل عن أية ذرة تراب، وعن أية قطرة ماء، لأن القضية لدى سورية ليست قضية تراب، أو ماء، بالمعنى الذاتي للكلمة، بل هي قضية كرامة وشرف ووطن وعنفوان أمة.

ولذلك، فإن سورية، خلافاً لكل التوقعات السياسية، لم تكن مستعجلة على إتمام الاتفاق كيفما كان، لتخضع للشروط الإسرائيلية أو الأمريكية.

وهذا هو الذي أوقع "إسرائيل" في مأزق جديد، لأنها لم تستطع الانسحاب من لبنان باتفاق، ولهذا لجأت ـ لأول مرة في تاريخها ـ إلى مجلس الأمن بحجة أنها تريد أن تنفذ القرار425 والقرار426، كما لو كانت خاضعة للشرعية الدولية، لتربح بذلك تأييداً سياسياً دولياً، ومكاسب إعلامية.

اللعبـة الإسرائيليـة

حتى أن "إسرائيل" حاولت، أمام التحفظات اللبنانية على طريقة الانسحاب، أن توحي بأن لبنان الذي كان يطالب في مدى22 سنة بتطبيق القرار425، يرفض الآن انسحاب "إسرائيل" من أرضه(!!!).

وقد صفقت أمريكا للمشروع الإسرائيلي كما سقطت بعض دول أوروبا تحت تأثير اللعبة الإسرائيلية. وهذا ما لاحظناه في تصريح وزير الدفاع الفرنسي، الذي جاء في سياق تصريح رئيس وزرائه جوسبان.

فقد لاحظنا أن وزير الدفاع الفرنسي أخطأ عندما اعتبر أن سورية مستعدة لأن تجمد تحرير أرضها في الجولان من أجل أن تحتفظ بدورها في لبنان(!). وهو يعلم جيداً أن الدور السوري في لبنان، في المرحلة الحاضرة على الأقل، هو ضرورة لبنانية، وهو دور مطلوب دولياً وإقليمياً ولبنانياً. وأن سورية لا ترى تعارضاً بين مطالبتها بتحرير أرضها في الجولان، وبين الاستمرار في مسؤولياتها الأمنية لحماية الاستقرار في لبنان بموافقة الشرعية الدولية.

الانتقائية الامريكية ـ الاسرائيلية:

إن "إسرائيل" تحاول ـ ومعها أمريكا وربما فرنسا ـ أن تبرز إلى العالم باعتبارها خاضعة للشرعية الدولية، كما ذكرنا. ولكنها ـ في الوقت نفسه ـ لا تطبق القرارات 242 و338 و194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين، ومعها كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

ومن المفارقات الامريكية أن أمريكا لم توافق في الإعلان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن التحدث عن مؤتمر مدريد، لأن مرجعية مدريد تؤكد على مقولة "الأرض مقابل السلام". وهناك حساسية إسرائيلية تجاه هذا الموضوع. وأمريكا لا تريد لـ"إسرائيل" أن "تزعل" من أية كلمة في أدبيات مجلس الأمن!

أمريـكا الاسرائيليـة

ولا بد لنا في هذا المجال أن نسجل ملاحظة على "أمريكا الاسرائيلية"، أنها تقدم التنازلات تلو الأخرى، من سياستها بالذات. فهي باتت تبدل كلمة "الأرض المحتلة" في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي وردت في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة الصادرة بالموافقة الامريكية، بكلمة "الأرض المتنازع عليها"! طبقاً لما تريده "إسرائيل". وهكذا في مسألة القدس. حتى أن القرار425، كان مجال تحفظ لوزيرة الخارجية الامريكية، حيث كانت ترفض مطالبة لبنان به بشكل مطلق، بحجة أن هناك "متغيرات" في المدى الزمني لهذا القرار لا بد من مراعاتها عند المطالبة بتطبيقه!

ولذلك، فإن المغزى من خضوع "إسرائيل" لهذا القرار، هو محاولة حفظ بعض ماء الوجه، من جهة، والإفلات من سواعد المقاومين من جهة ثانية. وتوريط الأمم المتحدة في حماية حدودها من جهة ثالثة، بعد أن رفض لبنان أن يكون شرطياً لحماية "إسرائيل".

جيش الشعب

س: ما أهمية الوحدة الوطنية اللبنانية المعاضدة للمقاومة في لبنان، بعد إفلاس العدوانية الاسرائيلية؟

ج: لقد شعر اللبنانيون بأن استقلالهم أصيب بنكبة كبرى بالاحتلال الإسرائيلي لقسم من أرضهم، ولذلك كانوا يشعرون بأن احتفالهم بعيد الاستقلال لا معنى له، وشعروا جميعاً أن "إسرائيل" لن تكون صديقاً لأي فريق سياسي أو طائفي. بل هي النقيض لكل اللبنانيين. وشعرت الدولة بأن ظروفها السياسية التي تمنع من مشاركة الجيش اللبناني بشكل مباشر في المقاومة، جعلت من المقاومة جيشاً شعبياً يتكامل معها في عملية التحرير.

لذلك، وقف الشعب اللبناني، بجميع طوائفه، وأحزابه السياسية، ومواقعه الرسمية، وراء المقاومة، على أساس أنها تمثل كل لبنان، ولأنها تحمي عنفوان لبنان.

ولعل هذه الوحدة الوطنية هي التي فوتت على "إسرائيل" اللعبة التآمرية التي كانت تحاول من خلالها أن تنفذ إلى بعض التعقيدات اللبنانية.

وعي التاريخ والجغرافيا

س: ما أهمية الأصوات التي تدعو إلى فك التلاحم اللبناني ـ السوري؟

ج: هذه الأصوات لا تملك وعي التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك بين لبنان وسورية، بحيث أن أي انفصال سياسي أو اقتصادي أو أمني بين لبنان وسورية، يترك تأثيراً سلبياً على جميع الأصعدة، على الشعبين معاً. الأمر الذي يفرض التكامل بينهما في جميع المجالات، ولا سيما في مسألة وحدة المسارين أمام العدو، باعتبار أن ضعف العرب في المفاوضات مع العدو نشأ عن استفراد العدو بكل بلد عربي على حدة، لاعباً على التناقضات. وهذا ما نلاحظه الآن في اللعبة الامريكية ـ الاسرائيلية في تقديم المسار الفلسطيني في مواجهة المسار السوري ـ اللبناني.

لذلك، فإن هذه الأصوات لم تنطلق من حركة وعي، بل انطلقت من "حركة إيحاء" مزور، من خلال بعض العقد الطائفية والسياسية التي لا ترتبط بمصلحة البلد في الحاضر والمستقبل.

إننا نتساءل: ما هي المصلحة في أن تثار مسألة الانسحاب السوري من لبنان في مرحلة استعداد العدو للانسحاب منه تحت تأثير ضربات المقاومة التي استفادت من الاستقرار فيه، ومن إيقاف الحرب الأهلية بفضل الوجود السوري في لبنان!!

ما هي المصلحة من إثارة ذلك، والجميع يعرف أن سورية موجودة في لبنان من خلال الشرعية اللبنانية، ولأن وجودها لم يكن احتلالاً، بل كان تضحية ومعاناة، ومشاركة للّبنانيين في أمنهم في الداخل والخارج!!

صناعـة الفتـن

س: هل من نظرة مقارنة بين الصورة المشرقة التي تبلورها المقاومة في لبنان وبين الصورة المرتسمة بالهرولة إلى التطبيع مع العدو؟

ج: لعل مشكلة كثيرين من الناس أنهم وقعوا تحت سيطرة التعب السياسي والاقتصادي في حركة الصراع مع العدو.

نحن نعرف أن الخطة الإسرائيلية في المنطقة، والاستكبارية في العالم، تعتمد على إتعاب الشعوب، بالمزيد من إثارة الفتن الطائفية والحزبية السياسية والاقليمية والمذهبية أيضاً. والتي قد تؤدي إلى حروب صغيرة، أو كبيرة، من أجل أن يضيق الواقع على الناس، ويحاصرهم في أمنهم وعيشهم، حتى يصرخ الناس: "خلصونا كيفما كان"، بفعل تأثير الآلام المباشرة في اللحظة الحاضرة.

ولكنهم لا يدركون أن الاستكبار العالمي، (ومعه إسرائيل)، لم يصنع لهم المشكلة ليحلها، ولكن ليستفيد منها في انتزاع التنازلات له، لحساب مصالحه، وليدخلهم في مشكلة جديدة، بعنوان حل جديد، من أجل أن يستنـزف ما لديهم من الممانعة والرفض، وليسقط كل عنفوان وطني أو قومي أو إسلامي، حتى يؤكد سيطرته المطلقة على الواقع كله.

نحـو المراجعـة

إننا نقول لكل هؤلاء "المتعبين" من شعبنا والذين تحولوا إلى "متعبين" لقضايانا، ادرسوا معنى وجود "إسرائيل" في المنطقة، ككيان قام على أنقاض الشعب الفلسطيني، في كل خطط الصهاينة للسيطرة على المنطقة، وبالتحالف مع الاستكبار العالمي الذي يحاول أن يدخل المنطقة في صراعاته الدولية لحساب مصالحه.

ونقول لهؤلاء: ادرسوا تجارب الدول التي صالحت العدو كما يقولون تحت تأثير "الظروف الحادة"، و"الضغوط الدولية"، والتعب السياسي، والسقوط الوطني والقومي.. ماذا استفادت من الصلح؟! وأية مصلحة إيجابية في الاقتصاد والسياسة والأمن، من مصالحة بعض الدول مع "إسرائيل"؟!

س: وماذا استفادت القضية الفلسطينية من كل هذا اللهاث والهرولة وراء "إسرائيل"؟!

ج: إن المسألة هي مسألة صراع يراد له إسقاط شعب لحساب المشروع الصهيوني.

فكروا في المستقبل من خلال تجارب الماضي ولا تقتلوا المستقبل من خلال تأثيرات اللحظة الحاضرة.

دليـل المتعبيـن

وادرسوا تجربة المقاومة في لبنان، التي لا تملك إلا القليل من السلاح، والقليل من العدد، والقليل من الظروف السياسية. ولكنها تملك الكثير من الإيمان والوعي والإخلاص لأمتها، واستشراف المستقبل، ودراسة نقاط ضعف العدو، ونقط قوة الأمة. إن هذه التجربة الرائدة يمكن أن تكون دليلاً لكم أيها المتعبون في أن تجددوا طاقتكم من أجل صمود سياسي واقتصادي وأمني. وتذكروا أن معركة "عض الأصابع"، تنتهي بالذل للأقل صبراً، للذي يصرخ أولاً. فلا تصرخوا، واسمعوا جيداً كيف صرخ العدو في لبنان، وكيف اضطر إلى الانسحاب.

إن الشعوب التي تصنع المستقبل بالوعي وبالإرادة والصبر والعض على الجراح، هي التي تنتصر.

وتذكروا أخيراً قول الله عز وجل: {ولا تهنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين* إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرحٌ مثله* وتلك الأيام نداولها بين الناس}.

حاوره: علي الصيوان

نص الحوار الذي أجرته صحيفة "تشرين" مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، بتاريخ: 25 نيسان2000، الموافق 20محرم 1421هـ. وقد جاء في الحديث:

العلامة السيد محمد حسين فضل الله، ليس فقط رجل دين وليس فقط أي سياسي، ولذلك فإن اللقاء معه يعني التبصر باللحظة الراهنة، وبآفاقها القريبة والبعيدة في آن معاً.

صحيفة تشرين:21/محرم/1421هـ،الموافق:25/4/2000م،العدد:7684

"الحشـرة" الإسرائيلية

س: ما المغزى من إعلان "إسرائيل" أنها ستنفذ، لأول مرة منذ تأليفها قراراً لمجلس الأمن، القرار 425؟

ج: استطاعت المقاومة في لبنان أن تحشر "إسرائيل" في الزاوية الأمنية والسياسية.

س: أمنياً: أدخلتها في مأزق، حيث أن المقاومة أسقطت الكثير من جنودها ودمرت الكثير من آلياتها وحوّلت الاحتلال إلى ما يشبه "المأساة الإنسانية اليهودية"، كما عبر عن ذلك باراك، بحيث خلقت وضعاً احتجاجياً لدى أكثر فئات الناس هنا، وقد أدى ذلك إلى تشكيل تنظيم بعنوان "الأمهات الأربع"، يرتكز على المطالبة بالانسحاب من لبنان، تحت تأثير الخسائر البشرية التي حولت الجنود الإسرائيليين إلى ما يشبه الأرانب المذعورة.

ج: وسياسياً: ثم إن المقاومة حشرت "إسرائيل" وأدخلتها في مأزق سياسي، وأسقطت عنفوانها الذي كانت تستعرض فيه "عضلاتها" أمام العالم بأنها لا تقهر، وبأن جيشها لا يقهر. كما شعرت "إسرائيل" بأن احتلالها للبنان لم يحقق لها أي مكسب سياسي على جميع المستويات، بل إنه وضعها في ظروف تفرض عليها الخروج من لبنان.

حفـظ مـاء الوجـه

وقد كانت "إسرائيل" تفكر بأنه من الممكن أن تحفظ ماء وجهها من خلال الدخول في مفاوضات للانسحاب من لبنان بالتزامن مع المفاوضات للانسحاب من الجولان، تحت تأثير مقولة إسرائيلية منفتحة على مقولة أمريكية، وهي أنه من الممكن أن تقدم سورية تنازلات في المساحة الجغرافية، أو في مسألة المياه، لتربح "إسرائيل" في هذا كله اتفاقاً يسهل على باراك مهمته الداخلية.

ولكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، لأن سورية ـ حتى في قمة جنيف ـ لم تتنازل عن أية ذرة تراب، وعن أية قطرة ماء، لأن القضية لدى سورية ليست قضية تراب، أو ماء، بالمعنى الذاتي للكلمة، بل هي قضية كرامة وشرف ووطن وعنفوان أمة.

ولذلك، فإن سورية، خلافاً لكل التوقعات السياسية، لم تكن مستعجلة على إتمام الاتفاق كيفما كان، لتخضع للشروط الإسرائيلية أو الأمريكية.

وهذا هو الذي أوقع "إسرائيل" في مأزق جديد، لأنها لم تستطع الانسحاب من لبنان باتفاق، ولهذا لجأت ـ لأول مرة في تاريخها ـ إلى مجلس الأمن بحجة أنها تريد أن تنفذ القرار425 والقرار426، كما لو كانت خاضعة للشرعية الدولية، لتربح بذلك تأييداً سياسياً دولياً، ومكاسب إعلامية.

اللعبـة الإسرائيليـة

حتى أن "إسرائيل" حاولت، أمام التحفظات اللبنانية على طريقة الانسحاب، أن توحي بأن لبنان الذي كان يطالب في مدى22 سنة بتطبيق القرار425، يرفض الآن انسحاب "إسرائيل" من أرضه(!!!).

وقد صفقت أمريكا للمشروع الإسرائيلي كما سقطت بعض دول أوروبا تحت تأثير اللعبة الإسرائيلية. وهذا ما لاحظناه في تصريح وزير الدفاع الفرنسي، الذي جاء في سياق تصريح رئيس وزرائه جوسبان.

فقد لاحظنا أن وزير الدفاع الفرنسي أخطأ عندما اعتبر أن سورية مستعدة لأن تجمد تحرير أرضها في الجولان من أجل أن تحتفظ بدورها في لبنان(!). وهو يعلم جيداً أن الدور السوري في لبنان، في المرحلة الحاضرة على الأقل، هو ضرورة لبنانية، وهو دور مطلوب دولياً وإقليمياً ولبنانياً. وأن سورية لا ترى تعارضاً بين مطالبتها بتحرير أرضها في الجولان، وبين الاستمرار في مسؤولياتها الأمنية لحماية الاستقرار في لبنان بموافقة الشرعية الدولية.

الانتقائية الامريكية ـ الاسرائيلية:

إن "إسرائيل" تحاول ـ ومعها أمريكا وربما فرنسا ـ أن تبرز إلى العالم باعتبارها خاضعة للشرعية الدولية، كما ذكرنا. ولكنها ـ في الوقت نفسه ـ لا تطبق القرارات 242 و338 و194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين، ومعها كل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

ومن المفارقات الامريكية أن أمريكا لم توافق في الإعلان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن التحدث عن مؤتمر مدريد، لأن مرجعية مدريد تؤكد على مقولة "الأرض مقابل السلام". وهناك حساسية إسرائيلية تجاه هذا الموضوع. وأمريكا لا تريد لـ"إسرائيل" أن "تزعل" من أية كلمة في أدبيات مجلس الأمن!

أمريـكا الاسرائيليـة

ولا بد لنا في هذا المجال أن نسجل ملاحظة على "أمريكا الاسرائيلية"، أنها تقدم التنازلات تلو الأخرى، من سياستها بالذات. فهي باتت تبدل كلمة "الأرض المحتلة" في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي وردت في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة الصادرة بالموافقة الامريكية، بكلمة "الأرض المتنازع عليها"! طبقاً لما تريده "إسرائيل". وهكذا في مسألة القدس. حتى أن القرار425، كان مجال تحفظ لوزيرة الخارجية الامريكية، حيث كانت ترفض مطالبة لبنان به بشكل مطلق، بحجة أن هناك "متغيرات" في المدى الزمني لهذا القرار لا بد من مراعاتها عند المطالبة بتطبيقه!

ولذلك، فإن المغزى من خضوع "إسرائيل" لهذا القرار، هو محاولة حفظ بعض ماء الوجه، من جهة، والإفلات من سواعد المقاومين من جهة ثانية. وتوريط الأمم المتحدة في حماية حدودها من جهة ثالثة، بعد أن رفض لبنان أن يكون شرطياً لحماية "إسرائيل".

جيش الشعب

س: ما أهمية الوحدة الوطنية اللبنانية المعاضدة للمقاومة في لبنان، بعد إفلاس العدوانية الاسرائيلية؟

ج: لقد شعر اللبنانيون بأن استقلالهم أصيب بنكبة كبرى بالاحتلال الإسرائيلي لقسم من أرضهم، ولذلك كانوا يشعرون بأن احتفالهم بعيد الاستقلال لا معنى له، وشعروا جميعاً أن "إسرائيل" لن تكون صديقاً لأي فريق سياسي أو طائفي. بل هي النقيض لكل اللبنانيين. وشعرت الدولة بأن ظروفها السياسية التي تمنع من مشاركة الجيش اللبناني بشكل مباشر في المقاومة، جعلت من المقاومة جيشاً شعبياً يتكامل معها في عملية التحرير.

لذلك، وقف الشعب اللبناني، بجميع طوائفه، وأحزابه السياسية، ومواقعه الرسمية، وراء المقاومة، على أساس أنها تمثل كل لبنان، ولأنها تحمي عنفوان لبنان.

ولعل هذه الوحدة الوطنية هي التي فوتت على "إسرائيل" اللعبة التآمرية التي كانت تحاول من خلالها أن تنفذ إلى بعض التعقيدات اللبنانية.

وعي التاريخ والجغرافيا

س: ما أهمية الأصوات التي تدعو إلى فك التلاحم اللبناني ـ السوري؟

ج: هذه الأصوات لا تملك وعي التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك بين لبنان وسورية، بحيث أن أي انفصال سياسي أو اقتصادي أو أمني بين لبنان وسورية، يترك تأثيراً سلبياً على جميع الأصعدة، على الشعبين معاً. الأمر الذي يفرض التكامل بينهما في جميع المجالات، ولا سيما في مسألة وحدة المسارين أمام العدو، باعتبار أن ضعف العرب في المفاوضات مع العدو نشأ عن استفراد العدو بكل بلد عربي على حدة، لاعباً على التناقضات. وهذا ما نلاحظه الآن في اللعبة الامريكية ـ الاسرائيلية في تقديم المسار الفلسطيني في مواجهة المسار السوري ـ اللبناني.

لذلك، فإن هذه الأصوات لم تنطلق من حركة وعي، بل انطلقت من "حركة إيحاء" مزور، من خلال بعض العقد الطائفية والسياسية التي لا ترتبط بمصلحة البلد في الحاضر والمستقبل.

إننا نتساءل: ما هي المصلحة في أن تثار مسألة الانسحاب السوري من لبنان في مرحلة استعداد العدو للانسحاب منه تحت تأثير ضربات المقاومة التي استفادت من الاستقرار فيه، ومن إيقاف الحرب الأهلية بفضل الوجود السوري في لبنان!!

ما هي المصلحة من إثارة ذلك، والجميع يعرف أن سورية موجودة في لبنان من خلال الشرعية اللبنانية، ولأن وجودها لم يكن احتلالاً، بل كان تضحية ومعاناة، ومشاركة للّبنانيين في أمنهم في الداخل والخارج!!

صناعـة الفتـن

س: هل من نظرة مقارنة بين الصورة المشرقة التي تبلورها المقاومة في لبنان وبين الصورة المرتسمة بالهرولة إلى التطبيع مع العدو؟

ج: لعل مشكلة كثيرين من الناس أنهم وقعوا تحت سيطرة التعب السياسي والاقتصادي في حركة الصراع مع العدو.

نحن نعرف أن الخطة الإسرائيلية في المنطقة، والاستكبارية في العالم، تعتمد على إتعاب الشعوب، بالمزيد من إثارة الفتن الطائفية والحزبية السياسية والاقليمية والمذهبية أيضاً. والتي قد تؤدي إلى حروب صغيرة، أو كبيرة، من أجل أن يضيق الواقع على الناس، ويحاصرهم في أمنهم وعيشهم، حتى يصرخ الناس: "خلصونا كيفما كان"، بفعل تأثير الآلام المباشرة في اللحظة الحاضرة.

ولكنهم لا يدركون أن الاستكبار العالمي، (ومعه إسرائيل)، لم يصنع لهم المشكلة ليحلها، ولكن ليستفيد منها في انتزاع التنازلات له، لحساب مصالحه، وليدخلهم في مشكلة جديدة، بعنوان حل جديد، من أجل أن يستنـزف ما لديهم من الممانعة والرفض، وليسقط كل عنفوان وطني أو قومي أو إسلامي، حتى يؤكد سيطرته المطلقة على الواقع كله.

نحـو المراجعـة

إننا نقول لكل هؤلاء "المتعبين" من شعبنا والذين تحولوا إلى "متعبين" لقضايانا، ادرسوا معنى وجود "إسرائيل" في المنطقة، ككيان قام على أنقاض الشعب الفلسطيني، في كل خطط الصهاينة للسيطرة على المنطقة، وبالتحالف مع الاستكبار العالمي الذي يحاول أن يدخل المنطقة في صراعاته الدولية لحساب مصالحه.

ونقول لهؤلاء: ادرسوا تجارب الدول التي صالحت العدو كما يقولون تحت تأثير "الظروف الحادة"، و"الضغوط الدولية"، والتعب السياسي، والسقوط الوطني والقومي.. ماذا استفادت من الصلح؟! وأية مصلحة إيجابية في الاقتصاد والسياسة والأمن، من مصالحة بعض الدول مع "إسرائيل"؟!

س: وماذا استفادت القضية الفلسطينية من كل هذا اللهاث والهرولة وراء "إسرائيل"؟!

ج: إن المسألة هي مسألة صراع يراد له إسقاط شعب لحساب المشروع الصهيوني.

فكروا في المستقبل من خلال تجارب الماضي ولا تقتلوا المستقبل من خلال تأثيرات اللحظة الحاضرة.

دليـل المتعبيـن

وادرسوا تجربة المقاومة في لبنان، التي لا تملك إلا القليل من السلاح، والقليل من العدد، والقليل من الظروف السياسية. ولكنها تملك الكثير من الإيمان والوعي والإخلاص لأمتها، واستشراف المستقبل، ودراسة نقاط ضعف العدو، ونقط قوة الأمة. إن هذه التجربة الرائدة يمكن أن تكون دليلاً لكم أيها المتعبون في أن تجددوا طاقتكم من أجل صمود سياسي واقتصادي وأمني. وتذكروا أن معركة "عض الأصابع"، تنتهي بالذل للأقل صبراً، للذي يصرخ أولاً. فلا تصرخوا، واسمعوا جيداً كيف صرخ العدو في لبنان، وكيف اضطر إلى الانسحاب.

إن الشعوب التي تصنع المستقبل بالوعي وبالإرادة والصبر والعض على الجراح، هي التي تنتصر.

وتذكروا أخيراً قول الله عز وجل: {ولا تهنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين* إن يمسسكم قرح فقد مسّ القوم قرحٌ مثله* وتلك الأيام نداولها بين الناس}.

حاوره: علي الصيوان

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير