شهر رمضان هو شهر الوعي واليقظة والإرادة والأخذ بأسباب القوة

شهر رمضان هو شهر الوعي واليقظة والإرادة والأخذ بأسباب القوة

وجهٌ نوراني لا يحيط بعظمته لسان ولا يستوعب عالمه قلم، تقف إجلالاً واحتراماً لهيبته المشرقة، وعندما تجلس إليه، تدرك أنك أمام نهج إسلامي متكامل منفتح، يأخذك حديثه إلى الأعماق والجذور، فينساب كما الطبيعة سلساً، ليكون منهلاً للعطاء والعلم والمعرفة، ومرجعاً دينياً متميزاً بالعمق والسعة والانفتاح.

مع سيد الحوار، مع سماحة السيد محمد حسين فضل الله، يشرّفنا أن نتحاور في مناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، ليطرح أمامنا ما غاب عن ذهننا من مفاهيم وعقائد ومواقف، علّها تزرع فرحاً وتمطر حباً وعطاءً في شهر الخير والعطاء.

* سماحة السيد، نبدأ حوارنا برسالة تحبّ توجيهها إلى العالم العربي والإسلامي بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك؟

ـ عندما نتطلّع إلى المعاني والآفاق التي ينفتح عليها هذا الشهر المبارك، فإننا نلتقي بالجانب الروحي الذي يفيض على عقل الإنسان، ليكون العقل مسؤولاً أمام الله في أن يؤكد الحقيقة في كلِّ حركته الفكرية التي تؤصّل إنسانية الإنسان، وتجعله يتحسّس روحيته في عالم الروح، ومسؤوليته في عالم المسؤولية، وإنسانيته في كل ما يغني الإنسانية في كلِّ تطلّعاتها وأوضاعها وانفتاحها على الإنسان كله في عملية تواصل وتكامل وتعاون.

وهكذا ينفتح هذا الشَّهر على القلب لينبض بالمحبة التي تعيش لتتطلع إلى الكون كله، في إنسانه وحركته وكل ظواهره، بالمحبّة، باعتبار هذه الروح التي توحي للإنسان بأنه جزء من هذا الكون يغتني به ويغنيه من خلال حركته الفكرية في ما يخطط للكون، بحيث يؤنسن الكثير من حالات الكون، كما يستفيد منه ويتعلم كيف ينتج الخصب والرخاء من خلال الينابيع المتفجرة المتدفقة، أو كيف يزرع الأرض من خلال هذا المطر الهاطل من السماء، أو من خلال النور الذي يفيض من إشراقة الشمس ليعطي الحياة رخاءً.

أن تكون المحبة نتاج كلِّ قلبٍ ينفتح على القلب الآخر، وأن تكون الرحمة التي هي ابنة المحبة، من أجل أن تمسح على رأس اليتيم هنا، وتضمد جراح الجريح هناك وتمسح دمعة الحزين، وتغرس في كل قلب المعنى الذي يستشعر فيه بالمحبة والسلام.

وهكذا نستوحي من شهر رمضان كيف يعيش الإنسان ليحلّق في مواقع القرب من الله ليعيش معه، ليستمد منه القوة والعزة والانفتاح على كل المعاني القيمية الروحية.

إننا نقرأ في شهر رمضان بعد كلِّ صلاة، دعاءً يوحي بأنّ على الإنسان أن يتطلع إلى كل الذين يعانون من الآلام ومن المآسي، ليشاركهم ذلك، وليرفع دعاءه إلى الله بأن يفرج عنهم، تماماً كما لو كان يدعو لنفسه: "اللهم أدخِل على أهل القبور السرور، اللهم أغنِ كل فقير، اللهم اقضِ دين كل مدين، اللهم فرّج عن كل مكروب، اللهم ردّ كل غريب، اللهمّ فكّ كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشفِ كل مريض، اللهمّ سدّ فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنّا الدين وأغننا من الفقر إنك على كل شيء قدير".

وهكذا ننطلق في شهر رمضان، لنشعر بأنه شهر الصيام الذي يجعل الإنسان يتصلّب في إرادته عندما يواجه كل السلبيات التي ربما تجتذبه ليؤكد ابتعاده عنها، وليواجه الإيجابيات التي يُراد له أن يأخذ بها لينفتح عليها، ثم هو شهر القيام الذي يقف فيه الإنسان بين يدي ربه في الليل والنهار، لينفتح على ربه، وليسموَ بروحه إلى الله، لأنّ الصلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله، حيث يلتقي المخلوق بالخالق ليستمد منه كل ما يغني عقله وروحه وفكره، وليتضرّع إليه في أن يهديه إلى الصراط المستقيم، ولأن يسير به نحو الدرجات الرفيعة للرضوان، حيث يلتقي به بعد أن يفارق الحياة ليعيش في رحمته ولطفه وجوده وكرمه.

ثم هو شهر الرحمة التي يعيشها الإنسان في نفسه، لتنفتح على كل الناس الذين لا بد للإنسان من أن يرحمهم في كل نقاط الضعف التي يعيشونها، وهو شهر التحرر من كل العبوديات التي يخضع لها الإنسان.

وهو في الوقت نفسه في تاريخه شهر الجهاد، لأننا نلتقي في شهر رمضان بحرب بدر وبفتح مكة، وقد كانت أولاهما مفتاح القوة للإسلام، وكانت الثانية مفتاح الفتح للإسلام. فلنتذكر ذلك، حيث نتطلّع إلى كل الأوضاع الصعبة التي يعيشها العالم الإسلامي، سواء في احتلال الصهاينة لفلسطين، أو في الاحتلال الأمريكي للعراق ولأفغانستان، أو للمشاكل التي يتحدى بها المستكبرون الواقع الإسلامي كله، لنعيش روح بدر وروح فتح مكة، لنأخذ بأسباب الحرية التي يقف فيها المسلمون صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص.

ثم نتطلّع إلى العيد، لنفهم أن العيد لا يمثل مناسبة للّهو والعبث، إنما يمثل عيد القيام بالمسؤولية، إذ نحتفل بالعيد لأننا قمنا بمسؤولياتنا التي فرضها الله علينا في هذا الشهر، ليكون ذلك مفتاحاً للقيام بالمسؤولية في كلِّ لحظات العمر، وقد قال الإمام علي(ع): "إنما هو عيد لمن قبِل الله صيامه وقيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد".

وقبل ذلك وبعده، لا بد للمسلمين الذين يصومون في هذا الشهر ويتوحدون فيه، ويصلون إلى الكعبة المشرفة، وينفتحون على كل عباداتهم بالدعاء والابتهال وقراءة القرآن، أن يشعروا بالوحدة الإسلامية التي تجمعهم على هذه القواعد التي لا يختلف فيها مسلم عن مسلم، لتكون الوحدة في ما اتفقوا عليه وسيلة من وسائل تجربة السير نحو الوحدة في ما اختلفوا فيه، وعلى المسلمين أن يعرفوا أن وحدتهم هي سرّ قوتهم، وأنّ عليهم أن يعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن يشعروا شعور الأمة الواحدة التي يُراد لها أن تقود العالم فكرياً وروحياً وعملياً.

إنّ شهر رمضان هو شهر الوعي واليقظة والإرادة والأخذ بأسباب القوة، وعلينا أن نرتفع إلى مستواه، بعيداً عن الجوانب التقليدية التي تجعله مجرد شهر نترك فيه طعامنا وشرابنا في وقتٍ من الزمن، فننسى في إفطارنا كل الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يأكلون وما يشربون وما يغتنون به في حياتهم.

* ولكن نلاحظ أن الكثير من المفاهيم الرمضانية قد جُرّدت من معانيها وفقدت قيمتها واستبدلت بمفاهيم خاطئة لا تمتّ إلى ديننا بصلة، على من تقع المسؤولية في ذلك؟

ـ إنها مسؤولية تخلّف الذهنية لدى المسلمين منذ التخلّف، ومن خلال الجمود والتزمّت الذي جعل المسلمين يفهمون عباداتهم بشكل جامد لا ينفتح على الأفق العام، وقد ورد عندنا في الحديث إشارة إلى هذا الجو: "رُبّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وربّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا التعب والسهر". إننا نفهم أن الصيام ليس مجرد جسم تقليدي، ولكنه روح تحلّق في الأفق الواسع حتى تصل إلى الله لتغتني به، ولتأخذ القوة منه، ولتكون حركةً في حركة المسؤولية في كل ما يتحمل الإنسان مسؤوليته في الحياة.

* شهر رمضان هو شهر الجهاد، كيف نوظّف هذا المفهوم للوقوف أمام ما تواجهه أمّتنا من تحديات وهيمنة خارجية، وأمام ما يحدث في العراق وفي فلسطين؟

ـ قلنا إن شهر رمضان هو شهر القيام بالمسؤولية الذي يوحي إلينا بأن لا نواجه الواقع الإسلامي الذي هو مسؤوليتنا جميعاً بطريقة اللامبالاة، بل أن نتحمل مسؤوليتنا كما تحمّل البدريون في معركة بدر مسؤوليتهم عندما تعرضوا لهجوم المشركين عليهم، وهكذا بالنسبة إلى فتح مكة، لنستطيع أن نفتح فلسطين، ونفتح العراق، ونفتح أفغانستان، ونفتح كل البلاد التي يسيطر عليها كل المستكبرين في هذا المجال.

إن شهر رمضان هو شهر الحرية التي يتحرر فيها الإنسان من عاداته ليكون سيد نفسه، وعلى هذا الأساس، فإن علينا أن نستوحي شهر رمضان لنتحرر من كل حالات الاسترخاء، وكل حالات الاستسلام للقوي وللذلّ، لنصنع القوة التي نواجه بها الأقوياء في مواقع قوتهم ومواقع ضعفهم بمواقعنا الأساسية.

* سماحة السيد، هل أنت متفائل إزاء كل هذا الخلل الذي أصاب روح المسيرة البشرية؟

ـ إنني متفائل بالإنسان أنه يستطيع أن يغير نفسه، وإذا غير الإنسان نفسه في مفاهيمه الفكرية والحركية وتطلعاته الإنسانية، فإنه يستطيع أن يغير العالم، وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى: {إن الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم}، لأن الإنسان بحسب المفهوم الإسلامي، هو صانع التغيير الذي يمكن أن يغير واقعه من واقع فاسد إلى واقع صالح، كما إنه يمكن أن يوجه واقعه إلى الواقع الفاسد، كما تحدث الله عن ظاهرة الفساد في العالم وحمّل الإنسان مسؤولية ذلك، وليس ما يسمى القضاء والقدر من دون أساس إنساني: {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}. لذلك نقول إن الإنسان يمكن أن يغير نفسه، لأنه سيد نفسه، وإذا غير الإنسان نفسه غير التاريخ.

حوار: نوال طهماز
مجلة "كواليس" تشرين الأول2004م، العدد:83

وجهٌ نوراني لا يحيط بعظمته لسان ولا يستوعب عالمه قلم، تقف إجلالاً واحتراماً لهيبته المشرقة، وعندما تجلس إليه، تدرك أنك أمام نهج إسلامي متكامل منفتح، يأخذك حديثه إلى الأعماق والجذور، فينساب كما الطبيعة سلساً، ليكون منهلاً للعطاء والعلم والمعرفة، ومرجعاً دينياً متميزاً بالعمق والسعة والانفتاح.

مع سيد الحوار، مع سماحة السيد محمد حسين فضل الله، يشرّفنا أن نتحاور في مناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، ليطرح أمامنا ما غاب عن ذهننا من مفاهيم وعقائد ومواقف، علّها تزرع فرحاً وتمطر حباً وعطاءً في شهر الخير والعطاء.

* سماحة السيد، نبدأ حوارنا برسالة تحبّ توجيهها إلى العالم العربي والإسلامي بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك؟

ـ عندما نتطلّع إلى المعاني والآفاق التي ينفتح عليها هذا الشهر المبارك، فإننا نلتقي بالجانب الروحي الذي يفيض على عقل الإنسان، ليكون العقل مسؤولاً أمام الله في أن يؤكد الحقيقة في كلِّ حركته الفكرية التي تؤصّل إنسانية الإنسان، وتجعله يتحسّس روحيته في عالم الروح، ومسؤوليته في عالم المسؤولية، وإنسانيته في كل ما يغني الإنسانية في كلِّ تطلّعاتها وأوضاعها وانفتاحها على الإنسان كله في عملية تواصل وتكامل وتعاون.

وهكذا ينفتح هذا الشَّهر على القلب لينبض بالمحبة التي تعيش لتتطلع إلى الكون كله، في إنسانه وحركته وكل ظواهره، بالمحبّة، باعتبار هذه الروح التي توحي للإنسان بأنه جزء من هذا الكون يغتني به ويغنيه من خلال حركته الفكرية في ما يخطط للكون، بحيث يؤنسن الكثير من حالات الكون، كما يستفيد منه ويتعلم كيف ينتج الخصب والرخاء من خلال الينابيع المتفجرة المتدفقة، أو كيف يزرع الأرض من خلال هذا المطر الهاطل من السماء، أو من خلال النور الذي يفيض من إشراقة الشمس ليعطي الحياة رخاءً.

أن تكون المحبة نتاج كلِّ قلبٍ ينفتح على القلب الآخر، وأن تكون الرحمة التي هي ابنة المحبة، من أجل أن تمسح على رأس اليتيم هنا، وتضمد جراح الجريح هناك وتمسح دمعة الحزين، وتغرس في كل قلب المعنى الذي يستشعر فيه بالمحبة والسلام.

وهكذا نستوحي من شهر رمضان كيف يعيش الإنسان ليحلّق في مواقع القرب من الله ليعيش معه، ليستمد منه القوة والعزة والانفتاح على كل المعاني القيمية الروحية.

إننا نقرأ في شهر رمضان بعد كلِّ صلاة، دعاءً يوحي بأنّ على الإنسان أن يتطلع إلى كل الذين يعانون من الآلام ومن المآسي، ليشاركهم ذلك، وليرفع دعاءه إلى الله بأن يفرج عنهم، تماماً كما لو كان يدعو لنفسه: "اللهم أدخِل على أهل القبور السرور، اللهم أغنِ كل فقير، اللهم اقضِ دين كل مدين، اللهم فرّج عن كل مكروب، اللهم ردّ كل غريب، اللهمّ فكّ كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشفِ كل مريض، اللهمّ سدّ فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنّا الدين وأغننا من الفقر إنك على كل شيء قدير".

وهكذا ننطلق في شهر رمضان، لنشعر بأنه شهر الصيام الذي يجعل الإنسان يتصلّب في إرادته عندما يواجه كل السلبيات التي ربما تجتذبه ليؤكد ابتعاده عنها، وليواجه الإيجابيات التي يُراد له أن يأخذ بها لينفتح عليها، ثم هو شهر القيام الذي يقف فيه الإنسان بين يدي ربه في الليل والنهار، لينفتح على ربه، وليسموَ بروحه إلى الله، لأنّ الصلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله، حيث يلتقي المخلوق بالخالق ليستمد منه كل ما يغني عقله وروحه وفكره، وليتضرّع إليه في أن يهديه إلى الصراط المستقيم، ولأن يسير به نحو الدرجات الرفيعة للرضوان، حيث يلتقي به بعد أن يفارق الحياة ليعيش في رحمته ولطفه وجوده وكرمه.

ثم هو شهر الرحمة التي يعيشها الإنسان في نفسه، لتنفتح على كل الناس الذين لا بد للإنسان من أن يرحمهم في كل نقاط الضعف التي يعيشونها، وهو شهر التحرر من كل العبوديات التي يخضع لها الإنسان.

وهو في الوقت نفسه في تاريخه شهر الجهاد، لأننا نلتقي في شهر رمضان بحرب بدر وبفتح مكة، وقد كانت أولاهما مفتاح القوة للإسلام، وكانت الثانية مفتاح الفتح للإسلام. فلنتذكر ذلك، حيث نتطلّع إلى كل الأوضاع الصعبة التي يعيشها العالم الإسلامي، سواء في احتلال الصهاينة لفلسطين، أو في الاحتلال الأمريكي للعراق ولأفغانستان، أو للمشاكل التي يتحدى بها المستكبرون الواقع الإسلامي كله، لنعيش روح بدر وروح فتح مكة، لنأخذ بأسباب الحرية التي يقف فيها المسلمون صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص.

ثم نتطلّع إلى العيد، لنفهم أن العيد لا يمثل مناسبة للّهو والعبث، إنما يمثل عيد القيام بالمسؤولية، إذ نحتفل بالعيد لأننا قمنا بمسؤولياتنا التي فرضها الله علينا في هذا الشهر، ليكون ذلك مفتاحاً للقيام بالمسؤولية في كلِّ لحظات العمر، وقد قال الإمام علي(ع): "إنما هو عيد لمن قبِل الله صيامه وقيامه، وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد".

وقبل ذلك وبعده، لا بد للمسلمين الذين يصومون في هذا الشهر ويتوحدون فيه، ويصلون إلى الكعبة المشرفة، وينفتحون على كل عباداتهم بالدعاء والابتهال وقراءة القرآن، أن يشعروا بالوحدة الإسلامية التي تجمعهم على هذه القواعد التي لا يختلف فيها مسلم عن مسلم، لتكون الوحدة في ما اتفقوا عليه وسيلة من وسائل تجربة السير نحو الوحدة في ما اختلفوا فيه، وعلى المسلمين أن يعرفوا أن وحدتهم هي سرّ قوتهم، وأنّ عليهم أن يعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن يشعروا شعور الأمة الواحدة التي يُراد لها أن تقود العالم فكرياً وروحياً وعملياً.

إنّ شهر رمضان هو شهر الوعي واليقظة والإرادة والأخذ بأسباب القوة، وعلينا أن نرتفع إلى مستواه، بعيداً عن الجوانب التقليدية التي تجعله مجرد شهر نترك فيه طعامنا وشرابنا في وقتٍ من الزمن، فننسى في إفطارنا كل الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يأكلون وما يشربون وما يغتنون به في حياتهم.

* ولكن نلاحظ أن الكثير من المفاهيم الرمضانية قد جُرّدت من معانيها وفقدت قيمتها واستبدلت بمفاهيم خاطئة لا تمتّ إلى ديننا بصلة، على من تقع المسؤولية في ذلك؟

ـ إنها مسؤولية تخلّف الذهنية لدى المسلمين منذ التخلّف، ومن خلال الجمود والتزمّت الذي جعل المسلمين يفهمون عباداتهم بشكل جامد لا ينفتح على الأفق العام، وقد ورد عندنا في الحديث إشارة إلى هذا الجو: "رُبّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وربّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا التعب والسهر". إننا نفهم أن الصيام ليس مجرد جسم تقليدي، ولكنه روح تحلّق في الأفق الواسع حتى تصل إلى الله لتغتني به، ولتأخذ القوة منه، ولتكون حركةً في حركة المسؤولية في كل ما يتحمل الإنسان مسؤوليته في الحياة.

* شهر رمضان هو شهر الجهاد، كيف نوظّف هذا المفهوم للوقوف أمام ما تواجهه أمّتنا من تحديات وهيمنة خارجية، وأمام ما يحدث في العراق وفي فلسطين؟

ـ قلنا إن شهر رمضان هو شهر القيام بالمسؤولية الذي يوحي إلينا بأن لا نواجه الواقع الإسلامي الذي هو مسؤوليتنا جميعاً بطريقة اللامبالاة، بل أن نتحمل مسؤوليتنا كما تحمّل البدريون في معركة بدر مسؤوليتهم عندما تعرضوا لهجوم المشركين عليهم، وهكذا بالنسبة إلى فتح مكة، لنستطيع أن نفتح فلسطين، ونفتح العراق، ونفتح أفغانستان، ونفتح كل البلاد التي يسيطر عليها كل المستكبرين في هذا المجال.

إن شهر رمضان هو شهر الحرية التي يتحرر فيها الإنسان من عاداته ليكون سيد نفسه، وعلى هذا الأساس، فإن علينا أن نستوحي شهر رمضان لنتحرر من كل حالات الاسترخاء، وكل حالات الاستسلام للقوي وللذلّ، لنصنع القوة التي نواجه بها الأقوياء في مواقع قوتهم ومواقع ضعفهم بمواقعنا الأساسية.

* سماحة السيد، هل أنت متفائل إزاء كل هذا الخلل الذي أصاب روح المسيرة البشرية؟

ـ إنني متفائل بالإنسان أنه يستطيع أن يغير نفسه، وإذا غير الإنسان نفسه في مفاهيمه الفكرية والحركية وتطلعاته الإنسانية، فإنه يستطيع أن يغير العالم، وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى: {إن الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم}، لأن الإنسان بحسب المفهوم الإسلامي، هو صانع التغيير الذي يمكن أن يغير واقعه من واقع فاسد إلى واقع صالح، كما إنه يمكن أن يوجه واقعه إلى الواقع الفاسد، كما تحدث الله عن ظاهرة الفساد في العالم وحمّل الإنسان مسؤولية ذلك، وليس ما يسمى القضاء والقدر من دون أساس إنساني: {ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}. لذلك نقول إن الإنسان يمكن أن يغير نفسه، لأنه سيد نفسه، وإذا غير الإنسان نفسه غير التاريخ.

حوار: نوال طهماز
مجلة "كواليس" تشرين الأول2004م، العدد:83

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير