فضل الله "لمراسل التلفزيون البريطاني "كيفن تولز"

فضل الله "لمراسل التلفزيون البريطاني "كيفن تولز"

فضل الله "لمراسل التلفزيون البريطاني "كيفن تولز":

التفجيرات أسلوب أوجدته المخابرات الأمريكية في المنطقة لنشر الفوضى

 

في الثّامن من آذار عام 1985م، وبعد أداء صلاة الجمعة في منطقة بئر العبد، كان الحدث الكبير؛ مجزرة مروّعة طاولت المدنيّين وأسقطت منهم العشرات من الشّهداء والجرحى. أمّا الهدف الأساس منها، والذي حددته المخابرات الأمريكية ووصفته بالهدف الثمين، فكان اغتيال السيد محمد حسين فضل الله.

فلماذا كانت المجزرة؟ ولماذا استهداف العلاَّمة فضل الله؟ وما الذي حوّله إلى هدف ثمين لأجهزة المخابرات تلك؟

عن هذا الحدث المأساة، وعن طبيعة الهدف، سأل مراسل التلفزيون البريطاني "كيفن تولز" العلامة المرجع، السيد فضل الله، وهذا نص الحوار:


س: هل يمكن أن تصف لنا الواقع اللبناني في فترة وقوع مجزرة بئر العبد؟

ج: كان لبنان في تلك الفترة يعيش الفوضى في الجانب الأمنيّ، وكان هناك الكثير من التفجيرات التي كانت تتحرك بها التيارات الداخلية والخارجية، وخصوصاً في فترة المشاكل التي حدثت بين اللبنانيين والفلسطينيين، ومن خلال التدخلات الإسرائيلية عبر جهات داخلية، إضافةً إلى دخول القوات الدولية، ومنها الأمريكية، على الخطّ، بحيث كان يخيّل إلى النّاس أنّ أمريكا تريد أن تقيم قاعدةً عسكرية لها في لبنان، فكان الوضع في لبنان يمثِّل الفوضى الأمنية بكلِّ معنى الكلمة، ما جعل كل إنسان يفكر من خلال المخابرات الدولية التي يواليها، في أن يقتل خصومه وما إلى ذلك.

س: ولماذا كان بعض الناس يرغبون في اغتيالكم؟

ج: أنا قرأت هذا الأمر في حديث وليم كايسي، مدير المخابرات الأمريكية آنذاك، ممّا نقله عنه الصّحافي الأمريكيّ الشّهير "بوب ودوارد" في كتابه "القناع"، حيث ذكر أن وليم كايسي التقى الأمير بندر آل سعود، وقال له إنّ الشيخ فضل الله، بحسب اصطلاحهم، أصبح مزعجاً للسياسة الأمريكية، وأنّ عليه أن يرحل. وعلى هذا الأساس، سلّم بندر لكايسي مبلغ ثلاثة ملايين دولار أمريكي لتغطية عملية اغتيالي، لأنّ الكونغرس الأمريكي لا يدفع مالاً في هذا المجال. وهكذا اتفقوا مع مخابرات الجيش اللبناني آنذاك، ووظَّفوا بعض الشباب، وأغلبهم من الشيعة من منطقة مشغرة في البقاع الغربي وغيرها، ودربوهم تدريباً دقيقاً جداً، وهيّأوا الظروف الملائمة من أجل اغتيالي، وكانوا يراقبونني مدة سنة عندما أذهب إلى المسجد في يوم الجمعة، حتى إنّ الصحافة كانت في ذلك اليوم تطلب مني ولو تصريحاً بكلمتين، كأنّها تريد أن تسجِّل آخر كلماتي.

س: هل تقصد الصحافة العالمية؟

ج: نعم، وقد ساروا معي إلى المسجد في بئر العبد، وفجأةً بعد أداء الصلاة، سمع دويُّ انفجار السيارة المفخَّخة قبل خروجي بدقائق، وما أخّرني من الخروج، هو صعود امرأة مؤمنة إلى الطابق الأوَّل من المسجد، وقد طلبت أن تتحدّث معي، ورفضت ذلك، ولكنّها أصرَّت، وعندما بدأت الحديث انطلق التفجير، بحيث لو لم أستجب لهذه المرأة لكنت في قلب التفجير. فالمسألة كانت أمريكية لجهة الأخذ بالثأر لما حدث للأمريكيين في متفجرة المارينز في وقتها، لأنهم كانوا يتهمونني بأنني وراء ذلك، ولكنّهم فشلوا في هذا الموضوع، وقد نُشرت هذه المعلومات في صحيفة "الواشنطن بوست"، وصرّح الرئيس ريغان آنذاك بالقول: نحن لم نأمر بذلك. وأحبُّ أن أؤكد أنّه لا علاقة لي من قريب أو بعيد بمسألة المارينز، وإنّما هي تهمة أمريكية لا أساس لها من الصحة.

س: عندما سمعتم الانفجار، ورأيتم حجمه، هل عرفتم أنكم المستهدفون؟

ج: عندما سمعت الانفجار، طبعاً لم أعرف في ذلك الوقت بأنه موجّه ضدّي، ولكن جاء من أخبرني بذلك، وذهبت لتفقّد الضحايا وتفقّد الأضرار التي حصلت، وقد أدّت هذه المتفجرة الوحشية إلى سقوط ثمانين قتيلاً بين جنين وطفل وامرأة وعامل من العمال الذين كانوا يرجعون من أعمالهم، وأكثر من مئة وعشرين جريحاً.

س: هل تستطيع أن تصف لنا، ماذا رأيت في موقع الانفجار؟

ج: رأيت الأبنية التي حول بيتي، مدمّرةً بشكل كبير بسبب ضخامة التفجير، كما أنّني تابعت مسألة الضحايا الذين قتلتهم المتفجرّة، وخصوصاً النساء اللواتي كنّ قد رجعن من المسجد وهنّ يحملن أطفالهنّ، كما أن هناك بعض النساء كنّ حوامل، فقتلن وقتل الأجنة في أحشائهن، إلى جانب العمال الذين كانوا راجعين من أعمالهم، ولذلك شعرت بالوحشية الأمريكية في هذه العملية العدوانية، وهذا يدلل على أن المخابرات الأمريكية هي التي تقوم بمثل هذه الأعمال التفجيرية التي يقتل فيها المدنيّون والأبرياء من النساء والأطفال، وحتى الأجنّة في بطون أمهاتهم.

س: لماذا اختاروا هذه الوسيلة لاغتيالك؟

ج: لأنهم لا يستطيعون اغتيالي بالطريقة التقليدية، باعتبار وجود حرس حولي أو في المنطقة آنذاك، ولهذا كانت قضية التفجيرات ظاهرةً ينتشر استخدامها في لبنان من قِبَل أكثر من جهة من الجهات التي تواجه خصومها.

س: لماذا كان تفجير السيارات هي العادة السائدة في ذلك الحين؟

ج: لأنّ من الممكن أن تقتل أكبر عدد ممكن من الناس، ما يجعل الأشخاص الذين يقومون بها يحقِّقون أهدافهم في تخويف خصومهم أو في إسقاطهم، وهذا ما نلاحظه الآن فيما يحدث في العراق وفي أفغانستان.

س: هل كانت الخطة أن تنفجر السيارة أثناء عودتك من المسجد على الطريق بين البيت والمسجد؟

ج: كانت هناك سيارتان إلى جانب بيتي ترصدان الطريق التي أمرُّ بها إلى بيتي بشكل دقيق جداً، بحيث إذا جئت من هذا الطريق أو من ذاك الطريق أصاب بالتفجير، ولكن بقائي بفعل هذه المرأة المؤمنة التي كانت تستشيرني في بعض قضاياها أخّر المسألة، وعندما مرّت بعض السيارات التي تشبه سيارتي حصل التفجير... حتى إنَّ خبر اغتيالي كان معدّاً مسبقاً ليذاع في الإعلام العالمي، وقد جاء في إذاعة الخبر عبر هذا الإعلام، وعبر إذاعة صوت لبنان التابعة لحزب الكتائب، إن فلاناً موجود تحت الأنقاض، معتقدين بأني وصلت إلى المكان، وأنّ التّفجير أصابني. والظاهر أن الصحافة العالمية كانت على علم بذلك، لأنهم كانوا يتابعونني ليطلبوا مني آخر تصريح قبل أن يحصل الانفجار.

س: لماذا لامك الأمريكيون على تفجير المارينـز؟

ج: أولاً، لأن بعض المخابرات اللبنانية، والظاهر أنّها الكتائب آنذاك، سرّبوا إليهم هذه المعلومات، وأنّني أنا الذي وعدت الشخص الذي قام بعملية التفجير بالجنة، وأنّني خرجت من أجل تفقّد المنطقة لأحدد كيف يمكن أن يكون التفجير، وقد عبّرت في ذلك الوقت بأنّ هذا أمر أسخف من أن يعلّق عليه، لأنه ليس من شأن علماء الدين أن يقوموا بمثل هذه الأساليب أو أن يتفقدوا القضايا العسكرية أو ما أشبه ذلك.

س: هل قامت المخابرات الأمريكية بتفجيرات أخرى في لبنان؟

ج: لا أستطيع أن أحدّد خلفيات التّفجيرات، لأنّ هناك أكثر من جهة في لبنان كانت تمارس ذلك، ولكن طبيعة التفجير الموجّه إليّ يدلُّ على أن المخابرات الأمريكية ليست بعيدةً عن هذا الأسلوب.

س: لماذا في رأيكم، ما زالوا يستخدمون الطريقة نفسها في تفجير السيارات، وبعد كلِّ هذه السّنين؟

ج: في تصوّري، أنّ هذا الأسلوب هو الذي أوجدته المخابرات الأمريكية في المنطقة، والّذي تهدف من خلاله إلى نشر الفوضى، إضافة إلى الذهنية المتخلّفة التي تحكم بعض الناس، ومنهم بعض المتطرفين في القاعدة وفي غيرها، كلّ ذلك ساهم في هذا النوع من التفجيرات، وهذا ما لاحظناه فيما حدث في 11أيلول أو في أسبانيا أو في بريطانيا، أو حتى في المغرب في السعودية وممّا لا يزال في العراق.

س: هل عرفتم من أين أتت المتفجرات التي استهدفت حياتكم؟

ج: كان لبنان مملوءاً بهذا النوع من أدوات التفجير، بحيث كان ساحةً مفتوحةً لكل الأسلحة ولكل أدوات التفجير.

س: هل ترون نهايةً لمسألة تفجيرات السيارات في لبنان؟

ج: أنا لا أتصوّر ذلك، لأنّ الجهات التي تقوم بهذه الأعمال لم تُعرّف، ولم تستطع المخابرات اللبنانية، وحتى المخابرات في لجنة التحقيق، أن تكتشف هؤلاء، ولذلك فالقضية لا تزال غامضةً من هذه الناحية، فيمكن للإنسان أن يتهم إسرائيل التي تريد إرباك الواقع اللبناني، ويمكن أن يتهم بعض الجهات الإقليمية والدولية، ويمكن أن يتَّهم القاعدة والمتطرِّفين الذين أصبحوا يمارسون مثل هذه الأعمال. ونحن نرى أنَّ هذه الأعمال ستستمرُّ ما دامت المشاريع الأمريكية تحكم المنطقة من أجل المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وما دامت إسرائيل تريد إرباك الأوضاع في المنطقة لحفظ مصالحها، وخصوصاً في ظلّ استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، والسيطرة على باكستان، امتداداً إلى الصومال وما إلى ذلك. إنّ أمريكا تتحدّث عن تخطيط للفوضى في المنطقة، والتي تسمِّيها الفوضى البنَّاءة، ومن الطبيعي أن الفوضى تهيّىء المناخ لمثل هذه الأعمال وغيرها.

س: في تقديرك، هل إن الأمريكيّين كانوا يريدون شخصاً حتى يلقوا عليه اللوم في هذا التفجير ليقولوا نحن قد انتقمنا من الذي فجّر مقرّ المارينـز، وبالتالي اختاروك أنت لأنك رمز ديني؟ هل انتقوك من دون أن يكونوا متأكدين من صحّة الاتهامات؟

ج: في طبيعة الحال، كانوا لا يستطيعون أن يعرفوا الجهة التي تقف خلف تفجيرات مقرّ المارينز، ولذلك عندما قدّمت إليهم هذه المعلومات الاستخبارية من بعض اللبنانيين، بادروا إلى الجهة التي أبلغوا أنّها كانت وراء ذلك، وخططوا من أجل الثأر.

س: هل كانوا يبحثون عن أي هدف ليقولوا لشعبهم إننا قتلنا المسؤول؟

ج: ربما يكون الأمر كذلك.

س: هل هناك شيء تريد قوله في الختام؟

ج: أريد أن أختم كلامي بالقول إنَّ الظَّاهر أنّ المخابرات الأمريكية قامت بهذا العمل من دون معرفة الرئيس الأمريكي ريغان آنذاك، ولذلك أصدر بياناً في ذلك الوقت، قال فيه إنّه لم يصدر الأوامر للقيام بمثل هذه العملية، وقد نشرت "الواشنطن بوست" والصحف الأمريكية وغيرها الحديث عن هذه المتفجرة، والظاهر أن المخابرات هي التي قامت بذلك.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 29 صفر 1429 هـ  الموافق: 07/03/2008 م

فضل الله "لمراسل التلفزيون البريطاني "كيفن تولز":

التفجيرات أسلوب أوجدته المخابرات الأمريكية في المنطقة لنشر الفوضى

 

في الثّامن من آذار عام 1985م، وبعد أداء صلاة الجمعة في منطقة بئر العبد، كان الحدث الكبير؛ مجزرة مروّعة طاولت المدنيّين وأسقطت منهم العشرات من الشّهداء والجرحى. أمّا الهدف الأساس منها، والذي حددته المخابرات الأمريكية ووصفته بالهدف الثمين، فكان اغتيال السيد محمد حسين فضل الله.

فلماذا كانت المجزرة؟ ولماذا استهداف العلاَّمة فضل الله؟ وما الذي حوّله إلى هدف ثمين لأجهزة المخابرات تلك؟

عن هذا الحدث المأساة، وعن طبيعة الهدف، سأل مراسل التلفزيون البريطاني "كيفن تولز" العلامة المرجع، السيد فضل الله، وهذا نص الحوار:


س: هل يمكن أن تصف لنا الواقع اللبناني في فترة وقوع مجزرة بئر العبد؟

ج: كان لبنان في تلك الفترة يعيش الفوضى في الجانب الأمنيّ، وكان هناك الكثير من التفجيرات التي كانت تتحرك بها التيارات الداخلية والخارجية، وخصوصاً في فترة المشاكل التي حدثت بين اللبنانيين والفلسطينيين، ومن خلال التدخلات الإسرائيلية عبر جهات داخلية، إضافةً إلى دخول القوات الدولية، ومنها الأمريكية، على الخطّ، بحيث كان يخيّل إلى النّاس أنّ أمريكا تريد أن تقيم قاعدةً عسكرية لها في لبنان، فكان الوضع في لبنان يمثِّل الفوضى الأمنية بكلِّ معنى الكلمة، ما جعل كل إنسان يفكر من خلال المخابرات الدولية التي يواليها، في أن يقتل خصومه وما إلى ذلك.

س: ولماذا كان بعض الناس يرغبون في اغتيالكم؟

ج: أنا قرأت هذا الأمر في حديث وليم كايسي، مدير المخابرات الأمريكية آنذاك، ممّا نقله عنه الصّحافي الأمريكيّ الشّهير "بوب ودوارد" في كتابه "القناع"، حيث ذكر أن وليم كايسي التقى الأمير بندر آل سعود، وقال له إنّ الشيخ فضل الله، بحسب اصطلاحهم، أصبح مزعجاً للسياسة الأمريكية، وأنّ عليه أن يرحل. وعلى هذا الأساس، سلّم بندر لكايسي مبلغ ثلاثة ملايين دولار أمريكي لتغطية عملية اغتيالي، لأنّ الكونغرس الأمريكي لا يدفع مالاً في هذا المجال. وهكذا اتفقوا مع مخابرات الجيش اللبناني آنذاك، ووظَّفوا بعض الشباب، وأغلبهم من الشيعة من منطقة مشغرة في البقاع الغربي وغيرها، ودربوهم تدريباً دقيقاً جداً، وهيّأوا الظروف الملائمة من أجل اغتيالي، وكانوا يراقبونني مدة سنة عندما أذهب إلى المسجد في يوم الجمعة، حتى إنّ الصحافة كانت في ذلك اليوم تطلب مني ولو تصريحاً بكلمتين، كأنّها تريد أن تسجِّل آخر كلماتي.

س: هل تقصد الصحافة العالمية؟

ج: نعم، وقد ساروا معي إلى المسجد في بئر العبد، وفجأةً بعد أداء الصلاة، سمع دويُّ انفجار السيارة المفخَّخة قبل خروجي بدقائق، وما أخّرني من الخروج، هو صعود امرأة مؤمنة إلى الطابق الأوَّل من المسجد، وقد طلبت أن تتحدّث معي، ورفضت ذلك، ولكنّها أصرَّت، وعندما بدأت الحديث انطلق التفجير، بحيث لو لم أستجب لهذه المرأة لكنت في قلب التفجير. فالمسألة كانت أمريكية لجهة الأخذ بالثأر لما حدث للأمريكيين في متفجرة المارينز في وقتها، لأنهم كانوا يتهمونني بأنني وراء ذلك، ولكنّهم فشلوا في هذا الموضوع، وقد نُشرت هذه المعلومات في صحيفة "الواشنطن بوست"، وصرّح الرئيس ريغان آنذاك بالقول: نحن لم نأمر بذلك. وأحبُّ أن أؤكد أنّه لا علاقة لي من قريب أو بعيد بمسألة المارينز، وإنّما هي تهمة أمريكية لا أساس لها من الصحة.

س: عندما سمعتم الانفجار، ورأيتم حجمه، هل عرفتم أنكم المستهدفون؟

ج: عندما سمعت الانفجار، طبعاً لم أعرف في ذلك الوقت بأنه موجّه ضدّي، ولكن جاء من أخبرني بذلك، وذهبت لتفقّد الضحايا وتفقّد الأضرار التي حصلت، وقد أدّت هذه المتفجرة الوحشية إلى سقوط ثمانين قتيلاً بين جنين وطفل وامرأة وعامل من العمال الذين كانوا يرجعون من أعمالهم، وأكثر من مئة وعشرين جريحاً.

س: هل تستطيع أن تصف لنا، ماذا رأيت في موقع الانفجار؟

ج: رأيت الأبنية التي حول بيتي، مدمّرةً بشكل كبير بسبب ضخامة التفجير، كما أنّني تابعت مسألة الضحايا الذين قتلتهم المتفجرّة، وخصوصاً النساء اللواتي كنّ قد رجعن من المسجد وهنّ يحملن أطفالهنّ، كما أن هناك بعض النساء كنّ حوامل، فقتلن وقتل الأجنة في أحشائهن، إلى جانب العمال الذين كانوا راجعين من أعمالهم، ولذلك شعرت بالوحشية الأمريكية في هذه العملية العدوانية، وهذا يدلل على أن المخابرات الأمريكية هي التي تقوم بمثل هذه الأعمال التفجيرية التي يقتل فيها المدنيّون والأبرياء من النساء والأطفال، وحتى الأجنّة في بطون أمهاتهم.

س: لماذا اختاروا هذه الوسيلة لاغتيالك؟

ج: لأنهم لا يستطيعون اغتيالي بالطريقة التقليدية، باعتبار وجود حرس حولي أو في المنطقة آنذاك، ولهذا كانت قضية التفجيرات ظاهرةً ينتشر استخدامها في لبنان من قِبَل أكثر من جهة من الجهات التي تواجه خصومها.

س: لماذا كان تفجير السيارات هي العادة السائدة في ذلك الحين؟

ج: لأنّ من الممكن أن تقتل أكبر عدد ممكن من الناس، ما يجعل الأشخاص الذين يقومون بها يحقِّقون أهدافهم في تخويف خصومهم أو في إسقاطهم، وهذا ما نلاحظه الآن فيما يحدث في العراق وفي أفغانستان.

س: هل كانت الخطة أن تنفجر السيارة أثناء عودتك من المسجد على الطريق بين البيت والمسجد؟

ج: كانت هناك سيارتان إلى جانب بيتي ترصدان الطريق التي أمرُّ بها إلى بيتي بشكل دقيق جداً، بحيث إذا جئت من هذا الطريق أو من ذاك الطريق أصاب بالتفجير، ولكن بقائي بفعل هذه المرأة المؤمنة التي كانت تستشيرني في بعض قضاياها أخّر المسألة، وعندما مرّت بعض السيارات التي تشبه سيارتي حصل التفجير... حتى إنَّ خبر اغتيالي كان معدّاً مسبقاً ليذاع في الإعلام العالمي، وقد جاء في إذاعة الخبر عبر هذا الإعلام، وعبر إذاعة صوت لبنان التابعة لحزب الكتائب، إن فلاناً موجود تحت الأنقاض، معتقدين بأني وصلت إلى المكان، وأنّ التّفجير أصابني. والظاهر أن الصحافة العالمية كانت على علم بذلك، لأنهم كانوا يتابعونني ليطلبوا مني آخر تصريح قبل أن يحصل الانفجار.

س: لماذا لامك الأمريكيون على تفجير المارينـز؟

ج: أولاً، لأن بعض المخابرات اللبنانية، والظاهر أنّها الكتائب آنذاك، سرّبوا إليهم هذه المعلومات، وأنّني أنا الذي وعدت الشخص الذي قام بعملية التفجير بالجنة، وأنّني خرجت من أجل تفقّد المنطقة لأحدد كيف يمكن أن يكون التفجير، وقد عبّرت في ذلك الوقت بأنّ هذا أمر أسخف من أن يعلّق عليه، لأنه ليس من شأن علماء الدين أن يقوموا بمثل هذه الأساليب أو أن يتفقدوا القضايا العسكرية أو ما أشبه ذلك.

س: هل قامت المخابرات الأمريكية بتفجيرات أخرى في لبنان؟

ج: لا أستطيع أن أحدّد خلفيات التّفجيرات، لأنّ هناك أكثر من جهة في لبنان كانت تمارس ذلك، ولكن طبيعة التفجير الموجّه إليّ يدلُّ على أن المخابرات الأمريكية ليست بعيدةً عن هذا الأسلوب.

س: لماذا في رأيكم، ما زالوا يستخدمون الطريقة نفسها في تفجير السيارات، وبعد كلِّ هذه السّنين؟

ج: في تصوّري، أنّ هذا الأسلوب هو الذي أوجدته المخابرات الأمريكية في المنطقة، والّذي تهدف من خلاله إلى نشر الفوضى، إضافة إلى الذهنية المتخلّفة التي تحكم بعض الناس، ومنهم بعض المتطرفين في القاعدة وفي غيرها، كلّ ذلك ساهم في هذا النوع من التفجيرات، وهذا ما لاحظناه فيما حدث في 11أيلول أو في أسبانيا أو في بريطانيا، أو حتى في المغرب في السعودية وممّا لا يزال في العراق.

س: هل عرفتم من أين أتت المتفجرات التي استهدفت حياتكم؟

ج: كان لبنان مملوءاً بهذا النوع من أدوات التفجير، بحيث كان ساحةً مفتوحةً لكل الأسلحة ولكل أدوات التفجير.

س: هل ترون نهايةً لمسألة تفجيرات السيارات في لبنان؟

ج: أنا لا أتصوّر ذلك، لأنّ الجهات التي تقوم بهذه الأعمال لم تُعرّف، ولم تستطع المخابرات اللبنانية، وحتى المخابرات في لجنة التحقيق، أن تكتشف هؤلاء، ولذلك فالقضية لا تزال غامضةً من هذه الناحية، فيمكن للإنسان أن يتهم إسرائيل التي تريد إرباك الواقع اللبناني، ويمكن أن يتهم بعض الجهات الإقليمية والدولية، ويمكن أن يتَّهم القاعدة والمتطرِّفين الذين أصبحوا يمارسون مثل هذه الأعمال. ونحن نرى أنَّ هذه الأعمال ستستمرُّ ما دامت المشاريع الأمريكية تحكم المنطقة من أجل المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وما دامت إسرائيل تريد إرباك الأوضاع في المنطقة لحفظ مصالحها، وخصوصاً في ظلّ استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان، والسيطرة على باكستان، امتداداً إلى الصومال وما إلى ذلك. إنّ أمريكا تتحدّث عن تخطيط للفوضى في المنطقة، والتي تسمِّيها الفوضى البنَّاءة، ومن الطبيعي أن الفوضى تهيّىء المناخ لمثل هذه الأعمال وغيرها.

س: في تقديرك، هل إن الأمريكيّين كانوا يريدون شخصاً حتى يلقوا عليه اللوم في هذا التفجير ليقولوا نحن قد انتقمنا من الذي فجّر مقرّ المارينـز، وبالتالي اختاروك أنت لأنك رمز ديني؟ هل انتقوك من دون أن يكونوا متأكدين من صحّة الاتهامات؟

ج: في طبيعة الحال، كانوا لا يستطيعون أن يعرفوا الجهة التي تقف خلف تفجيرات مقرّ المارينز، ولذلك عندما قدّمت إليهم هذه المعلومات الاستخبارية من بعض اللبنانيين، بادروا إلى الجهة التي أبلغوا أنّها كانت وراء ذلك، وخططوا من أجل الثأر.

س: هل كانوا يبحثون عن أي هدف ليقولوا لشعبهم إننا قتلنا المسؤول؟

ج: ربما يكون الأمر كذلك.

س: هل هناك شيء تريد قوله في الختام؟

ج: أريد أن أختم كلامي بالقول إنَّ الظَّاهر أنّ المخابرات الأمريكية قامت بهذا العمل من دون معرفة الرئيس الأمريكي ريغان آنذاك، ولذلك أصدر بياناً في ذلك الوقت، قال فيه إنّه لم يصدر الأوامر للقيام بمثل هذه العملية، وقد نشرت "الواشنطن بوست" والصحف الأمريكية وغيرها الحديث عن هذه المتفجرة، والظاهر أن المخابرات هي التي قامت بذلك.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 29 صفر 1429 هـ  الموافق: 07/03/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير