إحفظوا ألسنتكم وخاصة في شهر رمضان

إحفظوا ألسنتكم وخاصة في شهر رمضان

لأن أبواب الجنة موصدة "على كل فحّاش" :
إحفظوا ألسنتكم وخاصة في شهر رمضان


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
 

تحدثنا في الجمعة الماضية أن رسول الله (ص) أرادنا أن نستقبل شهر رمضان بالانفتاح على كل أوضاعنا الروحية والنفسية، وعلى كل أخلاقنا، من أجل أن ندخل هذا الشهر دخولاً منفتحاً على الله تعالى، بحيث يطهّر الإنسان نفسه وينمّي روحيته ويصلح أخلاقه، لأن قضية هذا الشهر الكريم ليست مجرد صيام يمسك فيه الإنسان عمّا أراد الله تعالى له أن يصوم عنه، ولكن الصيام يمثل وسيلة من وسائل التقوى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فلا بدّ لك أن تصوم لتكون الإنسان التقي الذي يخاف الله في كل أموره، ويراقبه في كل أعماله، ويطيعه في كل ما أمر به ونهى عنه. وهذا ما أرادنا رسول الله (ص) أن نقوم به قبل الدخول في شهر رمضان وفي امتداداته.

حفظ اللسان من المعصية

ومن بين الأمور التي ركّز عليها رسول الله (ص) في خطبته التي استقبل بها شهر رمضان مسألة حفظ اللسان، حيث قال: "واحفظوا ألسنتكم". وحفظ اللسان هو أن لا تستخدم لسانك آلة لمعصية الله، بل لا بد أن يكون لسانك لسان خير وطاعة وإصلاح، لأن هذه المسألة تتصل بحياة الإنسان في نفسه وحياته مع الناس، وحياته مع الله تعالى، فالإنسان ربما يسقط في النار نتيجة ما يحصده لسانه، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم يوم القيامة"، وفي الحديث أن اللسان يشرف على الأعضاء ـ في كل صباح ـ فيسألهم: كيف أنتم؟ فيقولون: نحن بخير ما تركتنا.

ونحن نعرف أن الله تعالى حرّم على الإنسان الكثير مما يمكن أن ينطقه بلسانه، فحرّم عليه الكذب في الصغير والكبير، وفي الهزل والجدّ، وقد ورد في وصية الإمام زين العابدين (ع) لأبنائه: "اتقوا الله في الصغير والكبير، في هزل أو جدّ، فإن المرء إذا اجترأ على الصغير اجترأ على الكبير"، وقد ورد في الحديث: "لا يكذب الكاذب وهو مؤمن"، فإذا كان الإنسان كذاباً لم يكن مؤمناً، لأن الإيمان يربطك بالحق، والكذب يربطك بالباطل، ولا يجتمع الحق والباطل عند الإنسان المؤمن.

تحريم الغيبة والنميمة

وحرّم الله تعالى علينا الغيبة، قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه}، والغيبة هي أن تذكر أخاك المؤمن أو أختك المؤمنة بعيب موجود فيه أو فيها ولكنه مستور، لأن الله تعالى حفظ للمؤمن حرمة ما يخفيه عن الناس، فكل منطقة لا يريد الإنسان للناس أن يطّلعوا عليها فلا يجوز لهم أن يقتحموها، إلا إذا كانت هناك مصلحة عليا تتصل بمصلحة المجتمع. وقد ورد أن الغيبة "هي طعام كلاب أهل النار"، وأن "الغيبة أشد من الزنى، لأن الزنى يغفره الله إذا تاب منه صاحبه، أما الغيبة فإن الله تعالى لا يغفرها حتى يغفرها صاحبها ".

ومن الأمور التي حرّمها الله تعالى علينا النميمة، وهي الفتنة، بأن ينقل إنسان كلاماً لشخص عن شخص آخر من شأنه أن يحطّم العلاقة بينهما، وهناك نميمة أخطر، وهي النميمة التي تخلق الفتنة في المجتمع وتجعل عائلتين تتقاتلان، أو حزبين يتقاتلان، وذلك بنقل كلامْ من هذا الحزب إلى ذاك، أو من هذه العائلة إلى تلك، ما يدفعهما إلى التقاتل والتنابذ، أو أن يقوم بعمل يخلق فتنة بين طائفتين من المسلمين أو في المجتمع المختلط بين المسلمين والمسيحيين. فهذه من الأمور التي تمنع الإنسان من دخول الجنة، وقد ورد في الحديث: "لا يدخل الجنة نمّام"، وعن رسول الله (ص) أنه قال: "ألا أخبركم بشراركم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله.. فقال (ص): "شراركم المشاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبة، المبتغون للبرآء المعايب".

تحريم نشر الإشاعات

ومن الأشياء التي حرّمها الله تعالى علينا نشر الإشاعات، ومجتمعنا مجتمع تكثر فيه الإشاعات الأمنية والسياسية والشخصية، والتي يمكن أن تدمّر أمن المجتمع وقضاياه وسمعة الناس الأبرياء، فعندما يسمع الإنسان إشاعة أو يقرأها فعليه أن لا يكون إنساناً ناقلاً لها، لأنه بذلك يساهم في الجريمة التي قام بها من صنع الإشاعة، وهذه من الأمور التي حذرنا الله تعالى منها في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، ويقول تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}.

مشكلة بعض الناس أنهم يدّعون بأن الكلام "لا يخضع للجمارك"، ولكن العكس هو الصحيح، حيث يسجل الكلام بشكل دقيق، وذلك كما في قوله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال قعيد* ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وجاء في رواية عن أمير المؤمنين (ع) عندما مرّ على شخص يتكلم كلاماً باطلاً ولغواً، فقال: "يا هذا، إنك تملي على كاتبيك كتاباً إلى ربك"، فعلينا أن نتأمل فيما نسمع وننطق. أما الإنسان الذي يتهم مثلاً زوجته بالزنى، ففي هذه الصورة أمر الله تعالى أن يُجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة، لأن من أصعب الأمور أن يرمي الإنسان زوجته أو امرأة أخرى بهذه الفاحشة، وإذا كان هناك شهود فلا بد أن يشهد الأربعة مجتمعين على أنهم رأوا العملية الجنسية بتفاصيلها، وإذا لم يشهد شخص منهم جُلد الثلاثة الباقون، لأنه ليس من السهولة أن نرمي فلانة بالزنى، وما أكثر ما يتهم الناس بعضهم بعضاً بما لا يملكون حجة عليه.

الابتعاد عن السباب والشتائم

ومن الأمور التي لا بد للإنسان أن يحفظ منها لسانه السباب والشتائم، بأن يسب الإنسان أخاه أو جاره، أو أن يسب الزوج زوجته أو أن تسب الزوجة زوجها، والأخطر من هذا أن يسب أهلها أو أن تسب أهله، وقد ورد في الحديث: "سباب المؤمن فسوق"، فالله تعالى لا يريد لنا أن نسيء إلى كرامة الناس، كل الناس؛ زوجتك، أولادك، الموظفين، الأشخاص الذين هم تحت يدك ، وقد ورد في رجلين يتسابّان فقال (ص): "البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه".

ونحن مبتلون بالسباب المذهبي والديني، فمجتمعاتنا مختلفة في أديانها ومذاهبها، وقد نهانا الله على مستوى الأديان المختلفة أن نسبّ مقدّسات الآخرين، حتى لو كانوا يستأهلون السبّ، لأنك إذا سببت مقدساتهم فسيسبون الله، فتكون أنت السبب في مسبّة الله، قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ـ وهم الكفرة ـ فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زيّنا لكل أمة عملهم}. أما على مستوى الانتماء المذهبي، فهناك رواية عن الإمام عليّ (ع) وهو في مسيره لقتال معاوية في صفين، الذي تمرد على الشرعية، سمع بعض أهل العراق يسبون أهل الشام، فقال لهم: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكن لو وصفتم حالهم وذكرتم أفعالهم، لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: ربنا احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به". لا سيما وأننا نعرف أن السب لا يحل مشكلة بل يعقّدها، ويزيد الناس عداوة وتعصّباً، والبديل هو أن نطرح فكرنا وحجتنا، لا سيما وأن مجتمعنا هو مجتمع يربّي التعصب المذهبي، ويسقط الوحدة الإسلامية.

نحن كمسلمين علينا أن نقف على ما اتفقنا عليه، ونتحاور على ما اختلفنا فيه، لنردّ الخلاف إلى الله ورسوله، إلى القرآن الكريم وسنّة النبي (ص)، خصوصاً أن الكفر والاستكبار العالمي يخطط من أجل إيجاد حالة من الحقد والبغضاء والتقاتل بين المسلمين.

الفحّاش محروم من الجنة

ومن الأمور التي لا بد أن نحفظ فيها ألسنتنا كلمات الفحش والبذاء، وهي الكلمات "الوسخة" التي يطلقها الكثير من الناس حتى أمام أولاده وبناته وضد زوجته، من دون خجل أو حياء، ناهيك عن الكلام البذيء في الأسواق والشوارع، وأقرأ لكم حديثاً شريفاً بهذا الخصوص يقول: "إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء اللسان، لا يبالي ما قال وما قيل له"، فهل نخسر الجنة نتيجة هذه الكلمات "الوسخة"؟ وقد ورد أن الله تعالى لم يستجب دعاء عابد من العبّاد، لأنه كان يدعوه بلسان بذيء.

ومن الأمور التي لا بد أن نحفظ ألسنتنا عنها مدح الظالمين والكافرين، وذمّ العابدين والصالحين. لذلك، ونحن في شهر الطهور الذي يطهّر فيه الإنسان نفسه من كل الرذائل، علينا أن نحفظ ألسنتنا من كل ما لا يرضي الله تعالى حتى نكون جديرين بجنته، لذلك علينا أن نجاهد أنفسنا في هذا الشهر المبارك لنحصل على تقوى القلب وتقوى اللسان.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة، في الأخذ بأسباب طاعته والبعد عن أسباب معصيته، والانفتاح على أخلاقه، لنتخلّق بأخلاق الله ـ كما ورد في الحديث ـ في رحمته ولطفه وعطفه وكرمه، مما يرتفع بالإنسان إلى أن يكون عنصر خير لنفسه ولأهله وللناس كافة، ولا يكون عنصر شر لنفسه ولأهله وللناس كافة، وواجهوا مسؤولياتكم في كل ما يواجه أمتكم من قضايا ومشاكل وتحديات يفرضها المستكبرون والظالمون من أجل أن يسقطوا كرامتها وعزتها، ويحوّلوها إلى شراذم متفرقة يقتل بعضها بعضاً.

والله تعالى يريدنا ـ لا سيما في هذا الشهر المبارك، شهر الجهاد، شهر بدر وفتح مكة ـ أن نكون المجاهدين في مواجهة الكفر والاستكبار كله. ولا نزال نخوض معركة على مستوى العالم كله، حيث انطلق المستكبرون من خلال كل خططهم وكل مواقع القوة عندهم، وكل قواعدهم السياسية والعسكرية التي ركّزوها في مواقعنا، لقتالنا من أرضنا بالاستعانة بمن يُعتبرون من أهلنا. لذلك لا بدّ أن نرتفع إلى مستوى الوعي حتى نطوّق كل خطط الاستكبار ما استطعنا ذلك، انطلاقاً من قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة}، فماذا هناك؟

الانتفاضة تسقط الحكومة الصهيونية

الحكومة الصهيونية تسقط تحت تأثير الضغط الاقتصادي والسياسي للانتفاضة، والمتطرفون الإرهابيون في "الليكود" يزدادون وحشية وإرهاباً ومصادرة لحقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، في لقاء "شارون" ـ "نتنياهو" اللذين يمثلان في سياستهما الاستيطانية قمة الإرهاب، في الوقت الذي تستعد فيه أكثرية اليهود في فلسطين المحتلة لاختيار أكثر الأحزاب الصهيونية إرهاباً..

وهذا ما يفرض على الشعب الفلسطيني أن يتوحَّد خلف انتفاضته المجاهدة، وعلى الانتفاضة أن تلتقي فصائلها على قاعدة الاستمرار في الجهاد من أجل زوال الاحتلال، لأن المرحلة الحاضرة هي المرحلة التي يقف فيها الشعب الفلسطيني وحده أمام المواقف العربية والإسلامية من خلال الأنظمة العاجزة أو المتخاذلة أو المتواطئة مع الأمريكيين، والمواقف الدولية المتمثّلة في اللجنة الرباعية التي تعمل على تخدير القضية الفلسطينية لا إنقاذها من قبضة الاحتلال الصهيوني..

إسقاط الخطة الصهيونية ـ الأمريكية

وتبقى الشعوب الحرة في المنطقة وخارجها مع هذا الشعب المجاهد، ولكنها لا تملك الكثير من الحلول الحاسمة، الأمر الذي يواجه فيه الفلسطينيون التحدي الجهادي ليقلّعوا شوكهم بأظافرهم من أجل إسقاط الخطة الصهيونية ـ الأمريكية، في مصادرة الحق الفلسطيني السياسي في الحرية والاستقلال على صعيد المستقبل، وإبقاء القضية في نطاق الحكم الذاتي الذي لا يملك فيه الشعب المجاهد هويته المستقلة..

إن الانتفاضة ـ وحدها ـ هي التي تصنع المأزق السياسي والاقتصادي للصهيونية في فلسطين، وإن الصمود هو المقتل للأطماع الإسرائيلية في أرض فلسطين، لأن المعركة هي معركة المصير وليست معركة التفاصيل.

رمضان شهر الإرادة والموقف

ومن الطريف ـ في بداية هذا الشهر المبارك ـ أن الرئيس بوش وجّه رسالة تهنئة للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، قائلاً: "إن الإسلام دين سلام، وإن القرآن الكريم يعلّمنا أن شهر رمضان هو وقت للصيام والتعبّد والصلاة والتأمل".. وإننا نقول له: إن هذا الشهر هو شهر حرية الإرادة والموقف، انطلاقاً من الأصالة الإسلامية التي تؤكد على أصالة الحرية في الإنسان الذي خلقه الله حراً، فليس له أن يستعبد نفسه في كل أموره لشخص أو لدولة أو لأية جهة صغيرة أو كبيرة..

لذلك، فإننا في الوقت الذي نشكره فيه على هذه التهنئة الرمضانية، نقول له: إنه ـ في خطته الاستكبارية ـ يخطط ويعمل على مصادرة حرية الشعوب الإسلامية، وإسقاط مصالحها لحساب مصالحه، والضغط على مصيرها، والسيطرة على مقدّراتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وإذا كان يتحدث عن الحرية، فإنه يقصد بها حرية مخططاته العسكرية والأمنية في مواجهة كل قوى التحرر الباحثة عن أصالتها الإنسانية، وحرياتها السياسية والاقتصادية..

وهذا ما تحدّث به الكاتب الأمريكي "غور فيدال" لوكالة رويتر أن الرئيس الأمريكي بوش "غزا أفغانستان لأنها البوابة التي تؤدي إلى نفط قزوين"، وأكد بأن أعضاء الإدارة الأمريكية من العاملين في مجال النفط والغاز معظمهم من تكساس، وهاجم وسائل الإعلام وقال: "إنها تلجأ إلى التضليل وإن القائمين عليها من أعضاء الكونغرس الأمريكي يعملون جميعاً لإعطاء وجهة نظر خاطئة للشعب الأمريكي"، ليحصلوا على تأييده في حروبهم الاستكبارية..

الإدارة الأمريكية.. استعداء الشعوب

إن وزير الدفاع الأمريكي يتحدث عن سقوط النظام الإسلامي في إيران، وهو يعلم بأن هذا النظام يرتكز على الاستفتاء الشعبي الذي اختاره بكل حرية.. إن أمريكا بدأت تخطط لاغتيال كل الأشخاص الذين تتهمهم بالإرهاب من دون محاكمة، وعلى الطريقة الإسرائيلية بواسطة الطائرات، حتى لو أدى ذلك إلى سقوط الأبرياء، وهذا ما فعلته إحدى طائرات المخابرات الأمريكية في اليمن بقصفها لسيارة مدنية لقتل أحد المشتبه بهم.. ولا ندري أية عدالة هي هذه العدالة الأمريكية الجديدة، التي تمنح مخابراتها الحرية في اغتيال وقتل وتفجير أيّ شخص أو موقع تتهمه بالمعارضة لمصالحها ـ مجرد تهمة ـ ولا ندري كيف يمكن للشعوب أن تشعر بالأمن أمام هذه الشرعة الأمريكية "القراقوشية"؟؟

وإذا عرفنا أن أمريكا تمثّل الدولة الحامية لإسرائيل في كل خططها الوحشية الإرهابية ضد كل الذين يواجهون خططها التدميرية، فكيف يمكن أن نطمئن لها في هذه الخطة التي لا تحترم مصالح شعوب المنطقة في مواجهتها للاحتلال الإسرائيلي وللتدمير السياسي والأمني لقضاياها؟ لذلك، إننا لا نملك إلا أن نقول للرئيس بوش: لقد اختارت إدارتك الحكومية إسرائيل لتكون الدولة الأقوى والأفضل والأكثر امتيازاً ضد المنطقة كلها، فكيف يمكن أن لا تنظر إليك المنطقة كعدوّ لشعوبها؟

الإسلام متجذر في وجدان الأتراك

وفي جانب آخر، فإننا نشير إلى الانتصار الكبير للإسلام في تركيا، من خلال النجاح الساحق لحزب "العدالة والتنمية" المعروف بانتمائه الإسلامي، فقد أعطاه الشعب التركي المسلم ثقته وتأييده في مواجهة العلمانية المتعصّبة التي ترفض الاعتراف بالآخر، وترى القوة وسيلة من وسائل منع الرأي الآخر من الوصول إلى السلطة من خلال تأكيد فكره في الواقع.. فنحن نلاحظ أن العلمانية التركية تعيش التعصّب خلافاً للعلمانية في صيغتها الغربية التي تمنح الاتجاهات الأخرى حريتها حتى في الوصول إلى الحكم..

إننا لا نريد الحديث عن توجهات هذا الحزب في حكومته المرتقبة، ولكننا نشير إلى دلالة هذا النجاح على تجذّر الإسلام في وجدان الشعب التركي وفي حياته العامة والخاصة، كما نشير إلى النجاحات المتعددة للإسلاميين في المغرب والبحرين وباكستان، بالرغم من اختلافات خطوطها، في مواجهة كل الحملات الاستكبارية ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يفرض على المسلمين التخطيط للمزيد من الانتصارات ومن الشعور بالمسؤولية في تقديم الصورة الحضارية للإسلام أمام الشعوب الأخرى.

بالتخطيط نصنع الحلول!!

أما في لبنان، فلا يزال الجدل السياسي يتحرك بأساليب التخوين من جانب والاتهام بالضغط على الحريات من جانب آخر، وتسجيل الاتهامات بالتسييس للقضاء والمواقع الدستورية العليا واعتبارها آلة في يد الدولة، الأمر الذي يُفقد الشعب أية ثقة بمؤسساته الدستورية، وهذا ما يجعل الجميع يشعرون بالضياع..

إننا لا نمنح العصمة لأحد في الدولة بجميع مؤسساتها، وفي المعارضة بجميع فصائلها، ولكن لا بد للجميع من مواجهة السلبيات الواقعية أو المدّعاة بالحوار الموضوعي المتوازن، في مناخ هادئ مسكونٍ بالمحبة، منفتح على الرغبة في الوصول إلى الحقيقة، والوقوف عند شاطئ الأمان، لا سيما أن المرحلة هي مرحلة الزلزال الأمني والسياسي والانهيار الاقتصادي للمنطقة كلها..

إننا ندعو الجميع إلى التحديق في الأفق الرحب، الذي تتجمّع فيه السحب السوداء التي تنذر بالعواصف والرعود، وأن لا يستغرقوا في الزنازين الحزبية والطائفية والشخصية.. إن العواصف قادمة بكل ضراوتها العدوانية، فكيف نواجه ذلك؟ هل نبقى في الجدل العقيم، وفي إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع، أم أننا نخطط من أجل أن نصنع للناس وسائل الأمان؟؟

لأن أبواب الجنة موصدة "على كل فحّاش" :
إحفظوا ألسنتكم وخاصة في شهر رمضان


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
 

تحدثنا في الجمعة الماضية أن رسول الله (ص) أرادنا أن نستقبل شهر رمضان بالانفتاح على كل أوضاعنا الروحية والنفسية، وعلى كل أخلاقنا، من أجل أن ندخل هذا الشهر دخولاً منفتحاً على الله تعالى، بحيث يطهّر الإنسان نفسه وينمّي روحيته ويصلح أخلاقه، لأن قضية هذا الشهر الكريم ليست مجرد صيام يمسك فيه الإنسان عمّا أراد الله تعالى له أن يصوم عنه، ولكن الصيام يمثل وسيلة من وسائل التقوى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فلا بدّ لك أن تصوم لتكون الإنسان التقي الذي يخاف الله في كل أموره، ويراقبه في كل أعماله، ويطيعه في كل ما أمر به ونهى عنه. وهذا ما أرادنا رسول الله (ص) أن نقوم به قبل الدخول في شهر رمضان وفي امتداداته.

حفظ اللسان من المعصية

ومن بين الأمور التي ركّز عليها رسول الله (ص) في خطبته التي استقبل بها شهر رمضان مسألة حفظ اللسان، حيث قال: "واحفظوا ألسنتكم". وحفظ اللسان هو أن لا تستخدم لسانك آلة لمعصية الله، بل لا بد أن يكون لسانك لسان خير وطاعة وإصلاح، لأن هذه المسألة تتصل بحياة الإنسان في نفسه وحياته مع الناس، وحياته مع الله تعالى، فالإنسان ربما يسقط في النار نتيجة ما يحصده لسانه، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم يوم القيامة"، وفي الحديث أن اللسان يشرف على الأعضاء ـ في كل صباح ـ فيسألهم: كيف أنتم؟ فيقولون: نحن بخير ما تركتنا.

ونحن نعرف أن الله تعالى حرّم على الإنسان الكثير مما يمكن أن ينطقه بلسانه، فحرّم عليه الكذب في الصغير والكبير، وفي الهزل والجدّ، وقد ورد في وصية الإمام زين العابدين (ع) لأبنائه: "اتقوا الله في الصغير والكبير، في هزل أو جدّ، فإن المرء إذا اجترأ على الصغير اجترأ على الكبير"، وقد ورد في الحديث: "لا يكذب الكاذب وهو مؤمن"، فإذا كان الإنسان كذاباً لم يكن مؤمناً، لأن الإيمان يربطك بالحق، والكذب يربطك بالباطل، ولا يجتمع الحق والباطل عند الإنسان المؤمن.

تحريم الغيبة والنميمة

وحرّم الله تعالى علينا الغيبة، قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه}، والغيبة هي أن تذكر أخاك المؤمن أو أختك المؤمنة بعيب موجود فيه أو فيها ولكنه مستور، لأن الله تعالى حفظ للمؤمن حرمة ما يخفيه عن الناس، فكل منطقة لا يريد الإنسان للناس أن يطّلعوا عليها فلا يجوز لهم أن يقتحموها، إلا إذا كانت هناك مصلحة عليا تتصل بمصلحة المجتمع. وقد ورد أن الغيبة "هي طعام كلاب أهل النار"، وأن "الغيبة أشد من الزنى، لأن الزنى يغفره الله إذا تاب منه صاحبه، أما الغيبة فإن الله تعالى لا يغفرها حتى يغفرها صاحبها ".

ومن الأمور التي حرّمها الله تعالى علينا النميمة، وهي الفتنة، بأن ينقل إنسان كلاماً لشخص عن شخص آخر من شأنه أن يحطّم العلاقة بينهما، وهناك نميمة أخطر، وهي النميمة التي تخلق الفتنة في المجتمع وتجعل عائلتين تتقاتلان، أو حزبين يتقاتلان، وذلك بنقل كلامْ من هذا الحزب إلى ذاك، أو من هذه العائلة إلى تلك، ما يدفعهما إلى التقاتل والتنابذ، أو أن يقوم بعمل يخلق فتنة بين طائفتين من المسلمين أو في المجتمع المختلط بين المسلمين والمسيحيين. فهذه من الأمور التي تمنع الإنسان من دخول الجنة، وقد ورد في الحديث: "لا يدخل الجنة نمّام"، وعن رسول الله (ص) أنه قال: "ألا أخبركم بشراركم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله.. فقال (ص): "شراركم المشاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبة، المبتغون للبرآء المعايب".

تحريم نشر الإشاعات

ومن الأشياء التي حرّمها الله تعالى علينا نشر الإشاعات، ومجتمعنا مجتمع تكثر فيه الإشاعات الأمنية والسياسية والشخصية، والتي يمكن أن تدمّر أمن المجتمع وقضاياه وسمعة الناس الأبرياء، فعندما يسمع الإنسان إشاعة أو يقرأها فعليه أن لا يكون إنساناً ناقلاً لها، لأنه بذلك يساهم في الجريمة التي قام بها من صنع الإشاعة، وهذه من الأمور التي حذرنا الله تعالى منها في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، ويقول تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}.

مشكلة بعض الناس أنهم يدّعون بأن الكلام "لا يخضع للجمارك"، ولكن العكس هو الصحيح، حيث يسجل الكلام بشكل دقيق، وذلك كما في قوله تعالى: {عن اليمين وعن الشمال قعيد* ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وجاء في رواية عن أمير المؤمنين (ع) عندما مرّ على شخص يتكلم كلاماً باطلاً ولغواً، فقال: "يا هذا، إنك تملي على كاتبيك كتاباً إلى ربك"، فعلينا أن نتأمل فيما نسمع وننطق. أما الإنسان الذي يتهم مثلاً زوجته بالزنى، ففي هذه الصورة أمر الله تعالى أن يُجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة، لأن من أصعب الأمور أن يرمي الإنسان زوجته أو امرأة أخرى بهذه الفاحشة، وإذا كان هناك شهود فلا بد أن يشهد الأربعة مجتمعين على أنهم رأوا العملية الجنسية بتفاصيلها، وإذا لم يشهد شخص منهم جُلد الثلاثة الباقون، لأنه ليس من السهولة أن نرمي فلانة بالزنى، وما أكثر ما يتهم الناس بعضهم بعضاً بما لا يملكون حجة عليه.

الابتعاد عن السباب والشتائم

ومن الأمور التي لا بد للإنسان أن يحفظ منها لسانه السباب والشتائم، بأن يسب الإنسان أخاه أو جاره، أو أن يسب الزوج زوجته أو أن تسب الزوجة زوجها، والأخطر من هذا أن يسب أهلها أو أن تسب أهله، وقد ورد في الحديث: "سباب المؤمن فسوق"، فالله تعالى لا يريد لنا أن نسيء إلى كرامة الناس، كل الناس؛ زوجتك، أولادك، الموظفين، الأشخاص الذين هم تحت يدك ، وقد ورد في رجلين يتسابّان فقال (ص): "البادي أظلم ووزره ووزر صاحبه عليه".

ونحن مبتلون بالسباب المذهبي والديني، فمجتمعاتنا مختلفة في أديانها ومذاهبها، وقد نهانا الله على مستوى الأديان المختلفة أن نسبّ مقدّسات الآخرين، حتى لو كانوا يستأهلون السبّ، لأنك إذا سببت مقدساتهم فسيسبون الله، فتكون أنت السبب في مسبّة الله، قال تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ـ وهم الكفرة ـ فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زيّنا لكل أمة عملهم}. أما على مستوى الانتماء المذهبي، فهناك رواية عن الإمام عليّ (ع) وهو في مسيره لقتال معاوية في صفين، الذي تمرد على الشرعية، سمع بعض أهل العراق يسبون أهل الشام، فقال لهم: "إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكن لو وصفتم حالهم وذكرتم أفعالهم، لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: ربنا احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به". لا سيما وأننا نعرف أن السب لا يحل مشكلة بل يعقّدها، ويزيد الناس عداوة وتعصّباً، والبديل هو أن نطرح فكرنا وحجتنا، لا سيما وأن مجتمعنا هو مجتمع يربّي التعصب المذهبي، ويسقط الوحدة الإسلامية.

نحن كمسلمين علينا أن نقف على ما اتفقنا عليه، ونتحاور على ما اختلفنا فيه، لنردّ الخلاف إلى الله ورسوله، إلى القرآن الكريم وسنّة النبي (ص)، خصوصاً أن الكفر والاستكبار العالمي يخطط من أجل إيجاد حالة من الحقد والبغضاء والتقاتل بين المسلمين.

الفحّاش محروم من الجنة

ومن الأمور التي لا بد أن نحفظ فيها ألسنتنا كلمات الفحش والبذاء، وهي الكلمات "الوسخة" التي يطلقها الكثير من الناس حتى أمام أولاده وبناته وضد زوجته، من دون خجل أو حياء، ناهيك عن الكلام البذيء في الأسواق والشوارع، وأقرأ لكم حديثاً شريفاً بهذا الخصوص يقول: "إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء اللسان، لا يبالي ما قال وما قيل له"، فهل نخسر الجنة نتيجة هذه الكلمات "الوسخة"؟ وقد ورد أن الله تعالى لم يستجب دعاء عابد من العبّاد، لأنه كان يدعوه بلسان بذيء.

ومن الأمور التي لا بد أن نحفظ ألسنتنا عنها مدح الظالمين والكافرين، وذمّ العابدين والصالحين. لذلك، ونحن في شهر الطهور الذي يطهّر فيه الإنسان نفسه من كل الرذائل، علينا أن نحفظ ألسنتنا من كل ما لا يرضي الله تعالى حتى نكون جديرين بجنته، لذلك علينا أن نجاهد أنفسنا في هذا الشهر المبارك لنحصل على تقوى القلب وتقوى اللسان.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة، في الأخذ بأسباب طاعته والبعد عن أسباب معصيته، والانفتاح على أخلاقه، لنتخلّق بأخلاق الله ـ كما ورد في الحديث ـ في رحمته ولطفه وعطفه وكرمه، مما يرتفع بالإنسان إلى أن يكون عنصر خير لنفسه ولأهله وللناس كافة، ولا يكون عنصر شر لنفسه ولأهله وللناس كافة، وواجهوا مسؤولياتكم في كل ما يواجه أمتكم من قضايا ومشاكل وتحديات يفرضها المستكبرون والظالمون من أجل أن يسقطوا كرامتها وعزتها، ويحوّلوها إلى شراذم متفرقة يقتل بعضها بعضاً.

والله تعالى يريدنا ـ لا سيما في هذا الشهر المبارك، شهر الجهاد، شهر بدر وفتح مكة ـ أن نكون المجاهدين في مواجهة الكفر والاستكبار كله. ولا نزال نخوض معركة على مستوى العالم كله، حيث انطلق المستكبرون من خلال كل خططهم وكل مواقع القوة عندهم، وكل قواعدهم السياسية والعسكرية التي ركّزوها في مواقعنا، لقتالنا من أرضنا بالاستعانة بمن يُعتبرون من أهلنا. لذلك لا بدّ أن نرتفع إلى مستوى الوعي حتى نطوّق كل خطط الاستكبار ما استطعنا ذلك، انطلاقاً من قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة}، فماذا هناك؟

الانتفاضة تسقط الحكومة الصهيونية

الحكومة الصهيونية تسقط تحت تأثير الضغط الاقتصادي والسياسي للانتفاضة، والمتطرفون الإرهابيون في "الليكود" يزدادون وحشية وإرهاباً ومصادرة لحقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، في لقاء "شارون" ـ "نتنياهو" اللذين يمثلان في سياستهما الاستيطانية قمة الإرهاب، في الوقت الذي تستعد فيه أكثرية اليهود في فلسطين المحتلة لاختيار أكثر الأحزاب الصهيونية إرهاباً..

وهذا ما يفرض على الشعب الفلسطيني أن يتوحَّد خلف انتفاضته المجاهدة، وعلى الانتفاضة أن تلتقي فصائلها على قاعدة الاستمرار في الجهاد من أجل زوال الاحتلال، لأن المرحلة الحاضرة هي المرحلة التي يقف فيها الشعب الفلسطيني وحده أمام المواقف العربية والإسلامية من خلال الأنظمة العاجزة أو المتخاذلة أو المتواطئة مع الأمريكيين، والمواقف الدولية المتمثّلة في اللجنة الرباعية التي تعمل على تخدير القضية الفلسطينية لا إنقاذها من قبضة الاحتلال الصهيوني..

إسقاط الخطة الصهيونية ـ الأمريكية

وتبقى الشعوب الحرة في المنطقة وخارجها مع هذا الشعب المجاهد، ولكنها لا تملك الكثير من الحلول الحاسمة، الأمر الذي يواجه فيه الفلسطينيون التحدي الجهادي ليقلّعوا شوكهم بأظافرهم من أجل إسقاط الخطة الصهيونية ـ الأمريكية، في مصادرة الحق الفلسطيني السياسي في الحرية والاستقلال على صعيد المستقبل، وإبقاء القضية في نطاق الحكم الذاتي الذي لا يملك فيه الشعب المجاهد هويته المستقلة..

إن الانتفاضة ـ وحدها ـ هي التي تصنع المأزق السياسي والاقتصادي للصهيونية في فلسطين، وإن الصمود هو المقتل للأطماع الإسرائيلية في أرض فلسطين، لأن المعركة هي معركة المصير وليست معركة التفاصيل.

رمضان شهر الإرادة والموقف

ومن الطريف ـ في بداية هذا الشهر المبارك ـ أن الرئيس بوش وجّه رسالة تهنئة للمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، قائلاً: "إن الإسلام دين سلام، وإن القرآن الكريم يعلّمنا أن شهر رمضان هو وقت للصيام والتعبّد والصلاة والتأمل".. وإننا نقول له: إن هذا الشهر هو شهر حرية الإرادة والموقف، انطلاقاً من الأصالة الإسلامية التي تؤكد على أصالة الحرية في الإنسان الذي خلقه الله حراً، فليس له أن يستعبد نفسه في كل أموره لشخص أو لدولة أو لأية جهة صغيرة أو كبيرة..

لذلك، فإننا في الوقت الذي نشكره فيه على هذه التهنئة الرمضانية، نقول له: إنه ـ في خطته الاستكبارية ـ يخطط ويعمل على مصادرة حرية الشعوب الإسلامية، وإسقاط مصالحها لحساب مصالحه، والضغط على مصيرها، والسيطرة على مقدّراتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وإذا كان يتحدث عن الحرية، فإنه يقصد بها حرية مخططاته العسكرية والأمنية في مواجهة كل قوى التحرر الباحثة عن أصالتها الإنسانية، وحرياتها السياسية والاقتصادية..

وهذا ما تحدّث به الكاتب الأمريكي "غور فيدال" لوكالة رويتر أن الرئيس الأمريكي بوش "غزا أفغانستان لأنها البوابة التي تؤدي إلى نفط قزوين"، وأكد بأن أعضاء الإدارة الأمريكية من العاملين في مجال النفط والغاز معظمهم من تكساس، وهاجم وسائل الإعلام وقال: "إنها تلجأ إلى التضليل وإن القائمين عليها من أعضاء الكونغرس الأمريكي يعملون جميعاً لإعطاء وجهة نظر خاطئة للشعب الأمريكي"، ليحصلوا على تأييده في حروبهم الاستكبارية..

الإدارة الأمريكية.. استعداء الشعوب

إن وزير الدفاع الأمريكي يتحدث عن سقوط النظام الإسلامي في إيران، وهو يعلم بأن هذا النظام يرتكز على الاستفتاء الشعبي الذي اختاره بكل حرية.. إن أمريكا بدأت تخطط لاغتيال كل الأشخاص الذين تتهمهم بالإرهاب من دون محاكمة، وعلى الطريقة الإسرائيلية بواسطة الطائرات، حتى لو أدى ذلك إلى سقوط الأبرياء، وهذا ما فعلته إحدى طائرات المخابرات الأمريكية في اليمن بقصفها لسيارة مدنية لقتل أحد المشتبه بهم.. ولا ندري أية عدالة هي هذه العدالة الأمريكية الجديدة، التي تمنح مخابراتها الحرية في اغتيال وقتل وتفجير أيّ شخص أو موقع تتهمه بالمعارضة لمصالحها ـ مجرد تهمة ـ ولا ندري كيف يمكن للشعوب أن تشعر بالأمن أمام هذه الشرعة الأمريكية "القراقوشية"؟؟

وإذا عرفنا أن أمريكا تمثّل الدولة الحامية لإسرائيل في كل خططها الوحشية الإرهابية ضد كل الذين يواجهون خططها التدميرية، فكيف يمكن أن نطمئن لها في هذه الخطة التي لا تحترم مصالح شعوب المنطقة في مواجهتها للاحتلال الإسرائيلي وللتدمير السياسي والأمني لقضاياها؟ لذلك، إننا لا نملك إلا أن نقول للرئيس بوش: لقد اختارت إدارتك الحكومية إسرائيل لتكون الدولة الأقوى والأفضل والأكثر امتيازاً ضد المنطقة كلها، فكيف يمكن أن لا تنظر إليك المنطقة كعدوّ لشعوبها؟

الإسلام متجذر في وجدان الأتراك

وفي جانب آخر، فإننا نشير إلى الانتصار الكبير للإسلام في تركيا، من خلال النجاح الساحق لحزب "العدالة والتنمية" المعروف بانتمائه الإسلامي، فقد أعطاه الشعب التركي المسلم ثقته وتأييده في مواجهة العلمانية المتعصّبة التي ترفض الاعتراف بالآخر، وترى القوة وسيلة من وسائل منع الرأي الآخر من الوصول إلى السلطة من خلال تأكيد فكره في الواقع.. فنحن نلاحظ أن العلمانية التركية تعيش التعصّب خلافاً للعلمانية في صيغتها الغربية التي تمنح الاتجاهات الأخرى حريتها حتى في الوصول إلى الحكم..

إننا لا نريد الحديث عن توجهات هذا الحزب في حكومته المرتقبة، ولكننا نشير إلى دلالة هذا النجاح على تجذّر الإسلام في وجدان الشعب التركي وفي حياته العامة والخاصة، كما نشير إلى النجاحات المتعددة للإسلاميين في المغرب والبحرين وباكستان، بالرغم من اختلافات خطوطها، في مواجهة كل الحملات الاستكبارية ضد الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يفرض على المسلمين التخطيط للمزيد من الانتصارات ومن الشعور بالمسؤولية في تقديم الصورة الحضارية للإسلام أمام الشعوب الأخرى.

بالتخطيط نصنع الحلول!!

أما في لبنان، فلا يزال الجدل السياسي يتحرك بأساليب التخوين من جانب والاتهام بالضغط على الحريات من جانب آخر، وتسجيل الاتهامات بالتسييس للقضاء والمواقع الدستورية العليا واعتبارها آلة في يد الدولة، الأمر الذي يُفقد الشعب أية ثقة بمؤسساته الدستورية، وهذا ما يجعل الجميع يشعرون بالضياع..

إننا لا نمنح العصمة لأحد في الدولة بجميع مؤسساتها، وفي المعارضة بجميع فصائلها، ولكن لا بد للجميع من مواجهة السلبيات الواقعية أو المدّعاة بالحوار الموضوعي المتوازن، في مناخ هادئ مسكونٍ بالمحبة، منفتح على الرغبة في الوصول إلى الحقيقة، والوقوف عند شاطئ الأمان، لا سيما أن المرحلة هي مرحلة الزلزال الأمني والسياسي والانهيار الاقتصادي للمنطقة كلها..

إننا ندعو الجميع إلى التحديق في الأفق الرحب، الذي تتجمّع فيه السحب السوداء التي تنذر بالعواصف والرعود، وأن لا يستغرقوا في الزنازين الحزبية والطائفية والشخصية.. إن العواصف قادمة بكل ضراوتها العدوانية، فكيف نواجه ذلك؟ هل نبقى في الجدل العقيم، وفي إسقاط الهيكل على رؤوس الجميع، أم أننا نخطط من أجل أن نصنع للناس وسائل الأمان؟؟

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير