إدخال السرور على المؤمنين عصمة من النوائب

إدخال السرور على المؤمنين عصمة من النوائب

صناعة الفرح في الميزان الإسلامي :
إدخال السرور على المؤمنين عصمة من النوائب


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

في أجواء عيد الفطر المبارك، لا بد للإنسان المؤمن أن يبحث عمّا يرضي الله تعالى في كل ما يحيط به، لأن رضى الله سبحانه هو غاية الغايات لدى الإنسان المؤمن، حتى أن الله تعالى يحدّثنا في القرآن الكريم بأن رضوان الله هو أكبر من نعيم الجنة، وذلك في قوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر}، بمعنى أن رضى الله على المؤمن أكبر مما يلاقيه المؤمن من السرور والفرح والنعيم في الجنة.

رعاية الله لمن أسرَّ مؤمناً

ومن بين الأعمال التي تؤدي إلى رضى الله تعالى ومحبته وسروره إدخال السرور على المؤمنين، وإدخال السرور على الأيتام، وقد ورد في حديث الإمام عليّ (ع) في وصيته لـ"كميل" الذي روى عنه الدعاء قال: "يا كميل، مرّ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم ـ وجّه أهلك من أفراد عائلتك ومن يتصل بك إلى أن يتحركوا في حياتهم ليكتسبوا مكارم الأخلاق ـ ويُدلجوا في حاجة من هو نائم ـ والإدلاج هو السير في الليل ـ فوالذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلباً سروراً إلاّ وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تُطرد غريبة الإبل"، فالإنسان الذي يُدخل السرور على قلوب الناس والمؤمنين فإن الله يخلق له من ذلك السرور لطفاً من ألطافه يرعاه، فإذا عرضت له مصيبة أو نائبة فإن هذا اللطف الإلهي يسرع إليها كالسيل الذي ينحدر بقوة من أعلى الجبل إلى الوادي، فيطرد المصيبة عن الإنسان، ومعنى ذلك أن إدخال السرور على الناس الذين يحتاجون إليه نتيجته حصول الإنسان على لطف من الله في الدنيا يبعد عنه كل المشاكل والمصائب.

وهناك أحاديث عن أئمة أهل البيت (ع) تتحرك في هذا الاتجاه، ففي الحديث عن الإمام الباقر (ع) يقول: "قال رسول الله (ص): من سرّ مؤمناً فقد سرّني ـ وإدخال السرور على المؤمن بقضاء حاجته وردّ غيبته، والتخفيف من ألمه، والتوصل معه وإكرامه، وأيّ نوع من الأعمال التي يسرّ بها الإنسان ـ ومن سرّني فقد سرّ الله"، إنك بإدخالك السرور على المؤمن فإنك تدخل السرور على الله ورسوله.

وفي حديث عنه (ع) يقول: "تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف القذى عنه حسنة ـ والمقصود بالقذى الأذى ـ وما عُبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن"، وكان من صفات الإمام زين العابدين (ع) التي مدحه بها الشاعر الفرزدق أنه كان يبدأ كلمته مع الآخرين بابتسامة، وقد قال الشاعر:

يُغضي حياء ويُغضى من مهابته

فلا يُكلّم إلا حين يبتسم

وفي رواية عن الإمام الصادق (ع) يقول: "أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكمه في الجنة ـ الجنة تحت تصرفك، خذّ المكان الذي يريحك ـ فقال داود: وما تلك الحسنة؟ قال: كربةٌ ينفّسها عن مؤمن بقدر تمرة ـ والتمرة هي نموذج عن أقل شيء يحتاجه هذا الشخص ـ فقال داود: يا ربّ، حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك". وفي الحديث عنه (ع) قال: "من أدخل على مؤمن سروراً خلق الله عز وجل من ذلك السرور خلقاً فيلقاه عند موته، فيقول له: أبشر يا وليّ الله بكرامة من الله ورضوان، ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره يلقاه فيقول له مثل ذلك، فإذا بُعث يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لا يزال معه عند كل هول يبشّره ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان".

وعن الإمام الصادق (ع): "أيما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر، يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة، قال: ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ـ عيب من عيوبه ـ ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة، والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير".

المؤمن عنصر فرح للناس

إن هذه الأحاديث تعطينا فكرة أن على الإنسان أن يكون عنصر فرح وسرور على المؤمنين، ولا سيما الأقربين منه فيكون عنصر فرح وسرور لزوجته وأولاده، والزوجة تكون عنصر فرح لزوجها وأولادها، وهكذا بالنسبة إلى المؤمنين، بحيث ندرس ونعمل على تلبية الحاجة التي تفرح الإنسان وتسره ويكون في طاعة الله، حتى نصنع في مجتمعنا الفرح، وذلك هو الذي يؤدي بالإنسان إلى فرح الآخرة.

وقد ورد عن رسول الله (ص) بما يتعلق بالأيتام: "إن في الجنة داراً يُقال لها دار الفرح، فلا يدخلها إلا من فرّح يتامى المؤمنين"، وفرح يتامى المؤمنين هو بكفالتهم ورعايتهم وكل ما يمكن أن يحفظهم ويشبع جوعتهم ويكفّ وجوههم عن الناس، ويربيهم تربية حسنة. وفي حديث آخر عنه (ص) يقول: "إن في الجنة داراً يُقال لها دار الفرح يدخلها من فرّح الصبيان"، والمقصود بالصبيان هو الأطفال لأن سنّ الطفولة يحتاج إلى الفرح، فعلى الإنسان أن يفرّح صبيانه والصبيان الآخرين ولا سيما المحرومين، وقد ورد عنه (ص): "من كان له صبي فليتصابّ له"، ونحن نعرف أن النبي (ص) كان يلاعب الحسن والحسين (عليهما السلام) ويقول: "نعم الجمل جملكما ـ ويشير إلى نفسه ـ ونعم الراكب أنتما".

وإذا كان الله تعالى ورسوله (ص) يسرّان ويفرحان بإدخال السرور على المؤمنين، فما بالكم بمن يُدخل الألم والأذى عليهم، وقد تحدث الله تعالى عن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بأنهم يحتملون بهتاناً وإثماً مبينا، وهو ما يدل على العقاب الذي سيتعرض له أولئك الذين يُدخلون الألم والهم على المؤمنين بكل الوسائل التي يستعملها الناس مما يسمّى بالحرتقات والعصبيات التي تحاول أن تقهر المؤمنين وتؤذيهم وتحاول أن تصادر حرياتهم، وتستعمل القوة من أجل الإضرار بهم.

إن علينا في أجواء هذا العيد أن نتفقد كل الناس المحرومين من المساكين، ولا سيما الأيتام، من أجل أن نفتح قلوبهم على الفرح، حتى يفرح الجميع بالعيد المبارك، لننال جميعاً الفرح عند الله، {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وتحركوا في مجتمعاتكم من أجل أن نعمل على فرح المسلمين كلهم بالوحدة التي نعتصم فيها بحبل الله، فلا نتفرّق بل أن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، وأن ننطلق لنحقق ونؤكد الفرح بالحرية لكل المؤمنين والمستضعفين في مواجهة كل الذي يريدون أن يستعبدونا ليستعبدوا كل قضايانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.

إن علينا أن نعمل ضد كل الذين يفرضون على الناس الآلام والأحزان والاستعباد، وأن نعيش فرح الأخوّة الإيمانية لنتحمّل مسؤوليتنا كأخوة نتحاور فيما اختلفنا فيه، ونتعاون فيما اختلفنا عليه، ولنواجه كل الذين يصنعون العصبيات التي تسقط قوتنا وتهدم مجتمعاتنا، لأن الله تعالى حمّلنا مسؤولية هذه الوحدة..

إن مسؤوليتنا الكبرى كمسلمين أن نعمل على أن نكون الأمة القوية الواحدة والعزيزة، الأمة التي تقف في صف واحد لتواجه كل التحديات التي يفرضها علينا الآخرون، وأن نعيش الاهتمام بأمور المسلمين كلهم، وعلينا في كل مرحلة أن ندرس كل القضايا التي تحيط بنا، لنعرف كيف نحدد الموقف، فماذا هناك:

دعم أمريكي للإرهاب الصهيوني

العيد في فلسطين يستنزف دماء الأطفال وكبار السنّ والمدنيين العزّل، والاستيطان يصادر بيوت الفلسطينيين وأراضيهم بحجة توسيع المستوطنات.. أما الرئيس الأمريكي فإنه يتفهّم العدوان على الشعب الفلسطيني باسم أنها إجراءات إسرائيلية ضرورية لهزيمة الإرهاب ـ كما يعبّر ـ باعتباره السبب الرئيس للوضع الإنساني المتدهور في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من دون أن يشير من قريب أو من بعيد إلى مسألة الاحتلال وامتداد الاستيطان، أو ينظر إلى الانتفاضة على أنها حركة تحرير وليست حركة إرهاب، لا سيما أن المجاهدين بكل فصائلهم أعلنوا أن الانسحاب الصهيوني من مناطق الاحتلال، وحصولهم على حق تقرير المصير، وتفكيك المستوطنات، سوف يوقف الانتفاضة ويؤدي إلى السلام.. بل إن الرئيس الأمريكي وعد إسرائيل بمساعدتها بمليارات الدولارات قرضاً ومساعدة وضماناً من أجل مواجهة مشاكلها الاقتصادية والأمنية التي فرضتها الانتفاضة، ولإكمال تدميرها للبنية التحتية للفلسطينيين.. أما اللجنة الرباعية الدولية فقد غرقت في سبات عميق انتظاراً لنهاية الانتخابات الصهيونية وتشكيل حكومة جديدة، من دون أن تدعو لتجميد المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين..

واشنطن تدفع ثمن سياستها

إننا نعتقد أن الانتفاضة تزداد قوة كلما ازداد العدوان اليهودي عنفاً، مما يجعل العالم كله ينحني أمام هذه الإرادة الصلبة التي تبقى في حركة تقدّم وصمود ومواجهة، بالرغم من الموقف الأمريكي المتحالف استراتيجياً مع الصهاينة باسم مكافحة الإرهاب.. ولعل مشكلة أمريكا أنها تتحدث عن النتائج ولا تتحدث عن الأسباب، وأن عنجهية الإحساس بالقوة المستعلية المستكبرة تمنعها من إدراك السبب الرئيس في كراهية الشعوب العربية والإسلامية للإدارة الأمريكية، مما قد يؤدي إلى الكثير من أعمال العنف ضد الجنود الأمريكيين في المنطقة..

وإذا كانت أمريكا تملك كل أسلحة الدمار الشامل التي تهدد بها الشعوب المستضعفة، فإن الشعوب تملك الكثير من الوسائل لإرباك الخطط الأمريكية العدوانية في مناطقها، وللإساءة إلى مصالحها في العالم.. إننا لا ندعو إلى العنف في الصراع السياسي، ولكن لا بد من إزالة أسبابه لتحقيق التوازن في العلاقات بين الدول الكبرى والشعوب المستضعفة..

إن أمريكا تتحرك في كل موقف لزيادة الخلل في العلاقات العربية ـ الأمريكية، وذلك في تصويتها ضد قرار للأمم المتحدة بإلغاء إعلان إسرائيل مدينة القدس عاصمة لها، في الوقت الذي صوّتت فيه جميع دول الاتحاد الأوروبي مع القرار الذي يعتبر التشريع الإسرائيلي بشأن القدس غير شرعي.. ما يوحي بأن أمريكا ماضية في استعداء العالم العربي والإسلامي.

المواطنية الإنسانية لا الطائفية

أما في لبنان، فإننا نريد لأجواء العيد أن تفتح قلوب اللبنانيين على المحبة والتسامح، والتأكيد على المواطنية الإنسانية في علاقاتهم ببعضهم البعض، وأن تتحرك السياسة لدى القائمين على إدارتها لتكون رسالة إنسانية مرتكزة على أساس تقويم مصالح الناس المستضعفين، من خلال قاعدة العدل التي تمنح كل صاحب حق حقه، من دون حاجة إلى أن يلجأ أصحاب الحقوق إلى المجالس الطائفية في إخضاعهم لبعض المواقع التي قد تستغلهم لأغراض شخصية لهذا أو ذاك..

المطلوب دولة المؤسسات والتخطيط

هذا بالإضافة إلى أن يتحوّل لبنان إلى دولة مؤسسات حقيقية جديّة في الشكل والمضمون، بعيداً عن الخضوع لأية مؤثّرات داخلية أو خارجية بحيث تتحمّل المؤسسة هنا وهناك مسؤوليتها في التخطيط للحلول الواقعية للمشاكل الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والأمنية، وفي التنفيذ الدقيق الأمين بعيداً عن كل عوامل الفساد التي تهدد المال العام، وتربك أوضاع المواطنين، من دون أية محاسبة قوية أو محاكمة رادعة..

إننا نريد للعيد أن يكون مناسبة للفرح الروحي والاقتصادي والاجتماعي، لا أن يصنع لنا في كل مناسبة ـ إسلامية أو مسيحية ـ جرحاً طائفياً أو مذهبياً أو حزبياً يأكل الأمن في جميع مواقعه وأبعاده.

صناعة الفرح في الميزان الإسلامي :
إدخال السرور على المؤمنين عصمة من النوائب


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

في أجواء عيد الفطر المبارك، لا بد للإنسان المؤمن أن يبحث عمّا يرضي الله تعالى في كل ما يحيط به، لأن رضى الله سبحانه هو غاية الغايات لدى الإنسان المؤمن، حتى أن الله تعالى يحدّثنا في القرآن الكريم بأن رضوان الله هو أكبر من نعيم الجنة، وذلك في قوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر}، بمعنى أن رضى الله على المؤمن أكبر مما يلاقيه المؤمن من السرور والفرح والنعيم في الجنة.

رعاية الله لمن أسرَّ مؤمناً

ومن بين الأعمال التي تؤدي إلى رضى الله تعالى ومحبته وسروره إدخال السرور على المؤمنين، وإدخال السرور على الأيتام، وقد ورد في حديث الإمام عليّ (ع) في وصيته لـ"كميل" الذي روى عنه الدعاء قال: "يا كميل، مرّ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم ـ وجّه أهلك من أفراد عائلتك ومن يتصل بك إلى أن يتحركوا في حياتهم ليكتسبوا مكارم الأخلاق ـ ويُدلجوا في حاجة من هو نائم ـ والإدلاج هو السير في الليل ـ فوالذي وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلباً سروراً إلاّ وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تُطرد غريبة الإبل"، فالإنسان الذي يُدخل السرور على قلوب الناس والمؤمنين فإن الله يخلق له من ذلك السرور لطفاً من ألطافه يرعاه، فإذا عرضت له مصيبة أو نائبة فإن هذا اللطف الإلهي يسرع إليها كالسيل الذي ينحدر بقوة من أعلى الجبل إلى الوادي، فيطرد المصيبة عن الإنسان، ومعنى ذلك أن إدخال السرور على الناس الذين يحتاجون إليه نتيجته حصول الإنسان على لطف من الله في الدنيا يبعد عنه كل المشاكل والمصائب.

وهناك أحاديث عن أئمة أهل البيت (ع) تتحرك في هذا الاتجاه، ففي الحديث عن الإمام الباقر (ع) يقول: "قال رسول الله (ص): من سرّ مؤمناً فقد سرّني ـ وإدخال السرور على المؤمن بقضاء حاجته وردّ غيبته، والتخفيف من ألمه، والتوصل معه وإكرامه، وأيّ نوع من الأعمال التي يسرّ بها الإنسان ـ ومن سرّني فقد سرّ الله"، إنك بإدخالك السرور على المؤمن فإنك تدخل السرور على الله ورسوله.

وفي حديث عنه (ع) يقول: "تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف القذى عنه حسنة ـ والمقصود بالقذى الأذى ـ وما عُبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن"، وكان من صفات الإمام زين العابدين (ع) التي مدحه بها الشاعر الفرزدق أنه كان يبدأ كلمته مع الآخرين بابتسامة، وقد قال الشاعر:

يُغضي حياء ويُغضى من مهابته

فلا يُكلّم إلا حين يبتسم

وفي رواية عن الإمام الصادق (ع) يقول: "أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة يوم القيامة فأحكمه في الجنة ـ الجنة تحت تصرفك، خذّ المكان الذي يريحك ـ فقال داود: وما تلك الحسنة؟ قال: كربةٌ ينفّسها عن مؤمن بقدر تمرة ـ والتمرة هي نموذج عن أقل شيء يحتاجه هذا الشخص ـ فقال داود: يا ربّ، حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك". وفي الحديث عنه (ع) قال: "من أدخل على مؤمن سروراً خلق الله عز وجل من ذلك السرور خلقاً فيلقاه عند موته، فيقول له: أبشر يا وليّ الله بكرامة من الله ورضوان، ثم لا يزال معه حتى يدخله قبره يلقاه فيقول له مثل ذلك، فإذا بُعث يلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لا يزال معه عند كل هول يبشّره ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على فلان".

وعن الإمام الصادق (ع): "أيما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر، يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة، قال: ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ـ عيب من عيوبه ـ ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة، والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير".

المؤمن عنصر فرح للناس

إن هذه الأحاديث تعطينا فكرة أن على الإنسان أن يكون عنصر فرح وسرور على المؤمنين، ولا سيما الأقربين منه فيكون عنصر فرح وسرور لزوجته وأولاده، والزوجة تكون عنصر فرح لزوجها وأولادها، وهكذا بالنسبة إلى المؤمنين، بحيث ندرس ونعمل على تلبية الحاجة التي تفرح الإنسان وتسره ويكون في طاعة الله، حتى نصنع في مجتمعنا الفرح، وذلك هو الذي يؤدي بالإنسان إلى فرح الآخرة.

وقد ورد عن رسول الله (ص) بما يتعلق بالأيتام: "إن في الجنة داراً يُقال لها دار الفرح، فلا يدخلها إلا من فرّح يتامى المؤمنين"، وفرح يتامى المؤمنين هو بكفالتهم ورعايتهم وكل ما يمكن أن يحفظهم ويشبع جوعتهم ويكفّ وجوههم عن الناس، ويربيهم تربية حسنة. وفي حديث آخر عنه (ص) يقول: "إن في الجنة داراً يُقال لها دار الفرح يدخلها من فرّح الصبيان"، والمقصود بالصبيان هو الأطفال لأن سنّ الطفولة يحتاج إلى الفرح، فعلى الإنسان أن يفرّح صبيانه والصبيان الآخرين ولا سيما المحرومين، وقد ورد عنه (ص): "من كان له صبي فليتصابّ له"، ونحن نعرف أن النبي (ص) كان يلاعب الحسن والحسين (عليهما السلام) ويقول: "نعم الجمل جملكما ـ ويشير إلى نفسه ـ ونعم الراكب أنتما".

وإذا كان الله تعالى ورسوله (ص) يسرّان ويفرحان بإدخال السرور على المؤمنين، فما بالكم بمن يُدخل الألم والأذى عليهم، وقد تحدث الله تعالى عن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بأنهم يحتملون بهتاناً وإثماً مبينا، وهو ما يدل على العقاب الذي سيتعرض له أولئك الذين يُدخلون الألم والهم على المؤمنين بكل الوسائل التي يستعملها الناس مما يسمّى بالحرتقات والعصبيات التي تحاول أن تقهر المؤمنين وتؤذيهم وتحاول أن تصادر حرياتهم، وتستعمل القوة من أجل الإضرار بهم.

إن علينا في أجواء هذا العيد أن نتفقد كل الناس المحرومين من المساكين، ولا سيما الأيتام، من أجل أن نفتح قلوبهم على الفرح، حتى يفرح الجميع بالعيد المبارك، لننال جميعاً الفرح عند الله، {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وتحركوا في مجتمعاتكم من أجل أن نعمل على فرح المسلمين كلهم بالوحدة التي نعتصم فيها بحبل الله، فلا نتفرّق بل أن نكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، وأن ننطلق لنحقق ونؤكد الفرح بالحرية لكل المؤمنين والمستضعفين في مواجهة كل الذي يريدون أن يستعبدونا ليستعبدوا كل قضايانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية.

إن علينا أن نعمل ضد كل الذين يفرضون على الناس الآلام والأحزان والاستعباد، وأن نعيش فرح الأخوّة الإيمانية لنتحمّل مسؤوليتنا كأخوة نتحاور فيما اختلفنا فيه، ونتعاون فيما اختلفنا عليه، ولنواجه كل الذين يصنعون العصبيات التي تسقط قوتنا وتهدم مجتمعاتنا، لأن الله تعالى حمّلنا مسؤولية هذه الوحدة..

إن مسؤوليتنا الكبرى كمسلمين أن نعمل على أن نكون الأمة القوية الواحدة والعزيزة، الأمة التي تقف في صف واحد لتواجه كل التحديات التي يفرضها علينا الآخرون، وأن نعيش الاهتمام بأمور المسلمين كلهم، وعلينا في كل مرحلة أن ندرس كل القضايا التي تحيط بنا، لنعرف كيف نحدد الموقف، فماذا هناك:

دعم أمريكي للإرهاب الصهيوني

العيد في فلسطين يستنزف دماء الأطفال وكبار السنّ والمدنيين العزّل، والاستيطان يصادر بيوت الفلسطينيين وأراضيهم بحجة توسيع المستوطنات.. أما الرئيس الأمريكي فإنه يتفهّم العدوان على الشعب الفلسطيني باسم أنها إجراءات إسرائيلية ضرورية لهزيمة الإرهاب ـ كما يعبّر ـ باعتباره السبب الرئيس للوضع الإنساني المتدهور في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من دون أن يشير من قريب أو من بعيد إلى مسألة الاحتلال وامتداد الاستيطان، أو ينظر إلى الانتفاضة على أنها حركة تحرير وليست حركة إرهاب، لا سيما أن المجاهدين بكل فصائلهم أعلنوا أن الانسحاب الصهيوني من مناطق الاحتلال، وحصولهم على حق تقرير المصير، وتفكيك المستوطنات، سوف يوقف الانتفاضة ويؤدي إلى السلام.. بل إن الرئيس الأمريكي وعد إسرائيل بمساعدتها بمليارات الدولارات قرضاً ومساعدة وضماناً من أجل مواجهة مشاكلها الاقتصادية والأمنية التي فرضتها الانتفاضة، ولإكمال تدميرها للبنية التحتية للفلسطينيين.. أما اللجنة الرباعية الدولية فقد غرقت في سبات عميق انتظاراً لنهاية الانتخابات الصهيونية وتشكيل حكومة جديدة، من دون أن تدعو لتجميد المجازر الصهيونية ضد الفلسطينيين..

واشنطن تدفع ثمن سياستها

إننا نعتقد أن الانتفاضة تزداد قوة كلما ازداد العدوان اليهودي عنفاً، مما يجعل العالم كله ينحني أمام هذه الإرادة الصلبة التي تبقى في حركة تقدّم وصمود ومواجهة، بالرغم من الموقف الأمريكي المتحالف استراتيجياً مع الصهاينة باسم مكافحة الإرهاب.. ولعل مشكلة أمريكا أنها تتحدث عن النتائج ولا تتحدث عن الأسباب، وأن عنجهية الإحساس بالقوة المستعلية المستكبرة تمنعها من إدراك السبب الرئيس في كراهية الشعوب العربية والإسلامية للإدارة الأمريكية، مما قد يؤدي إلى الكثير من أعمال العنف ضد الجنود الأمريكيين في المنطقة..

وإذا كانت أمريكا تملك كل أسلحة الدمار الشامل التي تهدد بها الشعوب المستضعفة، فإن الشعوب تملك الكثير من الوسائل لإرباك الخطط الأمريكية العدوانية في مناطقها، وللإساءة إلى مصالحها في العالم.. إننا لا ندعو إلى العنف في الصراع السياسي، ولكن لا بد من إزالة أسبابه لتحقيق التوازن في العلاقات بين الدول الكبرى والشعوب المستضعفة..

إن أمريكا تتحرك في كل موقف لزيادة الخلل في العلاقات العربية ـ الأمريكية، وذلك في تصويتها ضد قرار للأمم المتحدة بإلغاء إعلان إسرائيل مدينة القدس عاصمة لها، في الوقت الذي صوّتت فيه جميع دول الاتحاد الأوروبي مع القرار الذي يعتبر التشريع الإسرائيلي بشأن القدس غير شرعي.. ما يوحي بأن أمريكا ماضية في استعداء العالم العربي والإسلامي.

المواطنية الإنسانية لا الطائفية

أما في لبنان، فإننا نريد لأجواء العيد أن تفتح قلوب اللبنانيين على المحبة والتسامح، والتأكيد على المواطنية الإنسانية في علاقاتهم ببعضهم البعض، وأن تتحرك السياسة لدى القائمين على إدارتها لتكون رسالة إنسانية مرتكزة على أساس تقويم مصالح الناس المستضعفين، من خلال قاعدة العدل التي تمنح كل صاحب حق حقه، من دون حاجة إلى أن يلجأ أصحاب الحقوق إلى المجالس الطائفية في إخضاعهم لبعض المواقع التي قد تستغلهم لأغراض شخصية لهذا أو ذاك..

المطلوب دولة المؤسسات والتخطيط

هذا بالإضافة إلى أن يتحوّل لبنان إلى دولة مؤسسات حقيقية جديّة في الشكل والمضمون، بعيداً عن الخضوع لأية مؤثّرات داخلية أو خارجية بحيث تتحمّل المؤسسة هنا وهناك مسؤوليتها في التخطيط للحلول الواقعية للمشاكل الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والأمنية، وفي التنفيذ الدقيق الأمين بعيداً عن كل عوامل الفساد التي تهدد المال العام، وتربك أوضاع المواطنين، من دون أية محاسبة قوية أو محاكمة رادعة..

إننا نريد للعيد أن يكون مناسبة للفرح الروحي والاقتصادي والاجتماعي، لا أن يصنع لنا في كل مناسبة ـ إسلامية أو مسيحية ـ جرحاً طائفياً أو مذهبياً أو حزبياً يأكل الأمن في جميع مواقعه وأبعاده.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير