لنجسِّد الرسالة الإسلامية بالاقتداء بالرسول(ص) والأئمة(ع)

لنجسِّد الرسالة الإسلامية بالاقتداء بالرسول(ص) والأئمة(ع)

في ذكرى ولادة الإمام الحسن(ع):
لنجسِّد الرسالة الإسلامية بالاقتداء بالرسول(ص) والأئمة(ع)


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. ويقول النبي(ص): "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا، أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما".

موقعيّة الحسنين(ع)

في هذا اليوم، الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، نلتقي بذكرى ولادة الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وهو أوّل وليد لعليّ وفاطمة(ع)، وقد ملأت ولادته البيت النبوي، فكان(ع) الحبيب لرسول الله(ص)، كما كان الأثير العزيز لوالديه، وقد وُلد في السنة الثانية من الهجرة. وقد روى الرواة عن رسول الله(ص)، ومنهم "البراء بن عازب" يقول: "رأيت رسول الله(ص) واضعاً الحسن على عاتقه وهو يقول: "اللهم إني أحبّه فأحبّه"، وفي أخرى: "فأحبّ من يحبّه"، وفي ثالثة: "ومن أحبني فليحبّه".

وعندما نقف مع الإمام الحسن (ع)، ومع كل أهل هذا البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فإننا نجد الرسالة الإسلامية بكلِّ خطوطها العقيدية والروحية والأخلاقية والشرعية تتجسّد في كل واحد منهم، فهم المعصومون في ما فكّروا به، فليس في عقولهم أيّ مكان للخطأ، وهم المعصومون في كل ما انفتحوا به من عاطفة، فليس في عاطفتهم أية مشاعر وأحاسيس بعيدة عن الخط الإسلامي، وهم المعصومون في كل واقعهم الحركي في ما أخذوا به وتركوه. ولذلك، فإن هذه الكلمة النبوية الشريفة: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، والتي تضاف إليها الكلمة: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، نفهم منهما أن ما قام به الإمام الحسن(ع) في مرحلته كان يمثل الشرعية الإسلامية، لأنه انطلق في ذلك من مصلحة الإسلام العليا، وما قام به الإمام الحسين(ع) في مرحلته كان يمثل الشرعية الإسلامية، لأنه انطلق في ذلك من مصلحة الإسلام العليا، ولو كان الحسن في مرحلة الحسين لفعل كما فعل الحسين، وقد كان الحسين في مرحلة الحسن وأيد أخاه في ما قام به.

ولذلك، فليس صحيحاً أن يتحدّث البعض عن أسلوبين في العمل الإسلامي، ليقول بعضهم إن هناك أسلوباً حسنياً وأسلوباً حسينياً، وإنّ "الأسلوب الحسني هو أسلوب الصلح والسلم، أما أسلوب الحسين فهو أسلوب الثورة"، الحسن (ع) كان ثورياً بكل معنى هذه الكلمة، ولو درسنا رسائله إلى معاوية، لرأينا فيها نفس الأسلوب والقوّة التي تتمثل في رسائل الإمام عليّ (ع) إلى معاوية، وقد انطلق الإمام الحسن إلى حرب معاوية من القاعدة التي انطلق منها أبوه، ولكن خذلان جيشه هو الذي عطّل المسيرة لتكون حاسمة في نهاية المطاف، ففضّل الصلح من دون أن يقدّم أية تنازلات على مستوى شرعية الخلافة، حفاظاً على المسلمين، لأن المصلحة الإسلامية كانت تفرض ذلك.

الحسن(ع) شبه رسول الله(ص)

وعندما ندرس الخطّ الأصيل في خط أهل البيت (ع)، نجد أن الحسن والحسين(ع) تربَّيا على الوحي كله، لأن بيتهم كان معدن الوحي ومنطلق الرسالة، فالحسن والحسين كانا يعيشان خلق رسول الله (ص) وروحيّته وحركة عقله ونبضة قلبه، وقد روي في سيرة الإمام الحسن أنه كان "أشبه الناس خلْقاً وخُلُقاً برسول الله"، كانت صورته تشبه صورة رسول الله، وكان الناس إذا اشتاقوا إلى رسول الله (ص) نظروا إلى الإمام الحسن(ع)، وكانت أخلاقه أخلاق رسول الله، وهو ما عاشه مع جده في هذه الفترة القصيرة، فتأثّر بكل أخلاقه، ومن الطبيعي أن أخلاق عليّ وفاطمة(ع) هي أخلاق رسول الله، ولذلك فإنه عندما كان يعيش في حضانة أمه وأبيه، كان كمن يعيش في حضانة رسول الله(ص) من خلال ما يتمثّل من رسول الله في عليّ وفاطمة (عليهما السلام).

وكان الإمام الحسن (ع) قوياً في مواجهة الأحداث وعلاج المشاكل ورد التحديات، وكان أبوه (ع) يعتمده في كثير مما واجهه من مشاكل وتحديات وتمرد بعد أن تسلّم الخلافة، وكان يُرجع إليه عندما يسأله الناس عن حكم أو مفهوم إسلامي، وكان(ع) يتميّز بالهيبة والخلق العظيم، وكان ينفتح على أعدائه تماماً كما ينفتح على أصدقائه، لأن صدره كان صدر الرسالة وكان يتّسع للناس كافة، لأنه تعلّم من رسول الله (ص) أنّ أقرب وسيلة لهداية الناس والدخول في قلوبهم وعقولهم هو أن يكون الداعية إلى الله واسع الصدر، منفتحاً على الناس، محبّاً لهم، تماماً كما كان رسول الله (ص): {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.

ونقرأ في حديث الإمام زين العابدين (ع) وهو يتحدث عن عمه الحسن (ع) ـ ومن أولى وأصدق وأعمق منه في حديثه عن عمه ـ يقول (ع) مما روي عنه: "كان الحسن أشبه الناس برسول الله خُلقاً وهدياً وهيأة وسؤدداً"، "إن الحسن بن علي كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشى حافياً ـ تواضعاً لله ـ ولا يمر في شيء من أحواله إلا ذكر الله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطقاً، وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه يقول: إلهي، ضيفك ببابك ـ كأن الإنسان عندما يدخل إلى المسجد فإنه يدخل بيت الله ويعتبر نفسه في ضيافة الله، ليطلب منه تعالى أن تكون ضيافته لـه هي المغفرة والرحمة والرضوان والجنة ـ يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك يا كريم". ومن الطبيعي أن الأئمة المعصومين في أنفسهم، عندما يستغفرون الله تعالى، فإنهم يتواضعون بين يديه ويتذلّلون، ويستحضرون أمامه معنى العبودية في نفوسهم.

مجتمع الشورى

ونحن في موقفنا هذا، نحاول أن نستضيء ببعض كلماته(ع)، لأن معنى الالتزام بالولاية والإمامة، هو أن نلتزم بكل ما قالوه وفعلوه، في بعض كلماته (ع): "ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم". إنه يؤكد ما يؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}، كما ويؤكد أن المجتمع الإسلامي لا بد أن يكون مجتمع الشورى، فلا يستبدّ أحد برأيه، ولا سيما في الأمور العامة، حتى إن الله تعالى أراد أن يؤكد خط الشورى فأراد لنبيّه محمد(ص) ـ وهو الذي لا يحتاج إلى مشورة أحد ـ أن يشاور قومه في أيّ شأن من شؤون الحرب أو السلم، وقد ورد: "من شاور الرجال شاركها في عقولها". إن الله تعالى يريد للأمة أن تعيش الشورى وأن ترفض أن يستبد أحد بأمورها، ولا سيما إذا كان هذا الشخص في موقع المسؤولية.

الورع عن محارم الله

ويروى عن الإمام الحسن (ع) أنه قال: "يابن آدم، عفّ عن محارم الله تكن عابداً ـ إن مظهر العبودية لله أن يعفّ الإنسان نفسه عن كل حرام، وقد ورد عن النبي(ص) عندما سئل: ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ قال (ص): "الورع عن محارم الله تعالى" ـ وارضَ بما قسم الله تكن غنياً ـ لأن القناعة بما رزقك الله يجعلك تعيش غناك في نفسك ولا تتطلّع إلى ما في أيدي الناس ـ وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ـ لأن من علامة الإسلام أن تحفظ جوار من جاورك ـ وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عدلاً ـ لأن العدالة هي أن تساوي الناس بنفسك، فتعطيهم ما لهم عليك من حق كما تريد أن يعطوك ما لك عليهم ـ إنه كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً، يابن آدم، لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك ـ لأن كل يوم يمر عليك فإنه ينقص من عمرك ـ فخذ مما في يديك ـ من الفرص ـ لما بين يديك ـ من الآخرة ـ فإن المؤمن يتزوّد، والكافر يتمتّع".

وقد ورد في حديثه(ع): "إذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزّ وجلّ"، وهذا مما عبّر عنه الإمام زين العابدين: "فإن الشريف من شرّفته طاعتك، والعزيز من أعزّته عبادتك". ويختم الإمام (ع) مع الحكمة الرائعة المشهورة: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، أن تعمل للدنيا في مواقع رضى الله تعالى، فلو أن الآخرة انفتحت عليك في أيّ وقت فإنك تكون مستعداً لها.

عندما نتذكّر الأئمة من أهل البيت(ع)، فإننا نتذكر النور الذي لا ظلمة فيه، والحق الذي لا باطل فيه، والخير الذي لا شر فيه. إنهم معادن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، إنهم شفعاؤنا إلى الله تعالى في موقع عبوديتهم لله تعالى وطاعتهم له، فهم العباد المكرَمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وعلينا أن نقتدي بهم في كل أمورنا، وذلك هو معنى الإمامة، وقد قال الإمام الباقر (ع) وهو يؤكد معنى العلاقة بأهل البيت (ع): "من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع عن محارم الله تعالى".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، إن عليكم أن تعيشوا روح الأمة وأن لا تعيشوا الذهنية الفردية التي تجعل الإنسان يهتم بنفسه ولا يهتم بأمته، لأن رسول الله(ص) قال: "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"، والله تعالى أراد لنا أن نعتصم بحبله جميعاً ولا نتفرّق، لذلك علينا في هذه المرحلة التي اجتمع فيها القوم على باطلهم، أن نخطط للحق الذي نؤمن به؛ حق العقيدة والشريعة والسياسة، والعمل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى. فتعالوا لنرى ماذا هناك، لنعرف كيف نخطط في المواجهة لذلك كله:

فلسطين: حرب إبادة إسرائيلية

هناك ضجّة في الكيان الصهيوني حول قرار الانسحاب من غزة ـ حكومةً ومجلساً ـ ولكن الخطة هي تدمير هذا القطاع في مجازر الجيش الوحشي الإسرائيلي الذي يحمل الذهنية النازية العنصرية التي تقتل المدنيين الفلسطينيين حتى الأطفال، وتشرّدهم من بيوتهم، وتجرف مزارعهم، كما حدث أخيراً في خان يونس، من دون أن نسمع أيّ استنكار أمريكي أو أوروبي، أو أي موقف عربي أو إسلامي رافض لذلك.. لأن المطلوب ـ إسرائيلياً ـ أن يتسلّم الشعب الفلسطيني غزة "قاعاً صفصفاً"، بحيث لا يملك هذا الشعب البقاء فيها إلا بدمار شامل.

ومن الطريف أن العالم ـ بعد قرار معاداة السامية الذي وقّعه بوش ـ أصبح يخشى من الإدانة الأمريكية إذا قام بإدانة إسرائيل على اجتياحاتها التدميرية بحجَّة معاداته للسامية، حتى لو كان العرب أكثر أصالةً في العرق السامي من اليهود.. إنه عالمٌ لا ضمير له.

وفي الوقت الذي يقدّم الرئيس الأمريكي نفسه كحامٍ لحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية في العالم، أعلنت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان ـ في تقريرها ـ أنها لم تحترم حقوق الإنسان في تعذيب السجناء في العراق وأفغانستان و"غوانتانامو" وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها، بإشراف المسؤولين الكبار في الإدارة الأمريكية.

العراق: لا استقرار في ظلِّ الاحتلال

أما العراق، فقد دخل في مرحلة تصعيدية يشترك فيها أكثر من طرف في زيادة آلام الشعب العراقي، وفي استنزافه لمصلحة المحتلّ في شكل مباشر أو غير مباشر، وفي تحريك الفوضى الأمنية التي قد تعطّل الانتخابات بطريقة وبأخرى، الأمر الذي قد يوحي بأن من الصعب حصول العراق على الاستقرار الأمني في ظل الاحتلال الذي أصبحت قوّاته مشغولة بالدفاع عن نفسها لا عن الشعب العراقي.

ومن جانب آخر، فإننا نتساءل عن تلك المجموعات التي تعطي لنفسها صفة الإسلامية أو المقاومة العراقية، ثم تقوم بتصفية العراقيين وتطارد رجال الشرطة والحرس الوطني والمدنيين بمختلف مواقعهم وأعمارهم، فيما تقل فيه قتلى الجنود الأمريكيين؟!

إن هذه الطريقة ليست أسلوباً إسلامياً، ولا يمكن أن تساهم في تحرير العراق من المحتل، خصوصاً وأن المحتل يضعها في خانة الحرب الأهلية.. وما يثير الدهشة والغضب والمأساة، خطف الأطفال بهدف الابتزاز المالي والتهديد بقتلهم، وخطف النساء العاملات في الحقل الإنساني... إن هذه الصورة تشوّه مصداقية الشعب العراقي الذي لا توافق أكثريته على هذه الأعمال الشنيعة.

إننا نريد للعراق مستقبلاً حراً حضارياً يصنعه أهله، ليبدأ مسيرته الجديدة، ويحقق دوره الحضاري الإسلامي في حركة الشعوب المتقدّمة، على أساس الوحدة المنفتحة على الطاقات المبدعة التي يملكها هذا الشعب العظيم.

نستنكر المجازر

وفي مجال آخر، نتوقف عند المجزرة الرهيبة الموجَّهة ضد المسلمين الصائمين المتظاهرين بطريقة سلمية احتجاجية في تايلاند، والتي سقط فيها 84 مسلماً صائماً.

إننا نستنكر هذه الوحشية اللاإنسانية التي قامت بها سلطات ذلك البلد، والتي لا بد أن تتحمّل المسؤولية الكبرى، لتقوم بالتحقيق حول الجهات التي قامت بذلك، وأن تعطي المسلمين حقوقهم المدنية في التعبير والتظاهر لمصلحة مطالبهم العادلة، ونريد للمسلمين وللأحرار في العالم أن يستنكروا ذلك تعبيراً عن الاهتمام بالمطالب المحقة للشعوب المقهورة والمستضعفة في العالم.

وإلى جانب ذلك، فإننا نستنكر ما يقوم به بعض المتطرفين المتخلّفين الإرهابيين من قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ في الجزائر، تحت عناوين إسلامية لا علاقة لهم بها، لأن الإسلام يرفض كل هذه الأساليب الوحشية التكفيرية.

إيران: انحيازٌ أوروبي لأمريكا

وعلى خط آخر، فإننا نتابع الحركة الأوروبية الخاضعة للضغوط الأمريكية في الملف النووي الإيراني السلمي، تحت تأثير الخطة الإسرائيلية التي تخشى من الخبرة الإيرانية في المجال النووي السلمي وتحوّلها إلى مشروع عسكري نووي، وتحاول التهديد بقصف المفاعل الإيراني مستندة إلى الدعم الأمريكي والأوروبي الذي قد يحوّل القضية إلى مجلس الأمن، لفرض عقوبات اقتصادية على إيران.

لقد انحازت أوروبا إلى أمريكا لتثبت لها انسجامها معها في العمل المشترك، غير عابئة بالأصوات العربية والإسلامية التي تطالب بخلوّ المنطقة من الأسلحة النووية، بما فيها السلاح الإسرائيلي.. ولكن إسرائيل تبقى الولد المدلّل أمريكياً وأوروبياً على حساب الشعوب العربية والإسلامية، الأمر الذي يوحي بأن الأوروبيين لا يحترمون مصالحنا الحيوية إلا بطريقة نفاقية تلتقي بمصالح أمريكا وإسرائيل.

لبنان: السعي إلى وفاق وطني

أما لبنان، فإنّه يواجه تدخّلاً أمريكياً سافراً في شؤونه الداخلية، حتى على صعيد مهاجمة التشكيلة الحكومية في خصوصياتها اللبنانية، بالتكامل مع بعض الجهات الداخلية اللبنانية في مواجهة الأوضاع السياسية مهما كانت إيجابياتها، على أساس المطالب التعجيزية غير الواقعية، في الوقت الذي يعرف الجميع أن طريقة تأليف الحكومات في المحاصصة والتسويات هي نفسها طريقة الحكومات السابقة التي كان البعض في النادي السياسي جزءاً منها.

إننا لا نريد إعطاء موقف إيجابي للحكومة الحاضرة، ولكننا نريد أن نقول: إن الوطن لا يتحمّل الفراغ، وإن المطلوب من الجميع السعي إلى وفاق وطني تلتقي فيه كل الأطراف على طاولة الحوار من دون تهويل أو تخوين أو ضغط أو سخرية أو استهزاء، أو استقواء بالقرار 1559 لتهديد من يُراد تهديده لبنانياً أو سورياً.

إن الجهات الخارجية تبحث عن مصالحها، فلماذا لا يبحث اللبنانيون ـ معارضةً وموالاةً ـ عن مصالح الشعب اللبناني الغارق في أزماته المعيشية الخانقة، في الكهرباء والفساد والهدر والفوضى السياسية والخلفيات الطائفية المتستّرة بواجهات وطنية؟

إننا في الوقت الذي نؤكِّد حقّ اللبنانيين ـ بمختلف انتماءاتهم ـ في إبداء رأيهم حيال الوضع السياسي والاقتصادي في البلد، أو حول تشكيل الحكومة وغيرها من القضايا، إلا أننا نريد لهذه المواقف أن تتحرك بعيداً عن الدائرة التي يستغلّها الآخرون لزيادة ضغوطهم على الواقع اللبناني بما يؤثّر على مستقبله، وعلى المساعي والجهود الرامية لإخراجه من الدوّامة الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها.

في ذكرى ولادة الإمام الحسن(ع):
لنجسِّد الرسالة الإسلامية بالاقتداء بالرسول(ص) والأئمة(ع)


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً}. ويقول النبي(ص): "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا، أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما".

موقعيّة الحسنين(ع)

في هذا اليوم، الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، نلتقي بذكرى ولادة الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، وهو أوّل وليد لعليّ وفاطمة(ع)، وقد ملأت ولادته البيت النبوي، فكان(ع) الحبيب لرسول الله(ص)، كما كان الأثير العزيز لوالديه، وقد وُلد في السنة الثانية من الهجرة. وقد روى الرواة عن رسول الله(ص)، ومنهم "البراء بن عازب" يقول: "رأيت رسول الله(ص) واضعاً الحسن على عاتقه وهو يقول: "اللهم إني أحبّه فأحبّه"، وفي أخرى: "فأحبّ من يحبّه"، وفي ثالثة: "ومن أحبني فليحبّه".

وعندما نقف مع الإمام الحسن (ع)، ومع كل أهل هذا البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فإننا نجد الرسالة الإسلامية بكلِّ خطوطها العقيدية والروحية والأخلاقية والشرعية تتجسّد في كل واحد منهم، فهم المعصومون في ما فكّروا به، فليس في عقولهم أيّ مكان للخطأ، وهم المعصومون في كل ما انفتحوا به من عاطفة، فليس في عاطفتهم أية مشاعر وأحاسيس بعيدة عن الخط الإسلامي، وهم المعصومون في كل واقعهم الحركي في ما أخذوا به وتركوه. ولذلك، فإن هذه الكلمة النبوية الشريفة: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، والتي تضاف إليها الكلمة: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، نفهم منهما أن ما قام به الإمام الحسن(ع) في مرحلته كان يمثل الشرعية الإسلامية، لأنه انطلق في ذلك من مصلحة الإسلام العليا، وما قام به الإمام الحسين(ع) في مرحلته كان يمثل الشرعية الإسلامية، لأنه انطلق في ذلك من مصلحة الإسلام العليا، ولو كان الحسن في مرحلة الحسين لفعل كما فعل الحسين، وقد كان الحسين في مرحلة الحسن وأيد أخاه في ما قام به.

ولذلك، فليس صحيحاً أن يتحدّث البعض عن أسلوبين في العمل الإسلامي، ليقول بعضهم إن هناك أسلوباً حسنياً وأسلوباً حسينياً، وإنّ "الأسلوب الحسني هو أسلوب الصلح والسلم، أما أسلوب الحسين فهو أسلوب الثورة"، الحسن (ع) كان ثورياً بكل معنى هذه الكلمة، ولو درسنا رسائله إلى معاوية، لرأينا فيها نفس الأسلوب والقوّة التي تتمثل في رسائل الإمام عليّ (ع) إلى معاوية، وقد انطلق الإمام الحسن إلى حرب معاوية من القاعدة التي انطلق منها أبوه، ولكن خذلان جيشه هو الذي عطّل المسيرة لتكون حاسمة في نهاية المطاف، ففضّل الصلح من دون أن يقدّم أية تنازلات على مستوى شرعية الخلافة، حفاظاً على المسلمين، لأن المصلحة الإسلامية كانت تفرض ذلك.

الحسن(ع) شبه رسول الله(ص)

وعندما ندرس الخطّ الأصيل في خط أهل البيت (ع)، نجد أن الحسن والحسين(ع) تربَّيا على الوحي كله، لأن بيتهم كان معدن الوحي ومنطلق الرسالة، فالحسن والحسين كانا يعيشان خلق رسول الله (ص) وروحيّته وحركة عقله ونبضة قلبه، وقد روي في سيرة الإمام الحسن أنه كان "أشبه الناس خلْقاً وخُلُقاً برسول الله"، كانت صورته تشبه صورة رسول الله، وكان الناس إذا اشتاقوا إلى رسول الله (ص) نظروا إلى الإمام الحسن(ع)، وكانت أخلاقه أخلاق رسول الله، وهو ما عاشه مع جده في هذه الفترة القصيرة، فتأثّر بكل أخلاقه، ومن الطبيعي أن أخلاق عليّ وفاطمة(ع) هي أخلاق رسول الله، ولذلك فإنه عندما كان يعيش في حضانة أمه وأبيه، كان كمن يعيش في حضانة رسول الله(ص) من خلال ما يتمثّل من رسول الله في عليّ وفاطمة (عليهما السلام).

وكان الإمام الحسن (ع) قوياً في مواجهة الأحداث وعلاج المشاكل ورد التحديات، وكان أبوه (ع) يعتمده في كثير مما واجهه من مشاكل وتحديات وتمرد بعد أن تسلّم الخلافة، وكان يُرجع إليه عندما يسأله الناس عن حكم أو مفهوم إسلامي، وكان(ع) يتميّز بالهيبة والخلق العظيم، وكان ينفتح على أعدائه تماماً كما ينفتح على أصدقائه، لأن صدره كان صدر الرسالة وكان يتّسع للناس كافة، لأنه تعلّم من رسول الله (ص) أنّ أقرب وسيلة لهداية الناس والدخول في قلوبهم وعقولهم هو أن يكون الداعية إلى الله واسع الصدر، منفتحاً على الناس، محبّاً لهم، تماماً كما كان رسول الله (ص): {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.

ونقرأ في حديث الإمام زين العابدين (ع) وهو يتحدث عن عمه الحسن (ع) ـ ومن أولى وأصدق وأعمق منه في حديثه عن عمه ـ يقول (ع) مما روي عنه: "كان الحسن أشبه الناس برسول الله خُلقاً وهدياً وهيأة وسؤدداً"، "إن الحسن بن علي كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشى حافياً ـ تواضعاً لله ـ ولا يمر في شيء من أحواله إلا ذكر الله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً وأفصحهم منطقاً، وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه يقول: إلهي، ضيفك ببابك ـ كأن الإنسان عندما يدخل إلى المسجد فإنه يدخل بيت الله ويعتبر نفسه في ضيافة الله، ليطلب منه تعالى أن تكون ضيافته لـه هي المغفرة والرحمة والرضوان والجنة ـ يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك يا كريم". ومن الطبيعي أن الأئمة المعصومين في أنفسهم، عندما يستغفرون الله تعالى، فإنهم يتواضعون بين يديه ويتذلّلون، ويستحضرون أمامه معنى العبودية في نفوسهم.

مجتمع الشورى

ونحن في موقفنا هذا، نحاول أن نستضيء ببعض كلماته(ع)، لأن معنى الالتزام بالولاية والإمامة، هو أن نلتزم بكل ما قالوه وفعلوه، في بعض كلماته (ع): "ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم". إنه يؤكد ما يؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}، كما ويؤكد أن المجتمع الإسلامي لا بد أن يكون مجتمع الشورى، فلا يستبدّ أحد برأيه، ولا سيما في الأمور العامة، حتى إن الله تعالى أراد أن يؤكد خط الشورى فأراد لنبيّه محمد(ص) ـ وهو الذي لا يحتاج إلى مشورة أحد ـ أن يشاور قومه في أيّ شأن من شؤون الحرب أو السلم، وقد ورد: "من شاور الرجال شاركها في عقولها". إن الله تعالى يريد للأمة أن تعيش الشورى وأن ترفض أن يستبد أحد بأمورها، ولا سيما إذا كان هذا الشخص في موقع المسؤولية.

الورع عن محارم الله

ويروى عن الإمام الحسن (ع) أنه قال: "يابن آدم، عفّ عن محارم الله تكن عابداً ـ إن مظهر العبودية لله أن يعفّ الإنسان نفسه عن كل حرام، وقد ورد عن النبي(ص) عندما سئل: ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ قال (ص): "الورع عن محارم الله تعالى" ـ وارضَ بما قسم الله تكن غنياً ـ لأن القناعة بما رزقك الله يجعلك تعيش غناك في نفسك ولا تتطلّع إلى ما في أيدي الناس ـ وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً ـ لأن من علامة الإسلام أن تحفظ جوار من جاورك ـ وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عدلاً ـ لأن العدالة هي أن تساوي الناس بنفسك، فتعطيهم ما لهم عليك من حق كما تريد أن يعطوك ما لك عليهم ـ إنه كان بين يديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً، يابن آدم، لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك ـ لأن كل يوم يمر عليك فإنه ينقص من عمرك ـ فخذ مما في يديك ـ من الفرص ـ لما بين يديك ـ من الآخرة ـ فإن المؤمن يتزوّد، والكافر يتمتّع".

وقد ورد في حديثه(ع): "إذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزّ وجلّ"، وهذا مما عبّر عنه الإمام زين العابدين: "فإن الشريف من شرّفته طاعتك، والعزيز من أعزّته عبادتك". ويختم الإمام (ع) مع الحكمة الرائعة المشهورة: "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، أن تعمل للدنيا في مواقع رضى الله تعالى، فلو أن الآخرة انفتحت عليك في أيّ وقت فإنك تكون مستعداً لها.

عندما نتذكّر الأئمة من أهل البيت(ع)، فإننا نتذكر النور الذي لا ظلمة فيه، والحق الذي لا باطل فيه، والخير الذي لا شر فيه. إنهم معادن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، إنهم شفعاؤنا إلى الله تعالى في موقع عبوديتهم لله تعالى وطاعتهم له، فهم العباد المكرَمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وعلينا أن نقتدي بهم في كل أمورنا، وذلك هو معنى الإمامة، وقد قال الإمام الباقر (ع) وهو يؤكد معنى العلاقة بأهل البيت (ع): "من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلا بالعمل والورع عن محارم الله تعالى".

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، إن عليكم أن تعيشوا روح الأمة وأن لا تعيشوا الذهنية الفردية التي تجعل الإنسان يهتم بنفسه ولا يهتم بأمته، لأن رسول الله(ص) قال: "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"، والله تعالى أراد لنا أن نعتصم بحبله جميعاً ولا نتفرّق، لذلك علينا في هذه المرحلة التي اجتمع فيها القوم على باطلهم، أن نخطط للحق الذي نؤمن به؛ حق العقيدة والشريعة والسياسة، والعمل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى. فتعالوا لنرى ماذا هناك، لنعرف كيف نخطط في المواجهة لذلك كله:

فلسطين: حرب إبادة إسرائيلية

هناك ضجّة في الكيان الصهيوني حول قرار الانسحاب من غزة ـ حكومةً ومجلساً ـ ولكن الخطة هي تدمير هذا القطاع في مجازر الجيش الوحشي الإسرائيلي الذي يحمل الذهنية النازية العنصرية التي تقتل المدنيين الفلسطينيين حتى الأطفال، وتشرّدهم من بيوتهم، وتجرف مزارعهم، كما حدث أخيراً في خان يونس، من دون أن نسمع أيّ استنكار أمريكي أو أوروبي، أو أي موقف عربي أو إسلامي رافض لذلك.. لأن المطلوب ـ إسرائيلياً ـ أن يتسلّم الشعب الفلسطيني غزة "قاعاً صفصفاً"، بحيث لا يملك هذا الشعب البقاء فيها إلا بدمار شامل.

ومن الطريف أن العالم ـ بعد قرار معاداة السامية الذي وقّعه بوش ـ أصبح يخشى من الإدانة الأمريكية إذا قام بإدانة إسرائيل على اجتياحاتها التدميرية بحجَّة معاداته للسامية، حتى لو كان العرب أكثر أصالةً في العرق السامي من اليهود.. إنه عالمٌ لا ضمير له.

وفي الوقت الذي يقدّم الرئيس الأمريكي نفسه كحامٍ لحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية في العالم، أعلنت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان ـ في تقريرها ـ أنها لم تحترم حقوق الإنسان في تعذيب السجناء في العراق وأفغانستان و"غوانتانامو" وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها، بإشراف المسؤولين الكبار في الإدارة الأمريكية.

العراق: لا استقرار في ظلِّ الاحتلال

أما العراق، فقد دخل في مرحلة تصعيدية يشترك فيها أكثر من طرف في زيادة آلام الشعب العراقي، وفي استنزافه لمصلحة المحتلّ في شكل مباشر أو غير مباشر، وفي تحريك الفوضى الأمنية التي قد تعطّل الانتخابات بطريقة وبأخرى، الأمر الذي قد يوحي بأن من الصعب حصول العراق على الاستقرار الأمني في ظل الاحتلال الذي أصبحت قوّاته مشغولة بالدفاع عن نفسها لا عن الشعب العراقي.

ومن جانب آخر، فإننا نتساءل عن تلك المجموعات التي تعطي لنفسها صفة الإسلامية أو المقاومة العراقية، ثم تقوم بتصفية العراقيين وتطارد رجال الشرطة والحرس الوطني والمدنيين بمختلف مواقعهم وأعمارهم، فيما تقل فيه قتلى الجنود الأمريكيين؟!

إن هذه الطريقة ليست أسلوباً إسلامياً، ولا يمكن أن تساهم في تحرير العراق من المحتل، خصوصاً وأن المحتل يضعها في خانة الحرب الأهلية.. وما يثير الدهشة والغضب والمأساة، خطف الأطفال بهدف الابتزاز المالي والتهديد بقتلهم، وخطف النساء العاملات في الحقل الإنساني... إن هذه الصورة تشوّه مصداقية الشعب العراقي الذي لا توافق أكثريته على هذه الأعمال الشنيعة.

إننا نريد للعراق مستقبلاً حراً حضارياً يصنعه أهله، ليبدأ مسيرته الجديدة، ويحقق دوره الحضاري الإسلامي في حركة الشعوب المتقدّمة، على أساس الوحدة المنفتحة على الطاقات المبدعة التي يملكها هذا الشعب العظيم.

نستنكر المجازر

وفي مجال آخر، نتوقف عند المجزرة الرهيبة الموجَّهة ضد المسلمين الصائمين المتظاهرين بطريقة سلمية احتجاجية في تايلاند، والتي سقط فيها 84 مسلماً صائماً.

إننا نستنكر هذه الوحشية اللاإنسانية التي قامت بها سلطات ذلك البلد، والتي لا بد أن تتحمّل المسؤولية الكبرى، لتقوم بالتحقيق حول الجهات التي قامت بذلك، وأن تعطي المسلمين حقوقهم المدنية في التعبير والتظاهر لمصلحة مطالبهم العادلة، ونريد للمسلمين وللأحرار في العالم أن يستنكروا ذلك تعبيراً عن الاهتمام بالمطالب المحقة للشعوب المقهورة والمستضعفة في العالم.

وإلى جانب ذلك، فإننا نستنكر ما يقوم به بعض المتطرفين المتخلّفين الإرهابيين من قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ في الجزائر، تحت عناوين إسلامية لا علاقة لهم بها، لأن الإسلام يرفض كل هذه الأساليب الوحشية التكفيرية.

إيران: انحيازٌ أوروبي لأمريكا

وعلى خط آخر، فإننا نتابع الحركة الأوروبية الخاضعة للضغوط الأمريكية في الملف النووي الإيراني السلمي، تحت تأثير الخطة الإسرائيلية التي تخشى من الخبرة الإيرانية في المجال النووي السلمي وتحوّلها إلى مشروع عسكري نووي، وتحاول التهديد بقصف المفاعل الإيراني مستندة إلى الدعم الأمريكي والأوروبي الذي قد يحوّل القضية إلى مجلس الأمن، لفرض عقوبات اقتصادية على إيران.

لقد انحازت أوروبا إلى أمريكا لتثبت لها انسجامها معها في العمل المشترك، غير عابئة بالأصوات العربية والإسلامية التي تطالب بخلوّ المنطقة من الأسلحة النووية، بما فيها السلاح الإسرائيلي.. ولكن إسرائيل تبقى الولد المدلّل أمريكياً وأوروبياً على حساب الشعوب العربية والإسلامية، الأمر الذي يوحي بأن الأوروبيين لا يحترمون مصالحنا الحيوية إلا بطريقة نفاقية تلتقي بمصالح أمريكا وإسرائيل.

لبنان: السعي إلى وفاق وطني

أما لبنان، فإنّه يواجه تدخّلاً أمريكياً سافراً في شؤونه الداخلية، حتى على صعيد مهاجمة التشكيلة الحكومية في خصوصياتها اللبنانية، بالتكامل مع بعض الجهات الداخلية اللبنانية في مواجهة الأوضاع السياسية مهما كانت إيجابياتها، على أساس المطالب التعجيزية غير الواقعية، في الوقت الذي يعرف الجميع أن طريقة تأليف الحكومات في المحاصصة والتسويات هي نفسها طريقة الحكومات السابقة التي كان البعض في النادي السياسي جزءاً منها.

إننا لا نريد إعطاء موقف إيجابي للحكومة الحاضرة، ولكننا نريد أن نقول: إن الوطن لا يتحمّل الفراغ، وإن المطلوب من الجميع السعي إلى وفاق وطني تلتقي فيه كل الأطراف على طاولة الحوار من دون تهويل أو تخوين أو ضغط أو سخرية أو استهزاء، أو استقواء بالقرار 1559 لتهديد من يُراد تهديده لبنانياً أو سورياً.

إن الجهات الخارجية تبحث عن مصالحها، فلماذا لا يبحث اللبنانيون ـ معارضةً وموالاةً ـ عن مصالح الشعب اللبناني الغارق في أزماته المعيشية الخانقة، في الكهرباء والفساد والهدر والفوضى السياسية والخلفيات الطائفية المتستّرة بواجهات وطنية؟

إننا في الوقت الذي نؤكِّد حقّ اللبنانيين ـ بمختلف انتماءاتهم ـ في إبداء رأيهم حيال الوضع السياسي والاقتصادي في البلد، أو حول تشكيل الحكومة وغيرها من القضايا، إلا أننا نريد لهذه المواقف أن تتحرك بعيداً عن الدائرة التي يستغلّها الآخرون لزيادة ضغوطهم على الواقع اللبناني بما يؤثّر على مستقبله، وعلى المساعي والجهود الرامية لإخراجه من الدوّامة الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير