مختارات
07/03/2013

الدّولة مدنيّة لا دينيّة

الدّولة مدنيّة لا دينيّة

هل يصحّ إطلاق وصف "الدّينيّة" على الدّولة؟ وهل هناك فرق بين كون الدّولة دينيّة أو مدنيّة؟ بمعنى: متى أطلقنا وصف "الدينيّة" على الدّولة، لا يصحّ إطلاق المدنيّة عليها، والعكس صحيح، فالدّولة إمّا دينيّة أو مدنيّة، ولا ثالث لهما.

وهل إذا أرادت الدّولة أن تطبّق شريعة الله تعالى، تكون دولة دينيّة ولا يصحّ إطلاق وصف "المدنيّة" عليها، وإذا لم ترد أن تطبّق أحكام الله تعالى، فهي دولة مدنيّة، ولا يصحّ إطلاق وصف "الدينيّة" عليها؟

إذا كان الثّاني صحيحاً، فهل الأوّل صحيح، حيث لا قاسم مشتركاً بينهما، ولا شيء يجمع بينهما؟

قد يُظنّ للوهلة الأولى كذلك، فالدّولة إمّا دينيّة وإمّا مدنيّة، فلا يصحّ أن تكون دينيّة ـ مدنيّة، لكنّ الواقع ليس كذلك.

لا يصحّ وصف الدّولة بأنّها دولة دينيّة، فهي لا تحمل إلا وصفاً واحداً، وهو وصف الدّولة المدنيّة، فالدّولة فعل إنسانيّ بامتياز، ولأنّ الإنسان مدنيّ ـ اجتماعيّ بطبعه، فهذه المدنيّة والاجتماعيّة هي الدّافع الأوّل والأساس لقيام الدّولة، إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش حياته المدنيّة الطبيعيّة، إلا من خلال دولة تنظّم شوؤنه وتؤّمن مصالحه، وتحقّق العدالة الاجتماعيّة والأمن الاجتماعيّ، وإذا أراد الإنسان أن يطبّق شريعة الله، فهذا من حقّه الطّبيعيّ، فهو إنسان تدفعه إنسانيّته لإنشاء دولة، ويريد الضّمانة لتحقيق العدالة والأمن الاجتماعيّين، وتنظيم شوؤنه، وهناك المصلحة العامّة والمصلحة الخاصّة، ويريد التّوفيق بينهما وإيجاد التّوازن بينهما، فلا تترجّح إحداهما على الأخرى، فمن حقّ الإنسان أن يختار القانون الّذي يراه مناسباً لتطبيقه في حياته الفرديّة وحياته العامّة، ومن حقّه أن يختار القانون الّذي يراه الضّمانة له لتحقيق العدالة والأمن الاجتماعيّين.

حاكميّة الشّعب

وإذا كانت الدّولة المدنيّة في العصر الحاضر تعني أنّ الحاكميّة للشّعب، وأنّ الشّعب هو سيّد نفسه، وأنّ للشّعب حريّة اختياره لحكّامه عن طريق الانتخاب، وأنّ السّلطة الحقيقيّة هي للشّعب، وأنّ أركان الدّولة المنتخبين هم في حقيقة أمرهم ممثّلون للشّعب في سلطته.

وإذا كانت الدّولة الّتي يختار فيها الإنسان تطبيق شريعة الله، تعني أنّ الحاكميّة لله تعالى، وأنّ السّلطة الحقيقيّة هي لله تعالى، فهل يعني أنّ الإنسان في هذه الحالة يلغي نفسه؟ وأنّه لا دور للشّعب في هذه الدّولة، وأنّه ليس حرّاً في اختيار حكّامه، وأنّ الشّعب ليس له ولاية على نفسه، وأنّ حكّامه يعيّنون من خارج؟

هذا الكلام غير صحيح، لأنَّ الدَّولة الّتي تختار تطبيق شريعة الله، لا تلغي، ولا يمكنها أن تلغي دور الشّعب، لأنّ الدّولة عبارة عن سلطة وشعب وأرض، فلا الدّولة تكون قائمة مع عدم وجود الشّعب، ولا الأرض والشّعب لهما قيمة من دون دولة.

والخلط القائم، أنّ الدّين لا يرضى بغير حاكميّة الله تعالى، بحيث يفهم البعض أنّ الشّعب ليس له أيّ دور، وأنّ الحكم القائم على أساس حاكميّة الله وتطبيق شريعته، هو حكم ثيوقراطيّ، ديكتاتوريّ، غير ديمقراطيّ، فالدّين لا يرضى بنظام قائم على الانتخابات وحريّة الرّأي والتّعبير، مع أنّ تجربة الدّين تبيّن عكس ذلك، أو على الأقلّ، النّصوص الّتي تتحدّث عن تجربة الدّين وإن كانت قليلة، تتحدّث عن أمر آخر لا علاقة له بالدّيكتاتوريّة والثّيوقراطيّة، بل كانت تجربة غنيّة بالدّيمقراطيّة وحريّة الرّأي والتّعبير وحريّة المعتقد، وأعني بشكل خاصّ، تجربة الخلفاء الرّاشدين، وبشكل أخصّ، تجربة الخليفة الرّابع، أمير المؤمنين عليّ(ع).

والخلط أيضاً يحصل عندما يتبنّى المذهب الشيعيّ نظريّة الإمامة، حيث يفهمها البعض أنّها نظريّة في الحكم والدّولة فقط، فتكون عنده حكم الفرد الواحد الّتي هي حكم دكتاتوريّ في نظرهم، وهي خلاف الحكم الدّيمقراطيّ، مع أنّ نظريّة الإمامة ليست نظريّة في الحكم فقط، بل هي أشمل وأوسع.

وعندما تحصل المقايسة بين هذه النّظريّة ونظريّة الشّورى، حيث يعتبر البعض الثّانية أفضل من الأولى، لأنه يعتبر أنّ الشّورى هي انتخاب الحاكم من قبل الشّعب، أو ما يعبّر عنه بأهل الحلّ والعقد، بينما يعتبر الأولى أنّ الحاكم يتمّ تعيينه من خارج دائرة الشّعب، ولا علاقة للشّعب باختيار الحاكم، وهذا خلط آخر، فإنّ مفهوم الشّورى في الإسلام أوسع دائرةً من مجرّد تعيين الحاكم واختياره، بل له وظيفة أخرى، حتّى لو أخذنا بنظريّة الإمامة، فإنّها لا تلغي نظريّة الشورى أو مفهوم الشّورى، فإنّ الإمام المعيّن، لا يعني أنّه لا يعمل بالشّورى، وهذا ما نلاحظه في سيرة رسول الله، والنّصوص القرآنيّة، وتلك المرويّة عن أمير المؤمنين عليّ(ع)، من خلال ما وصلنا من خطبه بهذا الخصوص في نهج البلاغة.

وإذا كان المذهب الشّيعيّ يرفض نظريّة الشّورى في تعيين خليفة رسول الله (ص)، فهو لا يرفضها كوظيفة للحاكم، بل يفرضها عليه مهما كانت صفة هذا الحاكم.

وفي العصر الحاضر، لا يمكن إلا تطبيق نظريّة الشّورى في الحكم والدّولة، من خلال إعطاء دورٍ للشّعب في اختيار حكّامه وممثّليه في المؤسَّسات ذات الصّلة، مجلس النوّاب مثلاً، أو رئيس الجمهوريّة، والطّريق الآخر هو الدّيكتاتوريّة، وهذا أمر يرفضه الإسلام بكلّ قوّة، فإنّ الدّيكتاتوريّة تعني الاستبداد وخنق الحريّات.

ان الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .

هل يصحّ إطلاق وصف "الدّينيّة" على الدّولة؟ وهل هناك فرق بين كون الدّولة دينيّة أو مدنيّة؟ بمعنى: متى أطلقنا وصف "الدينيّة" على الدّولة، لا يصحّ إطلاق المدنيّة عليها، والعكس صحيح، فالدّولة إمّا دينيّة أو مدنيّة، ولا ثالث لهما.

وهل إذا أرادت الدّولة أن تطبّق شريعة الله تعالى، تكون دولة دينيّة ولا يصحّ إطلاق وصف "المدنيّة" عليها، وإذا لم ترد أن تطبّق أحكام الله تعالى، فهي دولة مدنيّة، ولا يصحّ إطلاق وصف "الدينيّة" عليها؟

إذا كان الثّاني صحيحاً، فهل الأوّل صحيح، حيث لا قاسم مشتركاً بينهما، ولا شيء يجمع بينهما؟

قد يُظنّ للوهلة الأولى كذلك، فالدّولة إمّا دينيّة وإمّا مدنيّة، فلا يصحّ أن تكون دينيّة ـ مدنيّة، لكنّ الواقع ليس كذلك.

لا يصحّ وصف الدّولة بأنّها دولة دينيّة، فهي لا تحمل إلا وصفاً واحداً، وهو وصف الدّولة المدنيّة، فالدّولة فعل إنسانيّ بامتياز، ولأنّ الإنسان مدنيّ ـ اجتماعيّ بطبعه، فهذه المدنيّة والاجتماعيّة هي الدّافع الأوّل والأساس لقيام الدّولة، إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش حياته المدنيّة الطبيعيّة، إلا من خلال دولة تنظّم شوؤنه وتؤّمن مصالحه، وتحقّق العدالة الاجتماعيّة والأمن الاجتماعيّ، وإذا أراد الإنسان أن يطبّق شريعة الله، فهذا من حقّه الطّبيعيّ، فهو إنسان تدفعه إنسانيّته لإنشاء دولة، ويريد الضّمانة لتحقيق العدالة والأمن الاجتماعيّين، وتنظيم شوؤنه، وهناك المصلحة العامّة والمصلحة الخاصّة، ويريد التّوفيق بينهما وإيجاد التّوازن بينهما، فلا تترجّح إحداهما على الأخرى، فمن حقّ الإنسان أن يختار القانون الّذي يراه مناسباً لتطبيقه في حياته الفرديّة وحياته العامّة، ومن حقّه أن يختار القانون الّذي يراه الضّمانة له لتحقيق العدالة والأمن الاجتماعيّين.

حاكميّة الشّعب

وإذا كانت الدّولة المدنيّة في العصر الحاضر تعني أنّ الحاكميّة للشّعب، وأنّ الشّعب هو سيّد نفسه، وأنّ للشّعب حريّة اختياره لحكّامه عن طريق الانتخاب، وأنّ السّلطة الحقيقيّة هي للشّعب، وأنّ أركان الدّولة المنتخبين هم في حقيقة أمرهم ممثّلون للشّعب في سلطته.

وإذا كانت الدّولة الّتي يختار فيها الإنسان تطبيق شريعة الله، تعني أنّ الحاكميّة لله تعالى، وأنّ السّلطة الحقيقيّة هي لله تعالى، فهل يعني أنّ الإنسان في هذه الحالة يلغي نفسه؟ وأنّه لا دور للشّعب في هذه الدّولة، وأنّه ليس حرّاً في اختيار حكّامه، وأنّ الشّعب ليس له ولاية على نفسه، وأنّ حكّامه يعيّنون من خارج؟

هذا الكلام غير صحيح، لأنَّ الدَّولة الّتي تختار تطبيق شريعة الله، لا تلغي، ولا يمكنها أن تلغي دور الشّعب، لأنّ الدّولة عبارة عن سلطة وشعب وأرض، فلا الدّولة تكون قائمة مع عدم وجود الشّعب، ولا الأرض والشّعب لهما قيمة من دون دولة.

والخلط القائم، أنّ الدّين لا يرضى بغير حاكميّة الله تعالى، بحيث يفهم البعض أنّ الشّعب ليس له أيّ دور، وأنّ الحكم القائم على أساس حاكميّة الله وتطبيق شريعته، هو حكم ثيوقراطيّ، ديكتاتوريّ، غير ديمقراطيّ، فالدّين لا يرضى بنظام قائم على الانتخابات وحريّة الرّأي والتّعبير، مع أنّ تجربة الدّين تبيّن عكس ذلك، أو على الأقلّ، النّصوص الّتي تتحدّث عن تجربة الدّين وإن كانت قليلة، تتحدّث عن أمر آخر لا علاقة له بالدّيكتاتوريّة والثّيوقراطيّة، بل كانت تجربة غنيّة بالدّيمقراطيّة وحريّة الرّأي والتّعبير وحريّة المعتقد، وأعني بشكل خاصّ، تجربة الخلفاء الرّاشدين، وبشكل أخصّ، تجربة الخليفة الرّابع، أمير المؤمنين عليّ(ع).

والخلط أيضاً يحصل عندما يتبنّى المذهب الشيعيّ نظريّة الإمامة، حيث يفهمها البعض أنّها نظريّة في الحكم والدّولة فقط، فتكون عنده حكم الفرد الواحد الّتي هي حكم دكتاتوريّ في نظرهم، وهي خلاف الحكم الدّيمقراطيّ، مع أنّ نظريّة الإمامة ليست نظريّة في الحكم فقط، بل هي أشمل وأوسع.

وعندما تحصل المقايسة بين هذه النّظريّة ونظريّة الشّورى، حيث يعتبر البعض الثّانية أفضل من الأولى، لأنه يعتبر أنّ الشّورى هي انتخاب الحاكم من قبل الشّعب، أو ما يعبّر عنه بأهل الحلّ والعقد، بينما يعتبر الأولى أنّ الحاكم يتمّ تعيينه من خارج دائرة الشّعب، ولا علاقة للشّعب باختيار الحاكم، وهذا خلط آخر، فإنّ مفهوم الشّورى في الإسلام أوسع دائرةً من مجرّد تعيين الحاكم واختياره، بل له وظيفة أخرى، حتّى لو أخذنا بنظريّة الإمامة، فإنّها لا تلغي نظريّة الشورى أو مفهوم الشّورى، فإنّ الإمام المعيّن، لا يعني أنّه لا يعمل بالشّورى، وهذا ما نلاحظه في سيرة رسول الله، والنّصوص القرآنيّة، وتلك المرويّة عن أمير المؤمنين عليّ(ع)، من خلال ما وصلنا من خطبه بهذا الخصوص في نهج البلاغة.

وإذا كان المذهب الشّيعيّ يرفض نظريّة الشّورى في تعيين خليفة رسول الله (ص)، فهو لا يرفضها كوظيفة للحاكم، بل يفرضها عليه مهما كانت صفة هذا الحاكم.

وفي العصر الحاضر، لا يمكن إلا تطبيق نظريّة الشّورى في الحكم والدّولة، من خلال إعطاء دورٍ للشّعب في اختيار حكّامه وممثّليه في المؤسَّسات ذات الصّلة، مجلس النوّاب مثلاً، أو رئيس الجمهوريّة، والطّريق الآخر هو الدّيكتاتوريّة، وهذا أمر يرفضه الإسلام بكلّ قوّة، فإنّ الدّيكتاتوريّة تعني الاستبداد وخنق الحريّات.

ان الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير