قصَّة نفر من الجنّ

قصَّة نفر من الجنّ

الجنّ حقيقة تحدّث عنها القرآن الكريم لأبعاد وغايات، منها تثبيت الإيمان، وتعزيز الرّسالة، وتبيان الحقائق الإيمانية، وأنّ على النّاس أن يستفيدوا من ذلك، من أجل الارتباط الحيّ والفاعل مع قيم دينهم ومفاهيم رسالتهم.

ومن المعلوم أنَّ العنصر غير الحسّيّ، كالجنّ خصوصاً، له تأثيره في نفسيّة النّاس ووعيهم، لذا لا بدَّ من التعلّق بالدّروس المستفادة من العناصر والعوالم الغيبيّة في تعزيز الشخصيَّة الإيمانيَّة، بالشَّكل الّذي يصوِّب نظرتها إلى تلك الأمور، وبالتّالي الإفادة منها.

فقصّة نفر من الجنّ، كما وردت في سورة الجنّ من القرآن الكريم، تشير إلى أبطال من غير البشر، لهم تركيبتهم الخاصّة، ولغتهم الخاصّة، وبيئتهم الّتي تتجاوز نطاق الأرض.

والنّفر من الجنّ: الجماعة من ثلاثة إلى تسعة، على المشهور، وقيل: بل إلى الأربعين، والقصّة تدور في أساسها حول إيمان الجنّ بالإسلام، وتعرّف الرَّسول(ص) عبر الوحي إلى حقيقة واقعهم وإيمانهم، وإلى ذلك أشار سماحة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض) في تفسيره: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ}[الجنّ: 1]، فلم يعش النبيّ تجربة اللّقاء بهم والحديث معهم، بل كانت معرفته بالموضوع ناتجة من تعريف الله له، وذلك من طريق الوحي، ما قد يثير فينا التّفكير حول الكثيرين من النّاس الّذين يتحدّثون عن تجربتهم الحيّة مع الجنّ بشكل تفصيليّ شامل، في الوقت الّذي كان من المفروض أن يكون النبيّ هو الأولى بمثل هذه التّجارب، ولا سيّما فيما يتّصل بعلاقته بهم من جهة إيمانهم به وبرسالته.

ومن خلال ذلك، قد نستوحي أنّ العلاقات لم تكن متّصلة بينهم وبين النبيّ والنّاس معه أو من بعده، لأنّ المرحلة الّتي كانوا يلتقون فيها ببعض الأنبياء، وهو سليمان أو غيره، قد انتهت، مع ملاحظة نقطة مهمّة، وهي أنّ طبيعة العلاقة بالنبيّ، كانت تفرض حديثاً قرآنيّاً متنوّعاً عن قضاياهم ومسائلهم، كما جرى الحديث في القرآن عن النّاس في ذلك كلّه.

وهكذا جاء الوحي إلى النبيّ ليحدّثهم عن هؤلاء الّذين استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}[الجنّ: 1] في أسلوبه وحلاوته ومفاهيمه العميقة الرّائعة..

{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}، في براهينه ودلائله على الله وتوحيده وشرائعه الّتي تبني الوجود على أساس النّظام المتوازن، في ما يدعو إليه من العمل على أساس الخير والابتعاد عن الشّرّ، {فَآمَنَّا بِهِ}، لأنّنا لا نملك أن نتوقّف أو نتردّد أمام الحقيقة الإيمانيّة الّتي فرضت نفسها علينا من موقع القناعة اليقينيّة، فعرفنا أنّ الله وحده هو ربّنا وربّ كلّ شيء، {وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً}[الجنّ: 2]، لأنّ كلّ موجود غيره هو مخلوق له، فيحتاج إليه، فكيف يمكن أن يكون شريكاً له؟![تفسير من وحي القرآن، ج23، ص:148].

وهذا هو الدّرس المستفاد من هذه الآيات المباركة، الّذي جاء عبر الحوار الأحاديّ الجانب، بمعنى أنّ الجنّ كانوا يحاورون ويخاطبون بعضهم بعضاً عمّا سمعوه من الذّكر الحكيم.

وتحفل سورة الجنّ بشتّى الدّلالات والإيحاءات، منها شهادة العالم الآخر، عالم الجنّ، حول أحقيّة الرّسالة الإسلاميّة وصدقها وعظمتها، في الوقت الّذي كان المشركون يجادلون ويحورّون قيم الدّين ويحاربون الله ورسوله، ويمعنون في غيّهم وجهلهم، وخصوصاً وقد علق في أذهان المشركين أنّه يتلقّى الوحي عن الجنّ، فالاعتقاد في الجنّ كان منتشراً في الجزيرة العربيّة، وتنسج حوله الكثير من الأساطير والأوهام.

والجنّ مستعدّون بالتّالي لإدراك القرآن سماعاً وفهماً، والإقرار بوحدانيّة الله وعظمته، ونفي الصّاحبة والولد، وإثبات الجزاء في الآخرة، وأنّ أحداً من الخلائق لا يعجزه، فهو المهيمن على كلّ شيء، وأنّ الغيب موكول إليه، حتّى الجنّ، بما يملكون من خصائص، لا تعرفه {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}[الجنّ: 10].

ولقد كان لوقع هذا القرآن الأثر الكبير في نفوس الجنّ، وأثار دهشتهم، وهزّ كيانهم، لما فيه من جلال وعظمة، ينبغي لمن يعقله أن ينفتح على كنوزه ومفاهيمه، وأن يهتدي بهديه. فرشد القرآن إلى كلّ الخير والعطاء والعدل وغير ذلك، يكون بالاستجابة الطبيعيّة المستقيمة لسماعه وفهمه، وتثبيت الإيمان وتخليصه من الأوهام، الإيمان المدرك لحقائق القرآن.

وفي أجواء هذه السّورة المباركة، يتابع سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): وقد انطلقت آيات هذه السّورة، لتثير الحديث عن بداية إيمان نفرٍ من الجنّ بالإسلام، من خلال استماعهم إلى النبيّ وهو يقرأ القرآن، فآمنوا به، واهتدوا إلى الحقّ من خلاله، وتحدّثوا بعد ذلك فيما بينهم عن الانحرافات الّتي كانت تعيش في حياتهم، وعن الأوضاع المتغيِّرة في حريّة حركتهم في الكون، وأنهم كانوا يختلفون في طرائقهم وانتماءاتهم.

ثم كان ختام السّورة في حديث النبيّ مع الإنس عن الدّعوة الّتي يحملها لتوحيد الله، فهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلا به، وأنّ عليهم أن يؤمنوا بالله ويطيعوه، ليتخلّصوا من عذاب النّار في يوم القيامة الّذي لا يعلم وقته، لأنّه من غيب الله الّذي لم يطّلع عليه إلا من اختصّه برسالاته، في ما يمكن أن يطلعه عليه مما قد يحتاجه في حركة الرّسالة في الحياة...[تفسير من وحي القرآن، ج23، ص:144].

فالرّسول(ص) هو لعالم الجنّ كما هو لعالم الإنس، والرّسالة الإسلاميّة بكلّ أبعادها وخطابها تشمل الإنس والجنّ، لذا فإنّ الله تعالى صرف نفراً من الجنّ ليستمعوا إلى ما يوحى إلى الرّسول(ص) ويبلّغوا قومهم، ولقد تفاعلوا، بحسب منطوق الآيات، مع الوحي، وكانوا في حسن أدبٍ وتذوّقٍ للقرآن الكريم بكلّ تجلّياته، فانطلقوا لقومهم ليبلّغوهم كلّ ذلك، ويشهدوا على عظمة الله وكتابه الجليل في تعاليمه الخالدة...

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


الجنّ حقيقة تحدّث عنها القرآن الكريم لأبعاد وغايات، منها تثبيت الإيمان، وتعزيز الرّسالة، وتبيان الحقائق الإيمانية، وأنّ على النّاس أن يستفيدوا من ذلك، من أجل الارتباط الحيّ والفاعل مع قيم دينهم ومفاهيم رسالتهم.

ومن المعلوم أنَّ العنصر غير الحسّيّ، كالجنّ خصوصاً، له تأثيره في نفسيّة النّاس ووعيهم، لذا لا بدَّ من التعلّق بالدّروس المستفادة من العناصر والعوالم الغيبيّة في تعزيز الشخصيَّة الإيمانيَّة، بالشَّكل الّذي يصوِّب نظرتها إلى تلك الأمور، وبالتّالي الإفادة منها.

فقصّة نفر من الجنّ، كما وردت في سورة الجنّ من القرآن الكريم، تشير إلى أبطال من غير البشر، لهم تركيبتهم الخاصّة، ولغتهم الخاصّة، وبيئتهم الّتي تتجاوز نطاق الأرض.

والنّفر من الجنّ: الجماعة من ثلاثة إلى تسعة، على المشهور، وقيل: بل إلى الأربعين، والقصّة تدور في أساسها حول إيمان الجنّ بالإسلام، وتعرّف الرَّسول(ص) عبر الوحي إلى حقيقة واقعهم وإيمانهم، وإلى ذلك أشار سماحة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض) في تفسيره: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ}[الجنّ: 1]، فلم يعش النبيّ تجربة اللّقاء بهم والحديث معهم، بل كانت معرفته بالموضوع ناتجة من تعريف الله له، وذلك من طريق الوحي، ما قد يثير فينا التّفكير حول الكثيرين من النّاس الّذين يتحدّثون عن تجربتهم الحيّة مع الجنّ بشكل تفصيليّ شامل، في الوقت الّذي كان من المفروض أن يكون النبيّ هو الأولى بمثل هذه التّجارب، ولا سيّما فيما يتّصل بعلاقته بهم من جهة إيمانهم به وبرسالته.

ومن خلال ذلك، قد نستوحي أنّ العلاقات لم تكن متّصلة بينهم وبين النبيّ والنّاس معه أو من بعده، لأنّ المرحلة الّتي كانوا يلتقون فيها ببعض الأنبياء، وهو سليمان أو غيره، قد انتهت، مع ملاحظة نقطة مهمّة، وهي أنّ طبيعة العلاقة بالنبيّ، كانت تفرض حديثاً قرآنيّاً متنوّعاً عن قضاياهم ومسائلهم، كما جرى الحديث في القرآن عن النّاس في ذلك كلّه.

وهكذا جاء الوحي إلى النبيّ ليحدّثهم عن هؤلاء الّذين استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}[الجنّ: 1] في أسلوبه وحلاوته ومفاهيمه العميقة الرّائعة..

{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}، في براهينه ودلائله على الله وتوحيده وشرائعه الّتي تبني الوجود على أساس النّظام المتوازن، في ما يدعو إليه من العمل على أساس الخير والابتعاد عن الشّرّ، {فَآمَنَّا بِهِ}، لأنّنا لا نملك أن نتوقّف أو نتردّد أمام الحقيقة الإيمانيّة الّتي فرضت نفسها علينا من موقع القناعة اليقينيّة، فعرفنا أنّ الله وحده هو ربّنا وربّ كلّ شيء، {وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً}[الجنّ: 2]، لأنّ كلّ موجود غيره هو مخلوق له، فيحتاج إليه، فكيف يمكن أن يكون شريكاً له؟![تفسير من وحي القرآن، ج23، ص:148].

وهذا هو الدّرس المستفاد من هذه الآيات المباركة، الّذي جاء عبر الحوار الأحاديّ الجانب، بمعنى أنّ الجنّ كانوا يحاورون ويخاطبون بعضهم بعضاً عمّا سمعوه من الذّكر الحكيم.

وتحفل سورة الجنّ بشتّى الدّلالات والإيحاءات، منها شهادة العالم الآخر، عالم الجنّ، حول أحقيّة الرّسالة الإسلاميّة وصدقها وعظمتها، في الوقت الّذي كان المشركون يجادلون ويحورّون قيم الدّين ويحاربون الله ورسوله، ويمعنون في غيّهم وجهلهم، وخصوصاً وقد علق في أذهان المشركين أنّه يتلقّى الوحي عن الجنّ، فالاعتقاد في الجنّ كان منتشراً في الجزيرة العربيّة، وتنسج حوله الكثير من الأساطير والأوهام.

والجنّ مستعدّون بالتّالي لإدراك القرآن سماعاً وفهماً، والإقرار بوحدانيّة الله وعظمته، ونفي الصّاحبة والولد، وإثبات الجزاء في الآخرة، وأنّ أحداً من الخلائق لا يعجزه، فهو المهيمن على كلّ شيء، وأنّ الغيب موكول إليه، حتّى الجنّ، بما يملكون من خصائص، لا تعرفه {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}[الجنّ: 10].

ولقد كان لوقع هذا القرآن الأثر الكبير في نفوس الجنّ، وأثار دهشتهم، وهزّ كيانهم، لما فيه من جلال وعظمة، ينبغي لمن يعقله أن ينفتح على كنوزه ومفاهيمه، وأن يهتدي بهديه. فرشد القرآن إلى كلّ الخير والعطاء والعدل وغير ذلك، يكون بالاستجابة الطبيعيّة المستقيمة لسماعه وفهمه، وتثبيت الإيمان وتخليصه من الأوهام، الإيمان المدرك لحقائق القرآن.

وفي أجواء هذه السّورة المباركة، يتابع سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): وقد انطلقت آيات هذه السّورة، لتثير الحديث عن بداية إيمان نفرٍ من الجنّ بالإسلام، من خلال استماعهم إلى النبيّ وهو يقرأ القرآن، فآمنوا به، واهتدوا إلى الحقّ من خلاله، وتحدّثوا بعد ذلك فيما بينهم عن الانحرافات الّتي كانت تعيش في حياتهم، وعن الأوضاع المتغيِّرة في حريّة حركتهم في الكون، وأنهم كانوا يختلفون في طرائقهم وانتماءاتهم.

ثم كان ختام السّورة في حديث النبيّ مع الإنس عن الدّعوة الّتي يحملها لتوحيد الله، فهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلا به، وأنّ عليهم أن يؤمنوا بالله ويطيعوه، ليتخلّصوا من عذاب النّار في يوم القيامة الّذي لا يعلم وقته، لأنّه من غيب الله الّذي لم يطّلع عليه إلا من اختصّه برسالاته، في ما يمكن أن يطلعه عليه مما قد يحتاجه في حركة الرّسالة في الحياة...[تفسير من وحي القرآن، ج23، ص:144].

فالرّسول(ص) هو لعالم الجنّ كما هو لعالم الإنس، والرّسالة الإسلاميّة بكلّ أبعادها وخطابها تشمل الإنس والجنّ، لذا فإنّ الله تعالى صرف نفراً من الجنّ ليستمعوا إلى ما يوحى إلى الرّسول(ص) ويبلّغوا قومهم، ولقد تفاعلوا، بحسب منطوق الآيات، مع الوحي، وكانوا في حسن أدبٍ وتذوّقٍ للقرآن الكريم بكلّ تجلّياته، فانطلقوا لقومهم ليبلّغوهم كلّ ذلك، ويشهدوا على عظمة الله وكتابه الجليل في تعاليمه الخالدة...

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير