الإنسانيَّة في فكر السيّد محمّد حسين فضل الله

الإنسانيَّة في فكر السيّد محمّد حسين فضل الله

ينعقد للمرّة الثانية مؤتمر فكريّ في ذكرى الرّاحل الكبير المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، وذلك للإضاءة على جوانب وأبعاد من فكره واجتهاده، لتبيان نظرته الإنسانيّة من منظور الدّين الإسلاميّ ومنظومته العقائديَّة والفقهيَّة ومفاهيمه الَّتي قدّمها، انطلاقاً من تبحّره في علوم الدّين، وثقافته العميقة، والتزامه الرّساليّ، ومواكبته للتحوّلات والتّحدّيات الفكريَّة، وحمله لمشروع استنهاض الأمّة وتغيير واقعها السّياسيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ الخاضع لتأثير القوى الخارجيّة وسيطرتها وغزوها الفكريّ ودورها في نشأة الكيان الصّهيونيّ في فلسطين لتحقيق مصالح القوى المستكبرة في العالم العربيّ والإسلاميّ.

قيمة دور "الراحل الكبير" أنّه لم يرتقِ في تحصيل العلوم والمعارف الإسلاميَّة والتعمّق في الثقافة الإنسانية فحسب، بل قرن ذلك بالعمل والحركة الدائمة في مسارين متلازمين لا انفكاك بينهما، وبقي على ذلك حتى الرّمق الأخير من حياته.

البناء الدّاخليّ للأمّة

المسار الأوّل: البناء الدّاخليّ للأمَّة لاستعادة هويّتها الفكريَّة، وتعزيز ثقتها بنفسها وشخصيَّتها الحضاريَّة، ومواجهة كلّ المعوّقات الذاتيّة الّتي تحول دون الوعي الصَّحيح للرّسالة الإسلاميَّة وإعادة تشكيل الوعي الدِّيني، لمواجهة الاستلاب الفكريّ والغزو الثّقافيّ، واستعادة الهويّة الإسلاميّة الحقيقيّة في مختلف جوانب الحياة.

ومواجهة المعوّقات الدّاخليَّة تحتاج إلى قوّة التزام، وفكر، وعمق ثقافي، ووضوح رؤية، ومشروع تغيير، وإرادة صلبة لا تضعف أمام المصالح الذاتيّة، ولا تهتمّ بشأنيَّة موقع، ولا تراعي عصبيّات زائفة أو متخلّفة، إضافةً إلى دراية اجتماعيّة، وصبر طويل، وصدر رحب، ومرونة أسلوب، والتصاق بقضايا النّاس، وحركةٍ هادفة، ولا يقدر على ذلك إلا أصحاب الفكر والرّؤى، والَّذين سلكوا طريق الأنبياء والأوصياء والمصلحين.

من عاش واطّلع على مرحلة نشأة "السيّد" وفترة عطائه وانطلاق حركته، يدرك حجم  الصّعوبات في تفسير مفاهيم ابتعدت عن حقيقة الإسلام ورسالته ودوره، وجعلته حبيس زوايا المساجد أو أسرٍ منعزلة، وتكرَّست في أذهان الكثير من علماء الدّين كحقائق لا تقبل تعديلاً أو تبديلاً، وهذا ما سمح بنشر أفكار وثقافات وإيديولوجيّات بعيدة عن الإسلام وقيمه ومفاهيمه وأطروحته ونظرته إلى الحياة والإنسان والمجتمع..

وباتت مجتمعاتنا تعيش في غربة عن رسالتها، وعزَّز ذلك ودعمه تقهقر الأمّة أمام الغزو الاستعماريّ، وتخلّفها، وتخلّع بناها الحضاريَّة وحصونها الثقافيَّة، وانهدام أسوار سيادتها واستقلالها في قرارها، وضعف مناعتها الذاتيّة.

كان التّفكير في طرح الإسلام ومفاهيمه، وتقديم أطروحته في ترتيب الحياة الاجتماعيَّة والسياسيَّة وتنظيمها، مدعاةً لحروبٍ شتّى، أصعبها وأشدّها ممن ينطقون باسم الإسلام وفقاً لما اعتادوه من مفاهيم أبعدته عن دوره الإنسانيّ وأبعاده الاجتماعيَّة..

في هذا المسار، بدا قلّة من علماء الدّين المستنيرين كمن يحفر في واقعٍ متكلِّسٍ أو متصحِّر، وكان "السيِّد" من هؤلاء؛ انطلق من بيئة الفقراء في لبنان بعد مغادرته النّجف، يحاضر ويدرِّس، ويعقد اللّقاءات والنَّدوات والسَّهرات العامَّة والمنزليَّة، ويحاور ويساجل ويبني المؤسَّسات، ويطرح فكراً إسلاميّاً بلغة الوحدة وإشكاليّات الثقافة والصّراع الأيديولوجيّ، وكان حركةً لا تهدأ.. وخصوصاً بعد أن نما البذار، وأضحى لبنان منطلقاً لصحوة إسلاميّة رائدة أصرّ "السيّد" على توصيفها بالصّحوة..

التّصدّي للقوى المستكبرة

أمّا المسار الثاني المتلازم مع ما سبق، فهو التّصدّي لمشاريع القوى المستكبرة بجرأة الموقف، وإظهار مشاريع وأهداف القوى الخارجيّة، ومسؤوليّتها عن كثيرٍ من مشاكل أمّتنا وأوطاننا، ولا سيّما ما جرى ويجري في فلسطين والحرب الأهليّة اللّبنانيّة.. ولم يكلّ "السيّد" في تنبيه النّاس إلى دور القوى الخارجيّة ومصالحها وأساليبها ووسائلها وأدواتها المخابراتيّة في إذكاء الفتن وإشعال الحروب، خدمةً لأهدافها ومصالح ربيبتها "إسرائيل"..

إطلالة على فكر السيّد

وفقاً لهذين المسارين، يمكن الإطلالة على فكر السيِّد وفقهه ومواقفه وحركته العمليَّة:

1 ـ وحدة الأمَّة، وتبيان البعد الإنساني في نظرته وطرحه للإسلام.

2 ـ طهارة الإنسان، وهي اجتهاد فقهيّ تميّز به "السيّد"، فعمل الإنسان هو الذي يحكم عليه، وليس انتماؤه الدّيني أو المذهبي.

3 ـ نبذ العصبيّة.

4 ـ الانفتاح على الآخر واعتماد منهج الحوار والحكمة والموعظة الحسنة.

5 ـ المقاومة ودورها الإنسانيّ، من حيث رفضها للظّلم، وانتصارها للمظلوم والحق، ودفع العدوان، حيث دعا إليها، وشرَّع جهادها، وحمى مسيرتها، وتصدَّى لاستهدافها، ووقف إلى جانبها، وعلَّق الآمال العليا على دورها، وفقاً لنظرته إلى منطق القوَّة وضوابطها وضرورة امتلاك القدرة، وما أحوجنا إلى نشر هذا الفكر وتبيانه، في مواجهة الفكر التكفيريّ المدمّر للعلاقات الإنسانيَّة، والمسيء إلى رسالة الإسلام، والّذي لا يخدم إلّا مصلحة القوى المستكبرة والمشروع الصّهيونيّ في تشويه صورة الإسلام ونشر الفتنة وتمزيق وحدة الأمّة وتدمير قدراتها!

وهذا ما ما نأمل أن تسهم فيه أبحاث المشاركين في هذا المؤتمر، إظهاراً لقيمة المرجع الكبير ودوره، ونشر أبعاد فكره الإنساني المنبثق من عمق معرفته بالإسلام ورسالته.

[كلمة ألقاها في "المؤتمر الفكري الثّاني: أنسنة الدّين في فكر المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله(رض)"، بتاريخ 7-10-2015].

ينعقد للمرّة الثانية مؤتمر فكريّ في ذكرى الرّاحل الكبير المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، وذلك للإضاءة على جوانب وأبعاد من فكره واجتهاده، لتبيان نظرته الإنسانيّة من منظور الدّين الإسلاميّ ومنظومته العقائديَّة والفقهيَّة ومفاهيمه الَّتي قدّمها، انطلاقاً من تبحّره في علوم الدّين، وثقافته العميقة، والتزامه الرّساليّ، ومواكبته للتحوّلات والتّحدّيات الفكريَّة، وحمله لمشروع استنهاض الأمّة وتغيير واقعها السّياسيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ الخاضع لتأثير القوى الخارجيّة وسيطرتها وغزوها الفكريّ ودورها في نشأة الكيان الصّهيونيّ في فلسطين لتحقيق مصالح القوى المستكبرة في العالم العربيّ والإسلاميّ.

قيمة دور "الراحل الكبير" أنّه لم يرتقِ في تحصيل العلوم والمعارف الإسلاميَّة والتعمّق في الثقافة الإنسانية فحسب، بل قرن ذلك بالعمل والحركة الدائمة في مسارين متلازمين لا انفكاك بينهما، وبقي على ذلك حتى الرّمق الأخير من حياته.

البناء الدّاخليّ للأمّة

المسار الأوّل: البناء الدّاخليّ للأمَّة لاستعادة هويّتها الفكريَّة، وتعزيز ثقتها بنفسها وشخصيَّتها الحضاريَّة، ومواجهة كلّ المعوّقات الذاتيّة الّتي تحول دون الوعي الصَّحيح للرّسالة الإسلاميَّة وإعادة تشكيل الوعي الدِّيني، لمواجهة الاستلاب الفكريّ والغزو الثّقافيّ، واستعادة الهويّة الإسلاميّة الحقيقيّة في مختلف جوانب الحياة.

ومواجهة المعوّقات الدّاخليَّة تحتاج إلى قوّة التزام، وفكر، وعمق ثقافي، ووضوح رؤية، ومشروع تغيير، وإرادة صلبة لا تضعف أمام المصالح الذاتيّة، ولا تهتمّ بشأنيَّة موقع، ولا تراعي عصبيّات زائفة أو متخلّفة، إضافةً إلى دراية اجتماعيّة، وصبر طويل، وصدر رحب، ومرونة أسلوب، والتصاق بقضايا النّاس، وحركةٍ هادفة، ولا يقدر على ذلك إلا أصحاب الفكر والرّؤى، والَّذين سلكوا طريق الأنبياء والأوصياء والمصلحين.

من عاش واطّلع على مرحلة نشأة "السيّد" وفترة عطائه وانطلاق حركته، يدرك حجم  الصّعوبات في تفسير مفاهيم ابتعدت عن حقيقة الإسلام ورسالته ودوره، وجعلته حبيس زوايا المساجد أو أسرٍ منعزلة، وتكرَّست في أذهان الكثير من علماء الدّين كحقائق لا تقبل تعديلاً أو تبديلاً، وهذا ما سمح بنشر أفكار وثقافات وإيديولوجيّات بعيدة عن الإسلام وقيمه ومفاهيمه وأطروحته ونظرته إلى الحياة والإنسان والمجتمع..

وباتت مجتمعاتنا تعيش في غربة عن رسالتها، وعزَّز ذلك ودعمه تقهقر الأمّة أمام الغزو الاستعماريّ، وتخلّفها، وتخلّع بناها الحضاريَّة وحصونها الثقافيَّة، وانهدام أسوار سيادتها واستقلالها في قرارها، وضعف مناعتها الذاتيّة.

كان التّفكير في طرح الإسلام ومفاهيمه، وتقديم أطروحته في ترتيب الحياة الاجتماعيَّة والسياسيَّة وتنظيمها، مدعاةً لحروبٍ شتّى، أصعبها وأشدّها ممن ينطقون باسم الإسلام وفقاً لما اعتادوه من مفاهيم أبعدته عن دوره الإنسانيّ وأبعاده الاجتماعيَّة..

في هذا المسار، بدا قلّة من علماء الدّين المستنيرين كمن يحفر في واقعٍ متكلِّسٍ أو متصحِّر، وكان "السيِّد" من هؤلاء؛ انطلق من بيئة الفقراء في لبنان بعد مغادرته النّجف، يحاضر ويدرِّس، ويعقد اللّقاءات والنَّدوات والسَّهرات العامَّة والمنزليَّة، ويحاور ويساجل ويبني المؤسَّسات، ويطرح فكراً إسلاميّاً بلغة الوحدة وإشكاليّات الثقافة والصّراع الأيديولوجيّ، وكان حركةً لا تهدأ.. وخصوصاً بعد أن نما البذار، وأضحى لبنان منطلقاً لصحوة إسلاميّة رائدة أصرّ "السيّد" على توصيفها بالصّحوة..

التّصدّي للقوى المستكبرة

أمّا المسار الثاني المتلازم مع ما سبق، فهو التّصدّي لمشاريع القوى المستكبرة بجرأة الموقف، وإظهار مشاريع وأهداف القوى الخارجيّة، ومسؤوليّتها عن كثيرٍ من مشاكل أمّتنا وأوطاننا، ولا سيّما ما جرى ويجري في فلسطين والحرب الأهليّة اللّبنانيّة.. ولم يكلّ "السيّد" في تنبيه النّاس إلى دور القوى الخارجيّة ومصالحها وأساليبها ووسائلها وأدواتها المخابراتيّة في إذكاء الفتن وإشعال الحروب، خدمةً لأهدافها ومصالح ربيبتها "إسرائيل"..

إطلالة على فكر السيّد

وفقاً لهذين المسارين، يمكن الإطلالة على فكر السيِّد وفقهه ومواقفه وحركته العمليَّة:

1 ـ وحدة الأمَّة، وتبيان البعد الإنساني في نظرته وطرحه للإسلام.

2 ـ طهارة الإنسان، وهي اجتهاد فقهيّ تميّز به "السيّد"، فعمل الإنسان هو الذي يحكم عليه، وليس انتماؤه الدّيني أو المذهبي.

3 ـ نبذ العصبيّة.

4 ـ الانفتاح على الآخر واعتماد منهج الحوار والحكمة والموعظة الحسنة.

5 ـ المقاومة ودورها الإنسانيّ، من حيث رفضها للظّلم، وانتصارها للمظلوم والحق، ودفع العدوان، حيث دعا إليها، وشرَّع جهادها، وحمى مسيرتها، وتصدَّى لاستهدافها، ووقف إلى جانبها، وعلَّق الآمال العليا على دورها، وفقاً لنظرته إلى منطق القوَّة وضوابطها وضرورة امتلاك القدرة، وما أحوجنا إلى نشر هذا الفكر وتبيانه، في مواجهة الفكر التكفيريّ المدمّر للعلاقات الإنسانيَّة، والمسيء إلى رسالة الإسلام، والّذي لا يخدم إلّا مصلحة القوى المستكبرة والمشروع الصّهيونيّ في تشويه صورة الإسلام ونشر الفتنة وتمزيق وحدة الأمّة وتدمير قدراتها!

وهذا ما ما نأمل أن تسهم فيه أبحاث المشاركين في هذا المؤتمر، إظهاراً لقيمة المرجع الكبير ودوره، ونشر أبعاد فكره الإنساني المنبثق من عمق معرفته بالإسلام ورسالته.

[كلمة ألقاها في "المؤتمر الفكري الثّاني: أنسنة الدّين في فكر المرجع الراحل السيّد محمد حسين فضل الله(رض)"، بتاريخ 7-10-2015].

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير